أخبار مرعبة بشأن الاعتداء على الحريات وأمن المواطنين ولا تفاعل جدي من المسؤولين!!!؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

من يعيش الحدث يوميا بين أسوار ارتهانه للإرهاب اليومي وتبلد الردّ الحكومي؛ ومن يقرأ ويتابع مجريات ما خلف أسوار الكانتونات الأخرى التي قطَّعت أوصال البلاد وأذلَّت أعناق العباد؛ ومن يتابع الأخبار من المهاجر المنعتقة من جدران الكونكريت، وهي الجدران التي تأسر الناس وتشل إراداتهم فيما لا تمنع ثلاثي (الطائفية الفساد الإرهاب) من جرائمهم، من يطالع الخبر اليومي التراجيدي، لا يمكنه إلا أن يقف مشدوها لحجم الكارثة التي تحلّ بالوطن والناس، في وضع بات يصف البلاد بالدولة الفاشلة وحكومة الفساد الأعلى عالميا في مشهد مروع من الانفلات الأمني والشلل في مفاصل الحياة العامة!!!

وبين الفينة والأخرى يجري، تفعيل هراوة ما ساد من نظام جسَّد نير الاستعباد المطلق لوجود مؤسسي للثيوقراطية وسطوة الكهنوت القروسطي الأخرق، في ظل طبقة الفساد [الكربتوقراط] ونظام يكاد يتكامل بمسمى المصطلح السياسي ((الكليبوتقراطية)) ومافياتها أو ميليشياتها الإرهابية...

فمنذ مدة قصيرة عادت إلى الواجهة، لعبة الضرب بخطاب طائفي؛ فتفجير لـ (جامع سني) يقابله أو يليه تفجير بـ (حسينية شيعية).. وتهجير من قرية لمواطنين (سنّة) يوازيه تهجير لمواطنين (شيعة). ومن يرصد حصيلة ما جرى في كل من محافظتي ((بابل وديالى)) في آخر أيام يكشف خيوط الجهد الإجرامي ومقاصده  ربما الخفية على بعض الناس المستغفلين بسبب الجهل والتخلف وبسبب طبيعة التضليل ووسائله ولكنه ليس  بمستطيع التستر عن أعين ضحاياه المفتوحة؛ الضحايا الصارخة بوجه الجريمة والمجرمين، استطعتم أن تحصدونا ضحايا لجرائمكم ولكنكم لن تستطيعوا أن تجعلونا وقودا يحرق أهلنا ويجعلهم يقتتلون فينحر بعضُهم بعضا  بمقاصلكم الوحشية، ونيابة عنكم!!!

على أنّ المشهد لا يقف عند حدود التفجيرات العمياء تجاه من توزع عليهم سكاكينها، فهناك حيث خرج شبيبة الثقافة يعلنون رفض (أسلمة) وزارتهم جرت مطاردات تحت الأكمة هددت حيوات قادتها بمصير (هادي المهدي!) فيما اعتقلت [أمس] ذاك الصحفي الذي رفع شعاراته ضد الفساد والظلم بساحة التحرير في إنذار مبكر لمن يريد تكرار الاحتجاج! ولا ننسى التفجيرات (التحذيرية) قريبا من مكتب الفضائيات والصحف!!

أما مظاهرات الاحتجاج الشعبي بمحافظات (البصرة وذي قار) فهي بين التعمية والإهمال والمطاردة والتحجيم وبين الحواجز الكونكريتية الحاجبة لحركتها ومحاولات الإفساد وشراء الذمم، وبين كل هذا وذاك يجري العمل على قمعها بأساليب شتى أسوة بذاك البرود والتغافل والإهمال المتعمد لاعتصامات (الغربية) بقصد الالتفاف على أية حركة شعبية من أن تجري بطريقة وطنية موحدة أو يجري تفعيل أدائها الوطني خارج أسوار الطائفية التي يريدون تعميدها وترسيخها.. وطبعا تجري ممارسة فلسفة الاحتواء تلك أي الفلسفة التي يجري بها تعليب الاحتجاجات في ممارسات تنفيسية تسرّب الاحتقان ثم تسطو على الاحتجاج وتنهيه بمهده محاولة نثر الاحباط واليأس!!

إذن الأيام الأخيرة ضمت في حقيبتها الأخبارية جرائم الضرب الطائفي وإطلاق مدفع الطائفية التحذيري من أنكم إذا ما انطلقتم باحتجاجاتكم ضد الحكومات المحلية والبغدادية (الاتحادية) فسنشعلها بينكم تحرقون بعضكم بعضا بدل أن تأتي  احتجاجاتكم على حكومات الطائفية والفساد.. وهم بهذا يطبقون وسيلة مكافحة الحرائق وإبعادها عنهم بإشعال حرائق توجه الأولى نحو بعضها بعضا وينفذوا بجلدهم منها!!!

كما أطلقت تلك القوى مدافع التحذير بالتهديد بالتصفية الجسدية للناشطين كما حصل مع شبيبة وزارة الثقافة، وبالاعتقالات ((القانونية!!)) كما حصل مع الصحفي الذي وقف محتجا في ساحة التحرير وقبله مع أحد المحاورين في السحور السياسي!

أما في الممارسة اليومية فإننا بصدد أن نكون الشهود على قمع الحريات بتدرج وهو ما بدأ بالمقاهي وأماكن الترفيه العادية ومنتديات مدنية عامة لينتقل باتجاه أي شكل لحريات الناس وحقوقهم المدنية في ظل حركة شاملة واستراتيج واضح لما يغطون به ظلاميات وتخلف مقاصدهم بتسميته (أسلمة) المجتمع والدين منه براء. وطبعا ليس من امرئ يغفل ما جرى بحق المنتديات الاجتماعية ببغداد التاريخ المدني والتحضر والتفتح والقيم الإيجابية البناءة.. وتحت جنح الحفاظ على السلوك والقيم(!؟) جرى ويجري الاعتداء على الشابات والنسوة إلى حد ارتكاب جريمة القتل والتصفية الجسدية طبعا بعد جرائم الخطف والاغتصاب من زعران الجريمة الذين تشاركهم فيها عناصر متنفذة في أجهزة يفترض بها أن تكون الحامية للأمن والاستقرار والسلامة!!!

 

والأبعد خطرا وإرهابا للعقل الجمعي، هو تلك التصريحات بل الأعمال الإجرائية بتشكيل جيوش بمختلف المسميات التي تدعي الانتماء لاسم ديني أو آخر. وهي قضية من الخطورة ما يهدد الأمن القومي الوطني برمته! ولا ننسى هنا أحدث التصريحات التي مرت من فضائية معروفة وبدل الوصول لمن أقر بالجريمة طاولوا الإعلامي الذي أدى مهمة يدركها العارفون باللعبة..! فيما الأحدث والأخطر هنا تلك التصريحات والإنذارات التي أطلقها من بات وجها مبرزا في خطاباته النارية مثلما مطالبته بالأمس بتفعيل الدعوة لعودة ميليشياه والاستعداد "لنصرة الدين والمذهب" كقوله مثلا: "سنبقى وتبقون على أهبة الاستعداد لنصرة الدين والمذهب" وقوله: " إن قيل لكم انفروا فانفروا " وتحت مظلة المختار والفاروق والمهدي ومسميات لها أول وليس لها آخر يجري ترهيب الناس بعد تقسيمهم على حضائر تلك القوى الدموية!!!

 

بالمقابل، يُفترض أن يلجأ الناس لحصن الأمن والأمان المؤمل بجهود الحكومة محلية كانت أم اتحادية؛ ولكن أحدا لم ير حتى اللحظة موقفا حاسما حازما منتظرا بحجم المسؤولية الملقاة على عاتق تلك الحكومة، بل ما يراه هو مزيد من اتساع الفساد والتغاضي عن الجريمة على الرغم من تلك الأصوات التي تتحدث عن مطاردة أكثر من 120 شخصية مسؤولة بقضايا الفساد التي رصدت ورقيا إحصائيا حجم تهريب 130 مليار دولار [فقط لا غير] خارج البلاد!

إنّ الشعوب عادة تخرج في حركات احتجاجية عند تعلق الأمر بتجاوز أو ارتكاب مخالفة تعتدي على حق وطني أو شعبي ولكنها تخرج عن بكرة أبيها لتطيح بالمستبد الذي يهملها ويغض الطرف عن المجرمين الذين يهددون وجودها لأنها ترى أن الحكومة التي تغض الطرف تتجه اتجاها استبداديا يخذل المجتمع ويهيئ لنظام يجب منع ظهوره حتى لا تتورط تلك الشعوب بنظم وريثة للاستبداد سواء منها الثيوقراطية التي تتستر بالدين على الطريقة الظلامية القروسطية المعروفة للشعوب كافة وما جرّته من نكبات وكوارث ومآسي على البشرية أم الدكتاتوريات باية صيغة كما الكليبتوقراطية التي تحكم بقوى مافيوية بشعة؛ ومثل هذا الرد الشعبي الذي نشير إليه، ما جرى بمصر عندما ثار الشعب بأغلبيته الساحقة في تظاهر سلمي لم يحصل في التاريخ البشري ببلد فنزلت ملايين القوى الشعبية لحسم الموقف من محاولة فرض الاستبداد بذريعة الدين تضليلا لبعض العقول التي انجرت وراءه لفترة من تبلد أو تعطل لمنطق العقل لدى تلك الفئة المضلَّلة...

فيما الشعب العراقي، بقي يمنح الفرصة تلو الأخرى للقوى الحزبية التي لفَّته بعباءتها التضليلية التي مازالت تدعي تمثيل الله على الأرض وكأن ميليشيا كل طرف هي السيف الذي يجب إشهاره بوجه الطرف الآخر والحقيقة تكمن بمشاغلة الناس عن المستبد الطائفي وفساده وجرائمه بدءا مما طاول الفرد من مص دمه والسطو على جهده ومن اختطاف واغتصاب وكل أشكال الاستغلال إلى ما طاول الجماعات والفئات والمكونات حيث إبادة شاملة يتعرض لها من يسمونهم ظلما ومصادرة (الأقليات) فضلا عن تعطيل أكثر من نصف المجتمع وابتزازه ووضعه موضع التهميش اقصد المرأة!! وجميع المهمشين!! وغيرها من الجرائم كثير....

فأين أنصار السلم الأهلي من هذا التهديد العلني الفج الذي يصرخ بوحشية بوجههم؟ ألا ينبغي أن يكون لهم موقفهم للرد ولإنقاذ المجتمع من دوامة الاحتراب؟ أليس ما يهدد المجتمع ووحدة الشعب وسلامته وحرياته هو تلك التهديدات بالحرب الطائفية؟ أليس الرد بيد أنصار السلام كونهم القوة الرئيسة للتفاعل هنا تحديدا؟؟؟

وأين رابطة المرأة ومنظماتها وجمعياتها وهي تمثل أكثر من نصف المجتمع وتمثل ملايين الأرامل والفقيرات المستلبات بوحشية المستغلات الممتهنات في كرامتهن ووجودهن وفي أخص خصوصياتهنّ؟ ألا ينبغي أن يظهرن في الميادين لتعرية الامتهان والاستغلال والاستلاب؟ ألا يجري اليوم الاختطاف والاغتصاب بوحشية؟ ألا يجري اليوم الاغتصاب بشرعنة تامة بقوانين لفقه ما أنزل الله به من سلطان؟ ألا يجري طمطمة كل الجرائم بوسطها العائلي بحجج وذرائع فيما يجري تصفيتهن جسديا بذات الحجج والذرائع؟؟؟ إذن أين هبتكنّ على ما يجري ببغداد ومحافظات الحكومات الطائفية الجديدة!!!؟

أين نقابة الصحافيين ومنظماتهم مما يجري من تكميم أفواه وبشاعات تصفية إجرامية بحق كل صوت يعبر عن الناس ويفضح الجريمة؟؟؟ وأين النقابات العمالية والفلاحية من حقوق العمال والفلاحين التي باتت كما لو أن بقايا بشر يفترشون أرضا يبابا وسط جثث قتلاهم بميادين حرب دموية تصفوية بشعة!

وأين مواطنينا عن الكهرباء بل أينهم عن الماء وهو ليس بسلعة فهو كالهواء مما يجب توفيره حدا أدنى من حدود العيش الآدمي؟ وأينهم من الشرف والكرامة الممتهنة المرمية في أقبية العتمة ودهاليز الظلمة تحت عباءات التدين الزائف؟

أين شبيبتنا مما جرى ويجري بحق قيمهم وحقوقهم في حياة حرة كريمة وفي أن يمضوا غير معطلين مشلولين بل بحيوية جهود البناء التي ينبغي أن تنطلق حرة في مسيرة التقدم والتحديث لتلبية اسس الدولة المدنية الضامنة للحقوق والحريات؟؟؟

أسئلة مطروحة على الجميع من عناصر الخير ممن بقي في الحكومات المحلية والبغدادية الاتحادية إلى عناصر الخير التي لم تفسد ولم يجر شراء الذمم فيها إلى قوى السلم الأهلي والتقدم المجتمعي إلى كل سليم صحيح بمجتمعنا كيما نفرض على الحكومات أداء مهامها بتمام الصيغ والأساليب ونضمن وجودا يمضي بنا وبسفينتنا إلى موانئ الأمان والسلامة. وللعاقل أن يتعض من تجاريب الآخرين ليس في خارج الوطن بل في داخل العراق الفديرالي بتجربة سامية وضاءة كالتي تزهو بها كوردستان الاتحادية نموذجا ينبغي أن نضبط إيقاع البلاد باتجاه تحقيقه، والانطلاق معا وسويا لجديد البناء والتقدم.