المضحك المبكي من أمراض الشللية، عندما تصيب في جهات غير متوقعة!!؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

إدرك أن هذا الموضوع من تخصص علمائنا في مجالات بعينها؛ وأدرك أنه معروف عند عدد مهم من العاملين بمنظماتنا ومؤسساتنا، وأن ما يمنعهم من الإدلاء بالرأي قد يكون جانبا منه الخشية من أن يساءلهم زملاء لهم من تقصدون بكلامكم هذا؟ ومن يسائل هو بالضبط من نقصده بما يعالجه هذا الموجز بإشارته. وعسى تنفع هذه الإشارة وتفيد في محاصرة بعض أوبئة وأمراض تطاردنا حتى في وجودنا المجتمعي السليم.

وبعيدا عن أسس التنظير السايكوسوسيولوجية، فهذه إطلالة على ممارسات قد تقع في إطار عدوى أمراض ينبغي أن يكون موضعها جهات وشخوص عندهم الاستعداد للإصابة. لكن ما لا يتوقعه بعضنا، بخاصة ممن يحمل الطيبة من جهة والبساطة والإيمان المطلق بالخير والضمير و\أو العمق الإنساني، هو أن يجد أمراضا  في غير أماكن احتمالات وجودها، وهو يجابهها بشكل صادم قريبة منه!!

على سبيل المثال، يقترح شخص أمرا أو معالجة أو مشروعا، ليجد امرءا آخر من زملائه في منظمة أو جهة ما، يعيد صياغة المادة بكلمات وألفاظ أخرى أو بشكل لا يزيد عن تقديم وتأخير في مادة المبادِر، ويلحق بالثاني اثنان أو ثلاثة يغدقون الإطراء والمديح وإعلان البيعة للزميل الثاني وربما ابتعدوا عن أصل الموضوع في غمرة خطاب (شيّلني وأشيّلك).. وفي ضوء ذلك فإنَّ الذي يحصل أن الشخصية التي بادرت بالموضوع ستشعر بألم  واحباط من هذا الروح الشللي ومن ظاهرة الميول الفردية والعمل على أساس التعاطف والانحيازات وليس على أساس الموضوعية وقوانين العمل الجمعي والمؤسسي وما يعزز الاحباط أن اصل المضوع يُنسى أو يأخذ اتجاها مغايرا لأصل المبادرة.

فعادة ما تنتهي حفلة السطو على أصل المبادرة والاحتفاء بمن قام بمهمة (السطو)، بانتهاء الموضوع الأصل وتنطفي جذوة المبادرة وجوهرها.. بخاصة في ظل إقصاء المبادِر وربما إلغائه أو تهميشه وأحيانا مهاجمته لأنه لم يتفق وما جاء به (بطلهم) من عمل ويُلقى اللوم في توقف المسيرة وسط الطريق على سلبية المبادِر من الاشتراك بحفلة التطبيل إياها لأنها تلك الحفلة هي كل ما لدى الشلليين.

إن مثل هذه الظاهرة القائمة على التنادي بين بضع أفراد يعملون على وفق حال إخضاع كل شيء لأسمائهم ومنطقهم أو بصيغة أخرى لا شيء يمضي للتقدم من دونهم، لهؤلاء الذين يحتفلون بالتظاهر والتشدق اللفظي،  ولمن لا يجمعهم سوى العلاقات المشخصنة وآليات العمل الفردي في علاقاتها وجسور ارتباطاتها المرضية، مثل هذه الظاهرة ليست سوى إصابة حقيقية فعلية لمرض الشللية ولن يتغير وصفه حتى لو ظهر المرض بين بعض جهات تنويرية يُفترض بها أن تربأ بنفسها عن مثل هكذا مستويات!!!

المشكلة في الأمراض النفسية الاجتماعية أنها غير محسوسة كما الأمراض البدنية الجسمية، أو أنها قابلة للتخفي والتمظهر بطريقة؛ ربما تتستر مرة أو تمرر مفرداتها بأستار التبريرات والتمترس خلف نصرة الذات ومن أميل إليه ويجمعني وإياه روح شللي بعينه. فتغمض العين عن الأفعال المشينة لأنها لا ترى في فعلها ما يشين.

إنّ وجودنا جميعا في كنف مجتمع التخلف ونمونا كافة في ظروف قيمية سلبية أو مرضية، لا يمكن إلا أن يصيب (بعضنا) بطريقة أو أخرى ببعض إفرازاته المرضية.. وربما لا يحس هذا الـ(بعض) أو لا يرى في ظروف انحسار العمل الجمعي المؤسسي وعدم نضج بداياته وما يكتنف تلك البدايات ويخترقها من ثغرات تسمح بظهور حال أو آخر من مظاهر أو عوارض مرضية بظل الشخصنة والفردنة.  

وكم سيكون أفضل الانتباه على ممارستنا، وعلى توخي الحذر في تفاعلاتنا وحواراتنا والاهتمام بحقوق الآخر ومنها حق الملكية الفكرية وإن كان يخص مفردة بسيطة وأولية صغيرة كمثل مبادرة أو مشروع أو مقترح موضوع، فالقضية تطال ما ينجم عن احترام ملكية فكرية لطرف أو آخر وما يستتبعه من نتائج متشعبة.

وحينها يصير علينا أن نسجل تفاعلاتنا في ضوء نقطة البداية والولادة، وأن نشدَّ على أيادي الجميع، من بادر ومن طوَّر ومن أضاف حتى تتكون الرؤية الممثلة للاتفاق الجمعي.

إذ بخلاف هذا سنعزز من جهة ظاهرة الميول الشخصية والانقسامات والتشظي ومن ثمّ الشللية، في إطار مؤسسات وجهات غير متوقعة مما ينبغي لها أن تكون البديل للجهات المرضية.. أقصد بالضبط أن منظمات وجمعيات وحركات ومؤسسات سليمة الأهداف والبنى تخترقها تلك الظواهر بذرة مرضية فتتسع وتتدرج بتضخمها حتى تنتشر انتشار السرطان المميت؛ فتشلّ المبادرين وروح المبادرة ثم تصيب الجهة بعلة الشللية وتسطو أصوات مصابة بتلك الأمراض فتنتهي المؤسسة أو الجمعية أو المنظمة.

وكم سيكون جميلا، في القضايا السلوكية القيمية، أن يبدأ المرء من نفسه ومقربيه، ويناقش معهم السؤال: هل مارسنا أو أحدنا أو بعضنا مثل هذا مع آخرين؟ متى؟ وكيف؟ وبالتأكيد مع تشخيص الظاهرة وعلاماتها لن يواصل المرء سلوكا مرضيا كهذا، وربما لن يعتذر عن سابق ممارساته، ولكنه، على أقل تقدير، سيتوقف ولو جزئيا عنها.. أقول ربما؟

إنّ من القضايا الخطيرة في ممارساتنا هي ظاهرة الشللية والانقسامات والتشظي. أذكر هنا مثالا آخر: كأن يعمد زيد أو عمرو أو غيرهما لترتيب الاتصالات الثنائية أو الشللية وعدم مشاركة آخرين من أعضاء الهيآت واللجان والتشكيلات التنظيمية لجمعية أو حركة أو مؤسسة مناقشاتهم (المخصوصة) التي تتضمن كذلك أمراض نفسية اجتماعية من قبيل الغيبة والنميمة وتحتضن اتخاذ مواقف مشخصنة من آخرين في ذات مؤسستهم أو الجهة التي يعملون بها؛ وطبعا يبررون الأمر لأنفسهم أولا ثم يجابهون الآخرين بنتائج لقاء مرضي يركز على أولوية الموقف الشخصي أكثر منه على أولوية سلامة الفكرة ونضج المعالجة.

والضحية دوما هو العمل المؤسسي وأهداف الجهة التي ينشطون فيها ومن ثمّ الضحية الفعلية هي الأعضاء وجمهور المنظمة، الجمعية، المؤسسة، الجهة التي ينبغي أن تنهض بمهام نوعية تخصصية بنضج أفضل في الروح الجمعي المؤسسي للإنتاج  أو للخطاب العملي المثمر.

كم قتلنا من جمعيات ومنظمات ومن فيها من رائعين مبادرين بقصد أو من دونه بسبب وقوفنا سلبيا من عوارض وأمراض نراها وتغض الطرف عنها حتى ننخرط في ممارستها وندفع الثمن مزيد إحباط ويأس وانسحاب للعناصر الإيجابية ولا يبقى لنا سوى الشكليات الفارغة وعناصرها التي لا تقدم ولا تؤخر بل تؤخر وتتراجع بنا إلى مستويات أدنى من الدنيا لأنها تحمل مرضها إلى جانب القضية الأصل بلا معالجة!!

فهلا أدركنا الإشارة؟ هلا أدركنا المسؤولية بالأمر؟