نداء من أجل تشكيل اللجنة الأممية للتضامن مع الشعب المصري \ أعمق التضامن مع الشعب المصري في تصديه للإرهاب

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

انتفض الشعب المصري من أجل  الحريات والحقوق ولقمة العيش والكرامة، متطلعا إلى بناء دولة مدنية ديموقراطية تحترم مطالبه وتستجيب لها. ولكنّه بعد سنة من توالي الأحداث والشدائد، فشلت القوى التي تسلمت المسؤولية في تلبية تلك المطالب، بسبب من انشغالها بانتهاز الفرصة لتمكين قواها الحزبية من طبع مؤسسات الدولة بطابعهم الخاص وهو تجسَّد بظاهرة (الأخونة)!  عندما عدَّت القيادة الأخوانية وجودها في السلطة غنيمة، فراحت تستبيح مصر والمصريين بصورة أفضع! وكان من حصيلة ظاهرة الأخونة أنْ رُفِع في ظل سلطة (الأخوان) علم الإرهاب [علم القاعدة] بميادين التحرير، فيما اتسعت مساحة أنشطة تلك القوى الإرهابية وبات لها معسكرات تدريب وتجهيزات بالسلاح والعتاد الأمر الذي هدد الأمن القومي المصري ومن ثمّ الأمن القومي في المنطقة برمتها.. رافق تلك التداعيات الخطيرة، تهديد آخر، تمثّل بانهيار قيمة العملة الوطنية وتدهور شامل بأوضاع المصريين الاقتصادية الاجتماعية السياسية!!

إن تلك الصورة القاتمة  هي التي دعت عشرات ملايين من أبناء الشعب المصري  يجددوا الخروج في ثورة 30 يونيو ويعبروا بوضوح عن رفضهم السماح لأية جهة أن تنفرد بالسلطة وتمكِّن نفسها مجددا من رقاب المصريات والمصريين مثلما حصل في العقود المنصرمة. وكانت ثورتهم تصويتا شعبيا سلميا واضحا وصريحا لكل صاحب عقل، جسّد ويجسد الشرعية الحقيقية للصوت الشعبي الممثل للسمو الدستوري معبرا عنها بإرادة التغيير وبقرار الحسم قبل استفحال المرض.

إنّ ما  فعلته القيادة الأخوانية لم يكتفِ بالانحدار بمصر وبشعبية الصوت الانتخابي لهم، ولكن الواقعة كانت أخطر بكثير من موضوع  شرعية انتخابية، في إطار دولة ديموقراطية مستقرة.. إذ القضية قضية خيار بين طريق بناء الدولة المدنية الديموقراطية بأسس سليمة صحية صحيحة أو الخضوع للعبة بناء دولة ثيوقراطية بمبادئ دويلات الطوائف التي تسببت بالنكبات والكوارث الدموية البشعة التي حاقت بالبشرية دولا وشعوبا، والتجربة التاريخية كفيلة بسجلاتها في قول الحقيقة بوضوح لنا...

وفي إطار تجربة سلطة الأخوان وانشغالهم في التأسيس للدولة الثيوقراطية بطرازها الطائفي السياسي، فإن السيادة الوطنية المصرية أُهْدِرت بالكامل حتى أن أرضا مصرية  بيعت لجهات دولية وإقليمية! في سابقة خطيرة تبيع فيها سلطة جزءا حيويا من بلادها بالإشارة إلى فضيحة بيع 40% من أرض سيناء التي سالت من أجل حريتها واستعادتها دماء المصريين الأغلى!!

وبالضد من بناء الدولة المدنية الديموقراطية،  انحرفت القيادة الأخوانية بمسار بنائها، بقصد افتضح عبر ظاهرة الأخونة التي تعني بوضوح سافر، التأسيس لدولة ثيوقراطية \ ببصمة وملكية أخوانية!! ومن جهة أخرى وزاوية نظر نحو الوقائع: فشلت الدمى الأخوانية التي وضعوها في سدة الحكم والمسؤوليات، فشلت في حلّ أي معضلة أو تلبية أي مطلب شعبي فجرى تخريب الركائز الأساس وتدمير بنية الدولة فانحدرت نحو مستويات قاربت الانهيار!

وبهذا فقد وضعت تلك القيادة [الأخوانية] البلاد والعباد في وضع محفوف بتراجيديا الانهيار التام مع  إعداد الأوضاع برمتها للحرب الأهلية  وترك ملايين المصريين أسرى للتهميش والعدمية والعيش تحت خط الأمن والأمان وطبعا تحت خط الفقر المدقع!!

إنّ جملة ما حصل شاهده العالم من بُعد، لكن الشعب المصري بملايينه عاش معاناته وجراحاته الفاغرة  في تفاصيل اليوم العادي لبناته وأبنائه. وما كان ممكنا من القوى الشعبية الواعية، القوى المدنية الديموقراطية سوى حسم الأمر وعدم انتظار الآلة الجهنمية لدويلة الطائفية السياسية أن تكرر التجربة العراقية على سبيل المثال لتدور على رقاب ملايين المصريين وتهرسهم في مجزرة إبادة مريعة...

هنا بالتحديد جاءت ثورة الشعب المصري في 30 يونيو وفي ضوء هذا يمكننا أن نتعرف إلى أسبابها وأهدافها الحقيقية بوضوح مثلما رآها المصريون بأغلبيتهم المطلقة...

واليوم وبعد انتصار الثورة الشعبية المصرية بفضل سعة المشاركة المليونية الشعبية بخروج ما يقارب نصف الشعب المصري للميادين وبتلاحم الجيش الوطني والشرطة الوطنية معهم، فإن القيادة (الأخوانية) أسفرت عن حقيقتها وآليات عملها بصورة أبعد من لحظات وجودها في سدة الحكم؛ فرفعت آخر البطاقات الموجودة بيين يديها بما يتطابق وحقيقة أهدافها من جهة وبما يتطابق وهويتها الفعلية، ألا وهي الهوية الإرهابية. لقد مارست تلك القيادة، حتى بخلاف إرادة أنصارها، توجيها بإشاعة الشغب والاعتداء على مؤسسات الدولة ومحاولة تخريبها وتعطيل العمل فيها وعلى منظمات المجتمع المدني ومحاولة منعها من أداء مهامها الإنسانية؛ وأبعد من ذلك أمعنت في إرهاب المجتمع والدولة وترويع المواطنين بغشعال الحرائق في المباني العامة وبدور العبادة، لابتزازهم من جهة ولخلق التناحرات والاحتقانات وإشعال الفتنة ومحاولة إشعال حرائق حرب أهلية، يمكنها أن تعتاش عليها!!!

إنّ الشعب المصري ومنه القطاعات التي خُدِعت واختارت بالأمس الأخوان لسبب أو آخر، قد انكشف لهم فضائح السياسة الفاشية وتوجهات العنف والإرهاب وترويع الناس، الأمر الذي وحَّد الشعب وراء قياداته التحررية قيادات القوى الوطنية الديموقراطية صفا مكينا متينا بمنجزه، ممثلا بانتصار ثورة 30 يونيو، الانتصار الذي أمَّنته قيادة وطنية واعية لجيش مصر الذي اختار أن يتمسك بـ قسَم الدفاع عن الوطن والشعب بدل الانحياز لقيادات كانت ستؤدي بمصر إلى تهلكة الانهيار. وكان هذا انحيازا للشرعية الأصدق، شرعية السمو الدستوري لصوت الشعب لا شرعية سرقة الصوت الانتخابي بالدجل وبمراوغات سرعان ما افتضحت حقيقتها للشعب.

ومن هنا، وفي ضوء المعركة الجديدة الجارية بين الشعب المصري وقواه الحية وجيشه الأبي وقيادة هذا الجيش الوطني من جهة وبين قوى الإرهاب التي انتعشت وجهَّزت نفسها للانقضاض على مصر والمصريين، في ضوء هذا الصراع، تقف شعوب المنطقة وأبناء الجاليات المنتشرة بمختلف المهاجر بملايين الذين يعون طبيعة المعركة، تقف بقوة وثبات مع ثورة 30 يونيو واثقة من انتصار إرادة الشعب في توطيد أسس الديموقراطية وتلبية مطالب الشعب ببناء دولة مدنية تحترم مواطنيها ومطالبهم..

إن المنتظر اليوم، من جميع منظمات المجتمع المدني وشعوب المنطقة وقواها الحية الانتباه إلى أن معركة المصريين  هي في صميم مهامهم  في الدفاع عن إرادة وخيارات الشعوب.. وهي جزئية مما يجابه المنطقة ضد توجهات سرقة ثورات شعوب الربيع وتوجهاتها المدنية والديموقراطية، ضد التيار المدعي التديّن الذي يحاول أن يبني دولته الدينية على أنقاض ما يشيعه من خراب.. وهي  في جوهرها ليست سوى دويلات الطائفية السياسية التي تمتاح من فكر ظلامية الكهوف والعصور الغابرة لا غير...

وسيكون مطلوبا إنطلاق أوسع حملة تضامن مع الشعب المصري وثورته من أجل توضيح الحقائق للشعوب الصديقة وقطع الطريق على التشويش السلبي الخطير لبعض أجهزة الإعلام وما ينفخون فيه من تأزيم ومن محاولة اصطياد القوى المدنية في بعض نتائج ما يفعله إرهابيو العصر من جرائم وما يشيعونه من تقتيل وتخريب تدربوا عليه في كهوف الظلام الإرهابية بأفغانستان وغيرها وبمصر نموذجنا واضح عندما أطلق الأخوان سراح رفاقهم الإرهابيين من السجون بمجرد تسلم السلطة!!

إنّ خطة منسقة يمكنها أن تنطلق اليوم، بتشكيل ((اللجنة الأممية لمساندة الشعب المصري)) وتدارسها خطوات العمل المؤمل.. مؤكدين أن تلك الخطط المنتظر رسمها للتضامن، لا تعادي قواعد اختارت بالأمس حركة الأخوان بل تؤكد دوما على وحدة المصريين وأن كل الدم المصري حرام، بكل أطيافع المجتمعية والفكرية السياسية التي تؤمن بالمصير الوطني المشترك وبالدولة المدنية التي تنتمي للعصر وتلبي مطالب الشعب وحقوقه بلا تمييز ولا تهميش ولا أي شكل للتفرقة...

 وعليه فإن ما اقترفته القيادة الأخوانية ووجهت أوامرها بارتكابه من إرهاب وجرائم بشعة لا يشمل من أعلن انسحابه منذ اليوم الأول من سلطة تلك القيادة بعد افتضاح أمرها، ولا يشمل الشبيبة الأخوانية التي مارست وتمارس أنشطتها اليوم بروح سلمي وبإيمان بقيم العصر والدولة المدنية  وتؤدي مهامها (الوطنية) باستقلالية بعيدا عن أعمال التخريب والتقتيل الجارية بظل أوامر القيادة التي لم تحرق الأخوان حسب بل  تحاول إحراق البلاد برمتها...

وينبغي، اليوم قبل الغد، تعزيز وحدة المصريين وخيار السلام والديموقراطية خيار العيش كما كانوا دائما أخوة في الوطن يتساوون في الواجبات والحقوق.. ويدافع بعضهم عن بعض.

إن خيار السلام والديموقراطية يتطلب مراجعة جرائم  اقترفتها القيادة الأخوانية ومحاكمتها من الدولة بقضاء عادل عُرِفت به مصر وبقضاء داخل الحركة الأخوانية نفسها يجسده جيل الشبيبة الجديد وقيادته.. ولقد حسم الشعب أمره بهذا عندما انتهى إلى خارطة الطريق التي تعيد ترتيب بناء الدولة على أسس الديموقراطية الحقة وعلى أسس المدنية لا الثيوقراطية...

وهنا ينبغي مد جسور التنسيق بين ((اللجنة الأممية للتضامن مع الشعب المصري)) وبين قوى الحرية والتقدم التي تقود النضال اليوم وجهاز مؤسسات الدولة المدنية الذي يطبق إرادة الشعب ومطالب ثورته موضوعيا وبكل حزم  وحسم...

إنني أتطلع لتشكيل اللجنة الأممية للتضامن مع الشعب المصري وسرعة عقد لقاء التنسيق ووضع خطط العمل الشعبية والرسمية للاتصال بالمنظمات والجهات الدولية مع تعريف يرقى إلى مستوى المسؤولية بالمجريات بما يكفل سرعة وقف نزيف الدم .. وقطع الطريق على ما يُرتكب بحق جميع المصريين بسبب الأعمال الطائشة الرعناء وعبثية الجريمة التي ترتكبها القيادة الأخوانية وحلفائها من قوى الإرهاب..

إنّ تطلعاتنا تنصب على توكيد وحدة الشعب المصري وعلى حماية منجز الثورة الذي حسم المعركة لمصلحة تطلعات الشعب.. ومن هنا نذكر بالأقباط وكنائسهم وبالنوبيين وبكل المهمشين المنسيين من أبناء الشعب وبضرورة استمرار وحدة الحراك الشعبي ومواصلته أداء المهمة.. كما ينبغي تفعيل دور المؤسسات المدنية ومؤسسات التعليم والثقافة وحركاتها وأنشطتها وتعزيز الجهود التنويرية في إطارها وجذب جميع القوى حتى منها تلك التي ترددت في الانضمام لثورة 30 يونيو كي تتحدث بوضوح عن مشاركتها ببناء الدولة المدنية على  وفق الأسس التي أعلنها الشعب بثورته..

هكذا ستكون كفة النصر والحسم لصالح المصريات والمصريين جميعا، وهي لمصلحة شعوب المنطقة بفضل الحجم النوعي  الاستراتيجي لمصر. ولنتذكر أن الأعداء يدركون أن انهيار مصر هو انهيار نوعي استراتيجي للمنطقة وإحكام قبضة استغلال لعقود أخرى مستقبلية! ولن تسمح شعوب المنطقة بهذا..

ولا بد هنا من تذكير اولئك الذين يشاركون أنشطة معاضدة القيادة الأخوانية إنما يشاركون بمسيرة تعاكس اتجاه عصرنا وتوجهاته نحو الحداثة والتنوير وبناء الدولة المدنية الدولة الوحيدة الكفيلة بتلبية العدل والخبز والحرية والكرامة... فهلا تنبهوا  وراجعوا توجهاتهم خدمة للاستقرار والسلم الأهلي بمصر وتفعيلا لسرعة التوجه نحو بناء اسس الديموقراطية الحقة واستعادة فعاليات الدولة وأنشطة مؤسساته لمصلحة أبناء الشعب؟؟ أم أن بعضهم سيبقى على اندفاع أهوج لا يحتكم لمنطق عقلي ولا لمبادئ إنسانية؟؟؟

بانتظار وحدة قوى التضامن وتنظيم جهودها...

أعلن أننا يمكن أن ننطلق من لاهاي في جهد تشكيل لجنة التضامن الأممية وجهودها المؤملة.. فإلى العمل