إبداء رأي مختلف لا يلغي روحا سلميا ولا يتعارض مع إيمان راسخ بقيم التسامح ولا يوقف ممارستها

الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، فلنعزز علائقنا وروابط صلاتنا

((تعدد هوياتنا الخاصة والعامة واختلافنا في بصماتنا يجسد غنى التنوع الإنساني ويدفع باتجاه فتح الجسور وتمتين العلائق بيننا وتعزيز احترام الآخر والعبور إليه بروح الود والألفة))

 

التمسك بالموضوعية أمر جد حيوي ومهم وذو أولوية.. والامتناع عن الشخصنة والميول المزاجية يعزز هذا الاتجاه الموضوعي المكين. ومن هنا فإنّ المرء لا يسعه إلا تقديم رؤاه بوصفها (مجرد) مقترحات، ليس فيها ما يقع في معاداة شخص لذاته؛ وليس فيها دخول نزاع أو صراع بين طرفين بشخصنة خلافهما..

وجلّ ما يتمناه المرء منا ويعمل من أجله أن يستطيع نشر البدائل والحلول والمعالجات لأية أزمة بوساطة الحوار والتفاعلات الإيجابية وبممارسات تقوم على قيم التسامح دوما.. فاعتذار وعفو وصفح ومغفرة وتعايش في ظلال السلم الأهلي وفضاء الأمن والأمان وأجواء السلام وكل ممارسة سلمية تزيح الخطأ وتزيل الجريمة وتعالج الجراحات لتندمل فتصفو القلوب وتبقى الضمائر صاحية، كل ذلك هو من آليات اشتغالنا ومضامين وجودنا الإنساني الصحي الصحيح.. حيث لا خلاف ولا صراع ولا احتقانات ولا أزمات ولاضحايا لكل تلك المعمعة المرضية التي تكاد تختطفنا من استقرارنا وثبات علاقاتنا وروسوخها.. حتى بات المرء منا يخشى على صحبته من مفاجآت سلبية لا ناقة له فيها ولاجمل...

أيّها السادة، أسوق هذا وأنا أبحث بحرص أكيد عما يحافظ على جسور الود والعلائق البنّاءة بين أيّ منا من حَمَلَة رايات التسامح ومجمل المحيط، وما يزيح أيّ احتمال لغمامةٍ أو تشوّش في فضاء العلاقات الخاصة والعامة.. بالتحديد عندما يُظهِر أحدُنا موقفا من قضية أو أخرى وربما يمثل ذلك الاختلاف في انتماء أو خلفية فكرية أو سياسية أو ثقافية أو قيمية ما، عندها يبدأ القلق عند من يحرص على استمرار علاقاته بالآخر مستقرة لكنه لا يدري ردود الفعل غير المحسوبة واثرها على تلك العلاقة...

ففي الشأن العام ينفضُّ بعضهم عن علاقة بصديق أو طرف أو آخر عندما يرونه اتخذ موقفا من قبيلي تقبله واجب مشاركة الشعب في التظاهر السلمي على سبيل المثال لا الحصر، ومع أن تلك المشاركة في التظاهر أو الدعوة إليها هي دلالة على نضجنا مثلما هي دلالة على إدراكنا صحيح الممارسة لبناء وجودنا وطنيا ديموقراطيا بدولة مدنية تحترم أنسنة حيواتنا؛ إذ التظاهر وإعلان الصوت الشعبي هو ممارسة من الممارسات الديموقراطية وآلياتها وهي بالمحصلة أداة من أدوات تصحيح المسار عندما يعاني من ثغرة أو أخرى. إلا أن مثل هذا الموقف قد يدفع ذاك (البعض) للعزوف عن علاقة أو يدفعه للتخندق السلبي مع طرف يدرك خطأه ولكنه لمبرر او ىخر يقف معه على طريقة انصر أخاك ظالما أو مظلوما! فيما يضحي بالعلاقة البناءة ويضحي بصحيح الموقف في واجب عدم التخندق مع المخطئ وان الصحيح أن نمشي مع من ينصحنا وينتقد أخطاءنا وسلبياتنا لا وراء من يضللنا بخطاب مرضي......

ولكل هذا، فإنني مثلما غيري من أبناء الوطن، في دعواتي ونداءاتي كافة؛ لا أنطلق من موضع يخلق أزمة أو يضيف عقدة بل أبدأ أولا بتقديم الحوار وأنتهي به أيضا.. ولكنني أؤمن بأنّ من صيغ الحوار وجود الحشود والجماهير في ساحات التظاهر عندما لا يُتاح حل آخر بديل؛ أو عندما لا يرعوي مجرم عن جريمته وعندما تتسع الجريمة ولا يكون بأيدينا سوى  التغيير باية نسبة كانت إصلاحيا جزئيا أم جوهريا كليا...

 فنحن في النهاية لا نعبد شخوصا.. وما عاد من زمنٍ لعصمة شخص وتقديسه بل الشعب يضع المرء بمسؤولية بعينها، فإن أفسد أو فشل يغيره، ولا يجوز لنا التحزب لشخص بعينه أو حزب بمطلقات طروحاته وممارساته، فأحيانا يخفق الحزب ويخفق المسؤول حتى أنه تجري في ظل تسلمهم المسؤولية أمور مثل تلك التي جرت وتجري بحق الشعب العراقي اليوم من مآس وكوارث!! فالأصل مصلحة الشعب لا الحزب...

إنني لآمل من أصدقائي، قرائي وجمهور من يطلع على نداءاتي أنْ يكونوا عند مستوى وعي يدرك أننا معا وسويا عراقيون.. ومعا وسويا نضع الخطط ونرسم الخطوات ونمضي لبناء بلادنا.. ومعا وسويا نقتسم الحياة ونتشارك فيها وليس لنا في امرئ عداء لشخصه وما ننهض به هو لمصلحة الجموع وحتى لمصلحة المخطئ منا، لحظةَ نقوِّمُ له الخطأ.. ولحظة نعفيه من المسؤولية المؤسسية وهو ما لا يعاديه شخصيا بل يضمن له ألا يقع بعد الخطأ الناجم عن قصور أو سهو في الجريمة..

فلا يخشى قارئ نص أكتبُهُ أو نداء أو بيان أشارك فيه من أنْ أكونَ طرفا في نزاع أو صراع مشخصن مع فرد\شخصية أو حزب أو حركة.. فمواقفي كلها تنبني على الروح السلمي وعلى استثمار أسلوب الحوار وعلى ممارسة قيم التسامح التي لا تعني غمط حق أو قمع حرية أو تجاوزا على أحد وهذه ليست خصلتي منفردا بها بل تعلمتها وأتمكن من ممارستها بفضل وجود الرواد فيها ممن أتشرف بوجودي وسطهم...

 إنّ قيم التسامح التي أتبناها مثلما ملايين غيري، هي قيم قوة ورباطة جأش وصلابة إرادة وتضامن وطيد مع الحقوق والحريات وعمل من أجل استعادتها وتلبيتها؛ من دون أن يكون ذلك مفهوما على أنه على حساب طرف أو آخر بل الاستجابة للحقوق والواجبات هو تعزيز لمصالح الجميع وضمان للعدل والمساواة وإنصاف مطلق للأطراف كافة؛ بعكس استلاب حق وظلم إنسان يكون ضد كل الأطراف؛ ضد المظلوم أولا لاستغلاله وإيذائه وضد الظالم لإيقاعه في شرّ الأفعال...

فلنكن أيها الأحبة والأصدقاء وجمهور القراء، معا وسويا ولندرك أنّنا بروح سلمي وبممارسة قيم التسامح يمضي نضالنا اليومي من أجل لقمة نظيفة وحياة حرة كريمة وإخاء ومساواة وعدل بيننا جميع، ولنترك بعض عادات سلبية مضرة تستولي علينا وتثير الحنق بيننا وربما تثير بين بعضهم والجموع روح ثأر أو انتقام أو ردود فعل خشنة ساخنة في حين يمكن ويجب أن نترك هذا السلبي المرضي ونتمسك بالرائع مما يصنع جماليات وجودنا وعيشنا الكريم..

وبعد، فشكري لمن فهم رسالتي وما أردت فيها وامتناني لمن تبنى نداءها وهدفها السامي وانحناءة تقدير واحترام لمن صحح وقوّم فيما فاتني بهذه الرسالة. ولنمضِ معا وسويا نبني ونتقدم من أجل عراق جديد، عراق للسلام ومسيرة إعادة الإعمار وسيادة الديموقراطية.  وبيننا بكل أطيافنا وتنوعات تفكيرنا لنجعل قيم التسامح تحيا مشرقة دوما ليس عراقيا حسب بل وإنسانيا أمميا. ومودتي للجميع أحبة ينثرون أزاهير الفرح والمسرة بروعة التسامح وآلياته تصنع السلام ولكم جميعا السلام.

 

تيسير الآلوسي