الانتخابات البرلمانية العراقية تحت مطارق وضغوط بلا معالجة ولا حسم

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

بدأ العدّ التنازلي باتجاه الموعد الرسمي للانتخابات العراقية.. وشرعت القوى الحزبية  بمناقشة الاستعدادات الواجب تلبيتها من أجل إجراء الانتخابات على وفق أفضل شروطها التي طالبت بها القوى الشعبية والوطنية الديموقراطية في البلاد، وعدد من الأصوات البرلمانية المعروفة. ومن المعروف حجم ما تعرض له العراقي من غمط الحقوق في الانتخابات التي جرت من قبل. وذلك بسبب ترتيب الصياغات القانونية بما يخدم  كتلا بعينها على حساب كتل شعبية معروفة.  وهكذا بات واضحا أنّ اللعبة الانتخابية ليست بالضرورة باتجاه ما يخدم التعبير الأنقى عن إرادة الشعب وتوجهات خياراته.. بخاصة فيما إذا جرى الاستمرار على اتخاذ القوانين السابقة سقفا للأداء وتنفيذ الانتخابات.

وعلى الرغم من أنّ المحكمة الاتحادية رفضت أسلوب احتساب الأصوات وأعادت الأمر للبرلمان وجرى تلبية القرار في الانتخابات البلدية الأخيرة إلا أن كثيرا من التفاصيل الجوهرية جرى ويجري التغافل عنها ومحاولة تجاوزها في الاستعدادات للانتخابات التالية. يمكننا على سبيل المثال أن نشير إلى حال الاختلال في حساب الأصوات عندما نلاحظ أن قيمة المقعد في كوردستان تحتسب بـ40 ألف صوت ناخب فيما هي في المحافظات الجنوبية لا تتجاوز ربع هذا التصويت أي حوالي 10 آلاف صوت!؟ ومثل هذا أن نسبة المشاركة في كوردستان من الكثافة هي غيرها بل أعلى بأضعاف من تلك التي في المحافظات العراقية وبهذا فقد فازت كتل طائفية بعينها بمقاعد أكثر وأصوات ناخبين أقل من تلك التي حصلت عليها الأحزاب الكوردستانية في ضوء نسب التصويت! ونحن نعرف معنى أن يمثل النائب الشعب الذي يؤكد ضرورة أن تجري الانتخابات في دائرة وطنية واحدة وليس بالتعدد الذي يفتح الطريق لذاك التمييز ولسرقة الحق والصوات وطابع تعبيرها عن الاتجاه الأوسع والأكثر عمقا في المجتمع.. حتى أننا وصلنا لحال من إضافة نواب لم يحصلوا على عشر ما حصل عليه غيرهم بسبب شروط العتبة الانتخابية وما شابه من تعقيدات مصطنعة ومفصلة في القوانين على مقاس جهة أو أخرى.. وهذا ساهم في استبعاد حركات وقوى وشخصيات مهمة ولها باعها الكبير في الدفاع عن قضايا الناس والوطن...

من جهة أخرى فإنّ ضوابط كثيرة تبقى خارج القانون عندما تحصد قوى وأحزاب بعينها على الأصوات بالمال السياسي! عبر ما تمتلكه من مصادر غير مسجلة، وغير مرئية قانونيا! فيما الأحزاب الشعبية بسبب من الاختلال المادي في مصادر التمويل تقبع في الظل غير معرَّفة للناخب ولا تصله مع وجود فيض الفضائيات التي تتبع أحزاب المال السياسي غير معروف المصادر. وهذا ما يفرض واجب سنّ قانون الأحزاب المعطل خلف قضبان الجدل البيزنطي العقيم الذي سيعني استمراره قطعا الإبقاء على القوانين القديمة أو ما يعني العبارة القانونية يبقى الحال على ما هو عليه!!

فمال الحل في مثل هذه اللحظات التي جرى الوصول إليها عن عمد وسبق إصرار وترصد من بعض الحركات والأحزاب التي تريد تمرير انفرادها بالحكومة الاتحادية في بغداد؟

إنّ القضية تتطلب نضالا عنيدا ونزولا كثيفا إلى الشارع لمساندة بعض الأصوات الوطنية النبيلة التي مازالت موجودة في البرلمان وللضغط على تلك التي تناور في إسفار عن وجهها الحقيقي في خدمة حركة أو حزب أو شخص بعينه بات يتحكم بالوضع ببغداد. وسيكون تكرار القوانين السابقة خدمة مجانية لمزيد من التدهور الذي سيمعن في الإضرار بحياة المواطن، مسلِّماً الأمور بيد من قاد البلاد طوال السنوات العجاف حتى بات العراق الأعلى فسادا عالميا والأسوأ في كثير من محاور تقاس بها البلدان وأوضاعها ما حوّل العراق الجديد للدولة الأكثر فشلا أيّ المعرضة للانهيار!! وهذا هو ما يدعو للعمل المثابر اليوم شعبيا ورسميا من أجل التغيير ومن أجل الاستعداد الموضوعي للانتخابات القابلة.

وكيما نصل الانتخابات باستعداد فعلي يتناسب وما ينتظرنا من تغيير نتطلع لتحقيقه، يجب التوجه لتحقيق الآتي من الخطوات التي تحضِّر لتلك الانتخابات إيجابيا:

1.     فأولا لابد من الضغط الفعلي لسنّ ((قانون الانتخابات)) وعدم انتظار الكتل (الطائفية) التي تحكمت بالمشهد لتشريعه والنضال من أجل إصداره بأقرب أجل كيما لا يمر السقف الزمني المتاح لتشريعه إجرائيا.. وعلى التيار الديموقراطي وكل القوى الوطنية التنسيق بشأن تقديم أفضل صياغة تامة متكاملة وألا يُكتفى بالمطالبات العامة صحفيا أو غعلاميا أو بشكل عابر؛ وأن يكون لتلك القوى وسائل الوصول للهيأتين التشريعية والقضائية العليا بالخصوص...

2.     ومواصلة العمل من أجل سنّ ((قانون الأحزاب)) وعلى القوى الوطنية تعزيز تنسيقها بشأن تقديم صيغة بالخصوص وعدم الاكتفاء بمطالبة عامة عبر المناداة الإعلامية ومنافذ أخرى الأمر الذي سيضيع فرصة سنّه وتشريعه. بمعنى يجب وصول الصيغة المقترحة إلى البرلمان عبر الأدوات والمنافذ التي يمتلكها الشعب وواجب الأحزاب الوطنية تحمل مسؤوليتها بالخصوص.

3.     أما القانون الثالث الذي يلزم المطالبة به لدخول أيّ انتخابات جديدة، فهو ((قانون مجلس الاتحاد)) حيث يعرف الجميع أنّ الدستور قد نصّ على أن البرلمان يتشكل من مجلس النواب ومجلس الاتحاد وينبغي تكليف متخصصين بكتابة مشروع لمجلس الاتحاد ومن دون هذا القانون الذي يُعنى بشكل مباشر بالمجموعات القومية والدينية والمحافظات والإقاليم التي تذبح يوميا لا يمكن الدخول إلى انتخابات حقة.. وستكون جريمة أن ندخل بكوتة ترضية يصفها العراقيون بمصطلحهم أنها ((قشمريات)) للضحك على الذقون.. في وقت يتطلع الشعب وجميع مكوناته وأطيافه إلى المساواة والعدل وإزالة آثار الضيم والاستلاب والمصادرة وحالات التهميش والإقصاء، فإنّ الأزمة التي ابتلعتهم في المرات السابقة هي ذاتها التي ستتكرر إذا دخلنا من دون هذا استكمال الهيأة التشريعية..

وأهمية التوكيد على هذا المطلب كونه يعبر عن تطلعات العراق التعددي الغني بتنوعه ومن ثمّ لا صواب لادعاء التوجه الديموقراطي من دون تلبية آليات احترام هذه التعددية والتعبير عنها بمصداقية وبأفضل ما يكون.. وهنا بهذا الجهد والنضال من أجل استكمال بنية الهيأة التشريعية، سيلتحم الجمهور الواسع ومجموع الأطياف العراقية مع حراك التيار الوطني والائتلاف المدني الديموقراطي وسيقف خلفه ومعه في دوره بقيادة إرادة التغيير..

4.     من جهة أخرى فإنَّ المهمة الرابعة تتمثل بمطلب التغيير في الأداء الذي تنهض به ((مفوضية الانتخابات)) حيث ينبغي أن تتسم بالنزاهة والاستقلالية وإلا دخلت القوى الوطنية وقوى التيار الديموقراطي على مقلب بمساهمتها تلك وسيجلبون بذاك الأداء، الهزيمة لقوى التغيير والإصلاح...

 هنا يستحق التذكير بضرورات عملية في الأداء السياسي الراهن. حيث لا يمكننا القبول بترقيعات جزئية لا تُسمن ولا تُغني من جوع. فهناك قوى سطت على الأوضاع برمتها وتشكلت طبقة (كربتوقراط)  في إطار آليات بل (نظام فساد) مؤشَّر عالميا ويحيا تفاصيل ضغوطه وأفعال مطحنته الجهنمية ابن الشعب المغلوب على أمره. وسيكون الحديث عن انتصار هذا المواطن المأسور بتقديم صوته ومنحه لجهة تدافع عنه غير متاح ما لم يقتنع حقيقة ببرامج العمل وخطى التغيير الفعلية التي لا تسرق صوته.. ومن أجل تحقيق  إجراءات ضامنة بخاصة منها للاستجابة للمطالب الأربعة السابقة يمكن أن نوجز تلك الخطى بالآتي:

1.     العمل من أجل إنهاء الإدارة المركزية الأمنية الموجودة اليوم بيد رئيس [مجلس] الوزراء تحديدا بيد السيد المالكي شخصيا وبات معروفا أيضا بأدوات وشخوص من حاشية من المقربين سواء من العائلة أم من آخرين في الإطار..

2.      وينبغي حصراحتكار السلاح بيد الحكومة، وتطهير الجيش والأمن من عناصر الميليشيات ومن الاختراقات. ومنع التسهيلات للمافيات المنظمة وميليشياته وبلطجتهم المجتمع وفئاته بالعنف المسلح الدموي!

3.     ويُنتظر أن يوجد تنسيق جوهري نوعي بغاية توفير جهاز إعلامي بحجم مهام القوى الوطنية و الديموقراطية وصوتهما وضمان حقوق الصحافيين والإعلاميين ووقف مطاردتهم ووسائلهم الإعلامية ووحظر ما يجري من قمع لهم من جهات متعددة منها جهات رسمية حكومية..

4.     وبالتأكيد لابد من العمل على تحقيق استقلالية حقيقية للقضاء فمن الخطورة بمكان أن نترك المحمكة الاتحادية والقضاء والهيآت المستقلة هي الأخرى تخضع لمكتب رئيس الوزراء والجهاز التنفيذي للدولة ومن ثمّ بأيدي شخوص بعينهم!

5.     كما سيكون لحشد جماهيري شعبي وبمستوى وطني عريض وواسع فرصته للمطالبة باطلاق سراح جميع السجناء ممن لم يصدر بحقهم إدانة...

6.    بالمقابل ينبغي المطالبة برفع الحصانة عن قيادات الأحزاب والمسؤولين الحكوميين ممن أفسدوا وطُلِب إحضار المتهمين منهم أمام القضاء العراقي ومساءلتهم ومحاسبتهم قانونيا قضائيا، لحسم المعركة مع قوى الفساد وطبقته المتنامية بوجودها ومخاطرها..

7.    وفي سبيل جملة هذه الأهداف يجب العمل على تفعيل هيأة النزاهة قضائيا إجرائيا بأن تستطيع إصدار قرارات قضائية حازمة وحاسمة وقطعية نهائية..

8.    وليس آخرا ينبغي إنجاز خطة مناسبة لتعزيز الحشد الجماهيري التضامني وجذب القوى الشعبية والرسمية الدولية للتضامن مع جهود القوى الوطنية الديموقراطية وما ترفعه من مطالب عادلة تجسد رؤى الشعب وحاجاته وتستجيب لمطالبه وللحقوق والحريات الأساس...

 

على أننا اليوم أمام كفة صراع غير عادلة وغير متوازنة ما يفرض علينا سرعة التفاعل مع نداء وطني لعقد مؤتمر شعبي موسّع يناقش الآليات المشار إليها ويتبناها ويعلن السير باتجاه عمله من أجل تلبيتها في الطريق إلى انتخابات تجسد قوى الحرية والتقدم والانعتاق من نير طبقة الفساد ونظامه... وهذا ما لا يجب التلكؤ فيه. وفي معالجتنا التالية سنتابع الأمر بتفاصيل أخرى.