حول إمكان عقد انتخابات مبكرة في العراق

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  01 \ 14

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

عادة ما تـُجرى الانتخابات في البلدان المستقرة الأوضاع فتشكـِّل مفردة حيوية في مسار الديموقراطية في تلك البلدان. وللتأسيس لدولة مؤسسات والانتقال إلى التداولية والتعددية, تجد مختلف القوى تعمل من أجل بناء الأرضية المتماسكة لذياك الانتقال المشروط بالروح السلمي وبالاتفاق والتواضع على ميثاق شرف أو عقد اجتماعي يوحِّد الجميع ويشملهم في الحقوق والواجبات بسلطة المساواة والعدل وليس بالإكراه أو بتجاوز الآخر ومصادرته سلفا بل بالتراضي وبتوفير القناعات المشتركة..

وتجري اليوم في العراق دعوات لعقد الانتخابات بوصفها طريقا للتأسيس للمرحلة المقبلة.. ولكنَّ قوى الديموقراطية نفسها تدعو للتريّث وتأجيل عقد الانتخابات حتى تتوافر الظروف المؤاتية. فأيّ السبيلين هو الأجدى والأنجع لغد العراق الديموقراطي عقدها فورا أم التريث والتحضير لها؟

بقراءة الأمر نجد أنَّ إجراء الانتخابات اليوم ستجابهه عددا من العقبات التي سينجم عنها وقف العملية الديموقراطية إلى مدى آخر غير معلوم بعد عقود الإلغاء والمصادرة.. فهل ستكون العدالة موجودة في انتخابات تقرّ سلفا اعتماد إحصاءات تستبعد ملايين العراقيين في الخارج يشكلون بين 15% إلى 20% من أبناء البلاد كما تستبعد ملايين أخرى بين غير مسجَّل في إحصاءات السلطة الدكتاتورية الأخيرة وبين حالات إسقاط الجنسية والتهجير والنفي والتشريد ومن غير المنطقي ضم كتل سكانية على أسس إعادة متعجلة للجنسية لعناصر قد تتسلل إلى واقعنا أو عناصر تـُحرَم من الحصول على تسجيل رسمي تستحقه مثل كثير من الكلدوآشوريين الذين طاولتهم سنوات الإبعاد القسري..

وما موقفنا هنا اليوم من أولئك الذين تمَّ طردهم في مذابح سميل التي لم يجفّ الدم بعدُ من أرض الرافدين أرض الكلدان والآشوريين وما رؤية دعاة الانتخابات تجاه أصوات ملايين منهم إذا ما قرر بعضهم العودة أو المشاركة في التصويت في بلادهم وبلاد آبائهم وأجدادهم؟ أم أنَّ دعاة ديموقراطية انتخابات (بالإكراه؟ ) مَحـَت ذاكرتهم ملايين الكلدوآشور الذين شتتوهم في بقاع الأرض ومنافيها؟

أما عمليات التزوير التي يمكن أنْ تجري في أجواء اعتماد إحصاء البطاقة التموينية فهي غير مستبعدة بل مؤكدة في ضوء الحقائق التي يعرفها أبناء شعبنا عن إشكالات استخراج تلك البطاقة.. وغير هذا وذاك فما الذي يجبر شعبا على تجاوز أقسام مهمة منه ولمصلحة مَنْ؟ ولماذا نلجأ إلى إحصاءات قد تحقق نسبة 60% كما تزعم أفضل القراءات على أساس توفير نسبة المقاييس الدولية بتحقيقها هذه النسبة أقصد تلك التقارير التي تشير لإمكان تحقيق مصداقية بنسبة تتجاوز نسبة الـ 60%!

وغير الإحصاءات فإنَّ وضعا أمنيا منفلتا كالذي نجد العراق فيه لا يحقق  فرصة الاختيار الحر وبلا إكراه بخاصة في ظل شعور واضح بسطوة قوى مسلحة وميليشيات أحزاب بعينها على الشارع وهي لا تشكل قوة سياسية في حقيقة تشكيلها ولكنها تخدم جهات سياسية (طائفية) معلومة.. وهنا لا نكتفي بالإشارة إلى ما يسمى (المقاومة) التي تشكل في أغلب فعالياتها أفعال تخريبية تتقصد العراقي نفسه ومنهم أفراد الشرطة العراقية والأمن العام؛ وإنَّما نحن هنا نشير بوضوح إلى إغلاق مناطق شعبية بوساطة قوى مسلّحة لصالح قوى سياسية ..

ويحصل في أحياء ضخمة كما في مدينة (الثورة) ببغداد ومدينة (الحرية) أيضا أنْ تقف تلك العناصر المسلَّحة بحجة حماية الطلبة والطالبات وبحجة ضبط الأمن وبحجة تمشية أمور الناس الحياتية حيث تفتقر أحياء بعينها إلى الخدمات العامة للدولة وتتكاثر الحجج والذرائع ولكنَّها بأية حال تشير إلى سطوة قوى العنف المسلَّح على خيارات الناس وتلوي أذرعهم بالإكراه على التعامل مع جهة والامتناع عن التعامل مع جهات أخرى... فهل في ظل مثل هكذا أجواء سيكون للانتخابات خيار ديموقراطي ومسار منصف صائب؟

وبالمناسبة فإنَّ القوى التي تدعو لإجراء الانتخابات ليس غير تلك المستفيدة من هذه الأوضاع القلقة وتتعجل فرض فلسفتها على الشارع العراقي عبر شرعنة تلك الفسلفة والسياسة من خلال انتخابات على شاكلة وضع الناس أمام الخيار بين إرادة مَن يزعم حمايتهم من الجريمة بوساطة شارع تسوده الجريمة ويعيث المجرمين فيه فسادا.. وهي فسلفة كانت موجودة في زمن أشقياء المناطق المنفلتة أمنيا (الشقاوات \ القبضايات) الذين يأخذون (الخاوة) أو الضرائب لقاء تلك الحماية وكل منطقة تحتمي بشقي بعينه وتدفع له والأمر يُمارس اليوم باسم قدسية تفكير أو فلسفة أو اعتقاد؟!! فهل في مثل هذا الوضع يُراد للعراقي أنْ ينتخب؟

كما إنَّ للحاجة المادية وظروف البطالة والعوز ونقص الاستجابة للحاجات الإنسانية دوره في قهر الناس وإجبارهم على التصويت بطريقة أقل ما يقال عنها أنَّها ليست عادلة أما أنْ نفضح حقيقتها فيمكننا القول عنها أنَّها تجري بالتصويت القهري لطرف يستلب كلّ شئ ويُبقي على فتات عيش العوائل فماذا يفعل المعيل وماذا تفعل تلك العوائل غير التصويت الذي طالما عرفته في زمن الإكراه السياسي (للدكتاتورية) ولطغيانها؟ ويريد بعضهم اليوم أنْ يجري التصويت في ظل إكراه الطائفية والعنصرية والعرقية بل (و) الجريمة وعنف المصادرة بحجج الدين والمذهب والمرجعية وكل تزييفات التضليل التي تشترك بجوهر واحد يختزله المثل العراقي "تريد غزال خذ أرنب" وإلا فلا حصة لك غير التصفية كما تتمّ تصفية الأشياء أو العبيد!! فهل في ظل هذه الأجواء يمكن إجراء انتخابات عادلة نزيهة؟!!

أما أمر توفير مؤسسات الإشراف على الانتخابات فهي أسهل مشكلات الانتخابات ولكن أين يمكن ضمان توفيرها إذا كنّا كلما عيَّنا قاضِ ِ لمشكلة تعرَّض للاغتيال؟ فقسم يغتالهم أنصار دكتاتورية العفالقة المهزومة وآخرون تغتالهم عناصر طائفية وغيرهم تغتالهم عناصر قومية شوفينية والبقية بايدي [مجهولة؟؟؟]! فهل سيحكم هؤلاء تحت التهديد والوعيد وسلطة الرصاص الموت؟ وما نوع العدالة في ظل هذه الأحوال؟ إنّ دعاة انتخابات اليوم أما يزايدون تحضيرا للانتخابات القادمة وهو أفضل ظن بما يفعلون أو أنهم يخلطون الأوراق ويضغطون بدراية باتجاه كتابة الدستور وتفصيله على مقاساتهم الخاصة ليشرعنوا فلسفتهم إلى الأبد كما يحلمون في عراق الحضارة والتنوع والتعددية عبر سرقة النتائج بانتخابات تجري بشروطهم وفي أجواء تشكِّل أرضيتهم؟!!

ينبغي أنْ نضع بين أيدي شعبنا الحقائق كاملة من أجل أنْ يتخذ بحرية تامة قراراته بخصوص [هؤلاء] وبخصوص عمليات تحضِّر لإخضاعه في دوامة جديدة من الدكتاتورية ومن أحادية فلسفة الدستور والسلطة والحكم .. وفي أفضل الأحوال التصدّق على بقية فئات شعبنا ببعض الحقوق على غرار الدول الثيوقراطية السلفية [الطائفية بالتحديد] التي تكاد تنقرض في عالمنا المعاصر لصالح الحريات الإنسانية والحقوق البشرية..

إنَّ الحديث عن انتخابات اليوم فورا أمر مقصود منه بالنتيجة تراجع الوضع العراقي وليس تقدمه وتفتحه على وفق رؤى التحرر من إسار طغيان ودكتاتورية مريضة منهارة.. ولذا كان على القوى المتنوّرة من شعبنا تشخيص أعدائها منذ اللحظة والعمل على التحضير الجدي لغدنا الديموقراطي والتهيئة لانتخابات نزيهة تتوافر لها كل الشروط التي تضمن التصويت الحر في أجواء لا إكراه فيها ولا اضطرابات وبمعايير مجموع فئات شعبنا وتوافقها على قراءة مشتركة لشروط التعايش وليس على قراءة مفروضة من طرف على آخر وليس هناك ما يجبرنا على التعجل للانتخابات لأنَّنا بصدد إقامة الديموقراطية ودستورها ومؤسساتها ولسنا بصدد الركض لاهثين من أجل تمثيليات انتخابية تختزل الديموقراطية لتصادر بلعبة جديدة الحريات المنشودة..

ومع ذلك فهذه القراءة من وجهة نظر معينة ومن جهة مضمونها وجوهرها تدعو للقول الإيجابي السليم: لـْـ[نسرّع] بالانتخابات ولو جرت بعد سنوات بشروطها السليمة لا بقيودها التي تجدِّد عسف الماضي واستلابه حقوق البشر.. "فإذا سرنا أبطأ ولكن بدقة وموضوعية وصلنا أسرع" إلى برِّ السلامة والاستقرار أما إذا سرنا بـِ [تعجـّـل] فإنَّ العجلة نتيجتها الندامة لأنَّها تودي بنا إلى مهالك مصادرة جديدة وطغيان  آخر وإنْ تلوّن بلون جديد كأنْ يزعم قيام دولة على أسس فلسفة المذهب الأكثر انتشارا والقصد المبيَّت ليس رؤية ذلك المذهب وفلسفته بقدر ما هو إقامة دولة على أقل تقدير تخضع لرؤية طائفية ضيقة لفرقة من فرق المذهب الشيعي بل لجزء من تلك الفرقة؛ فلسفتها السياسية لا تتفق وأغلبية الفرق الأخرى ولا مع أغلبية أبناء الطائفة الذين يرون أنفسهم في الوحدة مع أبناء الطوائف الأخرى [كما يتحدث به شعار لا سنية ولا شيعية...إلخ] ومع بقية أبناء الوطن في ظلال الوحدة الوطنية العراقية وفي ظلال منع تبعية العراق لفلسفات جهات إقليمية معلومة ومعلوم أطماعها في العراق تاريخا وحاضرا...

نحن إذن مع انتخابات عادلة تحفظ لكل العراقيين تمثيل إراداتهم وحقوقهم ولسنا مع تمثيليات انتخابية في ظل الإكراه والعسف والقسر والمنع والمصادرة وبوساطة أسلحة العنف وأصوات لعلعة الرصاص السائدة عند أدعياء ديموقراطية الانتخابات الفورية...

 

خاص بإيلاف \ أصداء

 

 

 

1