عمليات الجيش العراقي في الأنبار بين مكافحة الإرهاب والتجيير الحزبي الطائفي

 

 

الحديث عن مكافحة الإرهاب وقواه التخريبية الخبيثة لا يمكن فصله عن قراءة دقيقة وموضوعية لأسباب وجوده وانتشار جرائمه. وفي وقت تبقى عملية مطاردة ميليشيات الإرهاب والقضاء عليها مهمة وطنية كبرى، فإنّ تلك العملية لا يمكن أن تنجز من دون أمرين:

1. سلامة القوات المسلحة  وجاهزيتها مع سلامة توجيهها وأهداف قيادتها والتزامها الحرفية والروح الوطني.

2. مؤازرة شعبية ووحدة الموقف الوطني السياسي لأنشطة الجيش بقدر ارتباطها بحمل اللواء الوطني وممارسة العمل في إطار سليم.

 

وفي متابعة الحركات العسكرية بمحافظة الأنبار، سنجد أنّ المجريات خرجت بوضوح مرات عديدة على سياقات مطاردة قوى الإرهاب المنتشرة في صحراء المحافظة. واستدارت تلك القوات المستقدمة بقيادات مخصوصة بمكتب السيد المالكي لتحاصر المدن والضواحي والقرى والميادين المكتظة بأهالي الأنبار. وقد مارست تلك القوات أعمالا همجية تتقاطع واحترام حقوق الإنسان، حقوق المواطنات والمواطنين العراقيين! واعتدت على النساء وحرمات البيوت، في مطاردة لعناصر وشخصيات من قوى وحركات موجودة في العملية السياسية. والأنكى أن روحا ثأريا يُمارس في وقت يجب أن يكون مقدم الجيش هو تطهير لأرض عراقية من ذلك الروح المرضي وإنهاء وجود المتسببين فيه...

ولقد كانت صيغة تلك الممارسات المستنكرة اتسمت بالعنف المفرط، وباستغلال قوات الجيش في قضايا أمنية محدودة محكومة بالقوانين المدنية.. فيما جرى التجييش واعتماد افتعال المعارك المسلحة في المناطق المأهولة مدنيا، بما لا يمكن تفسيره إلا باتجاه إيقاع أفدح الخسائر بين السكان المدنيين الآمنين!

كما اتجهت قوات عسكرية مدججة بأسلحة ثقيلة إلى ميادين الاعتصامات السلمية وجرى التهديد بخوض معركة مسلحة أخرى أعلنت أنها ستكون محرقة للخيام والميادين! وهو خطاب آخر لا ينم لا عن دراية وخبرة ولا عن صواب وسلامة ممارسة وربما عن نيات ثأرية مبيتة...!؟

وإذا تناولنا موضوع ساحات الاعتصام فإننا سنجد أن قادتها أعلنوا مرارا وتكرارا أن السلطات يمكنها أن تفتتش تلك الميادين تأمينا لعدم اختراقها من قوى أو عناصر إرهابية وتوكيدا لسلمية الممارسة.. وفضلا عن ذلك فإن البحث في تلك القضية يجب أن يمر من بوابة التفاعل السلمي المدني بوصفه واجبا ملزما تؤديه الحكومة دستوريا...

وحتى هذه اللحظة لم نجد من جانب حكومة السيد المالكي المجسدة اليوم بمكتبه مباشرة وبشخصه، مع واقع إقصائي لأية شراكة وطنية، لم نجد سوى عسكرة للقضايا المجتمعية ومحاولة استعداء واختلاق انشطار مجتمعي طائفي متعمد ومقصود. فأولا مورست حرب إعلامية وسياسية وأمنية ضد أي محاولة للاحتجاج السلمي سواء التظاهر السلمي أو الاعتصام السلمي وكانت حصة التظاهرات قمعا استثنائيا ذهب ضحيته خيرة أبناء الوطن من شبيبة الاحتجاجات بمختلف المحافظات، وليس الأمر مقصورا على الأنبار بل وجدناه ايضا في الناصرية واقيتها وفي بغداد وضواحيها وفي غيرهما من البصرة حتى الموصل.

ومن جهة  أنشطة الجيش وتشكيله فإننا بمجابهة تشكيلات غير مقرة دستوريا قانونيا وقيادات تلك التشكيلات المخالفة للقانون هي الأخرى جرى تعيينها بأسس مشروطة بالتبعية لإرادة فردية خارجة على القانون. فيما تم إقحام تلك القوات بقضايا ليست من مهام الجيش أصلا! وتم استخدامها بروح طائفي واضح، مثلما تم في مرات عديدة تهديد الفديرالية [كوردستان] كما بقوات دجلة وغيرها..

ولقد أحسّ بهذا حتى حلفاء المالكي في إئتلافه السياسي الحزبي، وأوردوا رفضا بينا واضحا ومعلنا في أكثر من مناسبة لتلك الممارسات غير محسوبة العواقب.. وكان آخرها رسالة السيد مقتدى الصدر التي وجهها إلى الجيش العراقي.. وعلى الرغم من أنه يقود كتلة كبيرة ويشترك في تحالف مباشر مع السيد المالكي إلا أنه لم يمارس أكثر من توجيه كلمة أو رسالة إلى أبناء القوات المسلحة واكتفى بها ومن ثم فهي بالمجمل لن تعدو عن كلمة عابرة لا تأثير عملياتي لها.. إذ الأوامر العسكرية والعمليات الميدانية مشروطة حصرا بقائد تلك الحركات فرديا.

ولكن مثل هذه المهام الوطنية الكبيرة لا يمكن أن تجري من دون مجلس الدفاع الوطني ولا يمكن أن تجري عندما يتعلق الأمر بالأحياء السكنية من دون مراجعة برلمانية من جهة ومن دون تنسيق مع الحكومات المحلية وقوى المجتمع المدني وعلى وفق سياقات قانونية قضائية سليمة.. أما ما يجري بآليات خارجة على القانون من جهة وخارجة على احترام حقوق الإنسان، فهي مقدمة لمخاطر تهدد أطرافا وطنية عديدة بل هي تهدد النسيج الوطني العراقي بالانفراط عمليا ووقوع حالات احتراب غير مبررة إلا بكونها معارك ميليشيات طائفية ضد وجود مذهبي آخر في الإطار الوطني...

إن المعركة مع الإرهاب يجب أن تخاض بمهنية سليمة وبحركات عسكرية محسوبة بدقة وبالاستناد إلى :

1. خطط عسكرية محترفة.

2. حصر لميادين القتال ومنع تسلل قوى الإرهاب إلى المدن والمناطق الماهولة بالسكان.

3. التنسيق التام مع الحكومات المحلية وممثلي المجتمع المدني بطريقة مناسبة  وتخضع لإدارة وطنية.

4. عزل العمليات العسكرية عن أية عمليات أمنية مطلوبة في الضواحي والقرى والمناطق المأهولة. وفي وقت يجب التنسيق في تلك الفعاليات يلزم ايضا الخضوع للإجراءات القانونية التي تحترم الحقوق والحريات وتترفع على الوقوع بتجاوزات وانتهاكات حقوقية.

5. فصل أية قضايا خلافية سياسية عن الفعاليات العسكرية الجارية.. وبقدر تعلق الأمر بالشان العسكري يلزم تجنب أية ممارسة تعتدي على الفعاليات الشعبية السلمية.

6. الالتزام بالخطاب الوطني بدل الشحن الطائفي إعلاميا سياسيا. وقطع الطريق على أية جهة تمارس هذا النهج التقسيمي.

7. يجب وقف خطاب الربط بين الإرهاب وأتباع مذهب وسكنة منطقة عراقية بعينها.. والتوجه للكشف عن منابع الإرهاب الذي لا دين له ولا مذهب.

 

إن الأعمال غير محسوبة العواقب للسيد (القائد العام) للقوات المسلحة ولعناصر تمارس دورا توجيهيا بالخروج على القواعد العسكرية ولخلط الأوراق المتبع اليوم بين الحرب ضد إجرام داعش والقاعدة وبين مهاجمة السكان الآمنين إلى جانب إدارة المعارك بطريقة ميليشياوية وبتعبئة ثأرية طائفية؛ إن هذا الخطاب وتلك السياسة لن تنتهي من دون تعريض الوطن والشعب لكوارث ردود الفعل في ظروف الشحن الطائفي التي وصلت لمستوى مترد بسبب نهج مرضي معروف ولطالما تم التنبيه عليه..

 

يجب فوريا اتخاذ موقف حازم وحاسم من شركاء العمل الحكومي يستند إلى:

1. دعم الجيش في عملياته ضد قوى الإرهاب.

2. الامتناع عن أية ممارسات خارجة على القانون بخاصة الاعتداءات على المدنيين من أبناء العراق في اية محافظة تجري فيها العمليات.

3. منع خلط الأوراق والامتناع عن تصفية الحسابات السياسية الحزبية الطائفية ووقف حملات الاعتقال والتصفية فورا..

4. مراجعة العملية العسكرية من أطراف القيادة العليا وطنيا ووقف حال التفرد العبثي الخارج على الدستور وعلى التوافقات السياسية.

 

 

ومن أجل ذلك يجب عقد اجتماعات عاجلة فوريا في بغداد وأربيل بين الأطراف المعنية بالموضوع ويكون من المهام تهيئة الأجواء المناسبة لمتابعة مطاردة داعش والقاعدة ومجرميها من جهة مع وقف نهائي لأي تعرض للقوى المدنية والأنشطة السلمية و رد الاعتبار والتعويضات الحقوقية المناسبة حيثما ثبت اعتداء وتجاوز..

 

حصر المناطق الحربية ومنع ممارسة حالات الطوارئ خارج تلك المناطق أي استمرار العمل بالقانون والإجراءات القضائية المعتادة حيثما كان هذا سليما ومنتظرا.

 

إنّ الموقف الجاري الآن هو معركة تريد قوى التخريب والدمار الإرهابية أن تجر البلاد غليها مستغلة خطل السياسة الطائفية وتهورها وانجرارها للأعمال الثارية والعشوائية بطريقة باتت تهدد الوضع العام بانفلات وبتحولات نوعية خطيرة...

ومن هنا وجب على كل القوى السياسية ان تعلن موقها وألا تكتفي بالبيانات والرسائل التي لا تعلو على كونها تبرئة ذمة وتنزيه موقف أو جانب أو جهة بصيغ أخلاقية لا تنقذ الوضع الذي ينتظر موقفا حازما فاعلا ومؤثرا يقف بوجه ما  ينتظرنا من نُذُر الانجرار لمهاوي أكثر مما هو عليه اليوم..

فلنقف معا وسويا وبروح وطني ضد قوى الشر الإرهابية

ولنقف معا وسويا مع أهلنا من المواطنات والمواطنين الأبرياء ومن أولئك الذين يمارسون الأنشطة السلمية مطالبين بحقوقهم..

إن الحرب ضد الإرهاب تلتقي بالتمام مع حربنا من أجل تثبيت أركان دولة مدنية ديموقراطية تلبي مطالب الشعب..

فيما الأمور ستنقلب إلى حروب عبثية بين قوى ميليشياوية فتطحن الشعب بين فكي رحاها إذا ما تُركت لخطاب إدارتها ثأريا طائفيا كما يجري اليوم...

وتحية لكل جندي ولكل قطعة عسكرية تدرك مهامها وتواصل تنفيذها وطنيا وبأعلى روح مسؤول ضد الإرهاب

وتحية لكل سياسي وطني يرفض خلط الأوراق ويعمل على أفضل ممارسة وطنية سليمة تترك الأمور بايدي عناصر عشائرية أو مناطقية او طائفية

يجب أن نحافظ على عمقنا المؤسسي المدني السليم لدولة تخدم مواطنيها

 ولينتهِ زمن التبرير والانحياز الطائفي فالسفينة في لجج المخاطر ولا يمكن القبول باستمرار خطاب التضليل.