معارك الأنبار بين اختلاط أوراقها والرد المنتظر

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

 

تستمر معارك الأنبار بمطحنتها الجهنمية. ومن المؤكد فإن الضحية في هذه المعارك لن يكون سوى المواطن العادي المبتلى. وفي أتون المحرقة التي أتت بها قوى الموت والدمار بالإشارة هنا إلى قوى الإرهاب من داعش والقاعدة والأسماء التي تعلو راياتها ملطخة بدماء الأبرياء، يكون من الطبيعي أن نسمع بوضوح صرخات الاستغاثة التي تأتي من هناك حيث النسوة والأطفال والشيوخ والحاجات الإنسانية الطارئة بدرجة يمكن أن نسمي فيها المحافظة منطقة منكوبة نتيجة الحرب الدائرة بلا رحمة.

ومن المؤكد أيضا هنا أن يصغي أصحاب الضمائر الحية والحركة الحقوقية والقوى التقدمية والدفاع عن مصالح الشعوب إلى تلك الاستغائة وأن تأتي الاستجابة مكينة مناسبة بمستوى المجريات التي تدمي القلوب. وتتنادى قوى الخير للتفاعل مع تلك الاستغاثات بتقديم المساعدات الإنسانية فضلا عن واجبات الحكومتين الاتحادية والمحلية.

إن المعارك الدائرة نتيجة تداخلات كثيرة ومعقدة التبست واختلطت الأوراق فيها. ولعل بعض الاصطدامات لا يمكن تبريرها أو قراءتها إلا نتيجة لهذا الاختلاط في الأوراق. وسيكون من واجب الجميع توضيح الخطوط الفاصلة بين أصدقاء المواطن وأعدائه. بين قوى السلطة الشرعية من جيش وطني وشرطة اتحادية ومحلية وقوى العشائر التي ثارت لطرد الغزاة الإرهابيين الغرباء من جهة وبين قطعان الغربان من الناهقين خلف الغرباء القتلة المجرمين..

 

وسيكون مهماً على المستوى الميداني والتعبوي أن تجري المبادرة سريعة لاحتواء خلط الأوراق من جهة والتباس بعض الأمور وولوج الحلول الأنسب والأنجع لإنهاء المشكلات التي جرت في الغربية.

 

ولعل أبرز نتيجة نتحصل عليها من هذا الاتجاه هو معالجة الأخطاء التي يمكن أن تكون وقعت من أطراف بعينها ينبغي لها أن تحرص على إنقاذ ما يمكن إنقاذه بفضل مراجعة المواقف والحوار العميق مع الشركاء والتفاعل معهم إيجابا بما يلبي الخروج من تلك الوقائع بطريقة سليمة وتجنب أبناء المحافظة مزيد خسائر.

 

إن لقاءات تنسيقية بين القيادات الحكومية والوطنية المدنية باتت ملزمة مثلما جرت من قبل في الملمات وأوقات الشدة لتجاوز الأزمة. ومنع أعداء الوطن والشعب من جر أي طرف وطني إلى مآزق وميادين غير محسوبة.

 

وللعراقيين في القيادة الكوردستانية مواقف مشهودة يعرفونها فيها إذ يتطلعون إلى أن تقدم المبادرات الفاعلة لحسم الموقف من جهة وللتفاعل الإنساني مع أصوات الاستغاثة الشعبية فضلا عن ثقة الشعب العراقي بتلك القيادة التحررية بتحمل المسؤولية الوطنية عراقيا للجم قوى الإرهاب وعناصرها الدموية التي تحاول الضرب بقوة في الوسط الشعبي!

 

إن من يقرأ المجريات في الأنبار اليوم يجد التخبط من بعض المسؤولين هناك في إعلان الوقائع ومتابعتها ميدانيا وربما كان الإعلام في حيص بيص من المعلومات الواردة والمتناقضة ولكن الواقع يقول إن المعارك على أشدها بين طرفين رئيسين طرف تمثله قوى شعبية بتحالف العشائر وروحها الوطني وانتفاضها من أجل الكرامة والدفاع عن العرض والأرض وطرف من الغرباء وبعض أوباش من غربان ناعقة خلف المجرمين الإرهابيين.

 

والمشكلة في اختلاط المواجهات أن القوى الإرهابية وجدت لها منفذا وباتت تتخفى في لحظات اشتعال المعارك بين المدن والضواحي والأحياء والقرى ما قد يضلل ويغش ولكنه لا يمكن أن يخفي معدن المجرمين وأهدافهم الإجرامية.. ولن يخفيهم عن أعين أبناء الأنبار الأبرار لوطنهم ووحدته وحريته ولسلامة مسيرة الشعب العراقي موحدا بكل مكوناته.

 

من هنا بات مهما التفاعل موضوعيا مع أبناء المنطقة من جهة التسليح والتخطيط ومن جهة التنسيق والمؤازرة الميدانية لوجستيا من قبل قطعات الجيش العراقي... ومثل هذه المهام تبقى بحاجة لتنظيم جيد من خبراء يشرفون على الأداء الميداني بطريقة لا تسمح بالتجاوز على الجيش أو ما قد يطفو من بعض حالات من الاعتداء على قطعاته خطأ، ولأسباب غير سليمة فالأولى دائما هو تعزيز التحالف بين الجيش والشعب وهذه اللحظات تتطلب متانة أقوى وأبقى بالخصوص... وبهذا يبرهن تحالف الشعب والجيش على متانة الجبهة الداخلية ضد الخروقات التي يحتمل تزايدها بسبب من طابع الموقف الجاري هناك.

 

إن هذا لن يكون ولن يأتي من دون ضغوط شعبية وحملات مدنية واسعة مخصوصة ومن دون فتح كل المنافذ والجسور للتفاعلات الشعبية الوطنية بين أبناء المحافظات بما يؤدي لمزيد من أشكال التعاضد والتعاون المقدس وطنيا..

وهو لن يأتي ولن يكون ما لم تتجه قوى الشراكة نحو حوار بناء يضغط باتجاه الحل والحسم بخطط سليمة تتبناها القيادة الحكومية...

وبخلاف هذا فإننا سنجد أنفسنا في مآزق بلا نهاية تتوالد بطريقة متعاقبة بما يطيح بمزيد من الخسائر البشرية والمادية وبما يهدد الوحدة الوطنية وبتمزيق البلاد وبما لن يقف عند مناطق الغربية بل سيمتد باتجاهين جنوبي وشمالي فيهدد المناطق الفديرالية الآمنة والآمنين فيها بقوى الإرهاب واستباحتهم الحرمات والأنفس.

 

إن الحل المنتظر إذن يكمن في حملة شعبية واسعة بمستوى وطني للتضامن مع أهلنا في الأنبار واجتماعات وطنية بمستوى الحكومة الاتحادية لترتقي بمسؤوليتها ولتنهض بواجباتها بصيغ تتناسب وما يجري على الأرض بخاصة أننا هنا أمام واجب دفاع سيادي ضد غزاة غرباء من قطعان الإرهاب وهي المهمة الوطنية المنتظرة من جيشنا كي يطهر الغربية من رجس الدخلاء.

 

ولابد لنا من الاستعانة بالخبرات الصديقة من القوى الحليفة وبالطاقات الخلاقة والمكينة والخبيرة للبيشمركة وقيادتها بحسب قرار وطني من جهة ومن جهة القيادة الكوردستانية فهي لم تتوان يوما عن المهام الوطنية الكبرى وإن كان الأمر دوما يجري بحسابات موضوعية دقيقة وبقراءات يتم التشارك فيها بمستوى وطني اتحادي وهو أمر طبيعي مؤمل منتظر دائما.

 

إن معارك الأنبار ليست معارك منعزلة في تلك المحافظة الصحراوية الممتدة بل هي معارك تهم كل عراقي وتهم جميع الأطراف الشريكة في بناء العراق الفديرالي الجديد. ومن هنا فإن قراءتها قراءة وطنية تبقى ضرورة للحسم وإنهاء الأزمة.. وتبقى حال تحشيد الجهود وإبراز حال التناخي بين العراقيين والتعاضد هي المسؤولية المنتظرة من جميع العراقيين

                                  

إن هزيمة الإرهابيين حتمية ولكننا نريدها سريعة عاجلة وحاسمة نهائية وقاضية وباقل قدر من الخسائر نبتعد فيها عن المدن والأماكن الآهلة بالسكان..

وتلكم قضية ممكنة بفضل مزيد التلاحم والوحدة والتنسيق وطنيا، وهو ما نرى بوادره عبر مبادرات كوردستانية وأخرى وطنية عراقية شعبية ورسمية.