قشمريات

بين عمامتين؟؟!

معالجات: قصَّخون عراقي

 

           2005\ 01 \ 03

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

في مجتمعنا اليوم، كثيرا ما نجد أصحاب الأعمة (جمع عمامة) يقطعون هذا الطريق أو يسدون علينا هذه الواجهة أو تلك... والمفاجأة لا تكمن في لبس العمامة نفسها فهي من اللباس التقليدي المعروف عن مجتمعنا في القرون السالفة المنقرضة.. وطبعا لن يرضي قولنا هذا مرتدي العمامة اليوم.

أما لماذا فالأمر سيكون بيِّناَ َ واضحاَ َ عندما يتأكد لنا سبب ارتداء الأعمة بالأمس؟ وذرائع لبسها اليوم؟!  فمن الطبيعي أنْ ندرك أنَّ الملبس مثل المسكن يعود طرازه وخصوصيته إلى استجابة منطقية للبيئة المحيطة. ولهذا ارتدى البدوي لفافته الثخينة تجنبا لتنفس الغبار ولضربة الشمس اللاهبة الحارقة المميتة وهكذا دواليك..

وتلك كانت عمامة الأمس أسبابها صحية صحيحة ومنطقها وما يكمن تحتها كبير مثير. وللحق فهي قيمة بحد ذاتها في يومها ما جعل أهل زمنها يرون فيها ما يرون من التبجيل للابسها لأمر في أنفسهم صحيح صائب..

ومن الطبيعي أن نجد العمامة ومنطق ارتدائها قد ساد في زمن غادر الزمن الذي سبقه مباشرة أو انقضى قبل دهر فلكل عصر لباسه ولم يكنْ في ذهن لابس العمامة أنْ يُسقِط عليها قدسية وهي مجرد قطعة قماش يستعملها ليعيش في محيطه بطريقة ملائمة..

ولم يدُرْ في خلده أنْ يُسقِط عليها القدسية فتسقط عنه هو القدسية؛ ولم يفكر بقدسية شئ جامد أو حي بقدر ما فكَّر بكرامة الإنسان المفكِّر.. ولو أنَّ ذاك المعمَّم من زمن العمامة وارتدائها عاش اليوم للبس الجينز والقبعة لأنَّهما أكثر عملية في مواجهة متطلبات البيئة من جهة الأردية والملابس.. بلى لارتدى مثلنا ومثل خلق الله لأنَّه لبس ما وجده عمليا يواجه به طقس يومه..

أما لماذا اليوم نرتدي لباساَ َ بالتحديد فلا يعود قطعاَ َ إلى أسباب موضوعية كالتي ذكرنا ولكنه يعود إلى مجرد "تقليد جامد" لا ندري دوافع صحية أو صحيحة له بقدر ما له من ادعاءات وذرائع واهية يتقنَّع بها لابسوها! ولا عجب فهم يريدون القول بأنَّهم ينتمون إلى جيل الأمس الصالح فهل كان كل ماضينا صالحاَ َ فنأخذه على علاته بكل تفاصيله وهوامشه؟

وهل ارتداء لباس أجدادنا هو ما يعني التزامنا بتصوراتهم ومبادئهم؟ وهل تقليدهم في مظاهرهم هو ما يعني تمسكنا بجواهرهم؟ هل تقودنا سلوكيات غير سوية إلى التمسّك بأخلاقيات سوية؟ وهل ما يصلح للطويل يصلح للقصير؟ وهل يستوي البدين والنحيل في ملبس أو مأكل أو حركة أو سكنة؟

لابسو الأعمّة وأحيانا الطرابيش اليوم كُثـُر، فهل كلُّهم سواء في أسباب أو حجج ارتدائهم إياها؟ وهل كلُّهم سواء في دوافعهم أو ذرائعهم للبس الأعمّة؟ يبدو أنَّهم يختلفون فالعمامة نفسها تختلف من حيث القيمة والهيبة والدرجة .. وبقطع النظر عن قلة أو ندرة ممَّن يرتديها لأسباب تخصه اعتقادا وإيمانا؛ فإنَّنا يمكن أنْ نرصد كثرة كاثرة ممن يستحقون توصيفات قصَّخوننا العراقي ومعالجته..

فمَن يلبس عمامة مرتفعة واسعة الفلك ليس غير صاحب الرقبة [العتوية] أيّ الغليظة المتينة كي يستطيع حمل العمامة وما فيها [والله أعلم والراسخون في العلم بما فيها؟]، ومن يلبس عمامة مرتفعة دقيقة ليس غير صاحب الرقبة القصيرة الذي يغصّ بكلماته فلا يطلقها إلا وهي تنزلق انزلاقها السريع في منحدر العمامة العمودي الحاد.

ومن يلبسها طابقين عرضاَ َ وثخنا فهو يمسك بقوة بجمجته المترنحة على عنق دقيق طويل أو كما ذكر لنا الرواة والعهدة عليهم فيما رووا للإمساك بثمين المُصادَر من خلق الله.. ومَن يلبسها بيضاء غير مَن يلبسها سوداء أو خضراء ولكلّ حجته يقيمها فلا يقعد لأمره أمر ولا يستوي له مقعد..

اللهم إنَّهم يدّعون النبوغ والافتاء في أمرنا وهم كما [حجي راضي في الأمية جهلا] لم يفكوا حرفا، يتهموننا بالعمى عمّا يختفي وراء أعمّتهم من علوم لا يتفتق مثلها من غير لابسي الأعِمَّة.. وهم عميان تغطي [خلاقين أو خلاكين] أسمال أعمتهم عيونهم عن الإبصار ...

والمعمَّم يفرض نفسه مقدَّسا لا تجوز مخالفته؛ الخروج عليه معصية واشتطاط وجب تكفيره فجلـْدُ صاحبه بعصا المعمَّم.. بالمناسبة فلا يجوز لمعمَّم أن يمشي بغير عصاه.. استجابة  لقول (الشاعر القشمري) "العصا لمن عصا"..

تُرى ماذا لو خضع المعمَّمون للقوانين وجرى تفتيش ما تحت أعمَّتِهم (ليس جوّه العمامة إلا أثر الـ...)؟ وماذا لو خلعوها وبانَ محيَّاهم الحقيقي وتعرَّف أبناء الحي على شخوصهم؟ بخاصة بعد أنْ بدأ الشارع يتساءل عن سرِّ اختفاء عدد من أشقياء "الحارة أو المحلة" ونصَّابيها وطرزاناتها ولصوصها؟!

في الحقيقة هناك أقاويل تشير إلى الشبه الكبير بين مفتي في منطقة [الفضل] وشقي سابق من [الشواكة] وحجة في منطقة الكفاح والمللا فيها أيضا ولصَّيْن اختفيا أو [تخفيَّا] من باب الشيخ والنهضة...

وأقاويل شبه مؤكدة عن جزية مفروضة على شارع الــ... بقوة القبضاي سابقا وحاليا بسلطة قدسية العمامة والعباية .. والحق يُقال بعد نجاح برقع العمامة والعباية في جني الأرباح جرى رفع أسعارهما في السوقين المحلي والإقليمي...

ويُقال والعهدة على صحف المعممين الخضراء والسوداء أنَّهم بعد توقف الصناعة والزراعة وأشكال الاقتصاد المنتج في أرض الرافدين اضطروا للتجارة الإقليمية وتنشيط مصانع الأعمة والعبايات في دول إقليمية مجاورة أصابها الكساد بعد افتضاح أمرها هناك وهي تبحث عن سوق بديل كما السوق العراقية التي أصابها عطب الإرهاب بالعطالة والبطالة هذه الأيام حتى خلت إلا من تجارة الذبح والردح..

غير أن القصَّخون العراقي والعهدة على روايته هذه المرة يقول أنَّ ما يصل من أعمّة للسوق العراقي هي مجرد "خردة" لا تصلح للاستهلاك والتخفي بدليل أنَّ لابسيها سرعان ما افتضح أمرهم وبدأت الشكوك تحوم حول مصادر أموالهم المكدَّسة تحت وسائدهم ليلا  وفي أعمَّتهم نهارا جهارا [أشكرا أخبرا] ..

وإذ يسود اللغط بالخصوص تحاول بعض العمامات ذات المقام العالي أنْ تعقد مؤتمرا معمما خاص بالعميان عفوا التعسان من المفتضح أمرهم لبحث المشكلات التي تجابههم من أجل مزيد من التخفي والتقنع أو الغش والاختفاء حسب مصطلحات الجيش المدحور لصاحبه ساكن الحفر والجحور...

والقصص تطول وتجول وتصول في الميدان الخالي اليوم لكل من هب ودب يلبس العمامة ليستحصل المقسوم من رزق نهاره فيعود ليخلعها ويعدّ حصيلة ليلة نصبه واحتياله وخاوة قدسيته المزيَّفة..

يقول القصَّخون العراقي لم تنطلِ على شعب الرافدين يوما حيلة جائر ودهاء مخادع ماكر؛ فسرعان ما يفتضح أمر أولئك لهذا الشعب الصابر الذاكر الشاطر ومن ثمَّ يعاود الشعب طريقه وخياره ويعزف عن قشمريات زمنه من أدعياء ذوي جماجم فارغة جوفاء  تعود لكثير من لابسي العمائم تقنُّعا وتخفيا، زورا وبهتانا؛

إنَّ تلك العمائم ليست من مقدَّسات حياتنا كما يزعمون ويدعون ويُكرِهون الناسَ على معاملتها بل صدقا وحقا هي من قشمريات زمن عراقنا الجديد؟؟!