أوضاع التعليم العالي والجامعات العراقية في ندوة تلفزيونية

متابعة: ألواح سومرية معاصرة  19 يناير كانون الثاني 2006

 

في ندوة تلفزيونية عقدتها قناة العالم مساء الخميس 19 يناير كانون الثاني نوقشت قضايا التعليم العالي في العراق وأوضاع الجامعات العراقية وإمكانات الحلول وآفاقها.. وقد كانت المحاور التي أُعدِّت للندوة من تلك التي أمكنها تغطية أبرز الإشكالات التي تجابه التعليم العالي والجامعات، كما إنَّ مقدم البرنامج الشاب محمد الكاظم قد استطاع بهدوء بيِّن أن ينجز مهمته مع ثلاثة من الأكاديميين العراقيين بتوفيق يُثنى عليه...

شارك في الاستديو معالي رئيس الجامعة المستنصرية الدكتور تقي الموسوي وكان ضيف البرنامج من خارج الوطن بالمُغترَب الأوروبي معالي نائب رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك الدكتور تيسير الآلوسي  كما ساهم لاحقا معالي رئيس جامعة بغداد الدكتور موسى الموسوي..

وفي الإجابة عن المحور الأول الذي انصبَّ على أوضاع الجامعات وكيفية تجاوز الإشكالات التي تجابهها قال الدكتور الموسوي رئيس الجامعة المستنصرية: إن العراق بلد الحضارة والمستنصرية من بين أقدم الجامعات الموجودة وأن الجامعة العراقية بعامة لها تاريخها ودورها العلمي المرموق.. وأن ما يجابهها من مشكلات يمكن أن يُحلّ بطرق موضوعية وافية وليس في الجامعة اليوم ما كان يحصل من مصادرة حزبية ومطاردة وتضييق وما شابه...

وبعد أن حيّا الدكتور الآلوسي نائب رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة القناة وكادر البرنامج والضيوف أشار إلى أن العراق يظل موئل تراث الإنسانية في العلوم والمعارف وأنه يمتلك أصالته في المسيرة ألأكاديمية للجامعات وأن جامعاته لديها على الرغم من آثار الأوضاع المحيطة، ذخر كبير يتمثل في علماء العراق وأساتذته ذوي الخبرات العريضة.. ولكن الوضع لا يمكن وصفه بالوردي إذا ما نظرنا إلى ما تركه النظام القمعي من تخريب في البنية الأساس للجامعة فالركائز في حال بائس ما يتطلب إعادة ترميم الأبنية القديمة وتأهيلها وبناء الجديد ومن ذلك الاهتمام بالمختبرات والقاعات التخصصية والأدوات اللازمة ومن أخطرها أجهزة الكومبيوتر التي تُعدّ عماد الجامعة الحديثة...

وهنا أشار معالي رئيس الجامعة المستنصرية إلى أن الجامعة اهتمت بالكومبيوتر وتعمل على تأهيل كوادرها وطلبتها على التعامل معه بأفضل الإمكانات المتاحة فضلا عن محاولة تجاوز حالة العدم التي وصلت في الإرث الذي أخذته المستنصرية بعد انهيار النظام السابق ولكنها اليوم اسوة ببقية الجامعات العراقية تحث الخطى من أجل جذب أفضل المصادر والكوادر غليها إلى جانب ما أوجدته في السنوات القليلة الماضية في ظروف معروفة..

وقد تطرق معالي نائب رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة د. الآلوسي إلى مشكلة المصادر والمراجع العلمية الحديثة والثغرة الخطيرة التي تركتها السنوات العجاف لزمن الطاغية وقطعه الصلة بالمحيط الإقليمي والدولي في مجال الحصول على المصادر المناسبة للجامعة ومراكزها البحثية..

وأورد الدكتور الموسوي أن العراق قد بدأ يعاود مسيرة البعثات الدراسية والتفاعل مع المنجز العلمي الحضاري العالمي وعقد المؤتمرات بحرية تامة فضلا عن نقاء الجو الجامعي من مشكلات تحزيبها ومصادرتها كما كان يحصل في العهد السابق.. وبالتأكيد فإن الجامعة بحاجة للدعم في إطار مهمات الوزارة..

وتبيانا لموضوع آليات الدعم المطلوب قال الدكتور الآلوسي: إنَّ الحكومة ملزمة بتقديم دعم مناسب لكون الجامعة تمثل العقل المدبِّر للمجتمع ومن كونها الأداة لا للتخطيط حسب بل لمسيرة إعمار البلاد.. وينبغي للدعم أن يحظى بتخصيصات مالية كافية للبعثات والمؤتمرات العلمية ولمراكز البحث العلمي وما تحتاجه من تفاصيل لأنشطتها وفضلا عن ذلك فلابد للوزارة من تطوير تشريعاتها لكي تدعم مسيرة الجامعات وتسجيل جهودها العلمية وتسجيل الجامعات المفتتحة في المحافظات المنسية في زمن الطاغية ونظامها الذي استباح كل شئ وصادره وجيَّره لصالحه، ووجوب الاعتراف بتلك الجامعات الجديدة التي بدأت مسيرة تصحيح الأوضاع المنحرفة الماضوية ومن ذلك خدمة أهلنا في محافظات الجنوب العراقي وتلك التي افتتحت لتخدم مئات ألوف العراقيين الذين انقطعت بهم السبل في المهجر وآلام غربته وتعقيداتها.. وضرب مثلا في تأسيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك بوصفها جامعة عراقية تعمل خارج التراب الوطني وتنتظر دعمها بتسجيلها في وزارة التعليم العالي العراقية والاعتراف بها أسوة بزميلاتها الجامعات العراقية الأخرى..

وقد وافق الرؤية الدكتور تقي الموسوي مؤكدا على أهمية التعاطي مع التبادلات الدولية في المؤتمرات وفي الاتفاقات التي تعقد مع الجامعات الأخرى.. وأكد على أن المستنصرية تغذ الخطى لمعالجة مناهجها وتصحيح كل ما ينبغي في زمن الحريات.. ومن ذلك إزالة المناهج المسيَّسة التحزبية والإتيان بأخرى علمية موضوعية لا تخضع لفسلفة التضييق والمصادرة الحزبية المحضة بخاصة في مجالات العلوم الإنسانية...

وهنا شدَّد الدكتور الآلوسي على أن تحديث المناهج يأتي من طريقين الأول منع الأدلجة وسيطرة الحزبية الضيقة وفسلفتها في المصادرة السياسية وفي عرقلة العلوم ومسيرتها.. والآخر يأتي من مواكبة الحداثة العلمية والمعرفية ويمكن للاهتمام بالمحاضرة الجامعية ونوعيتها وتطوير مصادرها والأساتذة الأكفاء الموكول إليهم أدائها وتعزيز الاهتمام بالبحوث لمزيد من تطوير كفاءة الساتذة والعودة على المجتمع بفوائد جمة من هذا التحديث..

ولقد أكد الدكتور الموسوي بخصوص التشريعات التقليدية ما ينبغي تجاوزه لصالح منطق العصر ومسيرة الديموقراطية في جامعاتنا، على أنَّ الجامعة العراقية تظل نبراسا في تقاليدها وفي مسيرتها وأنها تخلو من المشكلات الكبيرة التي تشكل ظاهرة للتوقف وأن ما يُسمَع هنا وهناك ليس سوى الأحداث الفردية المحدودة..

وفي الوقت الذي اتفق الدكتور الآلوسي مع رؤية مكانة الجامعة العراقية ومع سلوكياتها العلمية الرصينة فقد أكد أيضا على أهمية مراجعة اللوائح والقوانين التقليدية التي سُنَّت في أزمنة انهارت نظمها وفلسفاتها الاستغلالية مثلما أكد على على ضرورة توجيه المناهج توجيها علميا بحتا واحترام الحرم الجامعي لا بوصفه مبنى ومن الجهة "الأمنية" فحسب بل وفي التفاعل مع مجريات الأوضاع داخله بخاصة في احترام مكانة الأساتذة ومنازلهم السامية في الحياة العامة.. وقد يكون لاتحادات الطلبة مهمة التهدئة وضبط السلوكيات المناسبة بالخصوص..

وكان الدكتور تقي الموسوي قد أكد أيضا على ابتعاد أساتذة الجامعة عن أجواء الانحياز الحزبي وعن إدخال منطق الخطاب الحزبي في المحاضرة الجامعية ما يخلق الاحتقانات والتوترات التي أشار إليها مقدِّم البرنامج، مشيرا لاهتمام الجامعة المستنصرية بالخصوص بالأستاذ ومنع مثل هذه السلوكيات والعمل على تطوير الكوادر ببعثات مخصوصة وأنشطة تتناسب والجهد المؤمل..

وقال الدكتور الآلوسي: إن الجامعة العراقية بوصفها الجهة التخطيطية الأولى للدولة والمجتمع لا تنفصل عن المجتمع وهي تعمل على توظيف جهود مؤسسات المجتمع المدني في المسيرة لمزيد من عمليات التنوير والتطوير في الحياة العامة ولكن هذا لا يعني السماح للخطاب الحزبي الضيق أن يطغى أو يتدخل تدخلا اتلافيا سلبيا على الخطاب الأكاديمي، كما يبدو في تصرفات بعض الأفراد من اختراقات للسلوكيات الصحيحة في الحرم الجامعي سواء الموجهة تجاه الأستاذ أم الموجهة بالضد من التقاليد والأعراف  واللوائح السلوكية الجامعية...

وبخصوص أوضاع الأساتذة التي أثارها مقدم البرنامج في ضوء تحليل للأستاذ الآلوسي قال الدكتور تقي الموسوي: إنَّ ما يتعرض له الأساتذة هو جزء من الوضع العراقي العام وإن ما يصيب العمال أكبر بكثير مما يحصل للأساتذة وإن على الحكومة ضمان أمن الجميع ومنهم الأستاذ الجامعي الذي يشكل وجوده ضمانة لمسيرة إعمار الحياة العراقية الجديدة...

وقد علق الدكتور الآلوسي قائلا: إنَّ الحملة الموجهة ضد الأساتذة العراقيين هي حملة خطيرة موجهة للعقل العلمي العراقي   وعلى الرغم من كون الجريمة تطال جميع العراقيين والجامعة تظل جزءا من محيطها العام  إلا أن الهجمة بطريقة التفجيرات العشوائية التي طاولت بهمجيتها وبشاعتها جميع مواطنينا هي غير الهجمة المخططة لاغتيال أساتذة الجامعة بالمئات ما يعني كونها خطة ذات خصوصية وتعمّد مع سبق الإصرار ما يمهد لعملية تفريغ خطيرة للجامعة من كوادرها المؤهلة الكبيرة..

وبخصوص التفاعل بين الخارج والداخل أكد مرة أخرى معالي رئيس جامعة بغداد الدكتور موسى الموسوي على أن الجامعة العراقية تتخذ قراراتها باستقلالية وتتجه إلى تعزيز علميتها وروحها الأكاديمي وتعمل على التخلص من الإشكالات في أجوائها وتتفاعل مع أحدث التطورات العلمية في المحيطين الإقليمي والدولي وهو ما عالجه في حديثه معالي رئيس الجامعة المستنصرية وقد تناول معالي نائب رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك الدكتور الآلوسي مسائل الاتفاقات بين جامعاتنا العراقية والجامعات في الدول المتقدمة والمتحضرة وأهمية اتفاقات التوأمة لتعزيز التوجه العلمي الأكاديمي لدينا ولتطوير كفاءاتنا وإمكاناتنا وقال الدكتور الآلوسي إننا في الأكاديمية العربية المفتوحة نعدّ أنفسنا بوابة للجامعات العراقية إلى هذا العالم ونعتمد في مؤتمراتنا على توطيد تلك الصلات الفاعلة الإيجابية لصالح بناء العقل العراقي وتحصينه والارتقاء به إلى ذرى مجده الحضاري وإرثه المعرفي الكبير..  مشيرا للتوأمة بين الأكاديمية العربية المفتوحة وعدد من الجامعات العراقية  داخل الوطن  فضلا عن أنشطة مشابهة لعديد من جامعتنا المميزة في حيوية إدارتها وأساتذتها..

وكان رؤساء الجامعات العراقية الثلاث الذين شاركوا في الندوة قد اجتهدوا لتوكيد مسألة ضرورة الاهتمام بالأستاذ الجامعي وتطوير كفاءاته عبر برامج معدة في جامعات بغداد والمستنصرية والعربية المفتوحة فضلا عن مسائل إعادة المفصولين والمهجرين والعمل على جذب المغتربين والإفادة من جهودهم في جامعتنا مع العمل على تطمين أمن وأمان الأستاذ الجامعي ومنع أولئك المجرمين التكفيريين ومن المخططات الأخرى في اختراق العقل العراقي باغتياله وتصفيته بمختلف الأشكال ومنها جريمة التصفية الجسدية والاغتيالات.. ومن ذلك ما اقله الدكتور الآلوسي بخصوص الحملة الوطنية والدولية للتضامن مع الأستاذ العراقي ضد الهجمة الغاشمة.. هذا فضلا عن تطمين الظروف الحياتية المتعددة للأستاذ والطلبة...

وبعامة فقد كانت ساعة البرنامج بمشاركة فاعلة ومكثفة من ضيوف القناة  وتغطية أبرز محاور أوضاع التعليم العالي ومهمات المعالجة.. وهو ما بدا بالنتيجة في الحاجة الجدية لمزيد من اللقاءات والتفاعلات والتغطية لتلك المحاور ذات الأهمية الكبيرة في الحياة العامة وليس في مجال التعليم العالي والمؤسسة الأكاديمية الجامعية العراقية..

وبدا من تفاعل الآراء رصانة الهدوء العلمي والموضوعي لدى ضيوف البرنامج والابتعاد عن حماسة الخطاب السياسي ما يدعو لتثمين توجه القناة للبحث عن العقل العلمي للمجتمع وعن أساتذة ينتظر تقديمهم لمجتمع يتطلع لأدوارهم وفاعليتهم التي تحتاج لتسليط الأضواء عبر إعلام مميز.. ولن يبخل أساتذة الجامعات العراقية برؤاهم وأفكارهم التنويرية لوسيلة إعلام بعينها...

وألواح سومرية معاصرة تحيي المشاركين وتثمن جهودهم ومشاركتهم ومعالجاتهم مثلما تحيي أيضا برنامج العراق الآن وتسليطه الضوء بموضوعية وأسئلة غطت كثيرا من المحاور المهمة وبأدوات تقديم طيبة.. متمنين لإعلامنا مواصلة المشوار.. لإشكالات تتطلب مزيدا من الجهد الإعلامي المستمر... وفي الوقت الذي تعتذر متابعة ألواح سومرية عن الإيجاز الشديد في تلخيصها تأمل إتاحة الفرص الكافية لجمهور فضائية العالم بعرض المادة ..