البرلمان الثقافي العراقي في المهجر ينعى

الأديب نجيب محفوظ

 

 

يرحل اليوم عنا إلى عالم الأبدية والخلود الكاتب العربي المصري الكبير نجيب محفوظ.. فتغادرنا قامة ظلت طوال ما ناهز العقود السبعة من الإبداع راية وهوية للتنوير والحداثة في الفكر العربي والإنساني. فلقد كان نجيب محفوظ أكبر في تأثيره ومساحة وجوده من أديب مميز من الطراز الأول أو من مستوى نوبل وجوائز التكريم..

إذ كان أدبه رؤية بعيدة الغور في قراءة الفلسفة الاجتماعية ونقد ما فيها بما يتجه بالدفة نحو التأسيس لقيم بديلة عندما قرأ طبقات المجتمع قراءة متفتحة متقدمة وعندما حلل الشخصيات المتنوعة في محيطها بدءا بالشخصيات الهامشية بحجم تعددها وتشظيها مرورا بتلك الشخصيات النمطية الممثلة لقيم اجتماعية وسلوكية تقليدية وليس انتهاء بالمقابل الآخر من الشخصيات الثائرة المتمردة..

وشكل أدبه الغني الثرّ واحدة من أهم ما حوته المكتبة العربية في قراءة التاريخ الحضاري والتاريخ الوطني لمصر القديمة والحديثة فكان محفوظ في ذلك يلعب دورا أخطر وأكبر مما لعبته الخطابات الأخرى في إيصال الرسالة المعبرة عن الشخصية الحضارية المخصوصة..

ولأنه المميز في فنيته وأدبيته وشعريته فقد استطاع اختراق الخطابات السياسية والفكرية والاجتماعية ليدفع برؤى تحريك النسغ في أنسجة الهيكل الإنساني التي كادت يوما تتكلس أو انحرفت مرات عن جادتها لخلل أو آخر، فكان روحه النقدي مبضعا للعلاج العام بمقابل تلك الأمراض والأوصاب…

سيظل نجيب محفوظ  العلم الأبرز الذي طبع القرن العشرين برحلة غنية متنوعة ثرّة وبكل مفردات الخطاب الثقافي العام صاحب الردّ على خطايا مسيرة عاصرت أجيال عديدة وصاحب المبادرة التي تبقى بتأثيرها ما بقيت قراءة نصّه مادة للبحث وبلسما لمداواة الجرح وذلكم خير سلوان في فقدنا مثل هذه القامة السامقة الشامخة في عالم الأدب والمعرفة والثقافة…

إنَّ عزاءنا وإياكم في وداع نجيب محفوظ  شمس مصر الأدبية الساطعة واحدُُ. وهو لأدباء ومثقفي العراق والإنسانية كموقع نجم الشمال الهادي، وربان ترك العِبَر العصية على سكاكين الحقد الأعمى التي حاولت يوما أن تنال منه فبقي عصيا عليها وها هو يغادرنا بعد أن اطمأنَّ إلى وجود حشد من مبدعي الأدب والثقافة ونورهما الباهر المؤثر في حيوات بلداننا التي تتطلع إلى أقلام التنوير والانعتاق والتقدم..

وداع لرحيل إلى الأبدية وداع برفقة ما وضعه فينا ليكون الباقي بيننا روحا وثقافة.

وداع ودعاء بخلود الذكر الطيب لكبير كلمتنا التي أسمعت البشرية بكل اللغات..

والصبر والسلوان لعائلته ولأصدقائه ولزملائه ولأدباء ومثقفي مصر والعربية والإنسانية جمعاء حتى تلد إبداعات العربية نسيج وحده الآخر الذي يؤكد انتقال ديوان العرب من الشعر إلى شعرية الرواية التي أطلقها لفضائها الأرحب خالدنا نجيب محفوظ…

 

 

أ.د. تيسير الآلوسي

رئيس اللجنة التنفيذية للبرلمان الثقافي العراقي في المهجر

لاهاي هولندا 30 آب أغسطس 2006

  tayseer54@hotmail.com

Tel: 0031342840208