سيدة المقام العراقي الأولى: الفنانة فريدة تتألق في أمستردام

 

تعليق: ألواح سومرية معاصرة

 

الخبر احتفالية المقام العراقي بهولندا، حيث سفيرة الفن العراقي من زمن بغداد ألف ليلة وليلة ومن زمن شناشيل البصرة الفيحاء وأجواء مبدعيها أدبا وفنا ومن زمن الناصرية ومشاحيف الهور وزمن نينوى الآشورية وأربيل الميدية من أزمنة العراق الشامخة إبداعا جماليا كبيرا  أطلت سيدة المقام العراقي فريدة تصدح بحنجرتها الذهبية في أهم مباني الفن وأروقته بأمستردام العاصمة الهولندية.. في القاعة التي حفرت على جدرانها أسماء بيتهوفن وباخ وشوبان وموزارت وأبرزت طراز المعمار حاضن التاريخ وجمالياته..

أما الاحتفالية الأمسية فقد تطرزت بمشهد التخت البغدادي ومعزوفات منفردة على الجوزة بأنغام الفنان محمد حسين كمر بتلك الهوية الساحرة التي يمنحها لألحان جوزته مخصوصة به بتلاوينها وسحر تنويعاتها وتنقلها بين شفافية الحزن الريفي حتى أناقة الأداء المديني وفرائحيته.. فالسنطور عمدة فريق المقام وهو يشارك هنا بهوية عازف السنطور الأول الفنان وسام العزاوي الذي رصدت له أذن المتلقي شغفا في استزادة من ترنيمات وأصداء مصنوعة بمهارة وحذق.. وبعد أن حلقا بنا بعيدا في سماوات الوطن وشدو إبداعات أبنائه دخلت صاحبة القامة العراقية البهية لتهمس في الأفئدة المنصتة صوتها السحري بمقام حكيمي مع بستة حمد ياحمود.. ثم مقام حجاز ديوان وبستة مني شبدا وتاذيني.. وهي تتلون باللهجات المحلية واصوات مخارج الحروف بين ريفي ومديني ليقدم صورة عراقية تتغنى بتلك الأحرف تدفع المعاني النبيلة لكلاسيك الأداء العراقي..

وفي الاستراحة راح الجمهور الهولندي يبحث عمّن يعرض عليه أسئلته هل ما زال هذا اللون التقليدي الكلاسي حيا؟ كم حجم جمهوره، لابد أن يكون كبيرا؟ ولم نجد من يسأل لماذا الاهتمام والإنصات.. لأن هذا الجمهور البعيد المختلف في ذائقته وثقافته الجمالية الموسيقية هو الآخر وجد نفسه مهتما منصتا منشدا يطربُ مع تنقلات المقام بين تحريره وأوصاله فجلسته ومياناته حتى التسليم  وتوجه الصوت إلى همس الروح المصغية لانتهاء من مقام يدفع للبحث عن آخر..

سريعا توجه الجمهور يريد مزيدا في الفقرة التالية من البرنامج وتفتتح الفرقة بعزف منفرد على العود للفنان عبد اللطيف العبيدي الذي يعد بولادة مهارة جمالية أخرى.. ولسنا بعيدين عن الطبلة وإيقاعات ستحرك الجمهور غير المعتاد على كلاسيك المقام العراقي وتضبط له نبضات القلوب الراقصة...

بهية سيدة المقام في مقام مخالف وبستة امسلـّم ثم في نقلة تعبر الحدود في مقام دشت وبستة آه منك فمقام شرقي رست وبستات بغدادية تطرب جمهور الحضور لتتنقل بسلطنة واقتدار بصوتها الشجي تلك الفنانة الكبيرة بين أسماء أعلام من حضور الحفل بأعلام من المرأة وانتمائها لمدن العراق ومكوناته وأطيافه.. ولم تتوقف صاحبة الصوت الجميل على الرغم من أنها للتو تخرج من وعكتها الصحية قبيل أيام حتى تتحف جمهورها بأداءات طربية سريعة وها هي تتغنى بطالعة من بيت أبوها فتعود حناجر الجمهور لمشاركة أخرى مع الفنانة فريدة وفرقتها لتردد القاعة صدى الطرب الأصيل..

كل شيء جرى سريعا.. ومتعة هذه السويعات هي شحنة جمالية الفعل والأداء لدفق آخر مما يحيل إلى علاقة أوطد بالوطن والناس أهلنا في عراق المحبة والسلام عراق بصرتنا والعشار والهور والسهل والمشحوف ووفاء الريفي وتفاني ابن المدينة وإخلاصه والجبل الأشم والجار للجار أخا وصديقا وعائلة تحتفي معه.. الكل شنف السمع وكأنه على شواطي دجلة ويانبعة الريحان حني على الولهان وسنعود يوما يا عراقنا..

وعلى وعد لقاءات بجمهور هولندا الارستقراطي الذواق وبجمهور الجاليات العراقية والعربية  كان الموعد مساء أمس الخامس من أكتوبر تشرين أول 2009 على خشبة مسرح الـ(Concertgebouw)، وهي من أبرز المسارح الهولندية وأهمها.. وكانت الاحتفالية الكبيرة قد جرت بالتنسيق مع مركز ثقافات العالم (راسا) بحضور جماهيري هولندي وعربي وكوردي كثيف امتلأت به الصالة وكان للأمسية حضورها الرسمي بدءا بسفير جمهورية العراق السيد سيامند البناء والسادة سفراء دول مصر وفلسطين ولبنان وبعدد من أبرز شخصيات الجالية وممثليها.