تقرير البرلمان الثقافي العراقي في المهجر  بشأن الانتخابات البرلمانية لعراقيي الخارج

 

الانتهاء من عملية التصويت في الانتخابات البرلمانية العراقية  وأخطاء فادحة في إجراءات العملية الانتخابية في الخارج.

  حرمان عشرات آلاف الناخبين الذين وصلوا مراكز الاقتراع من حقهم بالتصويت واستبعاد آلاف أخرى من العد والفرز فضلا عمّن تمَّ إقصاؤهم سلفا بتداخلات إقرار قانون الانتخابات.

 

أعلن العراقيون في الأيام الثلاث للانتخابات، موقفهم الثابت في تبني العملية السياسية وسيرهم الحثيث لتطويرها وتطهيرها والارتقاء بها عبر التصويت لهيأة تشريعية جديدة تؤدي لتشكيل حكومة تلبي تطلعاتهم ومطالبهم المشروعة في مجالات الأمن والخدمات والسير باتجاه القضاء على الفساد وإنهاء البطالة وأشكال المحاصصة الطائفية، وتصفية آثار الإرهاب وتركتي الدكتاتورية والاحتلال، والتقدم في طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية. ولعل هذا يظل مبعث اعتزازنا بوعي الشعب العراقي وصواب خياراته..

إنَّ تثميننا الكبير لتوجه الناخب العراقي بوعي نحو صناديق الاقتراع بغاية التغيير النوعي في المشهد العراقي العام، هو ما فرض علينا مهمة التحشيد الذي ساهمنا فيه بالدعوة لأوسع مشاركة شعبية في هذي الانتخابات عبر جميع  وسائل الاتصال؛ وهو ما فرض علينا أيضا مهمة استكمال الجهد بمراجعة شاملة لمجريات العملية الانتخابية في الخارج.. وهي المراجعة التي نهض بها البرلمان الثقافي العراقي في المهجر ورصد فيها سعيا جديا لمشاركة عراقيي الخارج التي حال دون تحقيقها نسبا متقدمة جملة من الخروقات والأخطاء الرئيسة المرتكبة.  

فبانتهاء عملية التصويت في الانتخابات البرلمانية العراقية؛ تمّ طيّ صفحة من إجراءات العملية الانتخابية التي بدأت بتعقيدات الدخول فيها من دون قانون للأحزاب ومن دون استكمال إجراءات بنية الهيأة التشريعية سواء بتأجيل النظر في تشكيل مجلس الاتحاد [الجناح الثاني من الهيأة التشريعية إلى جانب مجلس النواب] أم بمسألة سنّ عشرات القوانين المنتظرة في الدورة التشريعية المنصرمة.. ومن ذلك، التأخر بإصدار قانون الانتخاب وتعديلاته، وما اكتنفه [ولادته القيصرية المتعسرة] من نواقص كبيرة الأثر في إحباط الناخب وخلق شعور بتجيير صوته لصالح كتل بعينها، الأمر الذي دفع لإحجام فئات مهمة عن التصويت.. ولقد تمَّ أيضا، إقصاء أصوات أخرى تحديدا من عراقيي المهاجر والمنافي عبر فروض غير موضوعية أدْخِلت بقانون الانتخاب كإشكالية المقاعد التعويضية وكل ما اكتنف موضوع مشاركة عراقيي الخارج بوساطة تلك الصياغة وفروضها...

وما يؤكد اعتماد سياسة سلبية مسبقة في أداء الحكومة والمفوضية العليا للانتخابات تجاه عراقيي الخارج واستمرار تلك السياسة ومحاولتها تحقيق أقصى غاياتها، هو تفاصيل مسار العملية الانتخابية هنا في المهجر..

فبدءا تمَّ خرق مبدأ الاستقلالية بتعيين موظفين رئيسيين في مكاتب الخارج على أساس لا يُفسَّر إلا بالمحسوبية وبالولاء لجهات سياسية معينة.. وتمَّ تحديد مراقبي الكيانات ومحاباة مراقبين واستبعاد آخرين وتحديد حركة بعضهم الآخر [منع خروج بعض المراقبين من القاعات ومنع الإعلاميين والفضائيات من الدخول إلا لدقائق معدودة، ولبعض الفضائيات المستثناة]. واستكمالا لتلك السياسة، جرى إهمال كل مذكرات الاحتجاج والمطالب التي أصدرتها القوى السياسية في المهاجر المختلفة اعتراضا على هذه الممارسات واقتراحا للبدائل والمعالجات...

وفي سياق تلك الممارسات الإقصائية لم يجرِ افتتاح سوى عدد قليل من المراكز الانتخابية؛ لم يتناسب وحجم الجاليات في البلدان التي جرى افتتاح تلك المراكز فيها ولا جغرافيا انتشارها. وأبعد من ذلك القصور الذي بدا في عدد المحطات التي لم تستوعب الحضور الكبير المتدفق على تلك المراكز، وفوق ذلك تم ترك بعض المحطات المفتتحة بلا موظفين فيما أغلِقت محطات أخرى ولم يجرِ الاستجابة لطلبات فتحها بخاصة في لحظات الازدحام وشهدت مراكز انتخابية بالكامل حال إقفال بواباتها الخارجية لعدة ساعات. وكان هذا سببا جديا قويا في حرمان آلاف مؤلفة من الناخبين الذين تجشموا عناء أسفار ومعاناة صحية متحملين أعباء مختلفة أخرى في محاولة منهم ليدلوا بأصواتهم!

وبالمناسبة لابد من الإشارة هنا إلى ما تعرض له الناخب العراقي بخاصة من كبار السن أو من العائلات التي اصطحبت الأطفال اضطرارا  لمعاناة البرد القارص وآثاره دع عنك الإشارة الأسوأ إلى حالات الإبعاد القسري بالقوة وعمليات الاستهانة والتحقير التي تعرض لها عدد من العراقيين سواء في أثناء الدخول أم في أثناء عملية التصويت.. زد على ذلك أنَّ بعض الأماكن المختارة لم تكن لتلبي إجراء الانتخابات في أجواء تحترم الإنسان؛ إذ كان بعض هذه المراكز قد اتخذ من أماكن (خربة) مقرا للتصويت ولأبناء الجاليات حقهم في الحديث عن طبيعة تلك الأماكن كونها ليست لائقة ولا مناسبة...

لقد سادت عملية الانتخاب برمتها حال الفوضى والإرباك وسوء التخطيط على المستويين الإداري والتنظيمي. وإنَّه لمن دواعي الاستهجان ما جرى من تضارب وتناقض في التعليمات وفي  المخادعة الصريحة بشأن الوثائق المعتمدة للتصويت وتعليمات التسجيل وقرارات المفوضية بالخصوص التي ظلت بحال التقلب والتغير بين ساعة وأخرى ومركز انتخابي وآخر... وما أفرزه ذلك لاحقا من قرار استبعاد آلاف الأصوات من العد والفرز وصلت في بعض محطات الاقتراع كما في السويد إلى 80% من المشاركين. وبات معروفا استبعاد زهاء ما يزيد عن 6000 صوت في المراكز الإنتخابية السبعة التي جرى فيها التصويت بالمدن السويدية ستوكهولم و يوتوبوري ومالمو. وكذلك قرار مكتب إدارة انتخابات الخارج  بإعادة تدقيق و(إلغاء)  لـ 5160 صوت من مجموع 12326  ناخب في هولندا بمركزها الانتخابي الوحيد الذي استقبل أبناء الجالية العراقية من هولندا، بلجيكا، فرنسا، وبعض المدن الألمانية المجاورة.

لقد تم هذا الاستبعاد من دون تحديد أسباب رسمية واضحة لهذا الإجراء، علما أنَّ عدداً غير قليل من استمارات التصويت كان قد ألغي نتيجة أخطاء ارتكبها بعض موظفي المفوضية مثل الخطأ في التسلسل أو عدم تأشير المحافظة في استمارة التصويت وغيرها من ملاحظات إجرائية تفصيلية بعضها وثقه شهود عيان بوجود أعمال مقصودة لإبطال صحة الاستمارات لحسابات انتخابية محددة.

 

وتمَّ هذا الاستبعاد على الرغم من أنَّ كل مَن صوَّت في الخارج [هولندا على سبيل المثال] كان قد ثبـَّت عراقيته وأكد  أهليته بوثيقتين رسميتين (عراقية وأجنبية) تحمل إحداهما صورة شخصية حديثة وحسب الشروط التي تم النص عليها والتوجيه بها.. ما يعني أنّ المشكلة الحقيقية بخصوص الاستبعاد الأخير، تكمن في قاعدة بيانات المفوضية  وعدم دقتها بل بعدها عن الصحة والصواب تماما؛ إذ وصل أمر الاستبعاد  إلى أن يكون من بين المستبعدين صوت مدير مكتب هولندا القادم من الداخل بوثائقه العراقية المعتمدة!  ونذكّر هنا أيضا [على سبيل المثال] بمشكلة مشابهة جرت مع سفير العراق في إحدى الدول المجاورة..

 

وفي ضوء تلك الممارسات التي رصدها البرلمان الثقافي العراقي في المهجر، فإنّنا نعبر عن شجبنا وإدانتنا لعمليات الإقصاء والاستبعاد التي جرت بصور مباشرة وغير مباشرة ونطالب هنا المفوضية العليا للانتخابات بتحمل مسؤوليتها باعتماد أصوات عراقيي الخارج وإخضاعها لعمليات العد والفرز القانونية بحضور ممثلي الكيانات؛ كون هذا الموقف قضية تثبيت مبدأ احترام صوت الناخب ومبدأ التمسك بالنهج الديموقراطي السليم الذي يحفظ للعراقيين  حقهم في المشاركة  ببناء الوطن على وفق خياراتهم وقناعاتهم في عراق مدني ديموقراطي فديرالي تعددي..

وسيبقى قرار الاستبعاد عاملا للتقليل من الشفافية المطلوبة والعمل المهني الحيادي المستقل في أداء موظفي المفوضية وسببا يعزز دوافع الريبة والشك في أنفس أبناء الجاليات تجاه المفوضية والاعتقاد بتسييس  أنشطتها وعدم حياديتها.. بخاصة في ظل كون الاستبعادات تخدم بالأساس قوائم على حساب أخرى...

وإننا في وقت ندعو لمعالجة فورية لمشكلة الاستبعادات التي طاولت ناخبي الخارج وإعادة تدقيق مشاركتهم بشفافية،  لندعو في الوقت ذاته إلى تعزيز الجهود من أجل وضع أسقف زمنية محددة لإنجاز القوانين والاستعدادات الكافية والنهائية الحاسمة لإجراء انتخابات نزيهة تخضع للشفافية والدقة والوضوح  وتلبي مبدأ احترام صوت الناخب وحقوقه المشروعة ومنع تضييع أربع ستوات جديدة على حساب الإعداد الأنضج الذي يلبي إجراء انتخابات تعكس تطلعات العراقيين وخياراتهم الحقيقية. 

إننا في البرلمان الثقافي العراقي في المهجر نحمِّل مسؤولية الخروقات والأخطاء الفادحة لكل من الحكومة العراقية التي أخرت عمليات الاستعداد وصاغت قانون الانتخابات إلى جانب المفوضية العليا للانتخابات ودورها الأساس في الانتهاكات الفظة وما نجم عنه من حرمان مئات آلاف من عراقيي الخارج من ممارسة حقهم الدستوري في التصويت. ونعد بمواصلة دورنا في تطوير العملية السياسية والنهج الديموقراطي في البلاد والعمل على استكمال خطوات التقدم في بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها والدفاع عن مصالح شعبنا وفئاته العريضة وفي التصدي للثغرات والأخطاء ووضع البدائل مع تحملنا مسؤولية فضح كل القوى التي تتعارض وتطلعات أهلنا في الوطن والمهجر تلك القوى التي تتمثل في مثلث الفساد، الطائفية والإرهاب...

 

 

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

لاهاي هولندا 15 آذار مارس 2010