أستاذي العزيز مساء الخير. لديّ كم سؤال من أجل استطلاع حول دور الكاتب الريادي في رفع الوعي الثقافي؛ أرجو أن تجيب عنها.. والأسئلة هي:

أين يكمن دور الكاتب في رفع الوعي الثقافي؟ وهل انحسر هذا الدور في الوقت الراهن؟ وما السبب؟ وهل الكاتب اليوم يكتب للنخبة فقط أم لعامة الناس؟ وهل أثرت سيطرة المفاهيم السطحية على الوعي الاجتماعي؟ مع جزيل الشكر  ...................................................شهد المنصور

 

بدءا هذه تحياتي وتقديري لهذه السئلة المهمة، بخاصة في التوجه نحو تعزيز خطاب ثقافي يستند للمنطق العقلي التنويري وفي زمن كثرما نصطدم بسفاسف الأمور فيما الثقافة ومستوى الوعي العام أمر مقصي بعيدا عن اهتمامات نسبة كبيرة، ومنهم المتعلمين بمستويات جامعية!

 

ندرك أن الثقافة ليست رديفا رياضيا للمعارف والعلوم، وهي ليست أداء منفصما عن نتاج كل مرحلة من التاريخ الإنساني وظروفها.. والثقافة تمتلك مسارين نخبوي معرفي وآخر شعبي؛ فهي سلوك يعكس مستويات وعي الناس وهويتهم الفردية والجمعية بتفاعل المسارين وتفاصيلهما. ومن هنا فإن دور الكاتب يمتلك أهميته من بوابة إعادة قراءة [بالمعنى الأوسع والأشمل لمصطلح قراءة] المنتج الثقافي الشعبي وتجسيد مواضع الإيجاب والسلب فيه من جهة مثلما يمتلك من جهة أخرى أهميته في منهجيته وفيما يقدم من منظور معرفي لخطاب الثقافة بما يدفع لتفعيل الوعي وتحريك البركة الراكدة أو تعديل المسار المنحرف عن قويم الاتجاه. وصواب الأمور يمكن قياسه من معايير العصر ومنطقه ومن الاتجاه الحضاري العام فضلا عن مفردات المنطق العقلي والسمة التنويرية فيه.

أما إذا كان قد انحسر تأثير الكاتب، فهذا يعود إلى مستويات التناسب بين  مستويي الخطاب الثقافي المعرفي النخبوي من جهة والشعبي العام. ومثل هذا التناسب يعود إلى جملة مؤثرات منها الفلسفة المرضية السائدة في الحياة العامة ومنهج التفكير السلبي. فحيثما ساد منطق التفكير البياني وآلياته انحدرت نسبة تأثير الكاتب ومنطقه العقلي البرهاني. ومثل هذا يحصل في أجواء تُشِيعُ منطقَ الخرافة والتقليد الأعمى لفروض ماضوية، عفا عليها الزمن، من مثل صعود نجم الطائفية السياسية التي تجتر من زمن قرون ظلامية، آلياتِ سَوق القطيع كرها نحو خنوعِ ِ؛ بإشاعة منطق التجويع واستغلال آليتي الجزرة والعصا وهنا الجزرة فتات لا يقي من جوع  والعصا إبقاء الناس (القطيع) تحت ضغط إرهاب الدولة والبلطجة (الميليشيات والمافيات أو العصابات)...

يحيلنا هذا إلى تفريغ الوعي وغسيل الدماغ وسطوة الخرافة حيث الركون لمرجعيات خاوية سوى من خبث العبث بالخطاب الديني وتحويله لوسيلة جلد وقمع لا تحرير الإنسان من عبوديته لآخر.. إن هذا ينجح في ظروف التسطيح حيث الجهل والتخلف الناجم عن إشاعة الأميتين الأبجدية (حيث لا اطلاع ولا قراءة ومن ثم لا اتصال بين طرفي المعرفة وخطاب الثقافة بتفاصيله) والحضارية حيث عزل الإنسان فرديا وجمعيا عن منطق العصر وثقافته وآليات التفكير فيه. ولعل عمليات الحظر والتكفير والمصادرة والاستلاب والتضليل وشبيهاتها من أدوات منع إِعمال العقل هي أدوات تسطيح الوعي بتفريغه من كل ثيمة أو قيمة تحترم وجود الإنسان سواء بخلفية إكرام المقدس للعقل البشري واجتهاده وإعماله أم بخلفية مدنية تُعلي قيم الحضارة والتمدن ومعطيات الحداثة والمعاصرة والتجديد ودرجة الغنى والنمو فيهما.

إن شيوع هذه الأجواء جعل فضاء تأثير الكاتب محدودا ينحسر حتى أضيق مساحة وهذا ليس لأن الكاتب يتقعر في جهوده وينعزل ويكتب للنخبة، وهي مسألة ربما توجد في بعض نتاجات لبعض كتاب، ولكن للبون الشاسع بين الثقافتين المعرفية [وربما تسمى النخبوية] من جهة والشعبية من جهة أخرى..

إننا بحاجة اليوم لثورة نهضوية تبدأ من اللغة، حيث ثروتنا المعجمية حتى بمستويات متعلمي المدارس والجامعات هي بأسوأ مستوياتها انحدارا، لننتقل بوساطة هذه المهمة النهضوية إلى آفاق صلات مباشرة بين طرفي انتاج الثقافة وطنيا قوميا. وعندما يتمكن الناس من كسر ما يأسرهم ويبعدهم عن مرجعية العقل والاجتهاد فإننا حينها [فقط] يمكننا أن ننطلق بعمق ثقافي وبمسيرة سليمة صائبة.

 

تمنيات لكم باستبيان يرقى لمستوى الأهداف النبيلة وعذرا لإيجازي وربما عدم شمول أسئلة الاستبيان.. وبالموفقية والنجاح.