لنقف بوجه الاعتداء الآثم على مدرسة الموسيقا والباليه

 

                   شهدت بغداد قبيل أيام جريمة أخرى في صرح علمي آخر وهذه المرة كانت الجريمة تستهدف ترويع طلبة الفن الجميل المعبر عن مشاعرنا الإنسانية من غير صلة بحرب أو بدم.. وإذا كنّا ندرك أنَّ طريق الحياة والحرية تحفُّهُ مصاعب جمّة ومتنوعة فإنَّنا ندركُ أيضاَ َ أنَّ من مفارقات واقعنا ما قد يتجاوز حدود المنطق العقلي عندما يستند إلى معطيات التطرّف والمغالاة في منهج  تعاطي بعض القوى  مع  الواقع  وعملها على فرض رؤاها الخاصة بالقوة والعنف عليه..

                     ولعلَّ من أبرز هذه الحالات ما جرى بالأمس القريب من انتهاك لحرم مدرسة الموسيقا والباليه من قِبل بعض من عناصر الموت والدمار وهم يقتحمون بأسلحتهم تلك المدرسة الآمنة الوادعة التي تمثِّل أعمق جماليات الحياة وأكثرها شفافيةَ َ وأبعدها عن العنف إنَّها مدرسة رسالتها السلام والمحبة, بينما رسالة أولئك الذين اقتحموها هي رسالة الموت والكراهية؟!! حيث لؤم المخرِّب وشؤمِهِ وعدائهِ لمنطق السلام والاستقرار.

                    ولا يبعُد عن هؤلاء في حقيقة الأمر أولئك الذين يقفون في طريق بناتنا اللواتي يذهبن إلى مدارسهن ليمنعوهنَّ من التوجه إليها! وهم أنفسهم الذين يقفون في بوابات الجامعات ومعاهد العلم لكي يحاربوا الطالبات وليكرهوهنَّ بحجة أو أخرى على ترك الدراسة في  الجامعة ؛ وليس غيرهم مَنْ يغتال الأساتذة بحجج لا ترقى لمنطقِ الغاب وإمعانا منهم في غيِّهم وغلواء وحشية أفعالهم لا يتورعون عن إحراق المكتبات وإتلاف كلِّ كتاب أو مطبوع جادت به قريحة عالم أو مفكر..

                     إنَّ  ترك هذه الجريمة تمضي في مسارها اليوم مع مدرسة الموسيقا والباليه سيُفسِح الطريق غدا لفروض جديدة أبعد وأخطر. ومع ذلك فليس قليلا خطر إغلاق هذه المدرسة التي تمثِّل قيمة إنسانية متقدمة لا يمكن لنا في وضعنا الحضاري أنْ نتخلى عنها .. فهي واحدة من أسس جماليات حياتنا ومكمِّلاتها من جهة الشكل والأسلوب وهي عامل موضوعي يشير إلى خياراتنا النهضوية التنويرية المتفتحة من جهة المضمون والمدلول.

                      وعليه فلابد من وقفة حاسمة قوية للضرب على أيدي هؤلاء الذين اعتقدوا أنَّ الوضع العام بتعقيداته يمكِّنهم من فرض إراداتهم وتصوراتهم الظلامية على مجتمعنا في اللحظة الراهنة. وبتوفير الحماية لهذه المؤسسة وبقطع الطريق أمام أفعال الجريمة التي تتوالى اليوم بنشاط أبعد من الأمس, وبتوفير فرص الخيارات الإنسانية المتنوعة المتعددة لكلِّ أبناء المجتمع وبطرق سلمية هادئة نوقف تدفق الخراب الذي ينمو في ظلال التهاون معه.

                       ومن هذه الحقيقة البيِّنة ينبغي لكلِّ مكونات حركتنا السياسية وسلطتها الإدارية ممثلة في مجلس الحكم ووزارته وفي الجماهير الملتفة حولها, ينبغي لتلك القوى أنْ تكون فاعلة ناشطة في الردِّ على هذه الجرائم وفي حسم أمرها منها وعدم التهاون في معالجة هذه الآفة الخطيرة.

                     وشعبنا وكلِّ الخيرين ينتظرون من القيادات السياسية والمرجعيات الدينية إعلان الموقف الواضح والحاسم واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق هذه الأفعال المثيرة للنقوص والردة الحضارية وللتراجع عن نور المعرفة وآفاق جمالياته. ولنوقفْ تلك الجريمة ومسلسلها الإرهابي مرةَ َ وإلى الأبد.

 

الهيأة الإدارية لرابطة بابل للكتّاب والفنانين العراقيين في هولندا

2003 / 10 / 24     لاهاي هولندا

1