رسالتي في العام الجديد 2013

إلى الفاضلات العزيزات والأفاضل الأعزاء جميعا

إلى كل إنسان يحتفل في الغد بعام تتجدد فيه الآمال ومشاركة الآخر الأماني ومسيرة تلبيتها وتحقيقها..

أرجو قبول خالص التحايا وأطيب التهاني وأجمل أمنيات الخير وأروع مفردات التسامح وأشمل معاني السلام وأعمقها.

أيتها الصديقات.. أيها الأصدقاء

غادرتنا سنة بما فيها من تجربة إنسانية تضاف لجملة مسيرة العمر ورفقة الحياة، واثقين من أنّ ما مرّ معنا من تجاريب لن يكون إلا أداة تصقلنا وتغنينا وتضيف الحكمة؛ فهلا كانت فرصة مغادرة تلك السنة منفذا لتعزيز أمل زوال الشدة إن حلت بأحدنا وتذليل الصعب إن جابهنا وانتهاء العقدة أن اكتنفت مسيرتنا. وأن يبقى الأمل المتفتح المزهر فرصة لعيش أفضل وأسعد وأغنى بمسراته.

 

أيها الأعزاء الأفاضل

لقد كان "الوهم نصف الداء والاطمئنان نصف الدواء والصبر أول خطوات الشفاء" كما يقول ابن سينا. فلنمحو من أنفسنا أي وهم يزيد من آلامنا وجراحاتنا بخاصة في أمر تطهير علاقاتنا الإنسانية وتعميدها بخطاب التسامح الذي يشيع فينا الاطمئنان والرضى دواء لمفردات سيرنا وتفاصيل يومنا.. ولا نستعجلن أمرا فالصبر مفتاح الحل وطريق إجابة مطالبنا.

أما وقد انصرمت سنة وجاء عام فإنني لأعتذر من جميع أحبتي وأصدقائي وقرائي ومن يتابعني في أمر وكان يودُّ فيّ ومني شيئا ولم يحظ به فإنّ طاقة الفرد محدودة ويد واحدة لا تصفق ولست بمعصوم من زلل، وإنّي لأتطلع إلى أن تكون مسامحتي فيما مضى، أول الدرب تتبعونه بتقديم وصاياكم ورؤاكم ومعالجاتكم حلا لما فاتني في الشأنين الخاص القريب والعام الأوسع والأشمل.

 

ولعلكم تسمحون لي بالتوكيد على عبارات ومقولات وحكم قد تجسد بعض آليات مساري مذ أطلقت عبارة "البساطة أعلى مراحل الحياة" قبل عقود في بواكير تجربتي، توكيدا لنزعة الأنسنة وتعميق الثقة بين الإنسان وأخيه بلا تعقيدات التأويل ومماحكات خطاب الاتهام وانحرافاته. ولكن تلك البساطة لم تكتمل إلا بمنطق تحكمه صياغتي:"عقل علمي .. فكر تنويري" دربا يعزز مكان العقل في أدائي واشتغالي. وهو الأمر الذي اغتنيت فيه بمقولات لفلاسفة من بينهم ابن رشد في جوهر ما أراد بقوله: "مِنَ العدل أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي به لنفسه" تمكينا لأعمق التفاعلات وأغناها في العلاقات واشكال التكافل والإخاء. وقوله الذي يعمّد دور العقل ومنطقه حين يقول إنّ: "الحَسَن ما حَسَّنه العقل، والقبيح ما قبَّحَه العقل." وأنَّ "الحكمة هي النظر في الأشياء بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان.".. أما في مجال التحمّل والصبر على الشدائد فلعل قول ابن رشدَ: "من تأنى نال ما تمنى." حكمة جسدتها التجاريب الإنسانية بعامة. ولأننا نريد حياة ندرك معانيها وخطواتها أينما حكمت الظروف مواضع عيشنا ووجودنا فإنّ ابن رشد يساعدنا بتلخيص الأمر بقوله: "العلم فى الغربة وطن والجهل فى الوطن غربة." ولربما دعم حذرنا من ألاعيب الأدعياء ومكرهم حكمة ابن رشد: إنَّ "اللحية لا تصنع الفيلسوف." وقد كان هذا في زمانه فما بالكم والأمر اليوم يشيع فيه ارتداء الجلابيب والأعمة وإطلاق اللحى في ((موضة)) تداعب الأجواء نفاقا ورياء وزورا وكذبا في كثير من الحالات ولا أقول جميعها بالتأكيد! لأننا نحترم للإنسان خياره حيثما صدق فيه مع نفسه ومع الآخر ولم يأتِ منه ضرر.

 

ها نحن معا وسويا، ولطالما دابت على توكيد عبارة ((معا وسويا)) لأنّ "جنة من غير ناس ما تنكاس" كما يقول المثل الشعبي بلهجة محكية عراقية، بمعنى الجنة بلا ناس لا تطاق ولا تعاش. وحتى نحيا بهدوء وجدتُ أنّ قبول الآخر والتعايش الأخوي معه وقبول حال التعدد والتنوع في وجودنا يبقى  أساسا وجوهرا مكينا للمسرة وللتفاعل إيجابا بيننا.

فهلا قبل مني هذا  الفاضل الكريم من الضفة الأخرى لوجودي حوارا هادئا موضوعيا نرسم به عالمنا معا وسويا.

إن وجودنا في دولة مدنية تحترم الجميع وتوفر لهم العيش الحر الكريم هو ما يمنحنا السعادة والمسرة ويوفرها لكلينا ولست أجد صوابا في أن يحيا طرف على حساب آخر ويكون سعيدا بحق.. فهلا تنادينا لبناء بدل التنادي للتخندق والتعادي والتناحر والاقتتال؟

 

رسالتي أيتها الصديقات .. أيها الأصدقاء

أن نبني عالمنا الزاهر بألوان الطيف بكل تفاصيله الأساس والثانوية وأن نعمّر وجودنا بالخيرات وبروائع الإبداع ونتاج الأنفس المتفتحة والعقول المشرقة وأن نبحث عن سبب للآخر حين نتألم منه وأن نقدم الاعتذار من أي احتمال لغلط أو خطأ يرد سهوا منا وأن نجذّر في وجودنا خطاب التسامح والتطلع لعالم الإخاء والسلام.

 

أمنياتي لكم بالخير جميعا

أمنياتي لكم بمزيد من عطاء تجاريبكم الإنسانية الغنية بالقيم والمبادئ السامية النبيلة.

وأمنياتي لكم بالصحة والسلامة.

لكم من مختلف العقائد الدينية الفلسفية الفكرية الآيديلوجية السياسية الاجتماعية كل الخير حيثما أردنا للآخر ما نريده لأنفسنا، وحيثما جنَّبْنا الآخر ألما ربما يأتي منا سهوا وعن غير قصد...

 

وليكن عامكم الجديد غنيا بكم وبالسؤدد والفرح والمسرة فيه ترفلون وكل عام وأنتم بخير.

 

تيسير عبدالجبار الآلوسي