إدانة جرائم القتل والاختطاف والتهديد التي يتعرض لها المندائيون  بخلفياتها الدينية و الطائفية والمطالبة بموقف إجرائي حازم وعاجل

 

تلقى المرصد السومري لحقوق الإنسان أنباء جديدة مؤكدة من مدن العراق الجنوبية، عن عدد من الجرائم المرتكبة بحق  النسوة  الصابئيات وعدد من العوائل ومن بقي منهم في بيته بسبب من عدم تمكنه من المغادرة لضعف الحال المادية. وقد أشارت تلك الأنباء إلى تعرض عدد من الفتيات والسيدات لحالات اقتحام منازلهن وطعنهن بالسكاكين من (مجهولين!).. فضلا عن حالات المضايقة والتهديد والابتزاز التي لا تجد من يسمع شكاوى من تعرض لها من المندائيين لا من السلطات المحلية ولا الاتحادية ولا من أحزاب الطائفية السياسية والقوى التي تتحكم بالمؤسسات والشارع ميدانيا!؟

إن المرصد السومري لحقوق الإنسان، إذ يدين هذه الجرائم ويشجبها، ليستنكر حالات الصمت والوقوف موقف المتفرج من الحكومتين المحلية والاتحادية ومن قوى الطائفية السياسية. ويرى أن مثل هذه السلبية في تفاعل تلك القوى مع هذه الجرائم الوحشية البشعة لا يقف عند حد تشجيعها الجريمة حسب بل يجعل من تلك القوى شريكا فيها وإن بصورة غير مباشرة. كما أننا نرى أن المسؤولية الرئيسة بشأن حماية المواطنات والمواطنين تبقى من مهام الجهات الأمنية والدوائر الحكومية المختصة ونحملها مسؤولية ما يجري ولا نقبل منها خطابها التبريري بأي حال.

وإنه في ضوء طبيعة تلك الجرائم التي لم تُشِر إلى حدوث سرقة أو خلافات شخصية مسبقة أو أية أمور تحيل لقضايا بعينها، فنحن نشخص تلك الجرائم، على أنها جرائم جنائية متضمنة خلفية تهجم واعتداء على أساس تمييز ديني مفضوح. وما يعزز تشخيصنا هو تكرار حالات اختطاف وتزويج بالإكراه وأعمال اغتصاب لإكراه الصابئيات على تغيير دينهن من جهة ولإجبار عوائلهن على الرحيل أو تغيير الدين. وجميع تلك الجرائم تمت بتسلسل ومنهجية واحدة تقوم على سياسة البلطجة والاعتداءات الممنهجة ضد هذه المجموعة من أتباع الديانة المندائية.

كما لاحظ المرصد السومري تزامن إطلاق ادعاءات فارغة بالحديث عن الحرية الدينية وعن الإخاء والجيرة، في وقت يسبق عادة تلك الجرائم ويرافق وقوع مآسيها. وهذا يشير إلى أن تلك القوى التي دابت على إطلاق تلك الادعاءات، قد مارست بخطابها عملية تضليل وتستر على الجريمة وهي ذاتها التي سخّرت أجهزة حكومية لابتزاز العوائل وارتكاب أعمال تصفوية بالاغتيالات وجرائم القتل وبمحاولات محو ثقافة هذا المكون الأصيل في بلادنا وإلغاء شخصيته عبر جرائم التهجير القسري وتغيير الدين بالإكراه...

إننا لا نناشد هنا جهات رسمية شاركت في الجريمة بل نحملها مسؤولية ما جرى ونرى ضرورة تدخل المنظمات الدولية المعنية لوقف هذه الجريمة التي باتت اليوم تقاس بجرائم الإبادة الجماعية إذا ما حسبنا الأمور نسبيا بحجم التعداد السكاني للصابئة المندائيين وليست الاعتداءات الأخيرة إلا حلقة من حلقات الجريمة الأكبر ومنهجها في استهداف مكونات تحولت اليوم إلى هذا الحجم النسبي الصغير العدد بعد مراحل تاريخية من العسف والتقتيل والتصفية.

إن تمرير الجريمة وتهوينها في إعلام الحكومتين المحلية والاتحادية وعند أحزاب الطائفية السياسية المتحكمة بالمشهد السياسي العام هو جزئية أخرى من محاولات طمطمة الأمور ومنع تشخيص الفاعلين الحقيقيين من جهة وتجنيبهم المحاكمة ومحاسبتهم قانونيا لوقف تداعيات الجريمة. وليس أولئك المجرمون إلا بعض عناصر التطرف الذين تأويهم تلك الجهات في إطار وحدة الفلسفة والمآرب والغايات البعيدة!

ونحن نشدد على أن هذه الجرائم التي طاولت بنات الوطن وأبنائه من الصابئة المندائيين في جنوب البلاد هي ذاتها المرتكبة من قوى التشدد والتطرف والجريمة التي ترتكب جرائمها ضد أتباع الأيزيدية في كوردستان والمناطق الشمالية من البلاد. ونرى أن علاجها يكمن في الآتي:

1.  توسيع حملات الإدانة والاستنكار وتحويلها إلى حملات جماهيرية تشمل مختلف أطياف شعبنا بتنويرهم في مجريات الوضع وحجم الكارثة التي طاولت الشعب وتحديدا هنا مكوناته الدينية والمذهبية بوساطة جرائم التطرف وحليفها وغطائها أحزاب الطائفية السياسية وأدعياء التأسلم.

2. تشكيل وفود رسمية موحدة من أتباع تلك الديانات لمقابلة أعلى الجهات الرسمية لاستصدار قرارات حازمة واتخا إجراءات فعلية بشأن مطاردة الجريمة ومضاعفة العقوبة لمن يتعرض لأحد أتباع تلك المكونات.

3. إرسال رسائل مباشرة ومناقشتها مع مسؤولي المنظمات الدولية الفاعلة بهذا الشأن واستصدار قرارات ملزمة لحماية تلك المكونات من جريمة الإبادة والتصفية الجارية فعليا منذ سنوات.

4. توثيق الجرائم ومسلسل وقائعها بكل الأشكال التوثيقية الرسمية المعتمدة ومساءلة جميع الأطراف المعنية بالوقائع بشكل مباشر وكشف التحقيقات وسيرها ونتائجها في أسقف زمنية لا تتجاوز مدة يحددها القانون.

5. استحداث تشريعات تتناسب وطبيعة الجريمة وضرورة التصدي لها مع إيجاد وزارة المجموعات القومية والدينية في الحكومة الاتحادية وتكون من مهامها وقف النزيف الجاري في تركيبة المجتمع بما يراد منه عبر سياسة الفصل العنصرية بخلفياتها القومية والدينية والمذهبية تحويل مجتمعنا إلى وجود أحادي يقوم على التطرف والدموية وروح العداء للتنوع الإنساني.

6. إيجاد برامج عمل سياسي وحملات لمؤسسات المجتمع المدني وتوسيع البرامج المتلفزة والإذاعية بشأن التعددية والتنوع في العراق.

7. إدخال دراسات مناسبة في المؤسسات العامة وفي المدارس والجامعات بشأن تلك المجموعات.

 

ونحن في المرصد السومري لحقوق الإنسان إذ نرى أن تلك الجرائم ليست معزولة عما يكتنفها من مخططات أوسع وأشمل نؤكد أن المعالجة تبدأ من إطلاق تحقيقات جنائية عاجلة وتحديد الأسقف الزمنية مع كشف النتائج والعمل بشفافية وإعمال العقوبات الصارمة في إطار جهود شاملة لمجابهة الجريمة الأعمق والأشمل.

 

نجدد شجبنا الشديد لتلك الجرائم ونطالب المجتمع الدولي ومنظماته المعنية بالتدخل العاجل عبر ممثلي الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.. ونحن في حال من المتابعة عن كثب لكل المجريات وبمستوياتها كافة.

 

 

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

لاهاي هولندا 23. 02. 2013