بلاغ عن المرصد السومري لحقوق الإنسان والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر بشأن  تطورات القضية الكوردية في تركيا

 

خطاب السلام كان ويبقى المدخل المكين لحل القضية الكوردية  في تركيا

الاعتراف بحقوق شعب كوردستان أساس للحل الجذري وللسلام في تركيا

 

مرارا أطلق حزب العمال الكوردستاني وقياداته نداءات السلام ولم يكتفوا بإعلانها بل مارسوها فعليا وأوقفوا إطلاق النار توكيدا لتوجه استراتيجي من أجل حل القضية الكوردية في إطار الدولة التركية الجديدة. ولربما كان الإحباط المؤقت لتلك المشروعات، ناجما عن تغليب قوى متشددة لا تؤمن إلا بلغة العنف في التعامل مع الآخر إلى جانب أسباب موضوعية وذاتية أخرى.

إلا أنّ البيان الذي دفع به السيد عبدالله أوجلان في عيد نوروز إلى الشعب الكوردي بملايينه وإلى مقاتلي حركة التحرر القومي الكوردي في تركيا، قد نصّ مجددا على أن الفعل سيكون قرين الكلمة في التوجه نحو الحلول السلمية وفتح حوار جدي معمق لوضع الأسقف الزمنية لمسيرة التطبيع والاستجابة لحقوق الكورد...

وانطلاقا من مسؤولياتنا تجاه حقوق الشعوب في منطقتنا وفلسفة التآخي والتسامح وإشادة أسس السلم والتقدم وثقافتها، فإننا في المرصد السومري لحقوق الإنسان وفي البرلمان الثقافي العراقي في المهجر، نؤكد مساندتنا الوطيدة لما ورد في البيان من اتجاه استراتيجي راسخ نحو الحوار في فضاءات السلام، وبخلفية تقوم على إطلاق فاعل لخطاب التسامح وفلسفته وآليات تطبيقه عمليا.. مؤكدين أنّ هذه البادرة لا يجوز لها أنْ تُهدَر كما سابقاتها، تلك التي تعرضت للإهمال فتُرك الميدان يومها لقوى العنف والتشدد، وهو الدرس الذي يفرض واجبا أمميا على القوى الدولية والمنظمات المعنية بأن تعلن بوضوح اتفاقها مع النداء وترحيبها به وأن تبدي الاستعداد الكافي لتحمل مسؤولياتها لتوفير ضمانات وافية تبني أجواء الثقة بين أطراف القضية وتتحول بهم بتسارع أكبر وبكفالة أكثر رسوخا نحو علاقة جديدة؛ مُشارِكة قوى السلام في تركيا من جميع الأطراف مهمتها المعقدة الصعبة ولكنها، بالتأكيد، الممكنة والمتطلع إليها.

وسيكون من غير المبرر التعكز على  أيّ عذر أو ذريعة في ترك الموضوع محصورا بين طرفيه. بخاصة أنَّ الطرفين يبقيان بحاجة لتعزيز الثقة من جهة ولتوفير أدوات المساعدة والدعم لتبني المسيرة وإعادة التأهيل من جهة أخرى. وكما بدا علنا فلقد أبدى الجانب الرسمي التركي ترحيبه ولكن بحذر واضح بحسب تصريح رئيس الوزراء الذي قال فيه: إنّ الفعل والتطبيق هو الأساس؛ وهو يعلم أن حزب العمال كان مارس أعلى درجات الضبط والتنفيذ في المبادرات السابقة ومع ذلك فإنّ منح العذر في هذا الحذر وإدراك عمق الحاجة للتمكين من تعزيز الثقة بين الطرفين الذي سيأتي تدريجا، يدفعنا للتوكيد مرات وبقوة هنا دعوتنا الجهات المعنية، داخليا وخارجيا، للعب دورها بالخصوص.

 

غير أننا نرى، من جهة قراءتنا لتاريخ القضية المعاصر، أن أيّ تفكير بالسلام لم يكن يوما من دون تلبية مطالب الشعوب وحقوقها وانعتاقها وتحررها. ولن يأتي اليوم ذياك السلام المتطلع إليه، مع أيّ احتمال لظهور اللعب السياسي أو المناورات والمماحكات اللفظية. وعليه فلابد من بوادر تفاعل إيجابي عمليا على الأرض، هناك في كوردستان من الجانب الرسمي التركي وقواته المسلحة وأجهزة الدولة، حيث الجميع بانتظار آليات العمل السلمي الديموقراطي تنطلق باستراتيجيات مقننة وبأسقف زمنية.

فيما سيبقى موضوع نزع الأسلحة والتخلي عنها، غير ممكن الاستكمال بشكل مثالي شامل، ما لم تأتِ الأمور بجداولها الزمنية المتبادلة. ونحن نثق بأن القوى التركية الحية المخلصة لتركيا الجديدة التي تتأسس على توجهات دستورية  ملائمة للتغيرات المنتظرة ستكون عاملا فاعلا في الحل بأسسه الديموقراطية السلمية.

وفي ضوء مساندتنا لبيان القائد الكوردي السيد أوجلان، ولتوجه القيادتين الكوردية والتركية نحو معالجة جديدة نوعيا اليوم؛ نسجل الآتي:

1.              في تركيا ينبغي الشروع العاجل بتوكيد اتفاق تام مع الحلول التفاوضية السلمية بشكل نهائي حاسم. وهذا بحاجة لبيانات رسمية معتمدة من الجهات الشعبية والرسمية على حد سواء ومن  الطرفين مع تخفيف إشارات الحذر والتشكيك وإشاعة خطاب بديل لذلك الذي ساد طوال عقود في الوسط التركي.

2.              ينبغي إيجاد آلية الحوار والاتفاق على قبول ممثلي الطرفين بما يستجيب ضمنا لرؤيتيهما  ويعبر عنهما  وقيادتيهما، بخاصة بشأن بعض (التفاصيل) التي يلزم  إبداء حلحلة في المواقف تجاهها، تحريكا  للتفاعلات التالية.

3.              يلزم تبادل الخطوات التطمينية  التي تعزز الثقة  في الإجراءات الفعلية الملتزمة بالأسقف الزمنية وفي مضامين التوجهات والممارسات الجارية. ولعل أبرزها رفع اسم حزب العمال الكوردستاني من قائمة الإرهاب والعفو العام والشامل وغيرهما مما يقع على عاتق القوى الدولية مهمة المبادرة فيه.

4.              أنْ تسارع المنظمة الدولية والاتحاد الأوروبي والدول الكبرى لإيجاد منافذ اتصال تؤازر التوجه الميداني لتنفيذ مفردات الاتفاق بين الطرفين؛ وتوفر الضمانات الكفيلة ضد أية انتكاسة بخاصة أن الطريق معقدة وصعبة وبحاجة للدعم والاستفادة من العامل الدولي إيجابا.

5.              أن تطلق السلطات الرسمية التركية سلسلة من الإجراءات والتشريعات والقوانين والتغييرات الدستورية التي تلائم الاتجاه وتضمنه معمَّدا رسميا ونهائيا...

6.              أنْ تتم ممارسة أعلى درجات ضبط النفس تجاه أية خروقات من كلا الطرفين. وأن تدان بشكل قطعي حازم جازم  ويجري  ضمان التقدم بثبات بعيدا عن أية تأثيرات سلبية لاحتمالات قد تقف بوجه فرص الحوار وتطبيع الأجواء.

7.              أن يجري التنسيق مع الجانب الكوردستاني في العراق بقدر تعلق الأمر بموضوع انتشار القوات الكوردية والتركية ووضع حد فاصل لغرض إخلاء المنطقة من أيّ  وجود لتلك القوات، وعلى وفق الجداول والأجندات التي سيتم الاتفاق النهائي بشأنها.

 

إنّ هذه المبادرة التاريخية في ظروف متأزمة بالمنطقة ستكون مدعاة  لمتغيرات جوهرية فيها باتجاه إشاعة السلام من جهة وبناء عوامل الثقة  وتبادل الاعتراف بالآخر والتعايش السلمي والتآخي بين الشعوب. كما ستكون البوابة الأوسع لحلول  نوعية لأزمة الشرق الأوسط ولبنائه بطريقة مختلفة عن زمن الصراع.

عاش التآخي الكوردي التركي وعاشت مسيرة التسامح والسلام في تركيا جديدة تقوم على التعددية واحترام التنوع ومنح الحقوق الثابتة المشروعة للهويات القومية المتآخية.

إنّ هذا الحدث إذا ما استكمل شروط تنفيذه سيكون الركن المكين لإشاعة ديموقراطية حقة بتركيا ولانضمامها للمجتمع الدولي من أوسع أبوابه حيث تتطلع أن تكون الدولة المدنية الأنضج  بآليات وجودها بنيويا في إطار دول الديموقراطية وفي إطار الاتحاد الأوروبي، وهي جديرة بهذا  بقدر انتصار إرادة السلام والديموقراطية والتقدم.

 

 

 

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

لاهاي هولندا 22 آذار مارس 2013