المرصد السومري: إدانة استخدام العنف المفرط للقوة تجاه المتظاهرين السلميين في الحويجة والمطالبة بمحاسبة المجرمين

 

تواردت الأنباء تحمل متناقضاتها ولا توجد جهة إعلامية محايدة تنقلها إلى الشعب المتطلع للتغيير. فلقد نقلت أخبار الحكومة أن تحرشات مسلحة من جانب المعتصمين، دفعت لرد الجيش المتسم بالقوة المفرطة دفاعا عن هيبته وعما وصفه بما تعرض له من أذى من جهة من أسماهم بالإرهابيين في وصفه للمعتصمين السلسميين. فيما نقلت أنباء المتظاهرين السلميين وشهود العيان الوقائع مشيرة إلى اجتياح قوات الجيش لمخيم الاعتصام مستخدما الرصاص الحي وكل أنواع الأسلحة تجاه المعتصمين. ومن جهتنا في المرصد السومري لحقوق الإنسان حاولنا ونواصل المحاولة للاستماع لما يطلقه الخطاب الرسمي للحكومة، إلا أننا لا يمكننا الركون التام الكامل للأصوات الإعلامية الرسمية ولا للناطق الرسمي باسم وزارتي الدفاع والداخلية للأسباب الآتية:

1.  إنّ تلك الأصوات عوّدتنا على تصوير الأمور المضطربة في طرفها على أنها طبيعية ولا توجد مشكلة!

2.  كما عودتنا على وصف كل فعاليات وزارتي الدفاع والداخلية على أنها تجري في إطار قانوني وبتمام الانضباط واحترام الحقوق!

3.  وفضلا عن ذلك تصور القوات منضبطة بدفاعها عن مصالح الشعب وفي ذات الوقت تصور تجاوزاتها على المواطنين بأنها معارك مع إرهابيين!

4.  وهي تحاول احتكار المعلومة ومنع كل أشكال التغطية الإعلامية الصحافية من أية أطراف مستقلة، وتعتدي على تلك الأطراف وتصادر أجهزتهم!

اليوم هاجمت قوات دجلة المعتصمين في الحويجة! وبثت بياناتها عبر الإعلام الرسمي على أنها دخلت معركة مع قوى الإرهاب؛ في وقت كان يمكنها أن تصف الأمر بأنه محاولة لمطاردة متسللين اخترقوا التظاهرات بدل أن تصف المعتصمين كافة بكونهم إرهابيين يختزنون أسلحة! وللعاقل أن يحكم على المعركة التي جرت بالآتي:

1.  المعركة اعتداء مبيت من جانب القوات وهي محاولة أخرى استدرجت فيها قوات حكومية المعتصمين للإيقاع بهم عبر منازلة بين جيش مدجج بالأسلحة ومتظاهرين عزّل لا يواجهون العنف إلا بصدور عارية.

2.  إن ادعاءات وجود أسلحة وتسلل إرهابيين هي جزئية من التبييت لأن مهمة تلك القوات ليس الدخول في معارك مع الشعب بذريعة مطاردة الإرهاب بل مهمتها حماية الشعب من تسلل العناصر الإرهابية بين صفوفهم أي بممارسة عمليات وقائية لا عمليات جراحة عنفية بقوات الجيش التي يحرّمها القانون الدولي وكل القوانين الحقوقية والإنسانية..

3.  إنّ الاعتصامات منذ انطلاقها رفعت الشعارات السلمية وتصدت لمحاولات جرها للعنف من الجانب (الحكومي العسكري!) فما الذي يدفعها لتلك الأعمال اليوم على وفق ادعاءات الجانب الحكومي؟

4.  إنّ الاعتصامات تحشيد من مئات المواطنين السلميين وهم ليسوا من عائلة أو منظمة واحدة ومن ثم فقد يدخل بينهم مختلف العناصر التي لا تعرف بعضها بعضا. وليس من مهماتهم المباشرة ممارسة الجهد الاستخباري الأمني ولكن هذه المهمة الوقائية هي من مهام الشرطة وربما من الجيش الذي يفرض بممارسته دور الشرطي المحلي مثل هذا الواجب على نفسه.

5.  وعليه فإن التهمة بوجود تلك الأسلحة توجه لتلك القوات التي سمحت بمرور أسلحة خفيفة ومتوسطة بقصد الإيقاع بالمتظاهرين.

إن الأساس بالموضوع هو اعتداء صارخ من قبل الجيش على المواطنين في ساحة للاعتصام والتظاهر السلمي. ولأن المهمة في حماية هؤلاء تقع على الشرطة المحلية، فإن وجود الجيش يعد استخداما مفرطا للقوة من الجانب الحكومي وتحديدا من جانب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما أنه تغيير لمهام الجيش من مهمة حماية الوطن والسيادة والشعب إلى مهمة أخرى تقع في تشخيص القوانين الدولية بكونها جريمة حرب لخوضها المعركة ميدانيا في وسط المواطنين الأبرياء الذي لا ناقة لهم في المعارك الحربية ولا جمل.

 إن تلك الواقعة الحربية والضحايا التي ذهبت تحت مجنزرات الجيش ودروعه الموجهة للصدور العارية فيها، هي جريمة حرب دموية بشعة يرتكبها اليوم من فشل في إدارة الدولة بكل مفاصلها وأولها في توفير الأمن والأمان، على الرغم من لجوئه للعنف المفرط وللحل العسكري الدموي تجاه المخالفين له في الرأي. ومن هنا فإن المرصد السومري لحقوق الإنسان، وبغض النظر عن الاختلافات الفكرية والسياسية ومحدداتها ميدانيا يقرر الآتي:

1.  تشخيصه ما جرى بكونه جريمة حرب دموية لاستخدام الجيش بمختلف أصنافه البرية والجوية وأسلحته الثقيلة والمتوسطة مع استعمال القوة المفرطة بمجابهة صدور عارية وتعريض مواطنين أبرياء سلميين للموت المحقق وبعمليات مبيتة مقصودة.

2.  تحميل قوات دجلة ومن شارك معها بشكل مباشر والقائد العام للقوات المسلحة مسؤولية الدماء التي سالت لمن سقط من الضحايا.

3.  المطالبة بالوقف الفوري لكافة العمليات التي تمارسها القوات المسلحة من صنوف الجيش في قصف وتوجيه نيران الأسلحة تجاه المواطنين وساحات وجودهم المدني السلمي. والامتناع عن ممارسة أشكال العنف المفرط.

4.  إخلاء المناطق والميادين المحاصرة للاعتصامات السلسمية واستبدال القوات بالشرطة المحلية على وفق الدستور والقوانين والأعراف المتبعة.

5.  الاعتذار الفوري عما جرى وتقديم المسؤولين للمحاكمة والقصاص من المعتدين وممن اتخذ القرار بالهجوم الدموي البشع.

 

إننا إذ ندين هذه الهمجية الرعناء وتلك الإدارة القاصرة بل الفاشلة العاجزة للأزمة وجهلها لأي شكل للحلول الموضوعية السليمة وامتناع السلطة عن المعالجة الموضوعية الصحيحة وتوجهها لحل واحد لا يقوم إلا على لغة العنف المفرط واستخدام الجيش وأسلحته الفتاكة بمواجهة الشعب، فإننا أيضا نحذر شعبنا وقواه مما كنا أكدناه في مرات سابقة من أن استمرار سياسة العنف ومصادرة الحقوق والحريات وتكميم الأفواه هي الدكتاتورية الاستبدادية بعينها تعود إلى السلطة في العراق الجديد. ومثلما هي كل التجاريب فإن ظهور الطغيان وتزايد شراسته ودمويته يأتي تدريجا حتى يصل مرحلة يشمل فيها جميع مكونات البلاد والمجتمع.

ولا يمكننا اليوم، بمثل هذا الاتجاه التصفوي الدموي أن نقبل بأي مبرر للاعتداءات الجارية على التظاهرات السلمية والاعتصامات المدنية السلمية؛ بل ندين هذا الخطاب الذي نعده جزءا يستكمل الجريمة ويطمطم عليها ويضلل الرأي العام المحلي بقطاع منه مثلما يحاول تضليل الرأي العام الدولي والمنظمات والجهات الدولية بالخصوص.

إنّ عدم التراجع العاجل ومحاسبة القتلة سيؤدي لمزيد من أنهار الدم بشراكة مباشرة وأخرى غير مباشرة لقوى السلطة الجديدة التي تنفرد بالقرار في رأس الحكومة وبين قوى الإرهاب وبهذا يلتقي الطرفان في خدمة مصالح الفساد ونهب البلاد واستغلال العباد في الغاية النهائية لأعمالهما الإجرامية. والضحية هنا ليست سوى مزيد من الشهداء في أوساط الشعب المغلوب على أمره.

إننا نعتقد جازمين أن التصويت الشعبي الكبير بعدم الذهاب لصناديق الاقتراع وبالخسائر البالغة لقوى الفساد والاستبداد التي أوقعتها بهم تلك القوى التي شاركت بالتصويت ، هي التي أفقدتهم صوابهم أكثر وجعلتهم يندفعون لمزيد من الأعمال الصبيانية الإجرامية التي لا تمارسها سوى القوى الدموية المستبدة. وبعيدا عن أي تحليل سياسي للمجريات وعن كون هؤلاء باتوا طرفا غير مؤهل للتفاوض والتحالف والشراكة في إطار السلطة السياسية وعمليتها الضاربة فسادا وإجراما بحق الشعب؛ فإننا نرى ضرورة تنفيذ المطالب الحقوقية القانونية التي أشرنا إليها آنفا أو حق تدويل مطالب محاكمة المجرمين المسؤولين أمام هيآت دولية مختصة، ونطالب المنظمات الدولية المعنية بالارتقاء لمستوى المسؤولية والمهام المناطنة بها وبالانتباه على الأداء السلبي لبعض ممثليها في العراق.

السلامة للجرحى من مواطنينا ولمن تمسك بالاعتصام السلمي حتى اللحظة، والرحمة والذكر الطيب للشهداء والصبر والسلوان لعوائلهم والنصر لمطالب الشعب التي رفعتها التظاهرات السلمية عاليا وللحقوق والحريات في عراقنا جديدا يجسد الحلم الشعبي في الديموقراطية وبناء الدولة المدنية وتطمين السلم الأهلي.

المرصد السومري لحقوق الإنسان

لاهاي هولندا 23 أبريل نيسان 2013