قرار تعليق عمل القنوات الفضائية في العراق باطل، لتعارضه والحريات والحقوق المكفولة دستوريا

المرصد السومري والبرلمان الثقافي يطالبان بالعودة عن هذه القرارات وبحماية حرية الرأي والتعبير

 

مرة أخرى تتجه هيأة الإعلام العراقية نحو إصدار قرارات غلق القنوات الفضائية ومنعها من العمل مثلما غلق الصحف ومصادرة حقها في النشر والتوزيع والعمل الحر. وكالعادة تبرر الهيأة قرارها بتصوير تلك الفضائيات كونها عدائية ومثيرة للفتنة..!؟ ولربما كان بعض ما يرد في تلك القنوات الإعلامية والصحفية متطرفا أو لا يتفق ومعالجات مسؤولي هيأة الإعلام ويختلف مع توجهاتهم؛ إلا أنّ سياسة مصادرة الآخر المختلف مع من بيده سلطة القرار يظل عملا قمعيا استبداديا لا يتفق وتوجهات البلاد ودستورها ولا مع تطلع شعبها نحو تعزيز مسيرة الحريات والحقوق.

ولطالما لاحظنا بعض أصوات دأبت على التصفيق لمثل هكذا قرار رسمي حكومي ربما أحيانا لمصالح نفعية وربما في أحيان أخرى لحالة التطبع أو التدجين على مؤازرة خطاب السلطة بكل ما يصدر عنها؛ وهو الأمر الذي شجع ويشجع على تكرار مثل هذه القرارات السلبية الباطلة والمدانة قانونيا والمستنكرة حقوقيا.. ونحن هنا ندرك حجم تأثير خطاب التصفيق والمؤازرة الذي عادة ما يركز على آليات تشويه الآخر ومن ثمَّ محاولة تسقيطه باتهامه بكل ما هو سلبي حيث خطاب ادعاء أن الحكومي الرسمي دوما على حق وكل الآخرين على باطل! وفي أقل تقدير فإنه خطاب يضخم أخطاء الآخر حتى يُصوَّر سلبيا بالمطلق وليس فيه سوى العدائية والتحريض على العنف والجريمة بما يدعم ويهيئ لشطبه من حق ممارسة المهنة!!

إنّ الفضاء الإعلامي لن يتوقف بهذه القرارات وستواصل الفضائيات والصحف عملها وستصل إلى جمهورها؛ وإن كان بحال من ظهور آثار الحجب وحظر وسائل الإعلام من متابعة الحدث في موقعه ولحظته، ومن ثمّ فإنّ هذا سيتولد عنه تعمية على الممارسات الخاطئة لبعض قوى السلطة ولجهات ذات مآرب تتقاطع ومسيرة تلبية حقوق المواطنين وحرياتهم.. وفي وقت يجري حظر الآخر ستحتجب فرص النقد البناء وفرص تفاعل الرؤى والمعالجات المختلفة، الأمر الذي يمنع عن الجمهور مصادر المعلومة التي تساعدهم على اتخاذ القرار الصائب، وهي بهذا [أيضا] تقطع الطريق على دور الرأي العام في توجيه السياسات والمشاركة الناشطة على وفق آليات الديموقراطية..

إنّ معالجة ما يتعرض له الشعب من ضغوط بالخطاب الإعلامي (السلبي) لا يأتي من قرارات الحظر والحجب والمنع والمصادرة والاستلاب، لأنّ هذا يعني استصغار الشعب ووعيه في قراءة الأمور، وممارسة خطاب الفوقية والاستعلائية في توجيه الرأي العام بخطاب رسمي محدود بخاصة عندما يكون برؤية حزبوية بعينها، فيبقى بذلك ضيق الأفق مشوّها وربما تضليليا.

وسيبقى منع ظاهرة التعددية والتنوع ومصادرة حالة الاختلاف بالرأي، عملا يفسح المجال للطمطمة على سلبيات الجهات الحكومية وجرائم قوى في خارجها وفي داخلها؛ كما يعيد إنتاج آليات الدكتاتورية ويعرقل مسار تطبيع فضاءات الحرية النسبية ويمنع تقدمها وتوسعها بل يصادر ما وُلِد منها في عراق ما بعد 2003. ونحن نتطلع إلى أن تمارس العناصر الإيجابية في الخطاب الرسمي دورها لاتخاذ القرارات الأنضج والأسلم بدل الوقوع في ممارسات تنتمي لماض يراد الانتهاء منه والتخلص من قيوده وما تسبب من نكبات، وبناء بديل موضوعي جديد.

وننبه هنا على أنه بدل أن تحمي الجهات الرسمية أنشطة الإعلام وتشجع الحوار في إطاره وبدل تفاعلها إيجابا مع السلطة الرابعة نلاحظ أنّ العراق مازال من بين أكثر البلدان في نسبة تعرض الإعلاميين والصحفيين لنيران الإرهاب وممارسات المصادرة والاستلاب واضطهاد الحظر والمطاردات.

ومن هنا فإننا ندين القرارات التي صدرت بحق فضائيات: (بغداد، الشرقية، الشرقية نيوز، البابلية، صلاح الدين، الأنوار2، التغيير، الفلوجة، الجزيرة، العربية)؛ وبحق أية فضائية أو صحيفة أخرى بالاستناد إلى اختلاف الرأي. ونطالب بإلغاء القرارات فورا والانتهاء من تلك الممارسات بل التوجه لدراسة التعديلات المناسبة في قانون الصحافة والإعلام في البلاد  واتخاذ أساليب أنجع لحمايتهم وتأمين أنشطتهم وأعمالهم في فضاء مناسب من الحرية، والتوقف عن توجيه الدروس والمواعظ والظهور بصيغة تحتكر الصواب وتصادر أي رأي مختلف حيث باتت ترى في كل ما عداها وتحديدا كل من ينتقد سلوكا أو إجراء للحكومة هو عدو واجب الإقصاء أو الإلغاء.

إننا نطالب بالحرية لمن تم اعتقاله أو احتجازه من الإعلاميين والصحافيين بإطلاق سراحهم جميعا وفورا، كما نطالب بإلغاء فوري لقرار الوقف ولتعليق رخص ممارسة المهنة ونؤكد على واجب حماية التعددية واحترام حق الرأي الآخر في الوصول إلى جمهوره. واثقين في النهاية من وعي شعبنا وقواه الديموقراطية، منبهين على واجب الجميع في التصدي لهذه الممارسات الاستبدادية بشجاعة وعدم الخشية من لعبة الابتزاز التي تصورها أصوات تؤازر تلك الآليات بالتشويه والتضليل.

 

 

المرصد السومري لحقوق الإنسان

البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

لاهاي هولندا 29 نيسان أبريل 2013