رابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين
تعقد ندوتها الأولى حول الدستور العراقي الجديد في هولندا

نظمت رابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا بالتعاون مع جمعية البيت العراقي هولندا ندوة تخصصية حول الدستور العراقي الذي تجري عملية كتابته وصياغته الآن ليُعرَض للجمهور العراقي في 15/ آب /2005 من أجل المناقشة قبل التصويت عليه في تشرين أول أكتوبر المقبل، وتأتي هذه الندوة بوصفها جزءا من سلسلة ندوات تخصصية تنوي الرابطة تنظيمها في الأشهر التالية من أجل المساهمة الفعالة في معالجة إشكالات كتابة دستور عراقي دائم. ومن أجل توظيف خبرات متخصصينا ورفع الوعي القانوني الدستوري وإشراك أوسع جمهور في العملية التأسيسية القائمة وللإفادة من تجارب الشعوب والدول المتحضرة التي أرست قواعد الديموقراطية وحقوق الإنسان والعدل في مجتمعاتها.. حيث تستهدف الرابطة هنا تقديم الرأي في أخطر وثيقة من الوثائق السياسية الاجتماعية المتعلقة بشكل الدولة العراقية الجديدة وبمستقبل الأجيال القادمة والمبنية على المؤسسات الديمقراطية التي تضمن حقوق المواطنة العراقية وحقوق جميع مكونات الشعب العراقي...
عن هذه الأمور وغيرها تحدَّث في ندوة السبت 11 حزيران يونيو كل من الكاتب الإعلامي السيد جاسم المطير، والدكتور تيسير الآلوسي الأستاذ الجامعي والناشط في مجال حقوق الإنسان. وكان قد أدار الندوة رئيس جمعية البيت العراقي عضو البرلمان الثقافي ورابطة بابل الأستاذ عبدالرزاق الحكيم حيث أشار إلى الجهود المهمة التي تنهض بها جمعيات ومنظمات عراقية في المهجر من أجل كتابة الدستور مؤكدا على دور مهم للبيت العراقي بالخصوص ثم رحب بالمحاضرَيْن وقدمهما لجمهورهما وأعطى الكلمة الأولى ليتداخل الأستاذ المطير في موضوعة العلمانية والدين في الدستور مذكرا بتجاريب شعوب أخرى في صياغة دساتير علمانية تحترم الإنسان وحقوقه ولا تكون اعتداء على دين أوعقيدة.. كما قال إنَّ العلمانية هي درس البشرية الذي لم يعبر عنه بعد كتّاب العربية بدقة واستيعاب كافيين ما يلزم أن يوضَّح ويُشرَح بما يكسب الناس للمعالجة اللازمة التي تخدم آفاق الاستجابة لحقوقهم إنسانية كريمة.. وقد أفاض الباحث في قراءته لحكم الثيوقراطية ومخاطرها على الإنسان ومصالحه بمقابل حكم العلمانية وآفاقها الرحبة.. وتعد ألواح بابلية وألواح سومرية بنشر بحث الأستاذ المطير كاملا في أقرب فرصة..
بعدها قدم الدكتور تيسير الآلوسي ترحيب رابطة بابل للكتّاب بالحضور بوصف ذلك وعيا بأهمية ممارسة الحقوق وبالمشاركة في كتابة الدستور وصياغته. مقدِّما وعد الرابطة بمواصلة مهماتها في القضايا الوطنية الكبرى ومنها ما نعلو أهميته اليوم تأسيسا لدولتنا القائمة على دستور ديموقراطي علماني ثابت... بعدها قدم محاضرته بعنوان " تصورات في الدستور العراقي الجديد" مسجلا بعضا من التصورات التي رأى أن تكون محاور للمناقشة حيث قال: إنَّ كتابة الدستور ينبغي ألا تتأسس بلا قاعدة تستند إليها أو تنطلق من فراغ أو بلا أرضية فتبدأ من الصفر!! وإنَّما نحن هنا نستند إلى تاريخنا الوطني العراقي الحضاري فمنذ سومر كنّا أول من كتب القانون وسنَّ الشرائع وهو ما يشكل ذخيرتنا التي لا ننقطع عنها بما نجد له من أسباب وجيهة من نمط خلق التوازنات بين مكونات الطيف العراقي حتى لا نعود لمرحلة تاريخية وفكرها ونترك مرحلة أسبق كما يحصل بالعودة للفكر الإسلامي ويُنسى من تاريخنا آلاف سنوات أخرى..
كما أشار لإشكالية موقع الفرد والجماعة في الدستور وأسبقية أيا منهما على الآخر مؤكدا ضرورة تثبيت حقوق الإنسان الفرد وتقديم ذلك مع نقل محتوى المواطنة إلى وضع نوعي جديد يرفض الاستلاب والاستغلال الذي عانى منه الفرد \ المواطن العراقي بسبب من جعل محتوى المواطنة في ظل الأنظمة السابقة مجرد عبودية للنظام فكانت خيانة الحاكم ونظامه تودي بحياة المواطن.. كما إن القاعدة الجديدة التي نريدها هي احترام الشخصية العراقية المتسمة بالتعددية والتنوع والوحدة "الوطنية"... وعليه فخيار أسبقية الإنسان \ الفرد ووعي الجماعة أمر يمثل إشكالية مهمة في كتابة الدستور..
ومن جهة أخرى أكد على ضرورة التعامل مع المصطلحات القانونية ومحمولاتها الفكرية بدقة وضرب مثلا على ذلك مصطلح "أقلية" وهو المصطلح الذي يمثل قضية عقدية تشمل أغلب الطيف العراقي من جهة مكوّناته القومية العرقية الأثنية الدينية فيحرم العراقي من كثير من حقوقه ومن مبدأ المساواة والعدل بسبب من التفرقة القائمة على استلاب ما يُسمى "أغلبية" لحقوق من يدعونهم "أقلية" وعليه فلابد من محو هذا المصطلح لتحقيق القراءة القانونية الدقيقة ومن ثمَّ تحقيق معطى العدل والمساواة بين مجموع مكونات العراق بتسميتهم المباشرة كردا وتركمانا وكلدانا وآشوريين وسريان وأرمن وصابئة مندائيين وأيزيدية وشبك وغيرهم من دون إغفال لأي اسم أو تهميشه على أساس من الحجم الإحصائي الرقمي لأن قيمة الإنسان وحقوقه لا تكمن في حجم المجموعة التي ينتمي إليها بل بقيمته إنسانا يحتفظ بحقه في الانتماءات الدينية العقائدية القومية وغيرها من دون أن يكون لذلك سلب لحقوقه أو انتقاص منها..
وبالإشارة إلى النظام السياسي العراقي الجديد والمؤسسات التشريعية للدولة أشار إلى ضرورة تثبيت مستويين هنا هو مجلس وطني يُنتخب على صعيد تمثيل العضو لمجموع العراق ومستوى أو مجلس آخر للقوميات والمجموعات العراقية حيث يتشكل من ثلاث مجالس هي العربي والكردي والكلداني الآشوري السرياني ويمكن إضافة مكون آخر أو أكثر للمجلس التعددي هذا بحسب القراءة الموضوعية هنا...
وتحدَّث عن موضوعة خطيرة أخرى يحتاجها المجتمع العراقي في كتابة دستوره على أساس العدل والمساواة وحقوق الإنسان في مرحلته ألا وهي قضية المرأة حيث جرى تهميشها والانتقاص من وجودها الإنساني بالاستناد إلى رؤى مؤدلجة ببراقع دينية وعليه كان لابد من تثبيت المساواة التامة وليست الشكلية بين المرأة والرجل بإقرار المواثيق الدولية بالخصوص ومنع أية عبارات تتعارض مع مبدأ تساوي البشر بالتحديد المرأة والرجل في مجتمعنا وسيتأسس على ذلك ما يعترض عليه بعض من مجموعات سلفية أو متكلسة الرؤى ولكن الأمر هو في إصرارنا على حق العدل والانتصاف للمرأة ...
بعدها قدم تصورا بصدد منع الصياغات القائمة على مستهدفات سياسية بحتة لأن الدستور يُكتب بصياغة قانونية محضة وليس غير..وهو ما يجنبنا دستورا مشوشا ملبسا تتعارض بعض فقراته ومواده على وفق تأثيرات المرجعية السياسية أو ما شابه من تأثيرات تصبح هنا سلبية...
وعرَّج بعدها على مسألة تفعيل دور الجاليات العراقية في التأثير الجدي المسؤول لتحقيق أفضل النتائج وأدقها في صياغة دستور العراق الجديد مؤكدا على توسيع دائرة المناقشات شعبيا وكذلك على مستوى النخب والمتخصصين وإشراك تأثير العلاقات الأممية ومع المنظمات الدولية ذات العلاقة بما يجذب التوجيه المناسب للصياغات القانونية والإفادة من تلك التجاريب...
بعدها فُتِح باب النقاش وجرت تعليقات وتعقيبات مع عدد من الأسئلة حيث تحدث الفنان حميد البصري رئيس مؤسسة البصري للثقافة والفنون عن تأكيد توجه بابل لعقد ندوات متصلة عن الدستور واقترح توسيع دائرة الاتصال والنشر الإعلامي وأن تتناول كل ندوة جانبا من الدستور مع دعوة مزيد من المختصين وذوي العلاقة لقراءة الدستور العراقي الجديد.. واشار بالخصوص د. الآلوسي إلى أن جريدة ألواح بابلية وألواح سومرية تعملان على توسيع دائرة النشر والاتصال بالصحف الأخرى وتعزيز المناقشات بالخصوص وأن دورية الرابطة ألواح بابلية تعمل من أجل نشر عددها بالخصوص..وتساءل السيد علي الهندي رئيس الملتقى العراقي الهولندي في برنفيلد عن الأدوار سيلعبها الضغط الأجنبي وإذا ما كان هناك تأثير وتدخل مباشر من هذه القوة الإقليمية أو تلك الدولية في عملية صياغة الدستور مضمِّنا كلامه ما يشير لاستقلالية القرار العراقي بالضد من هذه التصورات.. وعقبت السيدة باسمة بغدادي بخصوص ما إذا كانت عضوة البرلمان العراقي التي يكتنفها الصمت والموافقة من دون مناقشة يمكن أن تكون ممثلة للمرأة العراقية وما إذا كانت نسبة الــ 25% هي نسبة عادلة بالخصوص واقترحت أن تتوسع نسبة المشاركة في كل الهرم المؤسساتي .. وفي تعقيب للسيد أياد البكري دعا لتبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في صياغة الدستور أما السيد أبو سلوان فقد سأل عن ماهية الوسائل التي تكفل صيانةالدستور واحترام تنفيذه؟ كما وردت أسئلة من نمط هل اللجنة المكلفة صياغة الدستور يمكنها حقا بوضعها الحالي كتابة الدستور واي دستور نريد وما دور التكنورقراط في كتابته؟ وكانت السيدة ابتسام هادي قد عقبت مؤكدة على مسألة فصل الدين عن الدولة بما يؤدي من جهة إلى احترام المجموعات جميعا وما يحافظ على التقاليد الوطنية في التعايش السلمي بين الأطياف العراقية واشارت إلى تفعيل دور المرأة ووصول ممثلاتها إلى مؤسسات الدولة كافة مشيرة لتساؤل آخر ورد بخصوص التأثيرات الأجنبية السلبية فيما يتعلق بالدستور وكان قد تكرر سؤال عن درس الدين في المدارس بين البلدان العلمانية وغيرها..
وفي إجابات السيد جاسم المطير أكد دفاعه عن الحل العلماني لإشكالية كتابة الدستور وخيارات الشعب العراقي بالخصوص.. كما أكد على مسائل فصل الدين عن الدولة وفصل دروس التربية والتعليم عن الدين وجعله بيد الدولة ومؤسساتها وقوانينها العلمانية.. كما رفض صيغة تشكيل اللجنة الحالية لكتابة الدستور معتمدا مقترحا يقوم على المتخصصين في إنجاز المسألة.. ومشيرا لعدد من التجاريب السلبية والإيجابية للدول الأخرى في هذا الشأن..
أما الدكتور تيسير الآلوسي فقد أكد على إبعاد الدولة عن سلطنة الكهنة الجدد وفسلفة الأكليروس الثيوقراطية ومن ثم كتابة الدستور بطريقة تحترم مكونات المجتمع وأطيافه وتبعده عن تسلط طرف على آخر أو استلاب طرف من آخر وفي موضوع تساؤل السيد ربيع البدري عن رفض العودة إلى أنليل وحمورابي والتراث السلفي قال الدكتور الآلوسي إن مسألة العودة تتشكل حيث لا يجوز لإنسان أن يعاود البدء من الصفر ويترك الخبرات المتراكمة للبشرية ومعارفها وعلومها كما إن تلك العودة تعني أخذ المنهج المتفتح للحضارة السومرية البابلية الرافدينية لبيت نهرين وإعادة التوازن بين المكونات على أساس منع العودة لمرحلة وإلغاء أخرى بما يستجيب لفرض رؤية على حساب أخرى إذن القصد ليس العودة لصيغ جامدة ولكنها عودة حيوية تعني الإفادة الإيجابية من التراث المعرفي الإنساني ومن المناهج المتفتحة لمنع التكلس والجمود وليس كما ورد في الاعتراض النهلستي أو الملتبس..
وبخصوص التكنوقراط وأدوارهم قال إن المتخصصين من المفكرين القانونيين والفلاسفة والأساتذة لابد أن يدافعوا عن وجودهم بوصفهم المرجعية الحقيقية للشعب العراقي في مبتدأ مرحلة جديدة وعراق جديد ونجاحهم سيعني تجنيب العراق الوقوع أسير أوضاع سلبية أخرى وهو ما يعني ضرورة دعم تمثيلهم في اللجنة وتجنيب العراق حالة الاستمرار في فلسفة المحاصصة التقسيمية الطائفية وغيرها وجعل التكنوقراط التخصصي في المعارف والعلوم الأساس في كتابة الدستور وصياغته صياغة قانونية متخصصة صائبة وصحية صحيحة..
وبناء على ذلك جرى الاتفاق على صياغة نداء من الجلسة باسم الحضور وعبر رابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين والبيت العراقي والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر يوجه إلى الجهات المسؤولة والمنظمات ذات العلاقة للدفع نحة توكيد ثقل التكنوقراط العراقي بالتحديد هنا نحو تمثيل المتخصصين العراقيين في الفكر القانوني الدستوري لكتابة الدستور وصياغته بعيدا عن التقسيمات من جميع تنوعاها الطائفية وغيرها بما يجنبنا كتابة الدستور بلغة سياسية غير قانونية ويعرض مستقبلنا العراق الجديد لمخاطر مثل هذه النواقص الفادحة..


متابعة: ألواح سومرية معاصرة