من أجل وحدة متينة وراسخة للمثقفين العراقيين في أوروبا

الشعر محراب المعبد الأدبي و نصوص طقوسه المقدسة والدراما مسرحه الحي أما القصة فإنًها نقوشه البهية, الثقافة عالم الإنسان الحي الذي ودَّع عالم الغاب .. والثقافة مرجل الحياة الإنسانية الذي يحرق الردئ ويجهِّز المفيد المغذي فيبدو الإنسان \ المجتمع صحيحا بها. اليوم في زمن العتمة والأمراض تفتك بكل مناحي الحياة سياسة واقتصادا , ليس لنا غير الثقافة والمثقفين أداة نعمل بها من أجل أنْ نمضي في طريق الخلاص الحقيقي من كل تلك الأدران…والتمزّق والفرقة والشتات واحدة من هذه الأمراض الخطرة التي أصابتنا في مقتل فما عدنا نستطيع حراكا إلاّ في ظلال وادي ( ا ل ص م ت ) وصارت أصوات التحدي مجرد أصداء ردَّدتها جنبات ذلك الوادي ؛ هل حقا متنا ومات كل ذلك المنجز الإنساني الذي نحتفل بألفيته العاشرة وندخل ألفيته العاشرة الثانية ونباشرها بفرح غامر بذيَّاك الإرث الغالي … هل مات جلجامش مفارقا أنكيدو أم متوسدا أغلى ذكرياته وأفضلها طاقة منحته قدرة الوجود والتحدي والحياة؟!!!

إنً استذكار طبيعة السعي الدائم نحو التوحّد واللقاء, نحو التعاضد والتضامن , إنًما يجعلنا نتفكر فيما آل إليه الوضع الثقافي العراقي بل المشهد العراقي العام ؛ وهو ما يؤدي إلى تحديد مشكلاتنا والتوجه نحو عمل فعَّال لحل كل المعضلات التي نحن بصدد اقتراح معالجة أو تصوّر أولي لمعالجتها في السطور التالية:-

من المناسب أنْ نتفق على أنَّ تقدُّمَ محور نشاط إنساني على آخر في الإطار العام, تفترضه وتحدده وقائع اللحظة التاريخية فليس من المعقول الحديث عن تقدم الثقافي في زمن تصادَر فيه أبسط الحريات الإنسانية ولا يُسمَح لمنجَز أنْ يظهر إلى العلن ما لم يكنْ مُجيَّراَ َ لصالح واحدية السلطان \ الإله ! أفي زمن افتقاد لا الحريات حسبْ بل الصحة وحتى الخبزوحتى حق الحياة نفسه يظل قرارا محصورا بالحاكم المطلق وأبنائه وقلة من عائلته ومريديه! أفي هذا الزمن يمكن للثقافي أنْ يتقدم على بقية أنشطة الحياة ؟ ما الذي يمكنه في خيمة كهذه أنْ يقدم وينجز؟ إنها تساؤلات ليس المقصود منها دعوة لاستمرارية مصادرة السياسي للثقافي وحقه في أنْ يتبوأ مكانته ويأخذ مساحة دوره في النشاط الإنساني وحركة التاريخ مثلما ظل عبر الزمن الأثر الخالد الوحيد الباقي بينما غادرغيره ساحة البقاء والخلود ..إنَّ الكلمة \ الصورة في خطاب الثقافي هي التي حفظتها الذاكرة البشرية وظلت كذلك وسيلة لتناقل المعرفة وتعاظم تراكمها التطوري وهي الأداة التي بها ظلت جميع دروس الخطابات الأخرى موجودة … ولكننا نعمل على دعم وضع تكاملي في الظروف العصية الصعبة والمعقدة من أجل التمهيد لإبراز هذه الحقائق لحظة انتصار الإرادة الإنسانية الحرة التي تلغي المصادرة والمنع والقمع والتدخل والتوجيه وما إلى ذلك من مصطلحات سلبية دخلت حياة بلاد الحضارة والثقافة العلمية المتنورة التي لا يعلو على حريتها وتقدمها أية إرادة أخرى , بما يُفسِح لها فرص العطاء في ظلال أوسع الحريات …

ومن الطبيعي عدم إغفال الحقائق المحيطة بالمنجَز الثقافي العراقي ومنه الموجود على أرض الغربة والمنافي والمهاجر ؛ والمقصود بذلك ما يتوافر له من فرص الحريات وفسحة التعبير الذي لا يخضع لقمع الدكتاتورية المتحكمة في رقاب مبدعي الداخل ؛ وفي هذه الساحة توجد سلطة ولكن من نمط آخر , ألا وهي سلطة التيارات السياسية والإجتماعية والدينية المتجسِّدة في أحزاب ومرجعيات تحمل أحيانا أمراض المصادرة والقمع وبقايا التصورات المتخلفة التي تحدَّرَتْ من زمن طويل من الاضطهاد والاستلاب والمصادرة… إنَّ العامل التكاملي بين جميع الأنشطة لا يتعارض مع أهمية أياَ َ منها ودوره في الحياة العامة ولا يلغي الاهتمام الجدي به حيثما تطلب الأمر ذلك وهو لا يتعارض مع حق الخطاب الثقافي بالتحديد في الاحتفاظ بمنطقه الداخلي وآلية انتاجه من دون شروط أو محدِّدات مسبقة من خارجه . ثم إننا لانبتغي وضع تعارض بين محاور العمل بما يؤدي إلى إضعاف الخطابات جميعا ودورها في تحريك بركة الواقع المتعثر أصلا بعراقيل لها أول وليس لها آخر. وعليه لابد من الاتفاق على أنَّ مسألة الأولويات وموازنة الأدوار والقيم تبقى محكومة بمنطق الظرف الراهن..وهو الظرف الذي واجهت فيه الثقافة العراقية ( في إطار ما واجهه العراق عامة ) أزمات حادة سواء منها الذاتية أم الموضوعية وهي جميعا عائدة إلى ممارسات السلطة الفاشية التي أغرقت البلاد بالدم وعملت على إشاعة ثقافة سلبية في معطياتها أو أشكال من أعمال (التبرير) و( التلميع) لوجهها الكالح في مسعى منها للإبقاء على أرضية تستند إليها في صراعها من أجل الاحتفاظ بكرسي السلطة ! فلا عجب بعد ذلك أن نرى المثقف الحقيقي وراء قضبان السجون أو على أعواد المشانق أو في محرقة الحروب التي أدْمَت بلادنا وشعبنا وجلبت له الخراب تلو الآخر.. ولم نعد نسمع أصوات بثَّت الحياة والربيع في بلادنا ـ تلك الأصوات التي كانت تشدو بها حناجر الإبداع الخالدـ إلاّ خلف جدران الأسرار والكتمان والوجل أحيانا أو على وريقات الكتابة السرية التي تحملها إلى الناس أيدي ناضلت من أجل بقاء أصوات ربيع الحياة وأزهارها…

ولعلنا هنا نشخص مثالا لأمراض بعض المثقفين إذْ نلمح تلك النرجسية التي تمهِّد للفردانية والتقوقع على الذات حتى تصبح حالة الأنا من القوة بمكان بما لايجعلنا قادرين على فك هذا التوصيف من صاحبه بغاية خلق اللقاء مع الآخر؛ ونجم عن ذلك أيضا ظاهرة التشرذم والانقسامات الحادة والمرضية في الساحة الثقافية . فإذا كان من الصحيح أن نقبل بوجود ظاهرة التعددية واختلاف الألوان والمشارب وهو أمر صحي فإنه ليس من الصحيح أن نترك هذه التعددية تتجه نحو التقاطع والتضاد لا على أساس الاختلاف بمضمون التنوع بل على أساس الاختلاف بمضمون الاحتراب والصراع السلبي (هذا إذا تفهمنا ـ أيضاـ وجود صراع بمحتوى إيجابي) , فتصبح عوامل الهدم هي السائدة في حياة الثقافة والمثقفين وذاك هو ديدن السلطة الحاكمة وما تبتغيه.

إننا ـ جمهور الثقافة ـ في الوقت الذي ندعم كل أشكال التجمع واللقاء في فرق وجمعيات وروابط واتحادات ومجاميع فنية وأدبية بكل صنوفها الإبداعية بما يستجيب لطبيعة الظرف الراهن , وما يتطلبه من خصوصية على مستوى التنظيم وإشكالياته ومنها تلك التعددية الكبيرة المفروضة لأسباب موضوعية ؛ فإننا في ذات الوقت ندعو إلى لقاء بين كل هذه التجمعات التي تقوم على أساس الخطاب الثقافي الحضاري الذي يقف بمنأى عن الطاغية وسلطته المرَضيِّة المستبدة .. ونؤكد على أنً إضاعة فرصة أخرى وإهدار وقت آخر وجهد جديد إنما يصب في خدمة أعداء الثقافة والإبداع . فلقد ابتدأت الآن اللحظة المناسبة لإعلان وحدة كل التجمعات في إطار يصب في خدمة المجموع ويفعِّل إمكانات العمل وطاقاته ويدفع به إلى حيث موقع التأثير في الأوضاع المستجدة بإيجابية عالية .. أما لماذا لم يعدْ ممكناَ َ التأخر أكثر؟ فإن ذلك ببساطة يعود إلى ما للثقافي من قدرات التقدم على الوقائع واستشرافه أفق المستقبل بدفع الواقع نحو آفاق تغييرية تطورية ملموسة..

ولم يعد صحيحا اليوم مناقشة ما صار بديهة كأهمية وحدة منظمات الثقافة العراقية بعد أنْ أخذت مساحتها في المنافي والمهاجر وصار ضروريا البحث في وسائل تعميق تأثيراتها في وسطها الإنساني بما يكفل تأكيد شخصيتها الإبداعية المميزة و المستقلة.. فهل غير إعادة ترتيب التنظيم وتوحيد المسارات التنسيقية أنجح وأنجع ؟

إنَّ وحدة منظماتنا تقوم على وحدة الشخصية وهويتها التاريخية وجذورها الحضارية البعيدة وهي تقوم كذلك على معطيات موضوعية من استجابة لحاجات ودواع ِ ِ متشابهة ولما تواجهه من تحديات مشتركة سيكون من الأفضل مجابهنها سوياَ َ وهي (أي التحديات والمصاعب والهجمات) التي تتمترس خلف وحدة و مركزة عدائية سافرة في مقابل تشتت وتفتت في تركيبة منظماتنا!

وإذا كان(مبررا) بقاء(بعض) القوى السياسية في حالة من التشرذم والاحتراب لأسباب شتى فإنَّه ليس من المقبول بقاء منظمات الثقافة وأطرها في الحال نفسها, على زعم ما للثقافة من أسبقية قراءة الواقع قراءة نوعية مختلفة واحتفاظها لنفسها بموقع أو مكانة تشكِّل الخلفية العريضة للحضارة ومسارها التاريخي ؛ وذلك لا يتعارض مع التنوع ولا مع هوامش الحريات المتوافرة في الساحات الجديدة لنشاط الثقافة العراقية لأنّه لا يستهدف لا تقليص هذه المساحات ولايقع على محورها ..فالحديث عن وحدة المنظمات هو معالجة في موضوع مختلف تماما , وهو قرار بشأن تفعيل إرادة المثقف وتصعيد وتائر التأثير في الواقع الذي تنتمي إليه.. فوحدة كهذه هي محامي الدفاع وهي أداة (ولا نقول سلاحا بغية الابتعاد عن مصطلحات عسكرة المشروع الثقافي وتسيِّيسه) حضارية راقية ترتقي بالمشروع الثقافي و تعمِّق فعله النوعي وتدفع به إلى المدى المرتجى أوالمستهدَف حيث يتفاعل مع واقع سيظل غريبا عنه من دون أنْ يُنشِئ مؤسساته كجزء من مؤسسات المجتمع (المدني) وبديلا معوِّضا في ظروف العيش بلا ( وطن) وبلا مؤسسات الثقافة المنغرسة في أرضها حيث لا ثقافة كوزموبوليتية , والعالمية والروح الإنساني ينبع من تأصِّل الهوية وتجذّرها بغير تعارض مع الآخر ولا تقوقع على الذات أو تعنصّر لها وارتداد أو تلفت للوراء أو تقديس سلبي للماضوية والخصوصية.. وهذه ليست شروطا فوقية ووصايا سياسة الإلزام والقسر وإنَّما هي توصيفات نابعة من شروط حرية الثقافي بوصفه منجزاَ َ إبداعياَ َ وعدم فوضويته وانفلاته من إطار الأنشطة الإنسانية التي لها ضوابطها المعرفية وغيرها. ومن الطبيعي أنْ تكون من هذه الضوابط تلك المتعلقة بما يركِّز عليه هذا المقال و يستهدف إثارة مناقشته على أوسع نطاق ألا وهي إعلان :-

اتحاد المثقفين الديموقراطيين العراقيين في أوروبا

ومصطلح الديموقراطيين هنا ليس من باب تسييس الاتحاد ونشاطه ولكن من باب الاستجابة للظرف الراهن وذلك بإعلان القطيعة مع كل تلك المحرمات التي صادرت المُنْجَزالإبداعي الثقافي العراقي طوال العهود الماضية ومن ثمَّ القطيعة مع النظام الحاكم الذي جعل فلسفة المصادرة والمنع والتحريم المبدأ الأول في وطن الحضارة والإبداع وعليه فهذا المصطلح ينبع من دواعي بنائية من داخل الثقافة وليس من شروط سياسية في أصولها ومستهدفاتها..

وقبل الخوض في محدِّدات الاتحاد المقترح وقوانينه الأساسية لابد من التذكير بأنَّ عددا من المحاولات قد جرت لتشكيله وقد جانبت في الغالب حالة التوفيق لأسباب عدة ينبغي لأي محاولة جديدة أنْ تدرس تلك المحاولات وتعمل على تسجيلها بغية تجنب آثارها السلبية ويمكن لهذا الغرض أنْ تُعْقَدَ سلسلة من الندوات على هامش أنشطة الجمعيات الثقافية ويجري وضع تسلسل للمناقشات مع توثيق الدراسات والنتائج وتعميمها على جمهور المثقفين العراقيين وبعد ذلك يجري اقتراح تصوّر محدّد يُعْلَن للمناقشة التي هي بدورها تلخصها لجنة مقترحة من المستشارين الذين يعملون على وضع صيغة المقترَح الأخير الذي تجتمع الجهات التمثيلية المنتخبة لإقراره…

وفي هذا الإطار تقترح الهيئات الثقافية خمسة زملاء ( أو أكثر) في لندن,لاهاي,برلين,استوكهولم,كوبنهاكن يقوم هؤلاء بجمع ما يمكن جمعه من تصورات وقراءات للتجارب السابقة مع المقترحات الجديدة ووسائل تجاوز أية عثرات ويتبادل هؤلاء ما لديهم حيث يُصار إلى اجتماع تداولي على مقترح أو مقترحات لصيغة الاتحاد … بينما يظل ترك العمل الموَّحد عرضة للمصادفة وإضاعة فرص إضافية لإمكان ولادته , أمر لا ينسجم مع قدرات الفعل والإبداع لدى المثقف…وهو أمر يخدم أعداء الثقافة ويسهِّل عليهم الاصطياد في الماء العكر, وإلا فما المانع من العمل المخلص الأكيد لهذا المنجَز الذي طال انتظاره ؟ وما الذي يؤخر إعلانه ؟ ومن غير حاجة للتعلق بما يقف في وجه إعلان الاتحاد يمكن التذكير هنا بفرصة لقاء مبدعي الثقافة العراقية في المهرجان الثقافي العراقي الذي سينعقد في دنهاخ(لاهاي) بهولندا في تشرين ثاني \ نوفمبر المقبل وهي فرصة إيجابية يمكن من خلال تكليف عدد من الزملاء بمتابعة شؤون قراءة تصورات تتجمع لديهم وصياغة اقتراحات للدراسة والإقرار في الموعد المذكور , يمكن لمثل ذلك أنْ يكون مناسبة على الأقل للتأكيد على وحدة منظمات الثقافة والمثقفين العراقيين وإطلاق بيان توحيدي مناسب يُوَّقَع في حينه. فهل سنشهد مثل هذه الفعالية التي تمنح الثقة بالنفس وتغذي الخطاب العراقي بأنماطه وأطيافه بدفع حيوي جديد ؟ وهل ستكتحل عيون زوار المهرجان من العراقيين والعرب والأجانب ببيان اتحاد المثقفين الديموقراطيين العراقيين في أوروبا؟ وبعْدُ.. فللموضوع بقية.

 

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *