كيف أهملنا جسور الاتصال بين أبناء الجاليات وآثار ذلك والحل البديل

رؤية بشأن العزلة بزمن العلاقات المفتوحة وطاقة الاتصالات وقدراتها

المعالجة تبحث في الاتصال بعمقه وشموله واتساعه وسيلةً من وسائل بناء الشخصية والدفاع عنها وحمايتها

ببساطة ما ذكرني للعودة إلى معالجة الموضوع بعد سنوات، أنني قرأتُ مجدداً لقاءً عائلياً في عزاء راحل عزيز يعنينا استذكاره وإكرام ذكراه، سواء مباشرة وشخصياً أم جمعياً حيث ما كانه من عطاء وروعة لمجتمعه.. وهذا تكرار لما قرأتُهُ مرات عديدة عن أنشطة مهمة أو لها وقعها وتثير اهتمامي أو آخرين ولكنها لا تصل إلا متأخرة وبالمصادفة أو قد لا تصل نهائياً..

وبودي بهذا المجال أن أشير إلى ما تعيشه جالياتنا شرق الأوسطية بمهاجرها، بطابع العزلة والتشتت أو التشظي وربما القطيعة في غيتوات انعزالية بأغلب الأحيان وربما بغالب الأبناء… فلا يحضر احتفاليات تلك الجاليات ومناسباتها إلا وجوه قليلة تمر بصمتٍ وحسرة على واقع الحال وسوء المآل؛ بما ربما ينجم عن يأس، نتيجة رتابة تلك اللقاءات المحاصَرة…

وفي الغالب لا تصل أخبار الأنشطة إلى عشرات أو مئات ألوف أبناء تلك الجاليات بسبب ضعف وسائل الاتصال وهزال انتشارها، لهزال خطط اشتغالها وروتينيتها أو سلبيتها وطبعا بالمحصلة لا وجود لنوافذ ثقافة الهوية التي تمنح قوة للشخصية مثلما تمنحها فرص الانفتاح بوجود أرضية مكينة متينة بالمحصلة يجري إعدام منافذ مناسبة للهوية وللبنى المجتمعية المفتوحة باتجاهاتها…

إن أخطاءً بعينها يجري ارتكابها، هي ما يقف وراء تلك الاتصالات الهزيلة. وكثرما يتبرم أبناء الجاليات من أنَّ مناسبة جرت من دون أن تصلهم أخبارها وكان يمكن أن يحضروها أو تفتح لهم سبل تفاعل بعينه!!!؟

أركز على إشكالية الاتصال تاركا موضوع التنظيم والخطط التي يجب أن تُرسم بديلا لترتيبات إقامة الأنشطة بطريقة متعجلة طارئة تفاجئ الجميع وهم لا يمتلكون فرص تغيير جداولهم.. أركز على جسور العلاقات ووسائل الاتصال وعرض جداول الأنشطة مما يمثل واحداً من أبرز مواضع الخلل وسط الجاليات وجسور صلاتها بمعنى وجودها الفعلي…

دعوا عنكم أموراً أخرى من قبيل: أن ممارسة بعض أنشطة، تجري لتمرير حدث أو ترتيب مخرجات في ضوء تلك الحال المختلقة بقصدية في افتعال أو اختلاق حال هزال إيصال الخبر إلى جمهوره!؟

وإذا بقينا حيث موضوعة الاتصال فإن ما قد يعترض تحققه هو أن تجري الأمور بخلفية هذا من بلدي وذاك من غيره أو أن هذا الأمر يعنيني أو لا يعنيني فيتحكم بحضوري من عدمه في ضوء المواقف المسبقة…!

وقد يعود الأمر أحياناً أخرى، للفردنة والشخصنة والشللية وما يعود لشلة لا يقره أعضاء شلة أخرى أو أنَّ فلاناّ زعلان وله جفاء مع فلان فلن يحضر له ولن يكلف نفسه إيجاد فرص الاطلاع على أنشطته وأخباره فالقضية محكومة بالشخصنة والشللية…

وبما يقترب من هذا، فكثرما تُحسب جمعية على شخصية أو أخرى فيجري مقاطعتها من أشخاص بعينهم ربما يمثلون جهات حزبية أو تيارا أو توجها، ولكن مرة أخرى الشخصنة تتسبب في قطع الاتصال وتهديم جسور العلاقات حتى العامة الواجبة منها ولا يهم أن تجري الأمور عليَّ وعلى أعدائي فلأقطع الاتصال في ضوء تلك الشخصنة!!؟

بجميع الأحوال تتناسل بتلك النزعات توريطات وعقبات وحواجز فتتضخم وتتحول إلى معضلات، متعارضة ومبدأ تبني جسور العلاقة والاتصال… فإذا كانت كل جالية ومجموع الجاليات بكليَّتِها لم تستطع تطوير صلاتها وجسور اشتغالها وإيصال الأخبار العامة الضرورية منها، بعضها إلى بعض؛ فكيف ستنفتح على المجتمع الحاضن؟ وكيف سيكون الاندماج على أساس الهوية المتفتحة ومن ثم على أساس احترام التنوع والتعددية؛ الذي يمثل ضمناً احترام وجود الجاليات تلك وهوياتها أي احترام وجود كل منا شخصيا فرديا؟

بالحقيقة، ما سيكون ويتحقق فعليا، سيكون بإطار مرضي! يضيع فيه الفرد من تلك الجاليات وسط لجج تسحقه وتعرّضه لمآسٍ لا يجد لها إجابة ولا حل، سيضيع في تيه بلا ضوابط ولا قيم محددة الهوية فيفقد شخصيته الإنسانية بركيزة خطيرة من ركائز وجوده، بمعنى سيكون نهلستياً عدمياً وكوزموبوليتيا بلا عمق لشخصيته، بلا معنى يستقر فيه بموانئ الأمن والأمان حيث جاء إلى مهجره بهذا القصد وليس بقصد الضياع في تيه من ضلال…

وبمثل تلك الأجواء ستتمزق الجالية وتمزق معها العائلة وعلاقات الجيرة والزمالة وتغرس الخشية ونغمات التشكك والظنية وستنحدر نحو العدائية والانفصام عن الهوية الأصدق التي تعبر عنه كونه مهجرياً غني الشخصية بتنوع خطابه ولكن الواقع سيقدم لنا صورة مسطحة، من أبيض وأسود بلا عمق لوني ولا غنى … بمثل تلك الأجواء سيضيع الخيط والعصفور كما يقول العراقيون العراقيون [التكرار مقصود للفظ] أو يضيع رأس الشليلة أو مفتاح القضية و جِدْ نفسك يا طير وسط غابة التيه الأبله…

بالعودة إلى موضوع الاتصال والعلم بالخبر ولو عابراً بقراءة جريدة؛ وعلى خلفية الافتقاد لتلك الوسائل التي توصلنا وتربطنا بالضرورة بما ينبغي لنا، يتعاتب طرفان عن سبب غيابهما عن مناسبات بعضهما بعضا وربما يمارسان الغيبة والنميمة وكل فارغ القيمة والأهمية فيما ينسيان أن لا جسور اتصال بينهما وأنهما لم يطلعا على الأمر الذي يتعاتبان بشأنه؛ والأنكى أن أشكال العزلة والقطيعة تدفع بعضهم لتلك الانشغالات المرضية البديلة التي أشرنا لبعضها؛ ومن ثمَّ فــ هما لا يعالجان الأصل في سجالهما الحاصل مصادفة فيرتكبان قرار قطيعة وفعلا ورد فعل لا علاقة له بالسبب الأساس..

أذكِّركم أيتها السيدات أيها السادة من كل أجيالكم بأنكم بالأصل في الغالب لم تكونوا تقرؤون في جريدة أو مجلة وهي هكذا هنا أيضا، أنتم لا تنظرون حتى شذرا في صحيفة بجدول أنشطة البلدية التي أنتن وأنتم فيها وتمرون بتلك الأنشطة مرورا عابرا بالمصادفة أما بخصوص أبناء جلدتكم (هويةً لكنّ ولكم) فتلك طامة كبرى في درجة قلة الاهتمام والإهمال والتهميش..

القضية يا سيدات ويا سادة ليست في ما يربطكن ويربطكم ببعض من علاقات كثرما تخضع للمزاجية والانفعال ولضغوط الحياة على كل فرد، فيقوم بإسقاط نتائج تلك الضغوط وتفريغها بالآخر كارها ذاك الآخر بلا موضوعية قرار، فيهرب إلى حيث القطيعة أولا ثم العزلة ثانيا وتاليا لن يكون غير إضعاف الشخصية وتركها لهزال روحي قيمي تتجاذبها عواصف يوميات الحياة الضاغطة وتمكين الأحقاد تبريرا وتقريعا وتذمرا وتبرما ولكن ليس لمعالجة و لا رسو عند ميناء أنسنة وأمان

لقد ألححت طويلا ومرارا وتكرارا على إيجاد استثمار جدي في وسائل التواصل لمواقع ألكترونية ترسل بشبكتها بريد الأخبار إلى جمهور الجاليات بحجمه الفعلي وليس بنسبة هامشية منه وعلى إيجاد مجموعات مراسلة ببريد ألكتروني أو بخدمات وسائل التواصل الاجتماعي بما يتيح ظهور جسور مناسبة للهدف السامي للاتصال ومعانيه العميقة وليست السطحية المباشرة…

فمتى سنكون فاعلين في رسم انفتاحنا على الآخر وفي كسر قمقم العزلة وهز ركود البركة كي لا تصير آسنة بل قبل أن تتعفن بيئة لا نريدها قطعاً..!؟؟؟

عسى تصير الأمور إلى مقترح سبق لي ولآخرين أن عرضناه من أجل إيجاد موقع أو صحيفة لكل شاردة وواردة من أخبارنا معا وسويا؛ أقصد موئلا لنشر أخبار الأنشطة والمناسبات بالأساس وجدولتها على مدار العام للقريب والبعيد للصغير والكبير وبخريطة تتوزع بالمناسب من التوزيع بما يكون بالفعل ملتقى الجميع، كي لا نكون بمنغلقات ومنعزلات وحالات قطيعة مع حيوات هي بيئتنا وهي صحتنا وقوتنا مثلما هي جسور علاقات صحية سليمة تعني الانتماء للمهجر بطريقة لا تمارس سحقا أو إلغاء لوجودنا ولا إيلاما للبسيط و-أو المركب من شؤوننا…

وتحية إلى جميع بنات جالياتنا وأبنائها يصنعون فرص تجنب مزيد مشكلات، مزيد خسائر، فيخرجون من التيه العظيم إلى ميادين مشمسة مشرقة لا تلبدها غيوم العزلة لا الفردية ولا الشللية ولا جماعات التمييز بين منحدرات قومية أو وطنية أو دينية أو مذهبية أو لأي سبب يفرق بين الإنسان ووجوده السامي…

فهلا أدركنا معاني الاتصال اليوم وتمسكنا بما يخدمنا بسلامة؟؟؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *