يكتنز كبار السسن خبرات ودراية حياتية غنية ومن ثم فهم جيل إنساني شاد وجودنا حتى اللحظة التي دخل فيها جيل الأمس العامل المنتج مرحلة الشيخوخة ولدى هذا الجيل خصال المرح والألفة والاندماج بتفاصيل حيواتنا بصيغ خبيرة إلا أن هذا الجيل الذي تبدأ معه الأمراض بالتوالد والتراكم يعاني مما هو أسوأ عندما يجابه الإهمال وإساءة المعاملة بأشكالها.. ما الذي نحتاج قوله بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بضرورة تبني نهج معاملة تكافح إساءة أو أخرى بحق من أوصلنا إلى خط الحياة الأول.. مشكلاتنا بالخصوص لا تقف بحدود الدول المتقدمة بل تتفاقم مع الانهيارات القيمية الأخلاقية أو السلوكية في عالمنا الثالث وبلدانه فهلا تنبهنا قبل مزيد تراجع وانهزام!؟
إلى كل متخصص: هذا نداء من أجل وضع توصيته لمعالجة تراجع القيم السلوكية في العلاقة مع كبار السن ووسائل الرعاية وعدم الإساءة
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
قبل أنْ نوغل في موضوعنا ينبغي التأكيد على تعريف مصطلحاتنا بعد أن باتت الفروق اللغوية عيدة المنال وضاعت علينا أدوات المعالجة بدقة وموضوعية.. وبالإشارة هنا إلى مصطلحات كهل، مسنّ، شيخ، وعجوز أو هرم سنجد أن اللغة حددت الكهل ما بعد الثلاثين عبورا نحو الأربعين وبعضها تصل به إلى الخمسين.. فيما الشيخ أو المسنّ هو ما فوق الكهل وما دون الهرِم.. وليلاحظ القارئ أن التناول يساوي بين المسنّ والشيخ لأن الأولى تشير إلى من كبر في السن وهي ذاتها للشيخ على أن الفارق اللغوي يمنح الشيخ لفظا ما يفيد المكانة الرفيعة.. ومن باب التضاد مع تلك المكانة يُسمى المسنّ وغيره الشايب إشارة إلى أنه شخص لا نفع فيه وهو عجوز أي أصابه الضعف حتى حال بينه وبين أي فعل وإنجاز..
إنّ بعض المجتمعات ولأسباب خاصة تختل فيها التوازنات بين الأجيال فتكون نسبة جيل أعلى منها لجيل آخر في تلك المجتمعات التي تمر بأزمات عاصفة كما ظروف ألمانيا بعد الحرب العالمية وكما ظروف مجتمعات نامية كفلسطين والعراق ونسب الأطفال وسطهم .. لكن بعامة تسجل الإحصاءات أنه بحلول عام 2050، سيكون شخص بين كل ستة أشخاص قد تجاوز 65 عامًا بالمستوى العالمي وهذا العمر يعادل ما أجمعت أغلب التقديرات على تسمية ما يصله بالمسن والشيخ وهو بداية لمرحلة تسميته الهرِم أو العجوز..
إن تبادل الاحترام بين الأجيال العمرية المختلفة تظل واحدة من القيم السلوكية الأبرز في قراءة سلامة العيش بكرامة وعزة وتقدير لكل جيل.. وإذا جيل المسنين تبدأ معاناته بتلك المراحل المتقدمة من العمر فإنّ من بين أبرز المعاناة هو ما يتأتى من افتقاد التقدير والاحترام؛ أو من أكثر منه عندما يجابهون الإساءة في المعاملة بأي شكل منها..
وعلى الرغم من أننا لا نملك إحصاء لأوضاع المسنين عبر التاريخ فإننا يمكن أن نضع تقديرا نسبيا بأن المسن قد حظي بمكانة وربما في الغالب رفيعة عالية على أقل تقدير من تسمية المسن بالشيخ من باب الاعتزاز بتجاريبه وحكمته ودربته وتقدير حنكته ومكانه ومكانته.. والشيخوخة ليست توصيفا بيولوجيا لتقدم العمر أو السنّ بصورة مجردة بل فعل امتلاك التجربة وما تمنحه من خبرة وحكمة.. من دون أنن نفي هنا المعاني المستخدمة للفظ الشيخوخة بوصفه تعبيرا عما يطرأ على الجسم لتقدم العمر من تغيرات عقلية بدنية واجتماعية بجانب الإشارة التي ذكرناها للتو من المكانة الرفيعة للخبرة بخلفية تجاريب السن..
غير أننا مع تفاقم التوتر الاجتماعي بمختلف البلدان وبصورة شاملة عالمياً تتدهور معها القيم حتى أننا بتنا نجابه إحصاء قاسيا في إشارته عندما نقر بأنّ واحدا من كل ستة أشخاص ممن تجاوز الستين عاما قد تعرض لشكل من أشكال الإساءة في بيئته الاجتماعية.. ونحن بهذا التعبير حصراً نؤكد على ضرورة أن تُفهم (إساءة معاملة المسنين) في سياقاتها المتنوعة ثقافياً اجتماعياً، إذ يختلف تشخيص (إساءة) باختلاف المجتمعات وبيئاتها ما يقتضي التوقف عند القواسم المشتركة وتحديد وسائل التشخيص والمعالجة وعدم استعجال تعريف مضمون المصطلح وعدّه تعريفا مقطوعا لأن الأصل في اللغات يكمن في قدرة النصوص وسياقاتها على تغيير المعاني والمحتويات بحسب موضعها…..
ولكن بقصد الإيجاز فلنتجه إلى أنواع أو أنماط ظاهرة الإساءة للمسن ونوجزها بالآتي:
الإساءة البدنية: كما بحالات تعريض المسن للضرب دفعه أو صفعه أو ركله أو حرقه أو تقييده أو حبسه بلا سبب أو بمنحه علاجات خاطئة أو منع العلاج عنه..
الإساءة العاطفية النفسية: إذ كثرما تحدث بالإهمال والتغافل أو التجاهل والازدراء والإهانة أو الإذلال بالسخرية والاستهزاء ورفع الصوت بوجهه أو استخدام نبرة أو لفظ مهين
الإساءة الجنسية: كما في إكراه كبار السن على المشاركة بفعل جنسي من دون موافقته، بضمن ذلك إجراء دردشات ذات طابع جنسي ضد إرادته، وكل تلك الأنشطة مما يشمل المصابين بالخرف أو فقدان الذاكرة \ ألزهايمر..
الإساءة المالية تجاه المسنين: وتتجسد باستغلالهم كما في اختلاس موارد مالية لأحدهم من طرف مقرب منهم أو غريب.. ويشمل الأمر عدم تسديد المستحقات المالية من طرف أصحاب الولاية على المسن..
الإساءة بالإهمال: ما يتسبب بحرمان المسن من الحصول على الدواء أو تناوله والحصول على الغذاء أو الملبس أو حرمانه من الخدمات أو استغلال كل ذلك للابتزاز بشأن من الشؤون.. وبين الإهمال النشط الفعال والإهمال الخامد فروق ملموسة تشير إلى التعمّد أو الجهل لكنها بجميع الأحوال حالات تقع بمصائبها على كبار السن..
كما يعد هجر كبير السن حال من التخلي عنه بما يعرضه للأذى النفسي والبدني أو كلاهما وهذه قضية قد تقرها مجتمعات ودول وقد تتركها بخلفية وجود نظم الرعاية أو أي شكل للاعتناء بهذه الفئة..
ومن أشكال الإساءة التنكر للحقوق المدنية والدستورية سواء تأتت من الغير أم من الذات بعدم الالتفات إلى الأدوية وشروط العيش الصحي الكريم من غذاء ونظافة بتفاصيلها والاستجابة للظروف البيئة والطقسية ما قد يؤدي لإيذاء الشخص..
وفي وقت لا يعد الأمر إهمالا ذاتيا عندما يحدث نتيجة الفقر أو أية حال اجتماعية مسببة فإن واقع الحال ينبغي أن يكون بالبحث عن مستوى الوعي والإدراك ومعطيات المستوى الثقافي لدى الفرد وبيئته المباشرة وغير المباشرة ونبحث أيضا عن أسباب أخرى للإساءة إلى المسنين كي نضع العلاجات المناسبة لما يتم تشخيصه..
لابد لنا من التأكيد أنه حتى في دور الرعاية باتت قضية الإساءة بمستوى يُنذر بالخطر الشديد حيث أن نسبا من الإيذاء تجاوزت نسبة الـ50% ونسب الإهمال تجاوزت الـ95% كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية..
أما في مستوى العلاقات العائلية فإن ظروف الفقر ونسبه التي باتت تتجاوز الثلثين في بعض البلدان فإنها أحوال تدفع لإيقاع نتائجها القاسية وفظاعات الفقر المدقع على كواهل كبار السن ممن لا يجد لقمة عيش تكفل له الكرامة والاستقرار المعيشي وتعرضه للمهانة والازدراء والاضطرار لسماع كل ما يخل بالقيم الإنسانية من ألفاظ وأفعال أيضا بأحيان أخرى..
أذكّر بمعالجتي الموجزة هذه بأن علاقات الأبناء بالآباء لم تعد مثالية وهي بعد من ذلك لم تعد تلتفت إلى حدود أو خطوط حمراء أو صفراء تجاه صيغ الخطاب بين الطرفين والأنكى التعامل الفظ أي استخدام فظاظة الأداء والتعامل من دون حرج!
بات بعضهم يزوّج الأرملة المسنة قسريا بمفهوم أنها امرأة عورة وقد تسير بطريق (الفسق!) ويجب أن يسترها رجل!! وهناك قصور فاضح لدور الرعاية وللمتابعة الرسمية والمجتمعية ما يضع المسنين تحت مقصلة الانتهاك الصارخ يوميا وبديمومة قاسية.. تتسع دائرة الاستغلال في التشغيل وطريقة التعامل مع المسن ممن يعبر سن الـ65 وعندما تنتهك آدمية المسن فإن ذلك يقع على البدني لكنه أبعد من ذلك يترك ندوبه الكارثية الجارحة في العمق النفسي وتأثيراته وما يفرضه من ردود فعل أو انعكاسات تهزم الخبرة والقيم وتضعها تحت دواليب المجنزرات الوحشية الغابوية..
من هنا بات واجبا على المجتمعات وضع حلول جوهرية بعضها شاملة كلية لمختلف مناحي الحياة وبعضها مما ينصب بتركيز مباشر على إشكالية التمييز بين الأجيال على وفق العمر أو السن ما انساق نحو نتائج كارثية في العلاقات المجتمعية ورسم السياسات تجاه ما هو أبعد من العلاقات نفسها..
إننا اليوم بحاجة لرسم إحصاءات جد ضرورية بشأن ظاهرة إساءة معالمة المسنين ورسم سياسات التقاعد والضمان الاجتماعي والعلاقة بمن وصل سن الشيخوخة وحاجاته ومطالبه بمستويات فردية وجمعية.. ولابد هنا من تهيئة مؤسسات كفء ممتلكة للخبرات والأسباب التي يمكنها تجاوز ما يحدث خلف أسوار الرعاية نفسها بمختلف البلدان بخاصة مع إقرار أكثر من ثلثي العاملين بتلك المؤسسات بأنهم مارسوا سلوكيات مسيئة في أثناء عملهم..
إن واجبا أخلاقيا قيميا وقانونيا يقع على عاتق الجميع أفرادا ومؤسسات وضمنا العوائل التي فيها من بات من المسنين بخاصة منهم المرضى وهذا الواجب يتضمن إعادة نظر بمجمل السلوكيات الجارية والاندفاعات التي لا تمس المسن وحده ولكنها تمس الأبناء والأجيال من أعمار أصغر حيث تضعهم بظروف نفسية ومشاعر الذنب ما يفرض سيادة الشعور بالذنب ويورطهم بمشكلات تراكمية أبعد.. فيما تهتز قيم الاستقرار الاجتماعي برمتها..
إن تزايد نسب المسنين سيضع البشرية بمجابهة مع ظروف ليست سهلة بالمرة ما يتطلب موقفا مسبقا يتخذ الإجراءات الوافية لمجابهة المشكلات المعضلة..
إننا نتطلع معا لبناء منظومة يمكنها أن تحمي كبار السن وتعيد التعاطي معهم بوصفهم بناة الأمس القريب للإنسان وبيئته وبوصفهم بشرا يلزم إيفاء جميع الحقوق والحاجات لهم..
صديقاتي أصدقائي
هذه ليست إشكالية عابرة فالآباء والأجداد نساء ورجالا باتا اليوم بأوضاع لا يحسدون عليها في تعامل الأبناء والأساتذة والمعلمين نساء ورجالا يعانون الأمرَّين في العلاقة مع الأبناء الطلبة وبجميع الأحوال هناك تكرار في الحديث عن صراع الأجيال بينما لا نكاد نقرأ أو نطلع على ما شير إلى تعويض كبار السن ومنحهم حقا من حقوقهم بل هناك إغفال وإهمال بين التعمّد وبين القصور المعرفي تتضخم انحدارات القيم ومناهج العلاقات وما تدار به من قيم سلوكية بعينها..
فهل تساءلنا في هذا أم أن مدارات الحياة وضغوط تفاصيل يومها العادي تقطع السبل بين الأجيال وتجعل من الجيل الجديد أشد قسوة ما يدفعه للقسوة في مجمل حياته وما يضعنا بمجابهة شرسة مع التحولات القيمية التي لم أطلع بشأنها على أدوار فاعلة لعلماء النفس وعلماء الاجتماع ومجمل المتخصصين!؟ أرجو أن أكون بحال قصور في قراءاتي المتخصصة تلك وأن فعلا نوعيا عالي الصوت بالخصوص يواصل النمو وسط مجتمعاتنا الإنسانية..
تحية لكل الفاعلات والفاعلين في تثبيت منظومة سلوكية مستحقة وتحية لكبار السن يقاومون العجز كي لا يتركوا الضغوط تسحق قدرات تجاريبهم وخبراتهم..
اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين \ 15 يونيو حزيران
- بعض الأرقام من مصادر في النت بخاصة مصدر المنظمة الدولية
المقال ((5590430)) في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
***************************
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير