في اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع 19 يونيو حزيران: الإهمال وانتفاء وجود استراتيجية للتصدي للجرائم الجنسية يفاقِم أوضاع الناجيات ويلتهم ضحايا جديدة

مرت اليوم التاسع عشر من يونيو حزيران مناسبة أممية جد استثنائية ومهمة ليس أمميا حسب بل وعراقيا شرق أوسطيا بسبب حجم المجريات الخطيرة للنزاعات واشتعال أوار حروب ومقاتل تستغل العنف الجنسي بكل أشكاله ليكون أداة ضغط وابتزاز في تلك الصراعات الملتهبة وبينها صراعات قوى الإرهاب ومافيات الاتجار بالبشر.. وإذا كانت الجريمة تفرض كرها وقسرا على ضحاياها ندوبا غائرة وتترك آثارها الإجرامية المركبة المعقدة لأجيال فإن التصدي لها بخاصة عراقيا لم يرتق لمستوى تحدياته ولابد من قرارات تشريعية قانونية واشتغالات تربوية واجتماعية قيمية مع رعاية نفسية لتجاوز الصدمة وكل تلك الأمور تظل مجرد أوهام من دون استراتتيجية شاملة بكل المحاور اللازمة للمعالجة ومحو الآثار ومخلفات الجريمة.. أقترح هنا هذا النص عسى يكون مفردة في النداء لتلبية الحاججات بظروف عراق يتضخم بمن وقع ضحية لتلك النزاعات والحروب.. وبانتظار رؤاكن ورؤاكم بالخصوص

في اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع 19 يونيو حزيران: الإهمال وانتفاء وجود استراتيجية للتصدي للجرائم الجنسية يفاقِم أوضاع الناجيات ويلتهم ضحايا جديدة

تيسير عبدالجبار الآلوسي

العراق لم يكن مجرد نموذج سطحي عابر في وقوع الانتهاكات وأشكال العنف الجنسي حدّاً افتتحت قوى الإرهاب أسواق نخاسة، وتتواصل مثل هذه الجريمة متسترة بمباغ ومواخير تُجاز بفعل سلطة الأمر الواقع لسطوة قوى خارجة على القانون من مافيات الاتجار بالبشر وميليشيات للبلطجة وفرض منظومة استعباد مثلما أسواق نخاسة الدواعش تماما..

والأبعد من ذلك فإن التزويج القسري وانتهاك الطفولة يتفاقم اليوم بذريعة الإيمان بسلامة لائحة مازال من يسمون أنفسهم (رجال دين) يعكفون على تدبيجها وقد فُتح السبيل أمام تلك النصوص غير المحسومة بتغيير قانون الأحوال الشخصية 188 ليجيز تزويج الطفلة وهو ما يدخل بإكراههن على الخضوع للرغبات الجنسية المرضية لمن صاغها ومن يعبرون عنهم وذلك هو أحد أشكال الاغتصاب المذكور في القوانين الأممية المعنية بالموضوع..

إنَّ تعريف الظاهرة الإجرامية الخطيرة وانتشارها بشكل مريع يتجسد بتأكيد أنّ العنف الجنسي المرتبط بالنزاع جوهر تلك الظاهرة والمصطلح الذي يشير إليها يتمثل بكل من جرائم: الاغتصاب، الاسترقاق أو الاستعباد الجنسي، الدعارة القسرية، ما قد ينجم عنها من الحمل القسري والإجهاض القسري، كذلك التعقيم القسري، وأيضا هنا نشير بلفت النظر بوضوح إلى مسمى جريمة التزويج القسري، وكل أشكال العنف الجنسي التي تُضاهي ما ذكرناه في جسامة الفعل، حين تُرتكب الجريمة بحق النساء أو الرجال و\أو الفتيات أو الفتيان، بارتباط مباشر أو غير مباشر بحالة من حالات النزاع. وضمن كل ذلك تشمل الجريمة ظاهرة الاتجار بالأشخاص في إطار النزاعات لأغراض العنف الجنسي أو الاستغلال. في مجاله وربما أشرنا هنا إلى حالات الاغتصاب في المخيمات التي تكتظ بساكنيها في استغلال للظرف الطارئ للأطفال والنساء والمجموعات الهشة…

إنَّ إدراك الآثار المروّعة للعنف الجنسي المرتبط بالنزاع بكل أشكاله بما يوقعه على ضحاياه وبخاصة الناجيات والناجين وبيئتهنّ وسط مجتمعاتهن ومجتمعاتهم يعني أن ندرك التشخيص بوصف العنف الجنسي المرتبط بأي نزاع هو بوجه من أوجهه جريمة حرب وبوجه آخر جريمة ضد الإنسانية، وقد يرقى إلى مستوى الفعل المؤدي نحو الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي، إن تلك الجريمة تهديد صريح للأمن فردياً جمعياً، مثلما تشكل آثاره وما ينجم عنه يعرقل بشكل خطير فرص الوصول إلى سلام مستدام.

وهنا نشير ضمنا إلى امتداد آثار العنف الجنسي للصدمات البدنية والنفسية وما يشكله من وصمات العار اجتماعيا تلك التي تُقصي لا الناجيات والناجين بل وذويهم عندما يتم نبذ أولئك الضحايا وإغلاق سبل الدعم والرعاية والاحتواء في المجتمع ونحن ندرك حجم المواقف القائمة على التقاليد وثوابت الجماعات الدينية والاجتماعية حيث يكون أبسط تعامل ممثلا بالرفض والعزل والإبعاد مع التذكير بأن بعض الحالات تعاني من الضرب والتعذيب ما قد يصل للقتل والتصفية غسلا للعار…

إن مجموعة من الفظاعات ما زالت تُرتكب بأجواء الحروب أو عقبها، إذ تستمر فعاليات الخطف والتجنيد الإجباري بالابتزاز وما يعنيه من أفعال تسبقه بقصد توفير وسائل الضغط والابتزاز التي نشير إليها..

وإذا ما أقر امرؤ مجمل تلك التوصيفات للمجريات فإنها بالمحصلة تأخذ مساحتها الواسعة الخطيرة في قراءة ما يدفع إلى تمزيق النسيج الاجتماعي بسببها..

إذ يحفر العنف الجنسي ندوباً غائرة في الحياة الاجتماعية وأولها في أنفس الناجيات والناجين..

ونحن ندرك هنا حجم القسوة التي تضطر من ينجو لاتخاذ الصمت الموجع سبيلا لتجنب أشكال الترهيب والانتقام و\أو الاثار المجتمعية والمهنية بالتحديد في ظروف انعدام تام للدعم، بذات الوقت ما تعنيه حال الوصم بالعار للضحية لا للمعتدي!!

تقول الإحصاءات إن كل حالة بعينها يتم الإبلاغ عنها تعني وجود حالات بلا حصر بلا إبلاغ تتجاوز العشرين ضعفا حيث خضوع الضحية للرعب من انتقام أو من الوصمة يمنعه من الإبلاغ لكن ألا يجدر بنا هنا ملاحظة مجريات دور الرعاية الرسمية تلك التي يُفترض أنها يمكنها ويلزم أن تحمي الضحايا وهي نقيض ذلك تماما ومثل ذلك عوامل تراجع المجتمع العراقي وشرق الأوسطية حيث ظواهر الجمود على تقاليد وعادات وقيم تظل متمسكة بوصم الضحية والانحياز للمعتدي وهذا ما يجب أن نعمل باستمرار على التصدي له حتى معالجته والانتهاء منه..

و يبدو لي أن توفير العلاجات وإزاحة كلكل الصدمات النفسية وإبعاد التأثيرات الاجتماعية السلبية الخطيرة للعزل والإقصاء  بتوفير الدعم المجتمعي ولعل دور المجتمع الدولي وقدراته على الدعم واتخاذ القرارات المناسبة بعيدا عن حال الإهمال للظاهرة وبعيدا عن الامتناع عن معالجتها ما يعمّق الآثار الكارثية بكل مستوياتها النفسية والاجتماعية والانعكاسات السياسية وغيرها..

إن العراق ومثل جميع بلدان النزاعات الحربية الشاملة أو الأهلية أو تلك المرتكبة بين المجموعات الأصغر كالعشائرية والطائفية تبقى بحاجة لضبط الأوضاع وتأمين الناس وظروف عيشهم الحر الكريم كما أن الأداء القائم على استراتيجية نوعية مناسبة سياسيا اجتماعيا اقتصاديا تتطلب وضعها سواء برسم خطوطها على الورق فورا وتطويرها على وفق الظروف السائدة بمتغيراتها أم بتطبيقها بإجراءات فعلية على الأرض..

إن كسر الدوائر المغلقة للجريمة وظواهر الانكسار النفسي الاجتماعي والوصمة وعار النظرة السائدة يبدأ من أعمق تغيير مجتمعي في خطاب المجتمع وآليات منظمة العلاقات فيه وهو ما يتطلب موقفا حقوقيا قانونيا يستطيع مجابهة نزعات النظر شزرا والاستهانة بالضحية وازدرائها في حين يلزم وضع خطى التعافي بتوفير الخدمة الصحية النفسية وتلك المنظومة القانونية الحمائية التي تتناسب والظرف العام..

وعليه أجدد التأكيد على تفعيل  الاستراتيجيات المناسبة للمجتمع العراقي المحلي من جهة والأخذ بتجاريب بلدان أخرى والاستفادة من وجود المجتمع الدولي ومؤازرته بخاصة عبر منظمات الأمم المتحدة المعنية.. لعل حملات التنوير ومهرجات التكريم والمشاركة المجتمعية وتوفير ما تحتاجه تلك الأنشطة من موارد ومبادرات تربوية ونفسية واجتماعية تتبنى معالجة صدمات الأطفال والنساء هذا بجانب ما ذكرته للتو من إصدار قوانين وتشريعات تستطيع كبح الجريمة وتمنع تكرارها وتنتصر لوقف استخدام العنف الجنسي أداة ابتزاز في الحرب أو في الإكراه على المساهمة في جرائم الإرهاب والاتجار بالبشر مافيويا مثلما تساعد على إزالة آثار ما اُرتُكِب منها..

إن ندائي اليوم ينطلق من إطلاق حملة شاملة للإنصاف الرسمي والمجتمعي وتنمية الوعي بالقدر الذي يتيح كسر الصمت والانطلاق بحرية بعيدا عن الندوب الغائرة بوصفها قيود على قدرة ممارسة الحياة والأخذ بتجاريب فذة في الصمود والتصدي والانتصار على الآثار السلبية الخطيرة..

فهلا اتعظنا أم سنسمح باستمرار الجريمة بخلفية دفن الرؤوس في الرمال..؟؟؟

 

**********

للتذكير فإن جرائم العنف الجنسي وافتتاح أسواق نحاسة والجرائم التي اُرتُكبت بحق الإيزيديات هي واحدة من أكبر وأخطر ما أصاب المجتمع الإنساني المعاصر وهي وصمة بجبين المجتمع حتى ينتصر لتلك اللواتي وقعن ضحية الجريمة.. وللتذكير نشير إلى ماحدث ويحدث لنساء دارفور والسودان بعامة من أطراف ميليشياوية في استعادة إجرامية كارثية لجرائم الجنجويد ونشير إلى حجم ظواهر الاغتصاب التي تعرضت لها الفتاة الليبية وما وقع لغيرهن وفي جميع الصراعات الدامية كان الاغتصاب والعنف الجنسي بعامة أداة في تلك النزاعات وفرصة أو ثغرة خطيرة تم استغلالها لارتكاب أقذر الجرائم والكارثة في أغلب الأحوال ما يقع على الضحية وليس على الجاني من آثار.. سأعود لتسليط الضوء على مزيد من الأمور وتفاصيلها الخطيرة

***********

المقال ((5621500)) في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن

***************************

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

 

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...