التعذيب بوصفه جريمة من جرائم ضد الإنسانية وما تتطلبه من حملات نوعية لإنهائها كليا

تمر في السادس والعشرين من يونيو حزيران مناسبة مهمة وخطيرة في مدلولاتها هي اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب إلى جانب مناسبات أخرى تتعلق بمكافحة التعذيب وأشكال العنف والقسوة  الأمر الذي وثَّقته الأمم المتحدة بالقانون الدولي وبقواعده المعمول بها وبحملات عديدة تسعى لنشر الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي والبدائل النوعية القادرة على إدارة الاختلافات بما لا يستخدم نهج العنف ومنظومة التعذيب الجسدي والنفسي فهل نحن عالميا وشرق أوسطيا وعراقيا على استعداد للوقوف مع ضحايا التعذيب أم ظاهرة الإهمال تشجع على مزيد منها كما باتركاب عناصر في مركز احتجاز عراقي لجريمة القتل تحت تعذيب لمواطن عراقي لم نر ردا أو موقفا يرتقي لمستوى الحدث وقيمة الحياة والكرامة ضد التعذيب والمهانة والتحقير والتنمر.. هذه معالجة بالموضوع لا تستهدف شخصا لشخصه ولكنها تستهدف أي نهج يمارس العنف ويرتكب جريمة التعذيب بقصد التغيير والأمل بثقة عالية بالشعب ومواقفه وبحركاته الإنسانية التنويرية في الكفاح من أجل العدالة والسلام

في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب 26 يونيو حزيران: التعذيب جريمة ضد الإنسانية لا عذر يبررها وحظرها واجب تتبناه حركة مناهضة العقوبات اللاإنسانية القاسية المهينة

تيسير عبدالجبار الآلوسي

بدءاً لابد لنا من تحديد تلك الجريمة التي عدَّها القانون الدولي جريمةً ضد الإنسانية؛ يُقصد بها بهذا المعنى الاصطلاحي القانوني: أيّ فعل ينجم عنه ألم أو عذاب شديد، سواء كان جسدياً أم نفسياً عقلياً، يُمارس مع طرف بالضغط والابتزاز والتخويف بقصد الحصول منه أو من طرف معني آخر على معلومات أو انتزاع اعتراف يؤدي إلى تحميله مسؤولية فعل أو جُرم اُشتُبِه بارتكابه أو يُراد إلصاق التهمة به ما يوفر السبب لتجريمه ومن ثمَّ معاقبته على ذلك الفعل..

ورد في المادة الأولى، الفقرة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بأنَّه يُقصد “بالتعذيب” أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.”-

إذن، فالتعذيب بموجب القانون الدولي يُعدّ جريمة ضد الإنسانية؛ تمَّ حظره نهائيا وكليا على وفق جميع النصوص والعهود الدولية ذات الصلة، بما منع ويمنع أيّ إمكان لتبريره بأي ظرف أو حال. وبهذا تُعدّ تلك القاعدة القانونية جزءاً جوهرياً من القانون الدولي المتفق عليه أمميا عالميا، بمعنى إلزام دول العالم بهذا النص وأسسه، حتى لو لم توقع الدولة على معاهدات ذات الصلة بحظر التعذيب. وللتذكير فإن (ارتكاب) جريمة التعذيب على نحو منتظم أو ممنهج أو ارتكابها بصورة متكررة يسجل على أنه ارتكاب لجريمة ضد الإنسانية.

ولقد دانت الأمم المتحدة وغالبية المجتمع الدولي ظاهرة التعذيب وعدّته ارتكاب فظاعة شنيعة من أبشع ما يُرتكب بحق الجنس البشري.. وفي ضوء ذلك الموقف اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارها ذي الرقم 52/149  الصادر بتاريخ 12 ديسمبر كانون الأول 1997، ليكون يوم 26 يونيو حزيران يوماً دولياً لمساندة أو مناصرة ضحايا التعذيب، وليكون ذلك اليوم منصة للعمل من أجل القضاء التام على التعذيب الأمر الذي يلزم أن يتم عبر تفعيل [وتطبيق] اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية القاسية أو المهينة التي بدأ نفاذ نصوصها منذ 26 يونيو حزيران 1987.

لقد أعلنت الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بأن أكثر من مائة نزاع و\أو حرب إقليمية أو محلية جارية في عالمنا منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية وأضيف هنا؛ ظواهر تفاقم أزمات عضال في النُّظم السياسية المحلية وأخرى تجسد استفحال (سلطات خارج الدولة) مثل سلطات المافيات والميليشيات أو عناصر تابعة لها تخترق مؤسسات الدولة ذات الصلة، ما يواصل ارتكاب ((التعذيب)) بصورة واسعة الانتشار، بقصد تلبية أوهام مرتكبيها سواء بانتزاع اعتراف أم بإلصاق تهمة بطرف يقع بمصيدة جريمة تعذيب باتت اليوم، ممنهجة في دول التخلف والسلطات ذات الطابع المشوَّه وإن ادّعت مدنيتها أو بعدها عن قوى خارجها لكن مجرد وجود تلك القوى وسطوتها على الفضاء العام يفضح مجريات الأمور فعليا عمليا..  

وإذا كانت المنظمات المختصة أمميا تؤكد وجود مئات آلاف من ضحايا التعذيب ممن يلزم التضامن معهم فإنّ تلك الحقيقة المؤلمة قيميا أخلاقيا وقانونيا سياسيا واجتماعيا تنعكس في العراق بصورة فادحة لتتفشى بمنطق العنف والتطرف وبمنطق التعذيب في اليئة العراقية العامة وحتى تحت سلطة الدولة في أماكن الاحتجاز والسجون إذ أن عددا من جرائم التعذيب افتضحت بوقوع من تم تعذيبهن و\أو تعذيبهم صرعى التعذيب الوحشي المفرط ولم يصدر حتى اليوم أي قرار بالكشف عن الحقائق ومن ثم لم تجر محاسبة مرتكبي تلك الجرائم..

إن المعاملة اللاإنسانية القاسية والمهينة تجري بصورة ممنهجة بخلفيات متعددة منها الخطاب الطائفي وإشاعة خطاب انتقام طرف من آخر وإلاله وممارسة سلوكيات مهينة أو تتعمد الاحتقار والازدراء تجاه الآخر دع عنك ما ترتكبه بصورة ممنهجة خطيرة الميليشيات التي يجري تمرير وجودها وأفعالها بمسمى الميليشيات الوقحة أو ما شابه من تسميات من دون اتخاذ قرار بشأنها يُفترض أن يكون نافذا مذ أول لحظة لتشخيص خروجها القانون..

إن فلسفة النظام الراهن في العراق مازالت ترى بأن التعذيب آلية من آليات التعامل في السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز وطبعا في السجون السرية التي تعرضت في الغالب للتطهير بتصفية النزيلات والنزلاء وإغلاق تلك التي تم تطهيرها على وفق مصطلحات قوى الثأر الإجرامية..

لكننا وعلى وفق المناهج الأممية ونصوص القانون الدولي وقواعده القانونية المعمول بها نؤكد على ألا مبرر أو ذريعة لتلك المناهج اللاإنسانية الشنيعة وفظاعاتها الوحشية التي تصل حد التصفية وعدم التردد في الذهاب إلى أبعد أسقف التعذيب..

إن استمرار وضع العراق رهينة الصراعات الإقليمية والدولية بخلفية سطوة صوت الميليشيات ومواقفها السياسية ومناهج عملها أتاح أوسع الفرص لها لارتكاب تلك الفظاعات غير الآدمية واللاإنسانية التي رفعت نسب التعذيب وإفشاء نهجه في عراق تزعم سلطته الرسمية أنها امتلكت السلطة وما عاد تنطيها وأنها تمارس بل ترتكب ما تراه حماية لأمنها [الوطني] أي أمن الميليشيات وسلطتها القابضة عليها..

إن تكرار بل منهجية ارتكاب التعذيب يورث سلسلة متصلة الحلقات جيلا بعد آخر ممن يميل للعنف وأشكالها الخطيرة في التعامل اليومي ما يكرس خطابا معاديا للشعب  ومسيرته نحو السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي

إننا بحاجة لقوى ذات موثوقية في نشر خطاب السلم الأهلي ورفض استخدام العنف في العلاقات البينية بين مكونات المجتمع ووسط الأفراد والجماعات وترفض فكرة التنمر والازدراء وتحقير الآخر بصورة مهينة مذلة فضلا عن أشكال التعذيب الجسدي المرافق لهذا التعذيب الروحي النفسي.. ولا عذر ولا ذريعة لممارسة ذاك النهج وفظاعاته بأي مستوى وشكل..

إنني بهذه المناسبة الأممية وطابعها (الإنساني) بامتياز أشدد على أهمية إطلاق حملات التسامح في العلاقات وإعلاء منظومة السلم الأهلي في الخطاب الجمعي وعلى أهمية الكفاح الجمعي الشعبي بصورة جماهيرية حاشدة لإصدار أشد إدانة لجرائم التعذيب وفضح مرتكبيها ووضعهم تحت طائلة القانون ومساءلته ومحاسبته ومعاقبته.. ومن دون هذا ستبقى أصواتنا بلا أصداء تذهب مع الريح فيما تواصل قوى العنف والوحشية المعادية للإنسان والإنسانية ارتكاب جرائمها بالتعذيب وبكل أشكال القسوة والإهانة..

فهل هناك من يقر تلقي تلك المعاملة لأي سبب وبأي ظرف!؟ حتما لا.. لهذا وجب أن يصدر ميثاق وطني لا قرارات عابرة تُنسى مع توالي الأحداث والوقائع وتراكمها فتلك الجريمة كونها من جرائم ضد الإنسانية لا تنتهي بالتقادم ولا تمر ولا ينبغي لها أن تمر بلا محاسبة ومعاقبة بأشد العقوبات..

بخلافه فلنقرأ على عراق الحضارة السلام وهو ما لن يحدث لأننا نثق بأنفسنا شعب التمدن والحضارة شعب التعلق بالحياة الحرة الكريمة شعب الانتفاضات المجيدة من أجل الانعتاق والتحرر وكفى مسلسل تعذيب ولتبدأ رحلة تطهير الذات الإنساني الفردي والجمعي من كل أكال سياط العنف والتعذيب ونهجها..

وإلى كل من يرشح نفسه اليوم للتغيير وسلطته يلزمه متابعة تلك المطالب الإنسانية السامية الجليلة وأن يكشف للشعب عن خططه لإزالة الجرائم وأدواتها وطبعالا أقصد من أدرك الشعب حجم ما ارتكب وما زال يواصل ارتكابه وإنما قوى الشعب الحية التي لا ينبغي أن تهادن أو تقدم برامج هلامية تكرر أفعال من حكم منذ 2003 وحتى يومنا..

 

أليس من العنف وتطرف ما يُرتكب بظلال نهجه الوحشي وبظلال جرائم التعذيب حد القتل والتصفية بما طال ويطال شعب كوردستان من منابع حبس مصادر الرزق والعيش الحر الكريم!؟ أليس من الإهانة للشعب العراقي بجموع مكوناته يوم تمضي الأمور بصمت بلا رد بمستوى الحدث!!؟ أسئلة على طاولة التنويريين ومواقفهم تجاه الاستهانة والتحقير والتجويع كجزء من فعل التطرف في ارتكاب جرائم العنف وأشكال التعذيب ليس تجاه فرد بل تجاه شعب.. فانصتوا خاشعين لأنين المعذبين في الأرض قبل فوات أوان وقبل أن تأتي أدواركم في سلاسل التعذيب ووحشيته وفظاعاته

 

أشد إدانة لجريمة تصفية المهندس العراقي بشير خالد تحت التعذيب وهو في ظل حماية مفترضة من الدولة!!! لكن أين رُكِنت أوراق تلك الجريمة وبأية سلة تم رميها وتضييعها؟ مثلها ركام وأطنان من أدبيات تسلط الضوء على الجريمة ولكنها بلا معالجة بل هي في سلة إهمال وتضييع فهلا تنبهنا إلى حجم مآسينا بسبب ضعف الموقف الشعبي ووسط حركات التنوير والتقدم؟؟؟ نحتاج لحملات شعبية جماهيرية حاشدة لوقف تلك الظاهرة وجرائمها وإلا فإننا جميعا مشمولين بالجريمة

المقال ((5634830)) في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن

***************************

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

 

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *