الرسالة السنوية لمسرحيي العراق

في اليوم العالمي للمسرح 2011

بقلم أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

 

منذ 10 آلاف سنة  كان الوليد الحضاري العراقي مهدا لتراث الإنسانية المعرفي.. وطوال 10 آلاف عام من إشعاع  نور  التأسيس السومري، نهل العالم شتى الإبداعات المعرفية.. وكان من بين تلكم الشموس التي سجلت الولادة الأولى متمثلة في بيت أكيتو المقدس الذي  تجسد بالمسرح السومري... ولقد احتفى بين جدران أكيتو على خشبته  أبطال الأساطير التي حبكتها عقول صناع جماليات الحياة ممسرحةَ َ،  تمنح المتلقي حقه من آيات الجمال والإبداع مثلما تضمن له درسا معرفيا غنيا بالقيم والأحلام الإنسانية الواقعية...

آلاف من سنوات المسيرة بين حضارات سومر وأكد وبابل وآشور حتى نصل حضارة بغداد دار الحكمة والمستنصرية ومعاودتها إنتاج مسرحها المخصوص في المناظرات والمحاورات لننتقل بعد مئات أخرى إلى مجالس التراث والمقامة فالقصخون؛ حيث التدوين لتاريخ الآلام والصراعات ومطاحن الاستغلال وبشاعات الاحتلال والحروب والأمراض التي فتكت وكوارث  أخرى بسِفر طويل من الإبداع والعطاء الجمالي والمعرفي..

حتى إذا حط مسرحنا العراقي رحاله على أول عتبة في عصرنا الحديث كانت مسرحيات النصوص الأجنبية طوال منتصف القرن التاسع عشر لتبدأ الرحلة المسرحية العراقية مع لطيف وخوشابا نهاية القرن 19؛ مؤكدة أن العراقي ابن المنطق العقلي التنويري وسليل حضارة مهد التراث الإنساني وصاحب تعلق بالتقدم وبكشوفه المعرفية بنفسه..

 

و مذ ولادة الدولة العراقية، جابه العراقيون مصاعب وأزمات وحروبا؛ انعكست في كتاباتهم الأدبية والفنية مثلما تجسدت في أعمالهم المسرحية التي جمعت بين فنون الكتابة باختلافها وتنوعها.. واجتهدوا في تبني هذا الفن الأصيل بوعي منهم في البناء والتأسيس على موروثهم القديم والوسيط  وفي  التفاعل مع المنجز المسرحي الحديث عبر صلاتهم بالمدنية المعاصرة..

 

ومن هنا أعلَت رسالة المسرح العراقي منذ أول النصوص اهتمامها بمعالجة القضايا الاجتماعية والصراعات الدائرة بمستوياتها المخصوصة والعامة وبتلك التي تعنى بكينونة الفرد والأخرى التي تنشغل بالشخصية المعنوية التي تمثل الطبقات والفئات المكونة للمجتمع العراقي المعاصر.. فسجل فهرس المسرحية العراقية عشرات ومئات الأعمال التي تناولت البطولات الوطنية والانتصارات التاريخية المجيدة كما طرزت أوسمة التضحية بمستوييها الاجتماعي والسياسي الوطني والقومي؛ ولم تتحدد بموضوع  من دون أن تلجه طالما خدم ذلك قيم الإبداع المسرحي ومعالجاته الجمالية لتلك الموضوعات..

ومن أجل ذلك، حظي المسرحيون العراقيون باحترام الشعب من جهة وبحرب شعواء عليهم من طرف السلطات السياسية المستبدة.. وما زال مسرحيو العراق يخوضون نضالاتهم ضد إعلام التضليل الذي يحاول تشويه رسالة المسرح ووضعها في زوايا تسمح له بحجبها ومحاصرتها وعزلها عن جمهورها بالتكفير والتحريم وبمقاصل التصفيات الدموية البشعة..

لقد ذهب ضحية حرب القوى الظلامية على الفن المسرحي لا حرق مئات النصوص المسرحية  ولا الاكتفاء بحظر شامل على الدراسات النقدية العامة والأكاديمية حسب بل ذهب ضحية تلك الحرب عدد من خيرة مبدعي مسرحنا أما بالاغتيالات وأما بالإهمال المتعمد الذي أودى بحيوات أولئك المبدعين الكبار...

وإذا كان الشعب يُحْيِي  ويجلّ مقام  أولئك العمالقة المبدعين، فإنه أيضا يواصل مسيرتهم مبدعون جدد في المسرح العراقي الأصيل.. المسرح الذي يمتلك اليوم ذخرا من الكتّاب والمخرجين والممثلين والسينوغرافيين وتقنيي المسرح المميزين.. كل ذلك على الرغم من أعتى هجمة وحشية تشنها قوى التضليل والظلام ضد التنوير وإبداع القيم الروحية السامية النبيلة التي تنمو بين جوانح مسرحنا ومسرحيينا..

 

إنَّ مسرحيي العراق يهنئون مسرحيي المنطقة والعالم بيومهم الأممي العالمي.. و يَعِدون بأن يواصلوا مشوار الإبداع في داخل الوطن وفي مهاجرهم القصية..  مثابرين من أجل تحقيق أحلامهم في الآتي من التطلعات:

1.     الوفاء لعهد (بيت أكيتو) والوعد بتحقيق حلم إعادة بناء هذا المسرح الأول في التاريخ المسرحي عالميا.. ويعد مسرحيو العراق بأن يتم الاحتفال الأممي لمسرحيي العالم بين جدران هذا المسرح الأصيل العريق.. مثلما سيكون لكل مدينة وقرية ومدرسة ومؤسسة مسرحها الخاص؛ وستعلو بفخر مباني المسارح التراثية السومرية البابلية والآشورية والحديثة المعاصرة أيضا.. وستعود احتفالياتنا المسرحية على الرغم من محاولات قوى الإرهاب والتخلف من قوى الطائفية السياسية المتسترة بعباءة التحريم الديني المتوهم لمنعنا وجمهورنا من اللقاء في مياديننا الفسيحة ..

2.  إنَّ إبداعاتنا المسرحية ليست جماليات فارغة المضمون، بل ركنا رئيسا في مهمة إعادة إعمار الروح الوطني وتفعيل مبادئ الوطنية والمواطنة في إطار الدولة المدنية لا الدينية المنكوبة بأدعياء التدين المضللين... ومن أجل ذلكم سيواصل المسرح العراقي رسالته الثقافية الجمالية والأبستمولوجية  البانية لقيم الروح الإنساني، مؤكدين التجسيد الأمثل للطيف العراقي يتعدديته وتنوعه قوميا دينيا وسياسيا وبمستويات التركيبة الاجتماعية العميقة من طلبة وشبيبة ونساء وعمال وفلاحين ومثقفين وأكاديميين...

3.  كما سيواصل المسرحيون العراقيون النضال بأشكاله من أجل تحقيق حرية الإبداع  ووقف جرائم المصادرة والاستلاب والتصفيات الهمجية البشعة بأشكالها...

4.  وسيعملون على تعزيز الجهود المنظمة لمسرحيينا من أجل إعادة المركز العراقي للمسرح لفاعليته وطنيا وأمميا وتعزيز صلاته عالميا وإقليميا.. وسيرتقون باتحاد مسرحي فاعل وبروابط تخصصية للممثل ولنقاد المسرح ولكل بُناة العملية المسرحية إبداعا جماليا حقيقيا...

5.  كما سينهض مسرحنا العراقي برسالته في السعي لتحقيق إقامة الاحتفاليات ومهرجانات الإبداع ومناسباته، احتفاء وتكريما وعناية بروادنا ومجددينا.. ونؤكدها كما أعلناها من قبل أن قلائد بأسماء زينب والشبلي وجلال والعبودي والعاني وعبدالحميد ستطوق رقاب مبدعي المسرح قريبا مع اكتمنال الجهود لمرسوم تلك الأوسمة المهمة وطنيا وإقليميا وعالميا....

6.  ونجدد برسالة مسرحيينا العراقيين التأكيد على مساعينا من أجل تحقيق المبادرة فعليا بكتابة مشروعات قوانين تعالج أوضاع المسرحيين وعرضها بشكل عاجل واستثنائي على  السلطات التشريعية لسنِّها وعلى التنفيذية لتطبيقها من فورها..

7.  وإننا لندعو برسالة عامنا هذا جميع الجهات الأكاديمية والمختصة إلى تأسيس صحافة ورقية وألكترونية مسرحية ودوريات بحثية علمية متخصصة في الجامعات والمعاهد العلمية مع تعزيز أعمال التوثيق والنشر بسلاسل لمسرحياتنا التراثية والحديثة..

8.  ونواصل المثابرة والإصرار من أجل إنشاء هيآت أكاديمية وطنية ومحلية مختصة..

9.  ومن أجل توفير فرص العيش الكريم لمسرحيينا..

10.         مع العناية بمسرحيينا في المهجر وتخصيص يوم للمسرح العراقي المهجري حيث يدعى إليه مسرحيونا للاحتفال في أروقة مسارحنا في بغداد وأربيل وبقية محافظات الوطن البهية..

11.         ورسالتنا المسرحية تؤكد أهمية وجدية العناية بمسرحنا بلغات الوطن وشعبه: العربية الكوردية الكلدانية الآشورية السريانية التركمانية الأرمنية وبخطاب مسرحي تنويري معرّف لدى جمهوره المتنوع.

 

إننا اليوم وفي ظروف انتفاضة شبيبتنا وشعبنا بأسره ضد ظلامية الطائفية وسلطتها المريضة وضد الفساد والإرهاب وبمناسبة مرور نصف قرن على الاحتفال الأممي باليوم العالمي للمسرح،  ليحدونا الأمل وطيدا لمواسم عطاء مسرحي بهية بمنجزاتها الجمالية الغنية بمضامينها ورسائلها الإنسانية الزكية.. ونحن نشد على سواعد الشبيبة المنتفضة ونشاركهم تفاصيل يوميات الاحتجاج والتظاهر من أجل الديموقراطية والحياة الحرة الكريمة الغنية بقيمها الروحية الصحيحة الصحية السليمة..

 

ونحن مسرحيي العراق نحيِّي بهذا العيد الأممي جميع مسرحيينا ممن ما زالوا في داخل الوطن يتحملون أعباء التحدي لمخلفات الظلاميين ووحشية عنفهم الهمجي المفرط وبؤس أمراض التخلف ومن يقف وراءها من الضلاليين من مسعوري زمن الجريمة ومافياته..

كما نحيي جموع مسرحيينا في المهاجر والمنافي معاضدين جهودهم الإبداعية وروعة ما يقدمون عبر ملتقياتهم وروابطهم المكافحة من أجل إزالة كل عوامل الاحباط وتثبيط الهمم...

 وفي هذا اليوم العالمي للمسرح، نهنئ شعوب المنطقة والعالم بمنجزاتهم وبإبداعات مسيرتهم ونشاطرهم الاحتفال جميعا بإضاءة  الشموع والفوانيس بميادين مسرح الحياة  حيث انتصارات طرزتها تضجيات شبيبة اليوم في انتفاضاتها المظفرة وفي انتصار قيم الجمال على  القبح والحرية على  العبودية حيث اندلع اللهيب من شرارة ركح المسرح البشري للانعتاق الأخير على الرغم من قسوة الضغوط وعواصف الألم  كتلك التي يشهد الواقع العراقي وما يحيط بمسرحيينا في الوطن والشتات من أوصاب...     

وإننا لنضع رسالتنا هذه وثيقة تسجل تطلعاتنا ومشاركتنا مسرحيي العالم في أحلامهم ومطالبهم إلى جانب تقديمنا تحية محبة وإجلال للمسرحيين المشرقين أملا وجمالا في أرجاء المعمورة وهم يوقدون سنويا مشاعل السلام والحرية.. فبورك في أجيال العطاء المسرحي.. ولتسلم إبداعاتهم أداة مشرقة لشمس الحرية والحياة الكريمة في العراق والعالم.... وكل عام ومسرحيونا كافة بألف خير.


                        
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي        

أستاذ الأدب المسرحي

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

رئيس الجمعية العربية لأساتذة الأدب المسرحي

لاهاي - هولندا  27 آذار مارس 2011

tayseer54@hotmail.com 

 

 هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته  

 

نشير هنا بالخصوص إلى رسائل مسرحيي العراق وحملاتهم المخصوصة الآتية:

http://www.somerian-slates.com/p656theatre.htm

http://www.somerian-slates.com/p586theatre.htm

http://www.somerian-slates.com/babil27Theatre.pdf

نأمل توقيع الحملة وتوسيع رقعة الأداء التضامني

http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=213

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=139953