احتدمت الأزمة الحكومية في ضوء آخر المجريات بانسحاب السيد فيلدرز من التحالف المتبني لحكومة السيد سخوف وهو ما قد يفضي لعدد من الاحتمالات التي تتطلب موقفا موضوعيا بناء من جميع الأطراف سواء الحكومية منها أم من خارجها من المعارضة وقوى اليسار والجميع مطالب بالعمل على خفض التوتر والاحتقان السياسي وعلى الوصول مجددا إلى جمهور الناخبين وبينهم أبناء الجاليات في تعزيز للحوار المجتمعي بما يُنعش قيم السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي ويقطع الطريق على الاستقطاب والتطرف وأثرهما في اختلاق الانقسامات غغير المبررة.. إن أفضل سبل تجاوز الأزمة بديلا عن المواقف المتشنجة والتي تهرب من مسؤولية مجابهة الواجبات المناطة هو الاستفادة من تمسك المجتمعات الأوروبية كافة من تجاريب الحرب الكونية في وحدة مجتمعية تؤكد خطاب السلام وخفض الشحن والتوتر المفتعل ومنح البرامج النوعية الجديدة فرصة استعادة مسيرة مجتمع الوفرة والرفاه واحترام وحدة التنوع ومشاركة الجميع في خطاب إدامة التقدم وإعلاء قيم الديموقراطية والحقوق والحريات وليس اختلاق الذرائع التي لا تتفق والواقع ولا مع مصالح المجتمع كما يطفو اليوم.. فهلا تنبهت جميع الأطراف لوسائل تخفيف الاحتقان وحل الأزمة؟ هذه مداخلة أولية تتطلع لاستكمالكم ورؤاكم تنضيجا وتقدما في رسم البديل وسبل الحل
ومضة في الموقف من مخرجات الأزمة الحكومية الحالية في هولندا
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
وددتُ بدءاً في إطار حراك الجاليات وممثليها أن أسجل كامل اعتزازي بكون أطراف الفعل والنشاط وسط الجالية العراقية وأيضا بقية الجاليات بعموم وجودها؛ باتت اليوم، تناقش إشكالية نوعية مهمة من إشكاليات وجود تلك الجاليات في المجتمع الحاضن، بصورة مباشرة متحدة [مندمجة] غير منفصلة عن المجتمع المهجري؛ وهذا المؤشر يخص الجيل الثاني والثالث من أبناء الجاليات قبل الجيل الأول نظراً لعوامل عديدة موضوعية وذاتية.
ذلك أنَّ البقاء بحال من التقوقع على الذات وبنهج الانفصال عن مجتمع المهجر ودولته، يفصلنا أيضا عن الأجيال الجديدة المرتبطة بوسطها وبيئتها الراهنة بوصفها بيئة العيش والحياة المستقبلية الدائمة، وهذه الإشكالية بالتحديد، هي أحد أبرز ما عوَّل على إثارته اليمين المتطرف سواء هنا بهولندا أم بعموم أوروبا.. حيث افتعال المواقف العنصرية من جهة ومن جهة أخرى حيث خدمة نهج التركيز على (سياسة الاستعداد للحرب بمزيد منح العسكرة الأولوية) وبما ((يتقشف ويقتر)) على الخدمات وعلى مصادر عيش أصحاب ((دخل الحد الأدنى)) مثلما في قطاعي التعليم والصحة على سبيل المثال.. والأنكى بهذا النهج وتلك السياسة، أنَّها قد لا ترسو إلا على إشعال حروب (الهروب) بما يوصف بأنه هروب إلى الأمام، للابتعاد عن التغيير الجوهري في المنظومة لصالح الطبقات المعنية بغد البشرية..
وهنا أدخل في لب مداخلتي هذه لأقول: إن تلك السياسة تؤكد بوضوح على عبارة أما نحن ((قوى اليمين العنصرية المتطرفة ونهجنا)) أو فليكن بعدنا الطوفان والخراب كما هي الحال التي أدت إليها الحرب الكونية الثانية ومن وقف خلفها يوم تركت أوروبا والعالم في أسوأ ظرف وحال! تلك الحرب التي أخذت منها البشرية وأولها أوروبا العبرة كي تمنع تكرارها أو الاقتراب من اجترار مشاهدها وربما الانزلاق إليها..
إن قسما غير قليل من قوى إيجابية هولندية بالإشارة إلى اليسار تحديدا، لم يغادر خطاب (الاستعداد للحرب) على الرغم من مغازلته أيناء الأقسام المجتمعية من ذوي الدخل المحدود؛ بخلاف موقف القوة المجتمعية التي تركز على مشروع بناء الدولة بما يخدم المجتمع وتوجهاته (الديموقراطية) من جهة و(النوعية البنيوية) التي تحترم تحقيق (العدالة الاجتماعية) بصورة غير دعية من جهة أخرى، وبما لا يتلاعب بالناس بطريقة المغازلة في ظاهر الأداء فيما يخدم فعليا جوهر السياسة السائدة لليمين أو للقسم الذي أشرتُ إليه للتو ممن يقع بسبب أخطاء برامجه في مقتربات خطاب اليمين..
لكننا، بجميع الأحوال، نجابه اليوم في هولندا تعقيدات ما أثارته سياسة السيد فلدرز ونهجه، الأمر الذي يحتاج فعلا نوعيا يكشف الحقيقة للناس؛ في استعداد برامجي مناسب لكل الخيارات وبينها الذهاب للانتخابات، حيث الجمهور بحاجة لأن يطلع فعليا جديا على مشروع (العدالة الاجتماعية) كونها (الديموقراطية الحقة) أو (الأكثر نضجا وسلامة) وأن ينجذب إليه ويتبناه..
إن الموقف الجذري هذا يكمن في التمسك بالديموقراطية ومنطق العدالة الاجتماعية فيها، فهو ما يمكن أن يبعدنا عن خلل مشروعات التحشيد والتجييش للحرب وتهديد السلم المجتمعي من جهة بتهديده ثقافة التعايش مع التعددية والتنوع ومن جهة أخرى بإثارته الاستقطاب الكارثي حيث خطاب التطرف والانقسام واحتدام ما يُشعل الأزمات والصراعات؛ كل ما تم اختلاقه بينما نحن بحاجة لثقافة جديدة لعموم الجاليات وأجيالها المندمجة، حيث ينبغي أن يتحدث الجميع بقوة عن وحدة المجتمع والاندماج في قيمه التنويرية والإنسانية السامية مع التمسك بتطلعات التغيير باتجاه استعادة خطاب السلام داخليا أولا؛ حيث توكيد التعايش المجتمعي بأسس إنسانية لا عنصرية فيها ولا انقسامات سلبية.. وخارجيا بقدر تعلق الأمر بالوقوف ضد مناهج التضخم المبالغ فيه بنهج العسكرة والتسلح وهنا سيكون علينا تقديم لبديل في خطابات خفض التوتر ومنطق تضخيم العسكرة والتسلح مع إقناع المجتمع والقوى التي تقف وراء نهج الدفع إلى حافة الحرب بأن ذلك يجسد مناهج خاطئة ستدفع نحو الهاوية التي شهدها العالم قبل الحرب الكونية الثانية وبعدها..
شكرا لصبر القارئة والقارئ في استكمال الاطلاع على هذا التداخل وثقتي أن مزيد تمسك بمشروعات العدالة الاجتماعية والسلام هي طريق هولندا وأوروبا والعالم نحو الانتصار للأنسنة والإنسان بحقوقه وحرياته المثبتة في القوانين والدساتير وفي العهود والاتفاقات الدولية المعروفة والمعمول بها.. وشكري يتجدد حيثما جرى الابتعاد عن خطابات التشنج والتوتر مما تدفع مناهج بعينها إلي ذروته القصوى؛ ما قد ينزلق بنا إلى ما لا تحمد عقباه وأقصد هنا برامج التطرف اليميني سواء بقصد أو من دونه وبأية ذريعة تم التوجه إليه..
وأتقدم بكل الود والتقدير لمن يحيا هنا من أبناء جالياتنا ومن المجتمع الهولندي بعمومه متطلعا للعب أفضل الأدوار الإيجابية لإدامة الاستقرار والأمن والأمان والسلام ومزيد تفاعل بين كل التيارات السياسية القائمة بهولندا وأوروبا كونها في النهاية وجود سلمي متنوع ووجه للديموقراطية وخطاب الحوار الإيجابي البناء فيها..
ولنتذكر أن الأمور لا تؤخذ عبر إمساك طرف لزلة طرف آخر أو هفوة له أو خطأ في نهجه ولكن الأمور تؤخذ بمزيد حكمة وتمسك بقيم الديموقراطية في حوار شامل يقر بصيغ حلول يمكنها تجاوز أزمة أو أخرى من تلك التي تطفو بسبب الاختلاف أو الخلاف ولكن السليم اليوم يكمن في البحث عن بديل بإقناع جمهور الناخبين من جهة وباستفادة الجميع من كل الأطراف بهذا البديل بعيدا عن المزايدات والتنافس السلبي وما فُرِض بصيغ استغلت الظروف المؤقتة العابرة..
اليوم التعبئة الشعبية والرسمية ينبغي لها أن تركز على استفادة من الخطى التي باتت أكثر وضوحا لدى الجميع وأن نستفيد من مناهج قوى قد تكون انتخابيا أصغر حجما إلا أنها المنقذ برامجيا اليوم وغدا من أية تداعيات غير محسوبة فلنبحث عن استانطاق البرامج بتقديم مصالح البلاد والمجتمع على أية حسابات شخصية أو حزبية ضيقة كتلك التي طفت مؤخرا بالانسحاب وأن نعود لسبيل الحوار الناجع مع قوى المجتمع ومزاوجة برامج تحالف بديلة بين قوى المعارضة بما يزيل بعض مفردات برامجية ويرتقي بأخرى لحصد فرصة تخدم أفضل البدائل والحلول
كتبتُ هذه المداخلة من وحي مناقشة أو حوار جانبي موجز وأضعه هنا توكيدا لما يحويه من لفت النظر إلى برامج الإنعاش المجتمعي للعدالة الاجتماعية ولقيم الديموقراطية الحقة بما رسمه اليسار الهولندي بتعدد أطرافه وما يُنتظر منه إنضاجا وتقديما للبديل على أمل استكمال المعالجة
المقال ((5550900)) في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
***************************
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير