الشبيبةُ العراقيةُ و دورها  في بناءِ عالمِ ِ جديد -2-

[[ الشبيبة العراقية تشكل نسبة كبيرة من التعداد السكاني للعراق حيث المعدل العمري في البلاد اليوم هو حوالي الـ 35  سنة؛ وهم يتميَّزون بالحيوية وبالفاعلية في طاقة العطاء ومن ثمَّ يمثل كسب هذه الفئة ميدان الصراع الأساس من أجل غدِ ِ أفضل.. نسجِّل في المقال التجاذبات التي تتعرّض لها شبيبتنا والمصاعب التي تقف بوجوههم وما الدور الذي يناط بهم اليوم والبرامح والمسؤوليات الواقعة على عواتقهم؟ ]]

                                 عبر ما قرأْناه في القسم الأول سجّلنا التداعيات التي أدت إلى سطوة التجاذبات السلبية منها على وجه الخصوص.. لكنَّنا هنا نسجِّلُ دافعاَ َ إيجابياَ َ يشكِّل سبباَ َ في التفعيل وفي استنهاض الهِمَم ذلك هو متغيِّرات هزيمة الدكتاتورية ونظامها القمعي.. وتفتُّح أبواب كاثرة للمشاركة والتفاعل مع مجتمع يشقّ طريق البناء من جديد.

                                 وما يتطلّع إليه مجتمعنا العراقي من شبيبته الواعدة هو مساهمة جدية فاعلة في رسم برامج إعادة الإعمار من جهة وفي النهوض بتنفيذ تلك البرامج من جهة أخرى. أما رسم البرامج فيأتي بعد تحديد المستهدفات والأولويات بالاستناد إلى خبرات الأساتذة والعلماء والقادة والخبراء ومن بعد ذلك تأتي صياغة برامجية تخصّ مسيرة إعادة البناء ومفرداته. ومن الطبيعي التعويل على خبرات الشبيبة التي التهمت العلم والمعرفة والعقل المتّقد في تأكيد صحة خيارات البناء.. ومن الطبيعي أيضاَ َ اعتماد الروح الحيوي لهم على صعيد التنفيذ فَـهُم العمود الفقري بهذا الشأن.

                                إنَّ كلَّ ذلك لا يمكنه التحقق من دون وضوح معالم الطريق الذي تسلكه شبيبتنا؛ فليست تلك الشبيبة التي تقع تحت تأثير التيار الظلامي المنشغِلة بالماورائيات وبأمور لاهوتية لا صلة لها بواقعنا المعقد الملتبِس, هي القادرة على حمل تلك المسؤولية. ومن مناسب التذكير هنا لهؤلاء بالحديث القائل: “عامل يعمل خير من ألف عابد” وبالآية القائلة: “وقل اعملوا …” والأخرى القائلة: “لا يغيِّر الله ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسِهم” … وكثير من من المأثور الديني ممّا يرفض إشغال الإنسان باللاهوتيات على حساب حياة الإنسان والأرض التي اُستُخلِفوا عليها لتعميرها وتطويعها لخدمة الإنسان…

                                ولا يمكن تحقيق آمال الناس وشبيبتنا واقعة تحت تأثير الضياع في متاهات الاهتمامات الفارغة من أغانِ ِ هابطة ومن أفلام فاشلة ومن وسائل لهو رخيصة ليس فيها غير تفريغ الإنسان من قيمتِهِ ومن قيمِهِ ومن ثمَّ الاستهانة به وإهانة وجوده. وينبني على ذلك تعطيل هذه الفئة عن واجباتها المقدسة في إعمار الحياة وبنائها وإشادة وجودها الملئ لا الفارغ, الإيجابي لا السلبي.

                                  ولا يتغيَّر واقع بمجرد التوقف عند قراءته وتفسيره أو التأمّل فيه وتقديم التساؤلات تلو الأخرى.. وهو ما يشمل القطاع الحيران الذي لم يجد نفسه مع برنامج عمل أو بناء وتغيير. ويظل هؤلاء المتأملّين المنتظرين في حالة من الجمود وانعدام الفاعلية بل يساهمون بوضعهم هذا في دعم قوة أطراف معادية للبناء والإعمار واستقرار الحياة الإنسانية في بلادنا المخرّبة وذلك عبر وقوفهم على الحياد السلبي بديلا عن وضع أيديهم مع مسيرة تخصّهم بشكل أكيد ومباشر.

                                    أما المفترَض المقبول اليوم بمنطق العقل المتنوِّر فهو إزالة كلّ التباس ممكن من ذهنية شبيبتنا في أهمية عملها ومشاركتها الجوهرية في البناء. وذلك يأتي بالتأكيد عبر مغادرة ميدان الظلاميين من أصحاب العقول المريضة الذين ليس لهم من همِّ ِ سوى تضليل بني جلدتِهم على وفق رؤى سادية في تعاملها مع فئات المجتمع المختلفة, ومنها الموقف من تعطيل نصف المجتمع (النساء) والموقف السلبي من الحياة والانقطاع إلى لاهوت غيبي بالضد من “اعملْ لدنياك كأنَّك تعيش أبدا…”

                                      ويأتي عبر مغادرة السلبية بشكلها الآخر المنقطع عن المشاركة الجمعية الإيجابية على افتراض العيش الفردي الانعزالي الذي يتخفَّى وراء الحريات الفردية الليبرالية وهي انفلاشية وروح غير مسؤول يعادي بشكل غير مباشر الذات الفردي للإنسان كونه لا يقوم بأداء واجبه ما يترتب عليه تعطيل طاقة عمل ومن ثمَّ عرقلة انتاج الخيرات المادية والروحية للمجتمع وإشاعة الخلل والعدم الاستقرار , وهو ما يعود بآثاره المرَضية على الفرد مثلما هو على الجماعة.

                                       إنَّ الدور المرجو من شبيبتنا العراقية هو تمثُّل القيم الإيجابية السامية للأجيال التي سبقتهم, والأخذ بكلّ المعطيات والقيم المعرفية التطورية التنويرية والعمل بروح مسؤول وبحيويتهم المعهودة وبغير تلكؤ على إحداث التغيِّيرات المبتغاة في حياتنا الجديدة. فبعد عقود دبَّ فيها الجمود والسكون لابد من تنشيط الحركة وتفعيلها. فليس غير الشبيبة هم الذين يستطيعون إدارة عجلة الاقتصاد الحديث بكلّ معطيات العبارة فالجيل السابق لايملك خبرة التعامل مع الكومبيوتر والمعلوماتية الرقمية (الديجيتال وما إليه) وليس غير شبيبتنا هي القادرة على التعامل مع معضلات التقنيات الحديثة والتعاطي مع متغيرات السوق وحركته ومع مشكلاته تعقيدات الحياة المعاصرة الجديدة في كلِّ شئ.

                                        هل سنترك لآبائنا تعلُّم استخدام الكومبيوتر اليوم والتعاطي مع كلّ المفردات التي ذكرناها للتو؟ وتبقى الشبيبة منتظِرة متأمِّلة منشغِلة في فضاء غير فضائنا و في فراغ  روحي تعطيلي عبر إعطاب العقل وإغلاقه على نوازع شريرة معادية لكلّ ما هو بشري سليم؟!!  أم  سنترك مهامنا لأناس يأتون من خارج حدودنا ليقوموا بما يمكن أنْ نقوم به وما يلزم أنْ نفعله بأنفسِنا؟

                                       يلزم للتعامل مع تساؤلات الواقع أنْ تتناول الشبيبة حياتها الجديدة من منظور إيجابي؛ وأنْ تتخذ برامجها القيم التنويرية البنَّاءة مساراَ َ تطورياَ َ فاعلاَ َ. وأنْ يتجهوا إلى العمل المثابر لإشاعة السلام والطمأنينة وقيم التآخي ضد التفرقة والتناحر, وقيم التعاضد ووحدة النسيج الاجتماعي الوطني بعكس دعوات الخصوصية الاتعزالية للفئات الناشطة في ضرب أبناء مجتمعنا ببعضهم بعضاَ َ. وعلى شبيبتنا أنْ تكون هي التي تتقدم الصفوف في مكافحة آفات التخلف وأمراضه وأوبئة التطرّف والعدائية وتشطير المجتمع وتناضل ضد عوامل إضعافه وتعطيل قواه..

                                         ولا يكون ذلك إلا بالتمسّك أكثر بالتطور العلمي والثقافي ومنه أحدث تكنولوجيا المعرفة الإنسانية المعاصرة. وبانتهاج سياسة تنظيم الشبيبة في منظمة وطنية موحّدة تقوم على مبدأ التسامح والتعددية واحترام الآخر وتعميق نهج الديموقراطية في فلسفة عملها.. وفي إشاعة دورها الفعال في إعلام إيجابي النزعة وخلق فرص العمل والأنشطة المتنوعة من رياضات وفنون مسرحية وتشكيلية وموسيقية وغيرها ودعم الإبداعات الغنية في المجالات كافة. إنَّها فرصة شبيبتنا التاريخية في الإفادة من دواعي زوال الدكتاتورية وامتلاك حرية التعبير والعمل في مناحي الحياة الإنسانية المتنوعة.

                                        الشبيبة رمز الحيوية وهي رمز الإشراق والغد الأفضل. وهي موضع نجاح في كلّ ميادين الحياة وهي موضع احترام وتقدير طالما اتخذت الطريق الصحيح في مساراتها وبرامجها وفي التوجه لتنفيذ خطى مفردات ما يُفترَض فيها من مسؤوليات. فهل لشبيبتنا الالتفاف حول اتحادها؟ وهل لها تفعيله؟ وهل سيكون من مكوّناته مناصفة شاباتنا العراقيات النابضات حيوية ونشاطاَ َ؟ وهل سيأخذون زمام المبادرة؟ وهل سيتقدمون الصفّ في الإبداع؟ وهل سيحملون الحلم الذي حملت شعلته شبيبة الأمس  ـ آباء اليوم؟ هل سيواصلون طريق الخير والسلام وعطائه؟ ويرفضون حملات التضليل واللعب بمشاعر مَنْ منحوهم الحياة عبر خطيئة التطرف أو خطيئة السلبية وتعطيلهما لطاقات واعدة منتظرة منهم؟ ويكون إصرارهم على شخصية المتعقِّل المتنوِّر راجح الفؤاد ثابت الجنان أم أنَّهم سيتركون الحبل على الغارب لريح صفراء تلعب بهم وبعواطفهم ومن ثمَّ يحطومن آمال كبيرة معقودة عليهم وعلى استقرار خيارهم تجاه مسؤولياتهم نحو بلاد الرافدين التي ترعرعوا في وارف ظلال اسمها العريق اسم العراق الحر الديموقراطي الفدرالي التعددي وهو مسؤوليتهم لخلق جنائنهم الجديدة في أرض سومر المعطاء؟؟؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *