من بعض مستلزمات الحوار الوطني العراقي المسؤول؟

قراءات في شؤون التحالف والتسامح وثقافة الحوار

تتصاعد آثار التدخلات الدولية والإقليمية في الميدان السياسي العراقي كما تتزايد ىثار تفاقم مسببات الاحتراب المفتعلة بين بعض الأطراف العراقية… وفي الوقت نفسه يوضع العراق على أكف عفاريت التفجيرات الإرهابية والأعمال التخريبية المقنعة والمبرقعة المتخفية، الأمر الذي يوجب على مجموع مكونات شعبنا تصعيد وتائر العمل من أجل خلق الأرضية الموجودة أصلا للحوار الوطني المسؤول بين مجموع تلك القوى باختلاف مكوناتها..

وعادة يُقال: إنَّه في ظروف الحروب تتعمق الأسباب التي تدعو للعمل بمبادئ الوحدة الوطنية والإدارة القائمة على وحدة الجهود كافة.. وعراقنا الجديد اليوم في أزمة أبعد من أزمة حرب عادية حيث الآوضاع القلقة غير المستقرة وانفلاتها من الطوق التنظيمي لإدارة دولة لم ترث من أمسها سوى الخراب ومزيد من أسباب الألم ما أوجب مضاعفة الجهد للعمل أكثر من الطاقة العادية لمن يريد إعادة الإعمار والبناء.. وفوق هذا وذاك عمَّ الخراب حتى بنية الشخصية العراقية عبر التشوهات التي افتعلها نظام الطاغية واختلال التوازنات الدولية والإقليمية وتوافر فرص مضافة للقوى الدخيلة وللاختراقات السلبية الخطيرة الاتي حدثت بُعيد دخول القوات الأجنبية البلاد..

وإلى جانب مثل هذا الوضع دخلت العراق عناصر وقوى متنوعة مختلفة بعضها ليس يهمه الهمّ الوطني الحقيقي، وإنْ كان يدخل في نطاق مكونات الجنسية العراقية ولا أقول الهوية العراقية..  فوجدنا أنفسنا وشعبنا  بين أطياف ومكونات جديدة ما فرض خصوصية  للحوار الوطني العراقي.. وعليه كان لهذا الحوار مستلزمات وقواعد عريضة وجب التذكير بها…

وأول تلك المستلزمات للحوار الوطني العراقي أن تتخلى جميع القوى عن الشروط المسبقة وعن فرض تلك المطالب  بله النواهي بناء على مزاعم تمثيل أغلبية سكانية أو سياسية على وفق منظور بعينه.. كأن يدعي حزب تمثيله طائفة أو مذهبا أو دينا أو مجموعة ما.. وبناء عليه يفرض شروطه بالاستناد إلى ما يسميه أغلبيته التي يمثلها.. ومثالنا هنا بعض الأحزاب القادمة من حديثا للعراق الجديد من حدودنا وراء حدودنا الشرقية مسلحة بميليشياها؟!

وبالعائدية سيكون أمر التمثيل أمرا مستبعدا من الإكراه والقسر ويصير التمثيل للأفكار والرؤى الوطنية العامة فكل طرف يقدم رؤيته على أساس خدمتها مجموع العراقيين وليس فئة أو طائفة بأسس تقسيمية يتشظى فيها العراقيون ويحتربون بدلا من لقائهم ومجالس حوارهم.. وعلينا هنا إذن أن نتخطى منع الآخر من تمثيل من نزعم تمثيله وأن نترك للرؤى والخطط والفسلفات أن تتصدى لاي منها يفرض نغسه موضوعيا حلا لمشكلات مجموع أقاليم العراق ومجموع العراقيين…

والأمر الآخر من مستلزمات الحوار إزالة مظاهر التسلح العسكري وحل الميليشيات التي تشكل عوامل خرق لأصول الحوار السلمي الوطني المنتظر.. وهنا ينبغي تحديد تلك الميليشيات بما يُسمى قوات “بدر” وما يُسمى “جيش المهدي”  والمجموعات المسلحة في الغرب العراقي أو في جنوبه من دون حالة استثناء.. والقصد الأخير هنا منع توظيف بله استغلال السلاح في فرض شروط أو توازنات بعينها في ميدان الحوار السياسي الوطني العراقي..

كما ينبغي أن يتم ضبط الأوضاع الأمنية بما يمنع التهديدات الخطيرة بالاختطاف أو الاغتيال أو الابتزاز تحت التهديد بأي شكل من أشكاله.. ومن ذلك توفير الفرص الكافية للحركات الخاصة بمؤسسات المجتمع كي تلعب دورها الحيوي المنتظر ومنها روابط واتحادات المرأة مخضومة الحقوق والشغيلة ونقاباتهم المختلفة المتنوعة وفئات الطلبة والشبيبة ومنحهم ما يساعدهم على تطوير أدوات حواراتهم وإمكاناتهم على التصدي لأمورهم بكفاية وجدية ووعي…

إنَّ أعمال المنع والتحريم والتكفير ومن ثمَّ إهدار الدم أمر صار في وطن الرافدين عاملا أشاع أعمق ظروف إرهاب الناس وأولهم النساء العراقيات اللواتي تعمقت شواهد استفلالهن بكل أشكاله وأنواعه.. وعليه كان واجبا أن يبادر رجال الدين المتنورين، رجال الدين الحقيقييين وليس الأدعياء وبخاصة المرجعيات الصادقة ويطلقوا فتاواهم المخصوصة بموضوعات انفلتت اليوم وصار يعبث بها كل من هب ودب فيُصدِر هذا الدعي الجاهل المتخفي بعمامة وعباءة فتواه ويأتي زميله لينفذ حكم التكفير بالقتل واستباحة دم من حرِّم إيذاؤهم وليس منع قتلهم فقط..

إنَّ الحوار الوطني العراقي ليس بحاجة لتوصيف أكثر من كونه حوار بين مواطني العراق الذين انتموا إليه وجودا بالتمام والكمال ومن ثمَّ أن يجري الحوار الوطني بين مكونات الطيف العراقي من دون استثناء ومن دون تمييز بين فرد وآخر وبين مجموعة وأخرى لأي سبب كان سواء منه السياسي أم الاجتماعي أم الاقتصادي وسواء منه الديني أم المذهبي أم الطائفي… ويكون مبدأ المساواة التامة بين الجميع أمر ثابت ومن مستلزمات الحوار حيث لا يتقدم طرف على آخر..

ولا ينبغي هنا إلا التذكير بأهمية ألا يكون طرف واعظا آمرا وآخر مستمعا يتلقى ما يرده من فوقه.. بل أن تستوي أطراف الحوار لا كبير ولا صغير إلا بمقدار ما يقدم من شروط عراقيته وانتماء أفكاره للوطن والشعب ولخدمة مصالحه بإقرار من الشعب نفسه وليس بقسر من مزاعم قيادة أو جهة أيا كانت سياسية أم دينية في مرجعية وجودها…

إن الحوار أساس بين أطراف عملية إدارة الأوضاع في البلاد وهذه الأطراف هي كل عراقي وجودا وانتماء ولا يحدد هذا طرف بل واقع الحال وطبيعته… من هنا لابد من أن يستعيد كل عراقي فرصته في قول كلمته أولا وفي إدارة خطابه الوطني ليصل مجموع العراقيين بدعم مؤسسات الدولة ولا يتركن جهاز الإعلام فئة أو مجموعة عراقية لا يصلها ويوصلها ويسمع صوتها بأية ذريعة أو حجة…

لقد ولى زمن العزل والإقصاء والاستلاب وجاء زمن البحث في أسباب اعتزال الحوار وامتناع عن الإدلاء بصوت لكي يكون لكل صوت فاعليته وممارسته لحقه في عملية الحوار التي تشكل منطلق فعل البناء والتقدم في بلادنا.. وهكذا سيكون لكل عراقي يزعم ديموقراطية التوجه أن ينشر في جريدته للآخر ولردوده ولاستجاباته مثلما يملك حقه مع هذا الآخر أن ينشر له صوته وسيكون من الصحيح أن تتقدم هذه العملية بخطى ثابتة وطيدة وإنْ كان الأمر تدريجا في تصاعد وتائره وبشكل متبادل متةازن لكسب مزيد من الثقة …

والوصول لمرحلة من هذا النوع يعني أننا قطعنا الشوط الأعمق والأوضح في التعاطي مع روح الحوار وشروطه الموضوعية.. وسينتقل بنا الوضع من مرحلة التأسيس لحوار بنّاء إلى حوار نوعي متقدم المهام هو حوار مؤنسن الأهداف يرتقي لمصاف التفاعل الإيجابي الذي يبني ويتقدم وليس فيه من شوائب الماضي السلبية المرضية…

ومن مستلزمات نبحث عنها شرطا أو سببا لتعزيز الحوار الوطني شموليته لمكونات المجتمع وامتناعه عن روح الاتهام وفروضه المسبقة والتحول إلى حال من التعبير عن الذات العراقية الوطنية بمرجعية وطنية حيث يدور الحوار عن توجهات ورؤى وضمانات للجميع في تقديم تصوراتهم وإن أخطأت من وجهة نظر طرف ثانِ ِ وما يكون فيصلا في أمر صحة رأي ليس غير الاحتكام للواقع في تنفيذه وفي التعاطي معه .. وبالمرة ينبغي أن ننتهي من مشكلة انتزاع حق الدخول في الحوار بسبب اتهام بمرجعية أجنبية أو بخيانة أو بتمثيل جهة ليست عراقية وما إلى ذلك من اتهامات لا تستند إلأى أرض الواقع والاحتكام لمصادقية الأمور ومنطقها الموضوعي المحكك…

إنَّ قضية الحوار الوطني العراقي تتطلب اليوم مزيدا من التفكير والاهتمام من مجموع الحركات العاملة في الساحة السياسية العراقية .. وتفعيل التحالفات على أسس متناظرة مترادفة كأن يكون للحركة الديموقراطية مجلس حوارها وللحركة الليبرالية وللحركة اليسارية وللحركة العلمانية ولكل طيف سياسي أو فكري أو ديني على أن نجد لكل طرف موضعه على طاولة الحوار الوطني الشامل…

إن مهمة الحوار الوطني العراقي كبيرة ولأن مسألة النهوض بدعم هذا التوجه جد  كبيرة وهائلة من جهة متطلباتها الإجرائية المادية وغير المادية.. صار من مستلزمات الأمر أن تتصدى الدولة ومؤسساتها لهذه المهمة وتفرد لها ميزانيتها وخططها التي تبدأ مشوار التنفيذ للحوار الوطني العراقي الشامل.. فهل ستبدأ الحكومة العراقية المهمة أم البرلمان الحاليين أم القادمين.. لنبدأ حيمها تعميق الدراسات المؤملة في هذه القضية الوطنية الكبرى والخطيرة!؟؟؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *