مغامرات ومقامرات سياسية خطيرة ودعوة لحوار مسؤول من أجل الحل الوطني الأنجع

لقد تنامى الوعي الوطني عميقا في الوجدان العراقي بُعيد تأكد فشل المشروعات التي راهنت على مواصلة التحكم بالناس عبر استغلال المشاعر المذهبية والطقسية الدينية وإبراز شعارات تتصدى للهمّ الطائفي متخفية بادعاء تبني مطالب أو حاجات هذه الطائفة أو تلك بعد زمن الابتزاز والقهر في ظل الطاغية المهزوم…

ونتيجة للضغط الشعبي الوطني قرأت بعض المرجعيات الدينية الموقف وأعطت انذارها للأحزاب الطائفية بأن تغير من تكتيكاتها والشعارات التي ترفعها وأن تضع في حسابها متغيرات الواقع الوطني وضغوطه وحجم مطالبه في الانتهاء من الخطاب الطائفي أو التعصبي الديني أو القومي كذلك…

وحاولت تلك المرجعيات أن تنفذ بخطابها من خلال بعض العلمانيين وجذبهم لأنشطة تستطيع تجييرها لصالح شعار الدين هو الحل (تحديدا الإسلام وأكثر تشخيصا الخطابين الشيعي والسني في ظلال مفهوم الإسلام هو الحل).. وعقدت اتصالات وبمستويات عديدة بعلمانيين بذريعة أهمية الوحدة الوطنية وتكاتف الجهود…

وإذا كانت محاولات تلك المرجعيات قد أخفقت من جهة تجيير القوى العلمانية التنويرية في مجتمعنا وتحديدا الشخصيات الوطنية التنويرية التوجه فإنَّها لم تكن كذلك مع القوى الحزبية الإسلاموية الطائفية إذ أنها تمتلك تأثيرا عليها وسلطة  في داخلها ما يسمح لها بتوجيه [نسبي] لبرامج تلك الحركات السياسية…

وهكذا صرنا اليوم نسمع بوضوح شعارات وطنية وخطابات ترفض التقسيم الطائفي وتتحدث جهارا وعلانية عن مفارقة التشظي والانقسامات وتعِدُ بالعمل الوطني الذي يحترم التعددية والتنوع ويدافع عنه؟! واختفى الخطاب التقليدي بمفرداته:

  1. التي تركز على التستر بالدفاع عن المطالب الطائفية وتقديم أسبقيتها وأولوياتها…
  2. التي تركز على أهمية الميليشيات المسلحة الحزبية ودورها في التصدي للمعضلات العامة وفي التعاطي مع العلاقات الحزبية وما يحكمها من مشهد طائفي مفتعل التوتر..
  3. التي تركز أو تتمتر س في خندق المحاصصة الطائفية فيما يُعلن وهي الحزبية في جوهرها وفي حقيقة ما تخدم بمفردتي التجيير لزعامة ولجهة الارتباطات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية..

إنَّ جوهر سياسات حركات الإسلام السياسي بأغلبها يظل مستغلا لاستراتيجية [[التقية]] أي خطاب أو آلية إعلان أمر يمثل الغطاء والستار وإخفاء آخر يمثل الجوهر والحقيقة..

ومن أجل ذلك ينبغي الحذر الشديد في التعامل مع هذه القوى المرضية في المجتمع الإنساني بعامة وفي مجتمعنا العراقي تحديدا.. إذ لا يمكن إغفال النوايا الحقيقية والأهداف البعيدة لمثل هذه القوى.. ولا يمكن القبول بحالة الاطمئنان للمخادعة الاستراتيجية ولتضليل تلك القوى بما يؤدي بها في نهاية المطاف لمواصلة مشوار جرائمها التي تجري يوميا بحق أبناء شعبنا سواء من ذلك نهب ثروات الشعب أم إهمال مطالبه والتسويف في تلبية حاجاته أم في الأعمال التصفوية الدموية وأكثر وضوحا مواصلة ارتكاب جرائم الإبادة بحق أطياف الشعب كافة سواء بشكل جمعي مشترك أم باستهداف كل طيف منفردا…

لقد ارتكبت قوى الإسلام السياسي المتطرفة المتشددة وأرضيتها اليانعة التي تدعي الاعتدال وهي الغطاء للتشدد والجنين الولود للتطرف والعنف، ارتكبت تلك القوى أفضع جرائم الإبادة بحقأبناء العراق الأوائل الأصائل من المسيحيين العراقيين في مختلف المحافظات وساهمت في ذلك أطراف من جميع ألوان حركات الإسلام السياسي الطائفية السنية والشيعية وبلا هوادة جرت عمليات القتل الجماعي والاغتيالات الفردية المتصلة المستمرة للكلدان الآشوريين السريان والأرمن وكل مسيحيي العراق ومكوناتهم وكنائسهم وأشكال أنشطتهم الإنسانية  وصرنا لا نرى وجودا لهم في بعض المدن الآهلة بهم في الأمس القريب..

ومثلهم جرت جريمة الإبادة المادية والمعنوية لمجموعة قومية دينية أخرى ساهمت في بناء حضارة العراق القديمة وظلت علامة إنسانية صادقة لوجودنا الوطني المعاصر التعددي ذلكم هم الصابئة  المندائيون حتى صارت الأغلبية المطلقة منهم تسكن بلدان النزوح والنهجير القسري في ظل أسوأ ظروف المعاناة…

ولا يختلف عن المجموعتين أمر مجموعة عراقية ثالثة أصيلة متمثلة بالأيزيديين الذين يحملون مثلهم مثل الآخرين رايات السلم والتسامح ولغة التعايش الإنساني في وقت جرت جرائم يندى لها الجبين بحقهم مما يرفضها الدين الإسلامي الحنيف لكن حركات الإسلام السياسي لا تجد نفسها ملزمة حتى باستنكار جدي مسؤول لتلك الجرائم التي لا تقع في خانة ضد الإنسانية حسب بل تتمثل في كونها جرائم إبادة مادية ومعنوية وهي جزء من توصيف جرائم الإبادة الجماعية المهولة في حجمها الكارثي…

ولن تستثني قوى بمثل هذه الوحشية أحدا فهي قوى الجريمة المرضية وهي جرثومة الفناء والموت العبثي المجاني الذي يطاول أبناء شعبنا جميعا وإذا كانوا ينتهون من أطياف شعبنا تحقيقا لخطاب التطهير الديني والقومي فإنهم سيواصلون الأمر تحقيقا لخطاب التطهير العنصري والطائفي وهو ما بدأ في حرب التقسيم الطائفي من جهة وفي حرب متفرعة أخرى هي نتيجة حتمية لبرامج الإسلام السياسي الطائفية أقصد حرب الحركات والمجاميع داخل الصبغة الطائفية الواحدة المدَّعاة أي بين مدعي الانتماء (السني السني) ومدعي الانتماء (الشيعي الشيعي)…

إنَّ أخطر ما يجري من حرب تصفوية اليوم بين القوات (الشيعية) \ (الشيعية) هو ما يتم من تنفيذ جرائم إبادة بوحشية متطرفة وبعنف مفرط يطاول البسطاء من الناس سواء من عوائل الجهات الميليشياوية أم من الجيران أم أبناء الضواحي والقصبات والقرى…

والخطورة لا تكمن في التشدد وفي الإفراط في استخدام القوة ولا في الوحشية الهمجية لطريقة التعاطي بين الفرقاء بل في توظيف حملة الحكومة الاتحادية لجهة على حساب أخرى بطريقة تستهدف ميليشيا وتستثني أخرى بما لن يكون نتيجة له تطمين الوضع الأمني بقدر ما ينجم مؤقتا صمت هش للاقتتال ولعلعة الرصاص والمدافع متحولا في مرحلة تالية من الهشاشة إلى اقتتال أعقد لاحقا أو سطوة أخطر لجهة طائفية وحركة سياسية على المشهد السياسي العام…

ومن الطبيعي أن يعود الوضع عبر هذه التصفيات إلى خطاب الدكتاتورية والطغيان وإلى آليات الاستبداد ووحشية سلطتها. ويومها سيكون الضحية على مذبح هذي المعركة كل طرف نأى بنفسه عما يجري اليوم واتخذ لغة الدبلوماسية أو الصمت وانتظار ما تسفر عنه مطحنة الاقتتال وآلتها الجهنمية مكتفيا بالتفرج أو التعاطي الأسلس مرونة..

إنَّ المعضل اليوم يكمن في تطويع الأجهزة الحكومية لصالح قوة سياسية أو حركة وتحديدا لجهة الإسلام السياسي [ممثلا في المجلس الأعلى (واحتفاظه بقوات بدر بصورة غير مباشرة خارج المعركة) وفرقاء حزب الدعوة من جهة والحزب الإسلامي وبعض فرقاء التوافق من جهة أخرى] فيما تنشغل القوى المتنورة العلمانية اليسارية أم الليبرالية في تشظيها التنظيمي وفي مخاوفها من اصطدامات الأمس بخاصة الذريعة أو التهديد بـِ بعبع البعث وفاشيته الأمر الذي يفتت تلك القوى ويجعلها بعيدة عن أن تكون البديل الميداني على الرغم من كونها البديل في ذهنية الناس وفي تطلعاتهم وتوجهاتهم بحثا عن المنقذ…

إنَّ الموقف الذي يمر به العراق بحاجة للجم عنجهية قوى الإسلام السياسي بأغلب عناصرها والانتهاء من تركها في غيّ توهمها أنها تمتلك كل خيوط اللعبة ما يجعلها تمعن في تحكمها بمصائر العراقيين..

كما ينبغي أن يجري الحديث بوضوح عن حقيقة نضج الوعي الجماهيري ورفضه لخطاب الطائفية وتحويله بما ينبغي ألا يسمح بعودتها بآلية التقية أو غيرها عبر نافذة الادعاء والتستر والتضليل أي عبر منفذ استغلال الجهاز الحكومي لتصفية حساباتها وتمكين طرف أو آخر منها للتحكم بالسلطة الوطنية الاتحادية أو الإقليمية في المحافظات..

إنَّ الإمعان في استخدام العنف المفرط في ما يسميه أطراف من تلك القوى خطة حكومية لضبط الوضع الأمني لا يمكن القبول به كونه يوقع مزيدا من الضحايا الأبرياء وكونه لا يمثل علاجا جديا صائبا لمشكلة الميليشيات ولا يطمِّن الأمن ويترك الأبواب مشرعة لاحتمالات خطيرة أخرى…

فالحكومة ليست مكتملة التنظيم ولا ناضجته وهي ليست بالكفاءة التي تمثل عملا برامجيا واضحا بل هي خلطة تتجاذبها التقسيمات المصلحية يزيد في الحالة سوءا ضعف برلماني خطير بسبب من سطوة أطراف بعينها على هذه المؤسسة التشريعية أو سطوة برامج ما زالت تتعاطى مع أولويات غير وطنية..

ويبقى الحل الوطني المشروع كامنا في عملية تغيير حكومي لا يستند إلى المحاصصة ولا إلى الحركات وأحزاب الإسلام السياسي بل إلى حكومة تكنوقراط ببرنامج عمل وطني واضح المعالم وهو أمر طال انتظاره وجرت الالتفاف عليه في ظل سجالات القوى الطائفية المتحكمة بالعملية السياسية وبعمل الوزارات الأبرز في الحكومة الاتحادية الهشة.. ولاستكمال الحلّ لابد من  التركيز على:

  1. خطة طريق متأنية لحل جميع الميليشيات ومنع تداول السلاح خارج المؤسسة الحكومية الوطنية الحيادية بمنأى عن تأثيرات القوى والحركات السياسية الحزبية.. وملاحظة مهمة هنا القصد بالميليشيا كل تنظيم مسلح خارج سلطة الدولة ومؤسساتها الحكومية الوطنية الرسمية، مع احتفاظ بموقف قانوني وسياسي من التاريخ الوطني المشرّف للميليشيات التي ساهمت في العمل النضالي الوطني والقومي من دون أن يعني ذلك القبول بمواصلة تعددية جهات حمل السلاح أيا كان تاريخها المشرّف فالمرحلة التالية هي مرحلة تعزيز الثقة بين فرقاء العملية السياسية وتطمين نقل سلطة الجيش والشرطة بمعنى الأمن الوطني والمحلي إلى مؤسسات الدولة الوطنية الاتحادية والإقليمية بطريقة قانونية دستورية صحيحة وصحية صائبة… وهو الأمر الذي لا يتعارض ومنطق تطمين الحقوق لجميع العراقيين وأطيافهم وتأمينها بالتمام والكمال ولكن بوساطة مؤسسات دولة ولا خروج على الأسس الدستورية الكفيلة بتحقيق مطالب الجميع وحمايتها نهائيا…
  2. منع دخول عناصر الميليشيات في الجيش والشرطة والعمل على تأهيلهم لأعمال مدنية أو للتقاعد ولمشروعات مدنية لا علاقة لها بالسلاح والأمن وبعيدة عن التأثير في الأمن الوطني… ويمكن بالخصوص وضع شروط مهنية بشأن الانتساب للجيش والشرطة بما يؤمِّن ويطمِّن هذا المطلب الوطني بعيدا عن التأثيرات السلبية غير الدستورية…
  3. تعديلات دستورية [بإصدار قانون أحزاب] يوضح الموقف القانوني من طبيعة تشكيل (الأحزاب) على أسس طائفية أو برامج طائفية أو دينية متشددة أو متطرفة أو مضرة متعارضة مع طبيعة الدولة العراقية التي تفصل بين مؤسساتها وآليات عملها والمؤسسة الدينية وآليات عملها…
  4. إجراء انتخابات وطنية يتركب فيها البرلمان من مستويين هما المجلس الوطني والمجلس الاتحادي الأول بانتخابات على مستوى الدائرة الوطنية الكاملة التي تمثل كل العراق  والآخر يتركب من مجموعات متساوية من مكونات العراق القومية والدينية وفيهم الكورد والكلدان الآشوريين السريان والتركمان والصابئة المندائيين والأيزيديين والأرمن والعرب وغيرهم.. ولكل من المجلسين صلاحياته فيما البرلمان العراقي يتكون من جناحيه المشار إليهما هنا..
  5. يبقى لمجلس وطني سياسي صلاحيات مهمة في مرحلة تحضيرية للانتخابات.. كما لا يمكن القبول بإجراء أية انتخابات من دون التعديلات الدستورية المتوافق عليها وطنيا من جهة ومن دون حماية مؤسسات الدولة بحيادية تامة للعملية بعيدا عن تأثير لميليشيا أو ضغوط عنفية أو معنوية كما في التأثيرات الدينية للمرجعيات وما إلى ذلك…

إنَّ ما يجري اليوم أخطر من معركة مع مجموعة مسلحة يجب نزع سلاحها بالتأكيد مثلما بقية المجموعات كافة بل هو تصاعد لوتيرة العنف ليس ضحية له غير المواطن العراقي فيما القوى المسلحة تمرر الجريمة بأقل الخسائر وبعيدا عن النظر في دماء العراقيين ومصائرهم…

فهل من وقفة مسؤولة وهل من إعلان جدي مسؤول من جميع الفرقاء للاتفاق على آلية أو خريطة طريق تعيد للعراق مكانه ومكانته عبر إعادة حقوق العراقيين وتطمينها وعبر الحل الدستوري المشروع وعبر عملية سياسية حقيقية تشمل جميع العراقيين مع وقف أكيد للأيادي التي تلطخت بدماء العراقيين؟؟؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *