تضاغطات بين أطراف التعليم العالي وضغوط سلبية مباشرة وغير مباشرة على التعليم الألكتروني؟!

في كل محاولة للتحديث والتجديد يطفو صراع بين القديم الكلاسي والجديد المحدث؛ وأبرز سبب لهذا الصراع وجود عناصر متشددة متشنجة في كلا الاتجاهين.. فعناصر محافظة تتمسك بالدفاع عن تقاليد جامدة في فسلفة القديم.. يدعمها وجود عناصر مشوشة الرؤية في التعرف إلى الجديد، بسبب من حداثة عهده وعدم تمكنه من تقديم نفسه بالصورة المثلى في الحيز الزمني الضيق فضلا عن دواعي موضوعية وذاتية لحالات الالتباس والتشويش القائمة…

إنَّ جهودا مضنية ينبغي أن يبذلها الوليد كيما يثبّت أقدامه ويعلن عن نفسه بطريقة وافية ملائمة تجذب إليه جمهوره المستهدف.. ويضاعف تلك الجهود للتعريف والتقدم أننا في التعليم العالي نجد قوة التقليدي ومتانة أرضيته بسبب من طبيعة البنى التحتية التي يمتلكها وتاريخه والتقاليد الراسخة الجذور في الحياة التعليمية مقابل هشاشة البداية (بخاصة عربيا أو شرق أوسطيا) في التعليم الألكتروني فضلا عن أثر الميل الإنساني السائد للركون إلى الموجود والقبول بالمعروف بدل ولوج طرائق جديدة لم يجرِ تجريبها أو اختبارها بشكل نهائي وحاسم…

إنَّ بذرة التعليم الألكتروني ما زالت تنمو وتتفتح لأول وهلة لها حتى على الصعيد العالمي وهي وإن وجدت لنفسها أماكن استقرار وانطلاق والتأسيس بطريقة موضوعية ناجحة، إلا أن حالات الفساد التي استشرت في التعليم والاختراقات التجارية التي تضحي بالروح الأكاديمي العلمي تظل ممثلة لضغط جدي وعرقلة خطيرة بوجه مشوار النمو والتقدم بالتعليم الألكتروني..

ويكبر هذا الأمر بخاصة في البلدان النامية التي يمكن لبعض التصريحات أن تصل أسماع جمهور التعليم فتشكل ضغطا نفسيا سلبيا من جهة وحواجز مرضية تضرب حول التعليم الألكتروني… وهذا فوق قضية عدم اعتراف وزارات التعليم العالي في بعض البلدان النامية بالتعليم الألكتروني من دون مسوغ علمي موضوعي.

إنَّنا إذن أمام الحالات الآتية:

  1. أحاديث وإشاعات في الإعلام والصحافة بالضد من التعليم الألكتروني جوهرا وطريقة للعمل التعليمي العالي…
  2. توظيف حالات الفساد الجارية في المتاجرة ببيع الشهادات والغش في التقويم والاختبار وما شابه في إطار الحملة الضاغطة على مشروعات التعليم الألكتروني..
  3. أو حتى الاكتفاء بالحديث عن وجود حالات تزوير وغش ومتاجرة صريحة والتلميح بطريقة غير مباشرة بما يقطع الطريق على الطلبة في التوجه للتعليم الألكتروني تحت ضغوط الخشية من الوقوع في تجاريب للنصب والاحتيال وما أشبه…
  4. إنَّ بعض المشروعات في مجال التعليم الألكتروني ما زالت تنمو ببطء وتكتنفها ثغرات مثلما هو الحال مع التعليم التقليدي المنتظم؛ ولكن المشكل يكمن في أنَّ محاسبة تجربة التعليم الألكتروني أقسى من محاكمة التعليمي التقليدي لأسباب سبق ذكر بعضها.

إنَّ أيّ مسؤول يتحدث عن التعليم الألكتروني يحتاج لموقف ينظر إلى الأمور بشمولية ولالتزام مبدئي في التعاطي مع الحقائق التي يناقشها وعليه أن يشير إلى أن مسائل الفساد والمتاجرة بالشهادات والثغرات الجوهرية والهامشية تحصل في كلا نمطي التعليم التقليدي المنتظم والألكتروني وأن ما يتم التعرض له هو تجاريب محدودة حتى وإن اتسعت دائرة الغش والتزوير مقابل دوائر العمل الرصين وأن ذلك لا يلغي وجود السليم والصحي الصحيح…

إنَّ قضية بيع الشهادات هي قضية موجودة في مختلف أشكال التعليم ومكافحتها لا تتعارض مع وجود التعليم الألكتروني بل يشترك هذا النمط التعليمي (أي التعليم الألكتروني) وجهازه الإداري والعلمي في مكافحة أشكال الغش والتزوير والمتاجرة..

وسيكون من الأفضل أن تعترف وزارات التعليم العالي بهذا النمط المعاصر من التعليم كيما تتعزز فرص مكافحة الغش والمتاجرة بفضل إيجاد الحاضن الطبيعي لنمط التعليم الحديث (الألكتروني) والإشراف على مؤسساته عبر صلات مباشرة معه..

فيما الإبقاء على مؤسسات التعليم الألكتروني خارج دائرة العمل على الرغم من وجوده الفعلي.. وممارسة إنكار أو سياسة الإلغاء والإقصاء المتعمدة لهذا الوجود المادي الملموس هو إخراج للبلد ولجمهور طلبة العلم من دائرة تحصيل المعارف والعلوم بأحدث طرق التعليم المعاصرة التي أقرتها أبرز الدول التي تتصدر جامعاتها قائمة التعليم العالي عالميا…

فجامعات هارفارد ويال الأمريكيتين وأكسفورد وكامبرج البريطانيتين وأمستردام ونايميخن الهولنديتين وغيرها، هي جامعات تقليدية منتظمة تمثل القمة في التسلسل العالمي ومع ذلك فهي تستخدم بنسبة مميزة وواضحة أساليب التعليم الألكتروني في أداءاتها وتعقد أشكالا من التعاون مباشرة أو غير مباشرة بمؤسسات أو طرائق التعليم الألكتروني…

وحتى حوالي نصف البلدان الشرق أوسطية صارت تقر وتتعامل مع التعليم الألكتروني… ولكننا في عدد من البلدان الأخرى كما في العراق ما زلنا بعيدين عن دخول عالم التعليم الألكتروني داخليا فتصدى الأكاديميون العراقيون في بلدان المهجر لتأسيس مشروعات جدية مسؤولة بالخصوص ولتقديم تلك المشروعات أداة لخدمة أبناء المنطقة وتطورها ورقي أداءاتها التعليمية الجامعية…

ولأن مسألة التنافس (بخاصة هنا أوروبيا) بين الجامعات تظل قائمة ولأن مسائل من نمط التمييز والعنصرية وبحث بعض العناصر والقوى إلى تعطيل مشروعات علمية بعينها فضلا عن أمور تتعلق بالروتين وبإبعاد الأستاذ الجامعي المتميز عن القيام بمشروعاته المستقلة بل حتى دفعه للعمل في أنشطة خدمية أو هامشية بعيدا عن خبراته وشهاداته.. ولنظر جهات بعينها إلى مشروعات التعليم كونها يجب أن تصب أولا على أبناء البلدان المتقدمة الأوروبية والأمريكية أو على أقل تقدير على الجاليات لدمجها بسياسات محددة المعايير والأهداف مما لا يسمح بولادة مركز علمي مميز لأبناء بلدان الشرق..

وبالنظر إلى إهمال وزارات التعليم في البلدان الأصل لأصحاب مشروعات التعليم العالي الألكتروني كما في تجاريب جامعات أساتذة من بلدان الشرق الأوسط والعراق نموذجا على سبيل المثال لا الحصر.. لكل هذه الأسباب وغيرها تتعرض مشروعات التعليم الألكتروني المشروعة والموضوعية الرصينة لتضاغطات العلاقة مع إدارات التعليم التقليدي المنتظم من جهة ولضغوط شديدة من جهات تشوّه حقيقة أو طبيعة التعليم الألكتروني وتلصق به تهما تحاصره وتقطع طريق صلاته مع جمهور التعليم من طلبة العلوم والمعارف…

ولأن التعليم الألكتروني يأتي استجابة لتطورات الآليات التعليمية ومعالجة جدية سليمة ودقيقة وراقية لحجم الطلب للانتساب للجامعات ولكنه يبقى منتظرا لنجاحه أن يتصل بحجم مميز من جهة عدد الطلبة فإن المحاصرة التي تضيّق الخناق عليه في العدد الملتحق به تطعنه في مقتل حتى تكاد تقضي عليه أو تعرض العاملين فيه لأزمات مادية وحياتية بعيدة الغور في تأثيراتها…

وفي وقت يُنتظر من وزارات التعليم أن تعقد مؤتمراتها للإفادة من التجاريب الحديثة وفي الوقت الذي يُنتظر من الإعلام الوطني أن يعرض للتجاريب الإيجابية نجد إهمالا بيِّنا مستمرا لموضوع التعليم الجامعي الألكتروني ومساهمة في دعم ضغوط المحيط الأوروبي على تلك المشروعات  [حيث مقر أغلب تلك المشروعات التعليمية].. ويزيد الطين بلّة وجود عناصر محترمة ورسمية أوروبية بين ظهرانينا كما في العراق وهي تدلي بتصريحات صحفية وغير صحفية تتناول فيه حقائق صريحة وصحيحة بشأن وجود مشروعات وهمية وأخرى مزيفة مزورة ولكن إعلامنا يقدمها بطريقة سلبية مطلقة لا تشير إلى وجود تجاريب ومشروعات راقية ومعتبرة ومعترف بها وموثوق بأنشطتها العلمية الرصينة…

وبهذا يساهم بعض الإعلام في تسليط الضوء على التجاريب الفاشلة وكأنها كل شيء فيما يهمل تقديم المشروعات الرصينة والتعريف بها بما يمثل اعتداءَ َ صريحا على حقوق طلبة العلم في الانتساب إلى هذه الجامعات الرصينة للتعليم الألكتروني وبما يحارب العلماء والأساتذة المحترمين من أصحاب هذه المشروعات العلمية..

لقد عانى هؤلاء من كوكبة العلم الخبراء الأجلاء من زمن مطاردة النظم البائسة التي هجَّرتهم وعانوا من التهميش والإقصاء في بلدان المهاجر الأوروبية وعانوا من التعطل والتبطل ومن وضعهم قسريا في أعمال هامشية وها هم اليوم يُحارَبون بقصد ومن دونه على مستويين رسمي وزاري في بعض عناصر إدارة وزارة التعليم العالي ومن بعض عناصر إعلامية تمتلك أصواتها الصحفية والإعلامية!!

والصائب المنتظر اليوم يكمن في دراسة كل حالة باستقلالية؛ ومشروع كل جامعة بطريقة تدقق الأمور وتجلوها وتقدمها للعلن في إطار اعتراف رسمي بالتعليم الألكتروني  الذي ما عاد نمطا يمكن تجاهله إلا إذا كان المقصود الإبقاء على أوضاعنا خارج إطار التطور العالمي العاصف معرفيا والتمسك بطرق وآليات ما عادت كافية لتستجيب للتعليم العالي بكل احتياجاته وتشعبات المنتظر منه…

ولا يمكن القبول بوضع رؤوسنا في الرمال منعا لنا من النظر للحقائق الجارية حولنا. ولا ينبغي أن تكون الضغوط النفسية التي تصطنعها تصريحات أو مقالات أو تحقيقات صحفية بعينها، عائقا معرقلا للتعليم الألكتروني وحقه في الشرعية الرسمية والاعتراف به تعليما يدخلنا في مرحلة تعيشها الإنسانية بكل تطوراتها ودرجات تقدمها…

وبالانتقال إلى أمثلة عملية يمكن في قراءة لاحقة التفصيل في التعريف بها. يمكن القول: إنَّ أي تصريح بشأن مشروعات جامعات التعليم الألكتروني في بلد أوروبي أو غيره، لا تمثل المنتهى في التعامل مع تلك المشروعات ولا تنفي وجودها كونها توجد في مقرات ببلد ولديها تسجيل واعتراف في اتحادات جامعية دولية وعربية… فعلى سبيل المثال يتابع اتحاد الجامعات العربية (بموضوعية ورصانة) عددا من تلك الجامعات وقد قبل عضويتها في ضوء تدقيق في ملفاتها وأنشطتها وقد أصدر هذا الاتحاد الذي يضم أعرق الجامعات العربية منها القاهرة وبغداد والمستنصرية وأغلب الجامعات العربية ذات نظام التعليم التقليدي المنتظم، أصدر قرار بالتوصية بالاعتراف بشهادات تلك الجامعات المنضمة لعضويته من التي تتخذ من التعليم الألكتروني طريقة للتدريس عن بُعد… وكذلك توجد اتحادات جامعية دولية وإقليمية أوروبية وأورومتوسطية تضم بعض هذه الجامعات إلى جانب تسجيل بعضها الآخر لدى وزارات التعليم العالي في بلدان شرق أوسطية أو أوروبية  أو غيرها وفي ضوء هذه الحقائق لا ينبغي أن نقول: إن دولة كذا أو سفارتها أو شخصية معنية فيها لا تعرف بوجود هذه الجامعة أو تلك لكي يتم نفي وجود تلك المؤسسة وعدّها لاغية غير موجودة وينبغي التعرف إلى أية مؤسسة من أرقام التسجيل الرسمي والإشهار الضريبي والتعليمي بدقة قبل أن نتعاطى مع رأي أو وجهة نظر أو حتى توصيف سليم من جهة ولكنه لا يعنيه الحديث عن الوجه الآخر للقضية (فهو بحق غير مسؤول عن متابعة تقديم الأمر بكل أوجهه) كأن يُقال إن تلك الجامعة لا سجل تعليمي لها في بلد وذلك قد يكون صحيحا  ولكن السكوت عن تسجيلها الرسمي وعن تسجيلها العلمي في الاتحادات والوزارات التعليمية المعنية في بلدان أخرى هو الآخر أمر ينبغي التذكير به كيما تكتمل الصورة في النظر لأي مشروع علمي يمكنه أن يخدم طلبته وأساتذته (وهذه مهمة الإعلامي والصحفي الذي ينشر تلك التصريحات التي نشير إليها..

وبعد، فجامعات التعليم الألكتروني مثلها مثل جامعات التعليم التقليدي المنتظم من جهة الرصانة أو احتمال الاختراق والفساد وكل القضية أنها جامعات ما زالت بحاجة لرعاية ودعم من أهلها بدلا من تركها لرياح التضاغطات والضغوط التي تستهدفنا جميعا وتريد وضعنا في خانة التخلف وأمراضه… فهل نعي المؤمل فينا؟ وهل سنعقد مؤتمرا نوعيا متخصصا لحسم الأمور بدل تركها سبهللة مطلقين الحبل على الغارب لمن يتحكم فينا وبأبنائنا من طلبة العلم ومن العلماء الأجلاء؟

http://www.averroesuniversity.org

موقع جامعة ابن رشد في هولندا

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *