مظاهرات ومظاهرات .. الحراك المدني يتقدم بخطى التغيير

منذ أسابيع انطلقت مظاهرات اتسمت بالطابع المدني في مسارها وهويتها، حاملة مطالب شعبية واضحة. وقد تقدمت مسيرة التظاهر وتنامت ولكن وسط تعقيدات منها هجمات بلطجة من عناصر ميليشياوية بمحاولة لإرهاب المتظاهرين، بخاصة هنا المنسقين والنساء.. وحاولت بعض القوى النزول بنفسها وشعاراتها إلا أنها خابت في مساعيها الأولى.. واستمرت التظاهرات تتسع تؤكد تمسكها بقيمها ومطالبها.. ومجدداً تندفع تلك القوى المرتبطة بأحزاب تحكم بهذه المحافظة أو تلك، فتخرج بمظاهرات ذات طابع مختلف عن الحراك الشعبي المدني..

إنّ خروج أتباع قوى سياسية بهذه المحافظة ضد حلفائهم السياسيين الذين يحكمون بالمحافظة بات يجابه برد أتباع حزب السلطة بتلك المحافظة بتظاهر ضد حلفائهم الذين يحكمون بالمحافظة الأخرى.. وتلك هي مظاهرات أطلقت خطاب الصراعات الطائفية بآلية جديدة هي تلك التي تُنذر بتعمق الصراعات بين أحزاب الطائفية، حد التحول إلى الاقتتال بخاصة في ظل ظواهر التعصب والاستقتتال دفاعا عن التمترس خلف هذا الزعيم الطائفي أو ذاك..

إنَّ المقصد الرئيس الذي يكمن خلف تلك التظاهرات لا يقف عند حال الصراع بين قوى الطائفية بل يترتب عليه تخطيطا باتجاه منافسة التظاهرات المدنية ليس في حلم أو وهم إنهاء التظاهر الشعبي ولكن لتثبيت منطق الخطاب الطائفي وفلسفته وحال الانقسام على وفق منهج أو غاية تتجسد في استعراضات قوة بين أجنحة تلك التيارات.. وكل جناح يريد أن يقول ها أنا ذا موجود بـ(جماهيري) أي بمن يقتطعونه من أبناء الشعب بالتضليل والإفساد وشراء الذمم فيأسرونه ليخضع لهذه القوة أو تلك..!

ما يخشى منه بعض المحللين، هو تلك التمظهرات والاستعراضات التي تشير بالتصريح لا التلميح إلى القوة الميليشياوية المجيشة للجناح العسكري لكل قوة تنزل باستعراضها وهي تمارس أدوار القوى الأمنية المسؤولة بدلا عنها وتدخل بعرباتها المخصوصة قريباً من ساحات التظاهر، بتحدٍ واضح لمنطق سلطة القانون والدولة لمصلحة سطوة القوى الميليشياوية ومن ثمَّ الانفلات الأمني.. والمعقد في الأمر من جهة أخرى هو خطاب الاستفزاز الذي يمر عبر هستيريا الهتافات المجسدة لمنطق تقسيم المجتمع خلف متاريس الأجنحة الطائفية..

إن هذه الصورة للتظاهر تتحول به باتجاه قضية مختلفة نوعيا لا تدخل في إطار مظاهرة احتجاج ولا مظاهرة تعبير عن مطالب حقوقية أو مدافعة عن الحريات لتلج عالم الاستعراضات التنافسية بين أجنجه الطائفية وهي قضية بالضبط تاسر من يقف معها من أتباع الأجنحة لتضعه من جديد كبش فداء واضحية للاحتراب الطائفي المبيت الغايات.

إنّ هذا الوضع بالتحديد هو عامل مضاف آخر يدعم ضرورة التمسك بمظاهرات القوى المدنية وعمقها الوطني ويعزز ضرورة الثبات على حملها شعارات إنهاء التمييز بأشكاله وإنهاء الطائفية مرضا وصراعاتها آلية لتلك الأمراض في التمكن من المجتمع وإخضاعه وأسره.. ومن ثمّ يدفع باتجاه ضرورة المجيئ ببديل وطني يحسم القضية وينجز التغيير بإنهاء الفساد وإلغاء أسباب الجريمة أقصد هنا إنهاء بلاء الطائفية..

إنّ التظاهرات المدنية ربما تظهر بحجم متنوع مرة يتصاعد ويتنامى وأخرى يتجه لتعبيرات نضالية مختلفة من قبيل الاعتصامات والإضرابات باختلافها وغير ذلك إلا أنها سستبقى دائما ضرورة ثابتة في حمل مطالب الشعب سواء منها المرتبطة بالحقوق والحريات أم المرتبطة بالنظام السياسي الذي يلبيها..

فبعد الخطل البرامجي لقوى الطائفية لم يعد ممكنا مواصلة سنوات أخرى أشد كارثية.. إذ أن عقد ونصف تكفي لفضح المتسبب في الجريمة وفي اتخاذ القرار بتغييره وإنهاء غشله الذريع الذي أودى بحيوات عشرات ألوف العراقيات والعراقيين ووضع البلاد على حافة إفلاس وتمزق وباتت الدولة الأكثر فشلا قريبة من الانهيار الشامل!

من هنا فإن التظاهرات بهوية الحراك المدني هي نداء إلى كل ضمير لعراقية وعراقي يريدان مصالحهما ويهدفان لتلبية حقوقهما وحرياتهما وسلامة العيش بأمن وأمان وبكرامة وبأجواء إنسانية القيم..

ولكن من أجل استمرار مدنية الحراك وسلامة مطالبه وآليات التظاهر السلمي، لابد من توظيف الخبرات المختزنة لمنع حالات إغراق الميادين بشعارات تضليلية تعلن أمرا فيما تهتف لأمور أخرى مختلفة وتتعرض للمطالب الشعبية بالتشويه عبر هتافات جوفاء تستقل وتستميت لزعامات أسقطوا عليها قدسية التدين وما هي إلا جزءا من عناصر الفساد والإقساد من قوى مزيفة لا هي بمنتمية لرجال الدين والدين الحق ولا هي بمنتمية لأحزاب سياسية تحترم القانون وبنية الدولة كونها حامية للمجتمع!

هنا ينبغي لنا تذكير أتباع الحركات الطائفية وميليشياتها ألا ينجروا مجددا وراء لعبة ادعاء المشاركة بالتظاهر ورفع شعارات قريبة جدا من شعارات الحراك المدني لكنها منتقاة بعناية كغطاء للإيهام والتضليل ولتمرير خطى الصراعات واستعراضات أجنحة الطائفية كل طرف يخرج مستعرضا في أسبوع بعينه!

يجب أن يتأكد أتباع أحزاب الطائفية أن زمنها انتهت منذ لحظة انطلاق تظاهرات الحراك المدني فلقد أعلن الشعب التفافه حوال ذياك الحراك الجماهيري الحاشد وتأكد من أنه لم يعد لديه من بديل غير القوى التي برهنت التجاريب على نزاهتها وعلى صواب برامجها في إنقاذه بدل سنوات الشدة التي وضعوه فيها خلف متاريس الانشغال بحروب عبثية أطاحت برؤوس أبنائه واغتصبت حقوقه وحرياته…

إن الحراك المدني لم يقتصر على النزول إلى الشوارع لإنذار عناصر الفساد والطائفية وإلزامها بتنفيذ مطالب الشعب بل توجه لخطاب توعوي للحراك وتعمدت التجاريب يوما فآخر واسبوعا فآخر.. كما دفع بمطالبه مجسدة بصياغات مدروسة من خبرائه ومجربيه…

وهكذا وجدنا مذكرات الاقتصاديين والمحامين والساسة يضعون برامجهم بين أيدي المسؤولين كي يشرعوا بتلبية خطى التغيير الإصلاحية التي تمضي بتراتبية منطقية مبنية على العقل العلمي وأسس يطرحها لمجمل ما انحدرت الأوضاع إليه..

ولهذا السبب ما بقي بين يدي المسؤولين سوى التحرك استجابة لتظاهرات الحراك المدني بانهاء ظاهرة المتاريس الانقسامية والاستعراضات التي تكرر افصرار والعناد وركوب الراس في مواصلة مسيرة التضليل الطائفي .. ومن الطبيعي أن يكون أول الأمر أخذ مذكرات الحراك المدني المخصوصة ببرامج التغيير لتوضع في سياق قرارات إجرائية تنفيذية..

ولمن يتعكز على الدستور أداة للتمترس خلف الحكومة سيكون عليه تذكر أن السمو الدسنوري ليس لنص الدستور .. بكل ما فيه من ثغرات.. بل السمو الدستوري هو لصوت الشعب الذي وضع الدستور لأوضاع بعينها وكان يتعين تنفيذ مواد الدستور في تلك المرحلة..

أما وقد غرقت سفينة المرحلة التي امتدت 13 سنة عجافا فلا يمكن والحال المأساوي الكارثي هذه أن تستمر اللعبة لمصلحة العبث الذي تمارس عناصر الإفساد الإجرامية بحق الشعب .. لابد من الالتزام بمبدأ العودة لصوت الشعب الذي هدر مطالبا بحقوقه وحرياته ولم يعد متاحا التوقف بعقارب الساعة عند صياغة شملت مرحلة سابقة انتهت وقال الشعب قراره بصوت عال : كفى انتهت اللعبة..

تظاهرات الحراك المدني هي تظاهرات التعبير عن صوت الشعب وتظاهرات التي حملت مطالبه وتظاهرات تتميز بمرجعيتها النهائية المطلقة والشاملة اي مرجعية الشعب وحقوقه وحرياته وليس مرجعيات التمييز الطائفي السياسي وقشمريات خطابها التضليلي…

إننا مع مظاهرات الحراك المدني وروحها السلمي ومطالبها المعبرة عن الشعب وحقوقه وحرياته وبالتأكيد ندعو للتنبه على مخاطر دفع القوى الميليشياوية وقوى الفساد بجموع ماسورة لاستعراضات برهنت الوقائع على ضغوط تستغل الاندفاع والروح المرضي الذي اختلقته وافتعلته طوال السنوات التي تحكمت فيها بالمشهد..

نحن على يقين من انتصار الشعب بمظاهرات الحراك المدني لكن بنباهة تتطلب وضع معالجاتها التي أشرنا ضمنا إليها هنا بشان استبعاد قبول الاستعراضات التي تمس التظاهرات وتضعها بموضع الاشتباك وخلط الأوراق تضليلا وتشويشا

تلكم القضية بين مظاهرات الشعب وحراكه وخياره الدولة المدنية وأسسها وبناها وقوانين وجودها حيث السمو الدستوري لصوت الشعب ومصالحه وبين استعراضات أتباع قوى طائفية ميليشياوية بكل ما في تلك الاستعراضات من مزاعم وأشكال وأساليب تضليلية

من هنا فإن التفريق بين التظاهرتين والتعرف إلى واجباتنا الصميم التي يلزمنا ضميرنا الحي تبقى أساس ممارسة كل عراقية وعراقي ينزل الميدان تحت أي ظرف فيتوجب عليه الانضمام إلى تظاهرات الشعب من دون خشية فيما بقاء اي فرد مع استعراضات تتسمى بمظاهرات زورا وبهتانا هو أمر يهدد ذاك الفرد لأنه يضعه بخدمة أبشع ماشهده العراق من نتائج كارثية الجميع يخضعون لمآسيها اليوم..

فهل سيقبل أحدنا البقاء مع هذا التيار المتأسلم كذبا ونفاقا وزورا؟ هل سيقبل أن يبقى مغشوشا؟ ألا يرى ما فيه حال العراقيين من فقر وبطالة ومرض وآلام ومواجع وأوصاب!؟

إذن، فلنحسم أمرنا ولنكن مع تظاهرات تحمينا وتدافع عنا وستنقذنا وتلبي مطالب التغيير الحق

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *