ماذا يجابه المجتمع الأيزيدي في معالجة قضايا المرأة؟ المختطفات المغتصبات أنموذجا للمعالجة

كما كل المجتمعات الإنسانية، يحيا المجتمع الأيزيدي قضاياه الإنسانية في ضوء الظروف والقوانين التي تحكم مسيرته ذاتياً موضوعياً. فذاتياً هناك أمور تتعلق بطابع الهوية والعلاقة بالبيئة المحيطة؛ وهناك إسقاطات تاريخية حتى بشأن التسمية والانتماء وهي أمور تتعقد أو تتلكأ بسبب من هزال الدراسات العلمية التي تتناولها وندرتها.. غير أنَّ المجتمع الأيزيدي له بناه العريقة روحياً ثقافياً ومنجزه التاريخي الذي يحمي الشخصية من الاهتزاز أمام امتحانات الزمن، وما يمكن أن يجابهه في محيطه الموضوعي وتأثيراته، السلبية منها تحديداً..

لقد تمسك الأيزيديون بالانتماء إلى جغرافيا المكان ومحددات واشتراطات القيم الروحية الثقافية. كما تعايشوا عبر الزمن بروح سلمي بنَّاء مع الآخر. وكثرما كانت العلاقات الإنسانية متداخلة قوية متينة مع وجودهم الكوردي وهي كذلك مع المجتمع العربي المتاخم؛ الأمر الذي يمنح فرص أية معالجة لما يجابه المجتمع إمكانات حلول ناجعة في أفق اللحظة ومستقبلها…

لكنّ ما نريد التركيز عليه في معالجتنا هذه، لا يريد الاتساع في القراءة التاريخية السوسيولوجية، بقدر ما يمهّد لقراءة المشهد الحديث وما يجابه المجتمع الأيزيدي في قضية الكوارث التراجيدية التي طاولت المنطقة برمتها، من طرف الاستباحة الإرهابية لسكانها.. والأنكى في هذا، تركيز تلك القوى الهمجية الغاشمة على إلحاق أكبر الأذى بالأيزيديين وطبعا هنا بالأيزيديات وقضاياهنَّ الإنسانية…

إنّه من المفيد هنا التأكيد على أن قضية المختطفات تحتفظ بأولويتها بين مجمل القضايا الأخرى في المجتمع الأيزيدي الكوردستاني. وكيفية النظر إلى هذه القضية تتم من زوايا مختلفة ترتبط بكل تخصص وموضوع يقدم معالجته لها وفيها. ولكن الإشكالية تكمن في أمر آخر هي زوايا النظر المتناقضة بقصد إيجاد الحل أم بقصد استغلال الموضوع والتعكز عليه لاختلاق مشكلات وعقبات لمآرب بعينها!

وعلى سبيل المثال، يقع بعضهم في خطيئة التعميم وولوج المطلق في الحكم تحت وطأة هول الجريمة وصدمتها؛ فينسب ما وقع إلى كل عربي وإلى كل مسلم وهو بهذا عندما ينظر إلى إنسان مثله يؤمن بدين آخر مثلما يؤمن هو بدينه ينسى أنَّ كلاهما أخوة في الإنسانية وكذلك أخوة في الوطن وفي مشتركات الحياة والعيش؛ ومن ثمَّ فهو لا يفرق بين هذا الإنسان المسلم المسالم وربما الضحية مثله وبين الإرهابي الطائفي الذي لا دين له ولا مذهب إلا دين التكفير والإجرام والعدوانية الهمجية المتوحشة.

نجد أخطاء أخرى تُتركب بسبب من تاثيرات سلبية لبعض التقاليد الماضوية، بخاصة منها تلك التي تنتمي لطروحات مفاهيم (العار) بقدر اتباط هذا المفهوم حصرياً بالعلاقات الجنسية وضمنها جرائم الاغتصاب.. تلك الجرائم التي لا تأتي بسبب الضحية بل بسبب عدوانية المجرم ودونيته واستغلاله سطوة العنف والبلطجة في ظلال استباحة أوسع لقوى الإرهاب للميدان الأكثر هشاشة عندما انسحبت (القوات الاتحادية) وتركت حتى اسلحتها للإرهابيين ووضعته بأمرتهم وطوع بنانهم!

إنّ من أوئل الخطوات القائمة اليوم، تكمن في الإسراع أكثر بل بشكل فوري للتوجه نحو المناطق التي تركتها القوات الحكومية، نهباً للفوضى ولاستباحة الإرهابيين واستعادتها وإعادة الأمن والأمان وتخليص المختطفات والمختطقين من قبضة زمر الإجرام وشلل الجريمة.. وتلكم قضية تعني استعادة سلطة القانون ومؤسسات الدولة المدنية بديلا عن إرهابيي التكفير وسوقة المجتمعات وسقط متاعها ممن انضوى بميليشيات الإرهاب.

وقانونيا يجب تقديم كل المجرمين ومن ساعدهم وخدم جرائمهم للقضاء. بدءا بالجريمة التأسيسية التي شرعت من تسليم الموصل والقواعد العسكرية من طرف القوات الاتحادية وتقديم قادة تلك القوات للمحاكمة العسكرية أولا ومن ثم في المحاكمات الجزائية الخاصة بما تعرض له المدنيون من جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية ومنها جرائم الاغتصاب والاتجار بالإنسان. وربما تطلب هذا الاستعانة بالقانونيين الدوليين وبجهات المحاكم الدولية مثلما بسن تشريعات وقوانين تحكم مثل هذه الجرائم بخاصة في ضوء مستجداتها مما ربما لم يجر توثيقه في القوانين النافذة.

أما إنسانياً، فلدينا ردود فعل ونتائج وآثار جريمة بمحاور متنوعة.. أولها تلك التي تتجسد بروح القنوط والياس والاحباط التي اصابت المجتمع المحلي برمته وقبلهم وبشكل أقسى اللواتي تعرضن للاغتصاب، جراء الصدمة النفسية الناشئة عن عدوانية الآخر وطابع ما فرضه من قيم وسلوك. سواء في استدعاء اسواق النخاسة من بطون كتب التاريخ الميت وثقافة مرحلة ظلاميات العيش في الكهوف ومصائبها أم بارتكاب جرائم الاغتصاب فرديا وجمعيا عبر ما يسمونه حلالا بالعبيد؛ إذ أعادوا نظام الرق والعبودية بكل تفاصيله.

ما الموقف من الصدمة النفسية؟ ما الموقف من الأمراض البدنية الجسدية التي اصابت المغتصبات؟ تلكم اسئلة نسجلها بانتظار المعالجة والإجابة. ولكن قبل افجابة أو محاولة المعالجة لنتذكر أنّ موقفا إنسانيا أخر قد نججم عن الكارثة، فمواقف العائلة الصغيرة والبيئة المجتمعية المباشرة وغير المباشرة لها تقاليدها وموروثها السلبي الذي مرت الإشارة إليه ومن ثمّ فإن نتائج بعضها غير معلنة تتبدى تجاه المغتصبات تحديداً.

فما العلاقة في ظل الجراحات النفسية الغائرة عند الضحية وعند أخيها وابيها وامها وأختها وزوجها وأقربائها المباشرين وصديقاتها وزميلاتها ومن المجتمع برمته. إنها مشكلات وتعقيدات اجتماعية ليست عابرة وليست كما المرض البدني يمكن أن يُعطى جرعة دوائية ويشفى.

إن مجابهة هذه المسؤولية تبدأ بتوثيق الجريمة واستكمال إنقاذ اللواتي مازلن في الاختطاف وتحت ضيم جرائم الاغتصاب ليل نهار. ومهمة التوثيق بحاجة لكادر من بلدان متقدمة ومعهم أجهزة طبية ذات مستوى عال من التقنية لتشخيص الآثار التي وقعت بدقة وموضوعية.. وتجنيبا للضحية من أن تقع تحت طائلة الحرج النفسي المضاعف بسبب بدائية الفحص المحلي وارتباطه بمفاهيم العيب وربما التشهير بالعار…

ومن الطبيعي اليوم للصفوف المنتهية من جامعاتنا الكوردستانية بخاصة وأقسام الدراسات العليا أن تبدأ بوضع برامج متخصصة لتخريج من ينبغي أن يساهموا في مسيرة المعالجة الطبية النفسية والاجتماعية. كما يلزم لنا تأسيس مراكز بحوث متخصصة وتوجيه برامجها نحو دراسات فردية وجمعية بما يصب في مسار الحل والمعالجة.

فيما يبقى للجهات الروحية والدينية جميعا من مختلف الديانات واولهم الأيزيدية أن تنظر للموضوع بمنظار ما وقع فعليا كون الجرائم لم تتم إلا بالإكراه والإجبار والقسر مما كان ينبغي للحكومة الاتحادية التصدي لمسؤوليتها في حماية المجتمع من هذه الجريمة ولكنها اي تلك الحكومة مازالت حتى يومنا متلكئة في استعادة ما تركته للهمج من سوقة العصر… إن تلك القوى الروحية لها كل الثر المميز المنتظر بخطابها للمجتمع اليزدي من جهة وفي خطاب كل التيارات الدينية بمختلف الأديان والمذاهب بأحقية الضحايا في الحماية والرعاية وفي التقبل ومنحن فرص الاندماج والالتحاق مجددا بالمجتمع اسوة بالجميع ومن دون تمييز غلا بما يدخل في معالجتهن من الصدمة النفسية ومن الآثار المرضية التي قد يكنّ تعرضن لها جراء الجريمة..

وهكذا سيكون الدور القانوني والروحي والثقافي المجتمعي منصبا على كيفية تجسير العلاقات مجددا، وعلى البحث في ما الحماية القانونية المتاحة والمنتظرة وكيف يمكن إنقاذهن سواء من الاختطاف أم من آثاره ومن اي شكل للتمييز الذي قد يقع عليهن لي سبب. وكيف يمكن توثيق الجريمة للعائدات ولمن تبقى منهن.. وطبعاً كيف يمكن إعادة استيعاب الواقعة بطريقة سليمة لا تتسبب في تناحرات وفي إطلاق صراعات مجتمعية جديدة وثأرية انتقامية تجاه الذات والآخر و\أو كيف يمكن التغلب على القنوط والاحباط واليأس؛ فضلا عن الإجابة عن كيف يمكن التعامل مع حالات الانغلاق وجلد الذات وتحميلها مسؤولية الجريمة التي وقعت كرهاً. وكيف يمكن تجاوز سيرة تفاصيل الأيام السوداء التي جرت أمام أعين الأهل والآخر وكيف ستزال صورها الأليمة، بإعادة قراءة جريمة التنكيل والحكم الحازم على جريمة الاتجار بيعا وشراء وعلى جرئام اختطاف واغتصاب القاصرات والأطفال وكذلك السيدات وعلى معالجة المرتبطات عائليا بأزواج من متخصصي السوسيوسايكولوجي والتعامل مع الحوامل من الاغتصاب بتشريعات تبيح بعض الأمور القانونية في أعمال الإسقاط والإجهاض وغيرهما…

بالمقابل كيف يمكن للإعلام أن ينهض بدوره الثقافي المهم وكيف يمكن أن نعرض بطولات من حرر بعض الأيزيديات من الكورد مثلا وكيف تعاونت قبائل عربية مسلمة بالخصوص واستثماره إيجابيا

إنني لأتطلع هنا إلى قراءة موضوعية لما جرى وتوصيف الجريمة بأساسين:الأول بتشخيصها كونها جرائم ضد الإنسانية ضمنا جرائم الاغتصاب والاتجار بالنساء والبشر وتخريب الديار والمؤسسات والبنى التحتية؛ وجرائم الإبادة الجماعية بما تضمن جرائم التصفيات الجماعية ودلائلها من مقابر جماعية وغيرها. وعلينا الانتباه جديا علىالمعالجات القانونية في ضوء تسجيل مسؤوليات الحكومات الاتحادية والمحلية وحكومة الإقليم وأدوارها في التصدي للمجرمين وفي جلبهم أمام العدالة والقضاء وفي ضوء مسؤوليات المجتمع الدولي من المنظمة الدولية والاتحاد الأوروبي والدول الكبرى بهذا الشأن.

أما الجانب الثاني فينصب على المعالجات الإنسانية بما يتضمن تحرير المناطق \ إعادة الإعمار \ إعادة توطين الأهالي \ ضمان الأمن \ ضمان الأمن الأهلي الاجتماعي  \كبح الجرائم الخاصة بما يسميها بعضهم جرائم الشرف والوقوف مع الضحايا بخاصة من النساء. وتعزيز دور الإعلام في التنوير المجتمعي وتفعيل دور المؤسسات في التفاعل مع مواقف الأهالي ودور معالجة النساء من الصدمات بمرجعية طبية نفسية كما اشرنا بدءا بتوفير مهام التوثيق القائم على أسس علمية وليس انتهاء بتوفير طواقم أجنبية وأجهزتها المتطورة للأداء الفني التقني ولكن ايضا لتجنب التفاعلات السلبية من طرف بعض العناصر مجتمعيا

 

ولهذه المعالجة ومحاورها ما تنتظره من الجامعات ومراكز البحث العلمي والمتخصصين كافة.. فهلا عاجلنا في أداء مهامنا ومسؤولياتنا قبيل استفحال نتائج كارثية تترتب على إهمال الجريمة وعواقبها؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *