الفلوجة والموصل لأهلها وللعراقيين جميعاً وليست لجهة طائفية أيّاً كانت

تواصل أحزاب الطائفية وقواها محاولات إعادة إنتاج نظامها المقيت، وهذه المرة كما ترون تراهن على محاولة تجيير استعادة سلطة الدولة في الفلوجة لتضعها في خانة جهودها المخصوصة وحصراً بميليشياتها التي تُسقِط عليها قدسية دينية مثلما تُسقِط عليها بطريقة العبث الإعلامي واستغلال الحماسة عند بعض شبيبتنا، بطولات وتضحيات هي لأبناء الوطن والشعب من جيش وشرطة ومتطوعين  لمصلحة عامة لا تقسّم الدم العراقي حصصاً رخيصة باسم الجهات الطائفية المتناحرة.

إن انتصار الفلوجة على الدواعش يبقى انتصاراً عراقياً بامتياز وقف خلفه كل المضحين أبطال الوطن والشعب وضمنهم متظاهرو التحرير وساحات الحرية من البصرة حتى الموصل من أجل تحرك الحكومة التي ظلت تناور مستغلة وجود قوى الإرهاب بعبعاً للتشبث بالكرسي حصة وغنيمة فيما هي في هذه اللحظة توجهت إلى هناك بضغط الشعب وإرادته وقراره؛ ولكنها من جديد تريد إعادة إنتاج وجودها ونظامها عبر تجيير المعركة والانتصار لقوى الطائفية من بوابة القدسية التي يتم إسقاطها على الميليشيات بخيمة الحشد والمتطوعين الأبطال والمضحين فيما قادة الميليشيات يركبون الموجة تلو الأخرى مثلما ركب قادة أحزاب الطائفية تظاهرات الشعب السلمية أو حاولوا.. إنّ انتصار الفلوجة والتقدم به إلى انتصارات أخرى لم ولن يتمّ من دون الحراك الشعبي وضغطه ومن دون تعبئة قوات الدولة بمهمة وطنية سامية. وكل أشكال تجيير الأمر لإدامة سلطة الطائفية أو تبييض أوجه كالحة للمفسدين لن تمر ما دام وعي الشعب وبصيرته بأعلى تفتح وانتباه.

 ولكن دعونا هنا من أجل توضيح الأمور وزيادة الانتباه، دعونا نكشف العبث الطائفي ومشابهة ألاعيب اليوم بالأمس القريب.. فبالأمس كنا ضد الطاغية صدام وكان له جيشه (اللاشعبي) الذي شكَّله لأنه كان يشك بالجيش ويحتاج إلى احتياطي يشاغل  به الشعب من جهة ويضعهم بأتون محارقه العبثية ويجيرهم لمصلحة حماية وجوده.. وعندما شك في جيشه (اللاشعبي) اصطنع انتحارييه (فدائيي صدام) إلى جانب قوات نخبته.. ودعونا أيضاً، لا ننسى طابع وآليات مثل تلك التشكيلات وممن كان يجيّشها، حيث (ولد الخايبة!).. وكيف تمّ له ذلك، أو كم من الإكراه والقسوة والدم ومن أي سوقة ورعاع شكّل مجموعات انتحارييه قبيل سقوطه..

حسناً، أية ذرائع أطلقها الطاغية لتجييش ما أسماه (الجيش الشعبي)؟ أليست شعارات بطولية وقومية ووطنية ودفاع عن الحمى فيما هو في الجوهر والحقيقة، مَن أوقع ملايين الضحايا بين قتلى الشعب وجرحاه وأرامله وأيتامه.. وما الفرق بين نظام الفاشية يصطنع حروبه العبثية ويختلق بعبع سحق الشعب بعبثه وبين قوى الطائفية تُطلق الذرائع دفاعا عن الأغلبية التي يشوهونها بأسْرِها خلف متاريس التقسيم ويغلقون عليها بوضعها في خيمتهم وبلطجتهم بتجييش أبناء الفقراء وإرسالهم حتى من دون تدريب إلى حروب خنادق الطائفية المفتعلة المصطنعة بين أبناء الشعب؛ فطائفة مزكّاة يسقطون بالبكائيات والمظالم وهم أول من يقودونهم إلى أتون معارك عبثية بلا طائل…

لماذا لا يتم بناء الجيش وقطعاته وفرقه ومكونات القوات المسلحة والأمن بأسس وطنية؟ لماذا يصرون على الشعارات الطائفية؟ لماذا يمعنون في وحل التسميات والآليات الطائفية حتى بتركيبة الجيش وحركاته؟ لماذا يحيدونه فيضعفونه ويجعلونه في الصف الثاني تدريبا وعتادا وخبرات فيما يضخون الزغيق الإعلامي لمصلحة الميليشيات بمسمى (الحشد الشعبي) وهو ليس أكثر من عبثية للطائفية هي يآليات اشتغالها نظيرة للجيش (اللاشعبي) للنظام  المهزوم؟

حسناً، ليبنوا تشكيلات التطوع ولكن الشرط في بنائها يجب أن تكون في خدمة الجيش وحركاته بأسس وطنية تنتمي للشعب وبظلال راياته المجتمعة في علم واحد للوطن وشعار واحد للوطن ووجود واحد للوطن لا انقسام فيه بين علم العراق يخيطون به أعلام هذه الميليشيات أو تلك بأجنحتها المتنوعة بشعاراتها الطائفية التي لم تعد تستحِ من إعلانها، وتخندقاتها، بعد أن اعتقدت أن الشعب قد تمّ إشباعه بخطابهم وتفكيرهم وبتقسيماتهم الغنائمية (الطائفية)!

إنهم يعولون على الخندقين الكبيرين بين ما يسمونه خندق الشيعة المغلق لهم ولميليشياتهم التي تعتلي سدة التحكم بالدولة وخندق ما يسمونه السنّة وميليشياته المقابلة بغرض تبرير وجودهم عبر اصطناع البعبع النقيض النظير! وضمناً الخنادق الفرعية حسب الحصص التي تكبر وتصغر بينهم أو بين زعماء مافيا الحصص الطائفية بحسب التوازنات في اللحظة المعينة…

أيها السادة من قوى التنوير والدفاع عن حقوق الشعب وطبقاته المسحوقة وفئاته الفقيرة المعدمة، المقدمة أما غنيمة لعبودية السيد الطائفي أو قرابين فداء للاحتفاظ بكراسيهم وتحصين نظامهم وإعادة إنتاجه كلما لاح في الأفق فرصة تغيير بضغط شعبي حقيقي، أيها السادة لا تكونوا بخدمة الخطاب الطائفي السائد ولا تهللوا وتصفقوا بأي دافع أو مبرر مع زعيق القدسية الطائفية وتجييرها تضحيات أبناء الفقراء لمصلحة إعادة إنتاج وجودهم المتهاوي..

بعالي الصوت أقولها: انهوا خطاب الطبقية بين السادة والعامة فلقد تحرر الناس من عبوديتهم ولم نعد بعصر يسمح باستعباد إنسان وإذلاله.. انهوا الخنوع والخضوع ورهن الفقراء قرابين وأضاحٍ لمن يدعي أنه السيد المطاع بتزكية إلهية مقدسة وما لهذا وجود لا في دين ولا شرهة ولا قانون.

إن بعض أفراد في النخبة الثقافية ممن بات يردد بعض مصطلحات من قبيل الحشد الشعبي على حساب الجيش العراقي وقطعاته وعلى حساب الشرطتين الاتحادية والمحلية؛ أو حتى مجرد ترداد أصوات مع جهة ميليشياوية بمجابهة أخرى إنما يتناسى أولئك أن تبني الحشد الميليشياوي غير تبني حشد المتطوعين وهؤلاء هم قلب الوطن وكبد الشعب وروحهما.. بينما لعبة الطائفية اليوم هي ذاتها التي كانت تسمى يوما الجيش (الشعبي) زورا وبهتانا تتكرر الآن بتسميات نظيرة لتلتهم أبناءنا قرابين لقشمرياتهم المرضية بل لكوارثهم التراجيدية..

ونحن نريد للعراق أن يكون كما هتاف الشعب في ميادين الحرية وبساحة التحرير لم تتخلَّ عن هتافها بشعارها الثابت: دولة مدنية.. عدالة اجتماعية. ولم يتغير شعارنا هناك في الميادين التي نتظاهر فيها، فما بالنا ينزلق بعض أفراد منا إلى زعيق الطائفية وهذا حشدهم المقدس وبالتحديد بمعنى ميليشياتهم وقدسيتهم وهم ليسوا سوى المفسد الذي لفظه الشعب بتظاهراته السلمية وفضحه وعرَّاه! هل عند أولئك الأفراد تغير وجه المفسد فصار وجها نورانيا قدسيا عندهم!؟

نحن مع الجيش الوطني ومع كل القوات المسلحة وضمناً متطوعي فقراء الوطن من البصرة حتى الموصل المنسبين إلى الحشد، ولكننا لن نكون يوما مع الميليشيات بأي مسمى كانت. وإذا فرضت الظروف وجودها للحظة تاريخية راهنة، في إطار حسابات عسكرية لوجستية، فإنها لن تستمر.. فالدولة المدنية دولة السلم الأهلي ووحدة المجتمع وبالتأكيد هي دولة المؤسسات لا التشكيلات الخارجة عليها.. إنها دولة المواطنة ورفض الانقسامات والشرذمة والدولة المدنية رفض مطلق للتقسيمات الطائفية وتشكيلاتها ولفلسفة تمييزها بين المواطنين على أي أساس ومنه التمييز الطائفي…

ألم يكتفِ من يطبل اليوم مع زعيق الطائفيين وتطبيلهم وتهليلهم، بالتطهير الطائفي المجرَّم دوليا أمميا وشعبياً!؟ ما بالهم يتناسون الحقائق ويغمضون أعينهم عنها فيما ينحنون للزيف والبهتان وخطابه (المقدس) كذباً؟؟؟ اي قدسية لأي امرئ كان غير التزامه بالقيم الإنسانية السامية النبيلة؟ لا قدسية للمفسدين بلا مجال لاستمرارهم في التسيد على رقاب  أبناء الشعب الأحرار

ولنتذكر أنَّ معركتنا مع الطائفية ونظامها، هي ذاتها معركتنا مع الطاغية الذي انهزم وعلينا أن نستكمل دحره بإزالة أشكال التمييز والقهر وجرائم التطهير العرقي الطائفي.. وبمكافحة آليات الفساد ونظامه العفن. فلا يندفعنّ امرئ مع التطبيل الإعلامي الذي يجيّر الأمور، وتحديدا منها انتصارات الجيش في الفلوجة وما سيأتي، لمصلحة الطائفية

لا تخلطوا الأوراق، لمجرد أن الحرب الإعلامية وغبار ما يثيره الطائفيون من معارك بإطارها قد عتّم المشهد وأثار ضبابية أو تسويقا للعبته وعبثيته. إذا كنتم أنتم الأوعى وقادة التنوير تختلط عليكم الأمور، فما بال البسطاء والأميين والذين وقع عليهم التجهيل وألاعيبه!؟

لنوضح الأمور ونكون الأسطع فكراً سياسياً.. لنرتقِ إلى مستوى نؤكد أحقية البديل (المدني الشعبي) الحقيقي وليس كل قشمريات من يريد سرقة الفكر وسلامته وصوابه بمجرد خطاب يتعمم ويتسربل بألفاظ فارغة تزويقا وتعتيما وتضليلا.

ولننتبه على إشكالية المصطلحات وما تعبر عنه بجوهرها. ولنتأكد أن خطابنا إن لم يكن مستقلا واضحا فلن يكسب جمهوره بل سيساعد أعداء هذا الجمهور على تضليله وعلى أسره واستعباده!

إن تفكيك الخطاب الطائفي بات واضحا للفقراء الذين مازالت انتفاضتهم مستمرة منذ 31 تموز يوليو 2015 حتى يومنا بل منذ 25 شباط فبراير 2011.. ولهذا فملايين الفقراء والعاطلين ممن فقدوا أعمالهم بخراب الاقتصاد والبلاد ، كلما وجدوا تردد النخبة وتشوّش رؤيتها انفضوا من حولها وتحجّمت ميادين التظاهر ولكنهم يلتفون حول الخطابات الوطنية الواضحة بمحدداتها واشتراطاتها حقوق الفقراء ومصالحهم وتطلعاتهم.. خطابات إنقاذهم من استعباد الطائفيين المفسدين ونظامهم الاستغلالي الأبشع في تاريخ البلاد والعباد.

إنّ الفلوجة ليست خندقا طائفيا بين جناحي الطائفية المحتربين لاقتسام العراقيين. بل هي معركة فرضها الشعب على الحكومة وتشكيلات قواتها لتستعيد ما ساهمت بمنحه لقوى الطائفية الإرهابية ولجرائمها. وهي بهذا خندق الشعب ضد أعدائه من الطائفيين والإرهابيين والمفسدين ونظامهم القائم على اختلاق التخندق والانقسام وآلية البعبع المتوهَّم.

إن الفلوجة لمن لا يعرفها واحدة من مدن العراق النموذجية التي يتعايش فيها السني والشيعي عبر تاريخها وفيها عوائل مركبة من الانتماء للمذهبين وتاريخها مشهود له بالوطنية العراقية. وهي لن تكون يوما مطية لطائفي من أي جناح كان. وهي مثلها مثل الشعب العراقي ووحدته في احترام تنوعه

لا يمكنكم خلق خطابات التضليل وفرض تصديقها.. فماذا نقول للعائلة المكونة من سني وشيعي، أنقول لهما: تخندقا أنتما أيها الأخوان ضد بعضكما! قد ينجح زعماء الوهم الطائفي بنداءات زعيقهم أو خطابهم المرضي، مع عراقي وآخر لدواعي استغلال ظرف بعينه ولكنهم لن ينجحوا في مدينة هي من عائلة واحدة وإن تنوعت فيها المذاهب، فتلكم هي هوية الوجود المدني للدولة ولمؤسساتها انعكاسا لمجتمعها؛ ومن ثمّ لن ينجحوا مع عراق متمسك بهويته لمصلحة أبنائه…

وفي ضوء ذلك نؤكد أن معركة الفلوجة وما سيليها يحمل عاليا راية بديلنا ممثلا مجسداً في دولة مدنية بأسس وطنية وبتشكيلات فديرالية تعمق النهج الديموقراطي؛ بخلاف دولة الطائفية التي لا وجود فيها للديموقراطية وجوهرها القائم على المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية ذياك الجوهر المنسجم مع الدولة المدنيةي وحدها ولا غيرها.

إنَّ الموجود في نظام الطائفية يشبه تماما من حيث جوهره الاستغلالي نظام الطاغية ودكتاتوريته.. وللحكيم وصاحب العقل العلمي أن يتمعن في المسار والخطى والآليات وليناظر بين النظم الاستغلالية ويتعظ مما يجري…

فلتكن الفلوجة والموصل طريقنا إلى دولة مدنية بديلة، تحرر الشعب من الاستغلال والاستعباد وكوارث الفساد، لا طريقا لدويلات الطوائف المحتربة التي تعمق الشرخ والتخندق ومنطق الاستعداء المفروض كرها على العراقيين، الأخوة في وطنهم عبر عشرة آلاف عام من الوجود والحضارة وعبر مائة عام من دولة خاض الشعب العراقي مسيرة العطاء فيها والنضال المتصل المستمر ليصل إلى دولته المدنية لا إلى قشمريات زعماء الجهل والتخلف وعقلية الخرافة والتضليل الفارغة من كل قدسية مدّعاة مزعومة..

والعاقل يفهم ويدرك.. يا أبناء الوطن الواحد الذي يجب أن يخدم أهله وشعبه وتعدديته وتنوعه بالنظام الذي ينتمي للعصر والحداثة ولتقرير المصير ..

ومعا وسويا نقرر المصائر بسلامة وبما يخدم الشعب ولتزل العتمة من بصائر الجميع ولنتمسك بمواقفنا ونتخذ أفضل سبل الوصول إلى الهدف السامي النبيل من دون تكرار لأخطاء تزيد العثرات والتضحيات، ولا مجال لهذا سوى باستقلالية خطابنا ووضوحه وسلامة مفرداته.

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *