كتاب للناقد التشكيلي الفنان الأستاذ عادل كامل يتضمن جملة معالجات وأصوات متعددة تتناول مادتها بشفافية تجسد المنجز الفني وكيف يحتل مكانته موضوعيا.. ألواح سومرية معاصرة تنشر الكتاب تعزيزاً للفائدة وبناء على ما ورد من الأستاذ عادل كامل مشكوراً. قراءة ممتعة مفيدة وأهلا وسهلا بتفاعلات نقادنا وتشكيليينا وبجمهور المتابعة لموقعنا
في المكتبة الجمالية
ذاكرة التشكيل الحديث في العراق
[محمود صبري .. حياته وفنه وفكره]
عادل كامل
بالقدر الاستثنائي الذي اتسمت به بلاد وادي الرافدين على ابتكار الحضارات، وتأسيسها، منذ فجر السلالات في سومر، مرورا ً بأكد، بابل، الحضر، وصولا ً إلى العصر الذهبي التي عاشته بغداد، إبان الدولة العباسية…، فإنها امتلكت قدرات استثنائية أيضا ً لم تعمل إلا عمل الكوارث، والنكبات، على الهدم، التخريب، حد المحو…
وسؤال كهذا لا يشكل مفارقة، أو جزءا ً من الجدل، بل لغزا ً يماثل جبروت الموت الذي ما أن يبلغ ذروته، حتى تتصدع قسوته بانبثاق امتدادات تذهب ابعد منه…! فالكثير من المعالم، والشخصيات، والعلامات الإبداعية، توارت، مثل عاصمة أعظم إمبراطورية في الشرق القديم، أسسها سرجون الأول، واعني بها: أكد.
والأمر لا يكاد يختلف، مع الرموز التي ظهرت خلال فترة نشوء حضارة العراق الحديث، بعد 1921، وانتهاء ً بعام 1958؛ الفترة الأكثر خصوبة ببلورة تدشينات العصر (الحديث) في شتى المجالات، من الطب إلى القانون، من المسرح إلى علم الاجتماع، من الشعر إلى النحت، من الرواية إلى المعمار، من الرسم إلى الموسيقا …الخ، وكأنها كانت ومضة وهم!
ولعل كتاب الدكتور حمدي التكمجي [محمود صبري ـ حياته وفنه وفكره](1) شكل إضاءة للحفر في مخبآت احد الشخصيات الإبداعية التي كادت تكون بحكم المجهول، وسط الدمار المولد للدمار، وداخل أتون دوامة من الفوضى المولدة للفوضى، والعنف الذي لا ينبت سوى الكراهية للتحضر، وللإنسان، وللجمال، خلال العقود التي عشناها بعد 1958…، ربما هناك القلة التي تعرف من هو محمود صبري، من كبار السن، زملائه، حتى أن باحثة عربية عندما اختارته نموذجا ً للفنان المنظر، لم تجد ما يكفي للإيفاء بانجاز دراستها العليا، لفن محمود صبري…، لكن الأستاذ د. حمدي التكمجي، في هذا السفر، فانه عمل كمن عثر على (أكد) وسمح لنا أن نصدق إنها مازالت شامخة!
ففي هذا المنجز ـ السفر كما قلت ـ لم يتوقف المؤلف عند محمود صبري، المفكر، الإنسان، الفنان فحسب، بل النموذج الرائد لجيل تكاد منجزاته تغيب تماما ً حتى بوصفها بقايا آثار…! فالجهد ألتنقيبي، وجمع الصفحات المنسية، المجهولة، المتناثرة، والرسومات التي تنشر للمرة الأولى…، شكل أس هذا الكتاب، ليس وفاء ً للرائد محمود صبري، وتكريمه بعد رحيله حسب، بل ترسيخا ً للمفهوم ذاته الذي عمل عليه محمود صبري، وجيله. ولعل الشهادات الكثيرة (2)، من نصوص كتبها الفنان وأخرى تناولت مسيرته الطويلة (1927 ـ 2012)، وريادته، والكفاح الذي شكل واحدا ً من أكثر خصائص الإبداع العراقي: التنوع ـ إنما ـ نحو عالم لا يرتد إلى عصور ما قبل التاريخ، والى محاكم التفتيش، والحروب المستحدثة عنوة، بل كي تتشكل الحضارة بتعددية روافدها، إبداعاتها، اجتهاداتها، ورياداتها الخلاقة…(3)
ومن بين فصول الكتاب، كنت كتبت الإشارات التالية:
محمود صبري
رائد الواقعية ـ التعبيرية في الرسم العراقي الحديث
يجدد رحيل محمود صبري، مسيرته برمتها، إن لم اقل: ميلاده. وهذه ليست مفارقة، بل مناسبة لاستعادة رؤيته ـ وتطبيقاتها، منذ حفر في ذاكرة الإبداع العراقي أصول تجربته الرائدة، ودلالاتها. فهو القطب المكمل، وليس النقيض لجيل أدرك كم هي توازنات الحقب، والمفاهيم، والأساليب، لن تحقق أصولها من غير ريادات، كريادة جواد سليم، والدروبي، وفائق حسن، إلى جانب مهارة محمود صبري، في أغناء مفهوم التجريب، في تنوعه، وتعدديته، وليس في انغلاقه.
فعقد الخمسينيات، في العراق، الذي اقترن بزمنه الريادي، شهد ولادة تدشينات فنية تحدث للمرة الأولى؛ تجارب شابة، ولكن بتجريبية أهلها أن تحافظ على ديمومتها.
فبعد تجارب الرعيل الأول، المولود في الربع الأخير من القرن 19،والذي تلقى تدريباته غير الاحترافية، ضمن دراساتهم كضباط في الجيش العثماني، تسلل الفن الحديث، عبر عبد القادر الرسام، محمد صالح زكي، عاصم حافظ، والحاج سليم، إلى جيل كان يتطلع لبناء مصير تتحقق فيه معادلة دمج، أو صهر، أو تركيب الأصول الكلاسية ـ التقليدية ـ مع رغبة توازي ثورات الفن الحديث.
في الرسم، وبعد تأسيس أول جماعة فنية ذات أهداف محددة، واعني بها، الجماعة البدائية (s.p)، التي حملت اسم (الرواد) بزعامة فائق حسن، والجماعة المنشقة عنها، بحيوية الاختلاف، واعني بها جماعة بغداد للفن الحديث، بزعامة جواد سليم، يكون الرسم الحديث في العراق قد أسس نشأته، للمرة الأولى، دامجا ً كل ما تسلل إليه من تجارب الواسطي، والمولوي، وحداثات الفن الأوربي، لبلورة ما سيشكل هوية جيل الخمسينيات، برمته.
محمود صبري، لم يختر جواد سليم، الأكثر راديكالية، بل اختار واقعية فائق حسن، بتعديلات نقدية صاغت الوجه المغاير لمفهوم الترف في الفن.
فلم يكن أسلوبه تطبيقات لنظرية محددة، خالصة، بل استجابة لنزعته الواقعية ـ التعبيرية، المتأثرة بالفكر الاشتراكي، الماركسي، لبلورة النزعة: الواقعية الانتقادية، وليس محاكاة الطبيعة، أو الأساليب التقليدية.
فموضوعات: الشهيد، والعوائل المشردة، والفقر، انفرد فيها وحده، بتعبيرية استقى أصولها من وعيه المبكر بالظلم الاجتماعي، الذي يرجعنا إلى أصول سومرية سحيقة، إلى جانب وعيه الاجتماعي ـ السياسي، المبكر للتحرر الوطني.
فلم يخف نزعته اليسارية، في رصد معالم حياة هيمنت عليها قرون طويلة من الركود. فالتعبيرية، هنا، ليست نزعة ذاتية، إلا في حدودها الجمعية.
إنها واقعية منحها لا وعيها كأسلوب لم يغب عنه التشخيص: نسوته المدثرات بالسواد، وعالمه الجنائزي الشبيهة بمشاهد دفن ديموزي ـ معاصرا ً ـ ووجوهه الكالحة التي لم تفقد لغز حضور الإنسان ـ وغيابه، ما هي إلا تفصيلات لريادة تزعمها محمود صبري، بجوار دراساته النقدية، لعالم انقسم ما بين ماردين: الأمريكي والسوفيتي، وهو يرى ان الفن ليس مرآة، أو زينه، بل منظومة علامات، ومشفرات، لا يمكن عزلها عن واقعيته ـ التعبيرية.
ولكن لماذا، بعد عقد أو عقدين، سيدشن واقعية الكم، وهي نظرية تستند إلى تحليل درجات ـ وحركات ـ كل لون، وإعادة تركيبها وفق هذه المعادلة. فانا اعتقد إنها نزعة بحث لاستكمال احد أبعاد الفن: خروجه من البعدين، نحو المجال الذري ـ وربما ـ نحو اللا مرئي.
محمود صبري، كرسام وكمنظر، ليس مكملا ً للأسماء الرائدة فحسب، بل منهجا ً قد نجده ينبثق، عبر التشخيص أو التجريد، كي تستعيد الواقعية تجددها، وليس بصفتها محاكاة، أو انعكاسا ً، بل جزءا ً من عالم يولد فوق أنقاض حتميات الهدم.
- الجانب ألتنظيري في تجربة محمود صبري
بالرغم من أن محمود صبري لم يضع نظرية فنية خاصة ، خلال السنوات الأولى من حياته الفنية ، إلا انه استطاع أن ينقد ، ويشخص ، طبيعة الواقع التشكيلي في العقد الخامس . أي في هذه المرحلة التي رسم فيها أفضل أعماله ذات البعد الاجتماعي والسياسي ( الشهيد / ثورة الجزائر) ومن يراجع كتاباته في تلك الفترة يلاحظ انه استطاع ان يشخص عدة مشكلات أساسية . فمقاله بمجلة الآداب عام ( 1956) يكشف عن اختيار لأفكار فنية واضحة المعالم وذات بعد أو انتماء اجتماعي . ومحتوى تلك الأفكار يتحدد من خلال نقد محمود صبري للفن الأحادي النظرة . كما دعا لضرورة أن يكون الفن معبراً عن الخصائص الروحية للشعب ، ولقضاياه الحاسمة . وللأسف ان محمود صبري لم يبلور أفكاره بشكل واضح كما فعل جواد سليم أو شاكر حسن ، ولكن هذا لا يعني ، انه لم يحقق . في العديد من أعماله وأعمال الآخرين ، بعض التأثيرات المهمة ، ولعل أبرزها ظهور الاتجاه التعبيري والتعبيري النقدي في الفن .
وفي العقد السابع ، يجيء محمود صبري بنظرية » الكم « . وقد ، كتبت بديعة أمين ، دراسة نقدية رائعة حقاً عن هذه النظرية في آفاق عربية ، عدد (7) 1977 ، تقول الكاتبة :
» ينطلق صبري من مفهومين علميين يتخذهما أساساً لإعادة صياغة التعبير التشكيلي في العصر التكنونووي . الأول : وهو المفهوم الذي يلغي صفة سكونية المادة وكونها شيئاً جاهزاً ، ويعتبرها نظاماً من العمليات . والمفهوم الثاني ينطلق من اكتشاف اينشتاين الذي يقول ان الطاقة هي شكل من أشكال المادة ، وهو ما يعبر عنه في المعادلة (ط = ك س .)« . وقد تبدو هذه النظرية غريبة إلى حد ما . لكن محمود صبري الذي يعتمد على أسس علمية ، فيزياوية ، يحاول ان يغني التجربة الجمالية والفنية برافد جديد في الرؤية والمعالجات التي تناسب تطور الحياة في نهاية هذا القرن . ومهما كان نجاح أو فشل هذه النظرية ، فإن محمود صبري يبرهن على شجاعته في اكتشاف مجال غير مرئي في وضع نظرية جديدة .
الريادة وتدشينات الخطاب النقدي
[ من الواقعية التعبيرية إلى واقعية الكم]
توضّح بعض المناهج الديالكتيكية، أو تفسر، أن الجهد الخلاق للفنان، لا يتضمن فراغات أو فجوات بين وظائفه المحددة والمباشرة، وبين التي تحمل تشفيراتها، وضمنا ً، الرمزية، ذات الصلة بالأبعاد المكملة للأولى، كالأبعاد الجمالية والتعبيرية. فالرؤية الجدلية، قبل ان تغدو أداة للتأمل، والتعبير، كان لها أثرها في المنجزات الفنية البكر: الدمى الطينية والفخار والرسومات، وكل ما هو مركب من العنصر والوسائل بما يتمثل ديناميته في الإرسال.
فالمنجز الفني ليس سلعة محض تنتهي عند الاستهلاك، فثمة ما هو ـ في المنجز الإبداعي ـ يستمد ديناميته لا من الطبيعة أو الحياة الاجتماعية او من الفنان نفسه فحسب، بل ومن الخصائص البنيوية للمنجز الفني وعمله الداخلي. على أن ما يتضمنه النص من تجاوز الغايات ـ بصفتها سلعة عليا أو مرمزة أو مثيرة للأسئلة ـ والتقنيات المتجددة ـ الحديثة وصولا ً إلى الحداثة بصفتها لا تتحدد بزمن أو مواصفات نهائية ـ تمكث اشتغالات تماثل في عملها عمل الهندسات الجينية في حفظ النوع لا على حساب الفرد بل لأجله وهو يحقق وجودا ً انطولوجيا ً واجتماعيا ً لا ينغلق عند دلالات المنجز أو مقاصد المبدع أو عند زمن محدد، بل يمكث يعمل مقاوما ًمفهوم السلعة ووظائفها الاستهلاكية. فالمخيال النائي ـ والعنيد ـ عند عدد قليل من المبدعين لا يستمد انشغالاته من المتاح له ـ آليا ًـ من المجتمع أو العالم الخارجي، أو من خلال الفرد الفنان، وإنما بفعل ما هو غير قابل للانغلاق، وربما التفسير. تاركا ً النصوص تقاوم أن تتحول إلى (شاخص) لمخلفات مندرسة، أو تم استبعادها بعوامل الحذف والإضافات ، أو الاستهلاك والبحث عن (جديد) يوازي مهارات تكيف عدد من الأنواع إزاء الكوارث أو الهلاك.
هذه النصوص الموازية لظهور الحواس والدماغ، والرهافات والحدوس لا تخص نبضات القلب وحده، بل ستخص التعريف الأخير للحياة ( وقد تداخلت مع صياغات لغوية لدلالة الحياة الدينامية والمشفرة ) ذاتها وبما تمتلكه تلك النصوص من محركات مضادة للسلعة أو لمفهوم النفع. بمعنى: كل ما هو غير قابل للاندثار والزوال. وليس من الصعب تأويل اللغة التي منحت تلك النصوص سمة (الخلود) أو (المقدس) لاشتغالها بأبعاد روحية أو ذات صلة بقضايا ميتافيزيقية. على ان حدود اللغة وتمثلات الذهن كلاهما سيكمنان أو يختفيان في النص وليس في نظام اللغة. لا لأن الأخيرة ـ وهي تكتسب تلك الصفات ـ تستمد ديناميتها من الفن بصفته يتضمن ما هو غير قابل للغياب، أو الاندثار.
هذا التمهيد لم يغادر ذهن أو رؤية الفنان الرائد محمود صبري، في عقد، تمت فيه إرساء الريادة الإبداعية في العراق. ففي خمسينيات القرن الماضي، تضافرت سلسلة من العوامل سمحت لفنان كمحمود صبري ان يبلور رؤيته وأفكاره وطريقته في الأداء الفني، لم تجعله احد رموز التشكيل الحديث في العراق فحسب، بل نموذجا ً للتحديثات الأخرى، ونصوصا ً لم تفقد طابعها الجدلي لا على صعيد الموضوعات أو طرق المعالجة أو قضايا الالتزام في الفن وحريته، بل على صعيد ظاهرة (حداثات) أوربية كبرى لم تترك تطبيقاتها إلا ضرورة لصهرها بمحركات الأثر والذاكرة معا ً. فقد حدد صبري مفهوم الهوية لا بعلامات جمالية أحادية، زخرفية، أو تزيينية ـ بصفتها سلعة باذخة ـ وإنما، على العكس ـ كما دوّن ذلك وأعلنه على الصعيد النظري إلى جانب نصوصه الواقعية التعبيرية ـ بصفتها علامات نهضة حضارية وطنية وإنسانية، وبما تمثله من وعي لخصه فنيا ً، قبل ان يغادر بغداد (1963) وقبل ان يغامر باختيار أسلوب مغاير، في نظرية (واقعية الكم).
* في الرؤية: ملامح النقد
منذ أرسلت الدولة العراقية البعثات الفنية في فاتحة ثلاثينيات القرن الماضي، وخمسينياته، دشنت شروط بناء تصورات التحديث: فكانت الريادة قد أرست بعض مفاهيم التحديث الفني.
1 ـ السفر إلى أوربا والعودة منها بمفاهيم تؤسس لحضور الفن في المجتمع العراقي ـ والبغدادي تحديدا ً ـ بعد انقطاع قد يرجعنا إلى نهاية الإمبراطورية الأشورية، دون إغفال ظهور تجارب استثنائية إبان العصر الذهبي للدولة العباسية.
2 ـ تأسيس مراكز للفن: معهد الفنون الجميلة (1939 ـ قسم الرسم) وجمعية الفنانين التشكيليين (1956) بعد ظهور التجمعات والجماعات والمشاغل الفنية.
3 ـ ظهور الفن كعلامة مواكبة لمفهوم التحديث، والعمل على بناء حياة لا يمكن فصلها عما يجري في أوربا ـ والعالم. فالفن لم يعد في حدود الأشغال اليدوية والشعبية، أو محض مرآة اجتماعية أو إضافات تزيينية حسب، بل كل الذي سيشكل اختلاف الاتجاهات الفنية في بلورة مفاهيم (التحديث) وصولا ً إلى (الحداثة) في التشكيل العراقي.
في هذه السنوات ظهرت نصوص محمود صبري، إلى جانب تجارب جواد سليم وفائق حسن وخالد الجادر وحافظ ألدروبي وعطا صبري وأكرم شكري وفاضل عباس وشاكر حسن وإسماعيل الشيخلي.. نصوص توضح رؤية صبري للفن/ ومدى اختلافها ـ نظريا ً وتطبيقيا ً ـ عن التجارب الفنية التي سادت بعد تبلور ثلاث أهم جماعات فنية في بغداد.
ومع أن محمود صبري، لم ينتم إلى جماعة بغداد للفن الحديث، إلا انه عمل في سياق شعار عام كان جواد سليم قد بلوره: استحالة القطيعة مع الذاكرة الفنية، وعدم إغفال روح العصر ـ وهو الذي شكل محور التوازن بين الموروث والمعاصرة. وهو شعار عام كان يتكرر عبر القارات غير الأوربية، وقد تأسس، بالدرجة الأولى، ضمن وعي يجعل الانغلاق (المحلي) موتا ً، خارج عواصف أوربا الزاحفة في العالم، واستحالة تجنب عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ضمن الاتجاه (الكوكبي) للاقتصاد والثقافات بتنوعها حد التصادم.
على أن انتماء محمود صبري إلى جماعة (الرواد) لم يأسره أي مفهوم من مفاهيمها المعلنة إلا بما سيغذي منهجه: التنقيب في العلامات الاجتماعات، والتحرر من الأشكال السائدة للفن، والعودة إلى منطق: البدائية المعاصرة. عدا ذلك فان الفنان صبري كان، في أعماقه، هو الآخر، كجواد سليم، لا يبحث إلا عن صياغة حلول تحافظ على الفن بعيدا ً عن أن يكون سلعة، أو ترفا ً. الامر الذي وضحه، برؤية انتقادية مثلت تيارا ً مغايرا ً لبوادر ظهور حرية (السوق) ـ عبر جذور غير مخبأة للعولمة ـ في تجارب عدد من الفنانين. إن هذه الرؤية سمحت له بالبحث بعمق عن اثر العوامل المكونة للأشكال (العلامات وأنساقها ومحاكاتها) بوعي جدلي، ومكانتها في الوعي المعرفي ـ الاجتماعي العام ـ أو على صعيد النخبة الثقافية.
فقد شخص محمود صبري (علاقة الظاهرة بمكوناتها، ومن ثم، تحدث عن دور الفن بصفته وعيا ص جدليا ً ـ وتقدميا ً.
فالنقد الذي وجهه إلى الفنانين ـ المؤسسين للريادة ـ لم يكن عاما ً، بل تحدث عن العاصفة الرأسمالية برموزها ومراكزها، كما تحدث عن دورها في ظهور أساليب فنية تجعل من الفن سلعة، بحثا ً عن واقعية غير مبتذلة، وإنما عن واقعية ـ عبيرية ـ انتقادية، لها أصولها في الموروث القومي/ الوطني/ والعالمي. فالوعي النقدي لمحمود صبري، انحاز لمفهوم: الإنبات. فقد وجه نقدا ً لاذعا ً للمراكز الثقافية الأجنبية التي كانت تستقطب رواد الفن، نقدا ً لمفهوم الفن ـ بصفته سلعة جمالية، زخرفية، سياحية، وتأثيثية تلحق بالقصور ـ حديثة التكوين. وفي الوقت نفسه، أنجز سلسلة من النصوص تطبيقا ً لرؤيته الجدلية.
هذا النقد، لم يذهب بلا اثر. فقد ظهرت تجارب غير قليلة لدى زملائه استلهمت الموضوعات الاجتماعية، وموضوعات الاغتراب. فصّور إسماعيل الشيخلي كوارث الفيضان، واسلهم جواد سليم، برهافته، موضوع السجين السياسي، مع تمهيدات تبلورت في نصب الحرية، كما رسم شاكر حسن لوحة الوثبة، إلى جانب استلهام البيئة، وقضايا المرأة، والأمومة، والرموز الوطنية. كان ذلك قبل نهاية العهد الملكي (1058)، حيث اشتغل الفنان ـ إلى جانب استلهامه قوانين الديالكتيك، واستذكاراته لموروثات عراقية خاصة بالشرائع والملاحم والفنون. كلها انصهرت عنده لبلورة سياق: الإنبات. فالنقد الذي دوّنه لم يهمل نقد الاستعارة حد الاستنساخ، او المحاكاة، وتكرار الأشكال السائدة تكرارا ً يفقدها دلالتها، لا الواقعية التعبيرية فحسب، بل الجمالية. وهو النقد الذي تبناه في تجاربه الفنية. إن إعادة دراسة تلك السنوات، توضح، أن الوعي النقدي لمحمود صبري، لم يتخل عن (التحديث) بصفته ملازما ً لحياة لا ترتد أو تتمسك بشواخصها. فالحد الأدنى للديمقراطية، على الصعيد الثقافي/ الفني، التي أسهمت ببلورة ريادات في الشعر عند السياب والبياتي ونازك الملائكة، وفي الرواية عند غائب طعمة فرمان، وفي المسرح عند حقي ألشبلي ويوسف العاني وإبراهيم جلال، وفي الغناء عند عزيز علي ..الخ كانت بأسرها تنتمي إلى جيل من اليسار لم يتخل عن واقعيته وأثرها في الأساليب المغايرة. فقد كانت أفكار محمود صبري، بالانحياز إلى نقد (الظلم) بأشكاله كافة ـ كرؤية فنية ـ قد مدت جسورها مع الواقع، في نقده، وفي صياغة بدائل تنتمي إلى ظاهرة التحديث. على أن نقده لتيارات محددة في (الحداثة) سمحت أن يختار منهجا ًً لم يستعره من التجارب اليسارية المعاصرة فحسب، بل وجد جذوره غائصة في أقدم النصوص الفنية. فالفن ذاته امتلك خاصية الديمومة لصلته بمفهوم (حداثة) مغايرة لمفهومها (الزمني)، بمعنى أن حداثته امتلكت (تقدميتها) كتعبير عن انشغال كلي ـ انطولوجي واجتماعي ـ في مواجهة الاغتراب بأشكاله الفلسفية والعملية، وهي التي لم تصبح محض مهارات أو جماليات أحادية. هذا (النقد) مهد لظهور تطبيقات معدلة لرؤية المشهد في شموليته، بعيدا ً عن النزعة التي سادت، وقيدت بعض الاتجاهات بالحداثات الشكلية.
* دحض السلعة وواقعية التعبير
هل اختلف محمود صبري، في رؤيته، عن النزعة الشكلانية، وفن الصالونات؟ توضح رؤيته الفنية، والفكرية، ونصوصه انه ـ هو ـ أول من أدرك ـ قبل 1958 ـ انه إزاء نظام مركب من عناصر غير مؤتلفة أو متجانسة. ذلك لأنه شخص، وفي وقت مبكر، إن (الرأسمالية) لا تستلب أصحاب المهن الرفيعة، كالأطباء أو المهندسين أو أساتذة الجامعة ..الخ وتحولهم إلى مغتربين فحسب، بل تسلب الفن والفنان حريته ونبضه الديالكتيكي. وكانت عملية نقد (الاستلاب) في نظام قيد التبلور، منحه رؤية عميقة لنقد: عدمية لا تجد تمثلاتها إلا عبر الاستهلاك المحض. لكن محمود صبري لم يكن يرى في تحول الكائنات إلى (سلع) إلا محفزا ً للتمسك برموز الحياة: عدالتها ـ على الصعيد الاجتماعي أو السياسي ـ فالفنان ان لم يتمتع بهذا الوعي، وإن لم تنجده موهبته وفطرته الفذة ـ كما اشتغلت عبقرية منعم فرات البدائية إزاء العصر ـ سيعزل السلعة عن مخفياتها أو محركاتها النائية. وهي إشارة عبقرية لكارل ماركس الذي لم يقيد الحتميات بصياغات أبدية، كما لم ينظر للسلعة بصفتها نتاجا ً آليا ً للجهد فحسب، وإنما لما تمتلكه من ميتافيزيقا، لكن ليس كفلسفة قمع، بل لتأمل عميق وناء لعدمية خلاقة.
كما أعاد الدكتور التكمجي نشر عدد من مقالات محمود صبري، منها التي نشرها في أوائل خمسينيات القرن الماضي:
مشكلة الرسم العراقي المعاصر
محمود صبري
مقدمة:
تمر الحركة الفنية في العراق الآن بمرحلة أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها مرحلة انتقالية قلقة. ففي غمرة التحول الاقتصادي والاجتماعي والفكري الذي يمر به العراق تحاول الحركة الفنية جاهده تثبيت بعض الأسس والتقاليد لاتجاه يعكس بالشكل والمضمون الأوجه المختلفة الظروف هذا المجتمع.
ويبدو أن انعدام الاستقرار هذا يكمن في جوهر المشكلة بالذات، فالقلق الفكري والاجتماعي الفردي والظروف السريعة التبدل والمناقشات والمجادلات الفنية العنيفة والعناصر المندفعة الطموحة أن هي إلا علامات مقنعة لأصول مادية ملائمة لخلق حركة فنية عظيمة.
ففي بغداد، هذه المدينة التاريخية حيث لا يزال الفنانون القدامى على استعداد لسرد تفاصيل الأوضاع التي انبعثت منها أسس الحركة الفنية المعاصرة وحيث لا يزال معظم أولئك الذين ساهموا في خلق الأسس أحياء يزقون – في هذه المدينة بالذات – يندفع نفر قليل من الفنانين، أفراداً وجماعات، في وجه ظروف صعبة للغاية لتحقيق أهداف يعتقدون بها وبأفضليتها. وإذا كانت هناك بوادر مشجعة فعلاً فأنها تنعكس في هذه الاتجاهات العديدة المتضادة التي تبناها مختلف الفنانين، وفي هذه المناقشات والمجالات الحادة المتبادلة بينهم. أنها دليل على حيوية هذه الحركة ونشاطها.
وبالسرعة نفسها التي سار عليها التحول الاقتصادي والاجتماعي والفكري في العراق، سار التيار الفني ببطء وهدوء في السنوات الأولى، ثم بعنف وشدة في السنوات القليلة الماضية فلم تعد المعارض تضم معجبين حياديين فقط.
لقد أزداد عدد المتذمرين بشكل ومضمون الفن المعروض، ولم تعد الغاية هي الكمية والحجم والتقيد الشكلي بالطبيعة، بل أصبحت الغاية النوعية والتركيب والتعبير عن الطبيعة. وهكذا أصبح هناك أنصار وخصوم لهذا الفنان أو ذاك، وأخذ المفاهيم تتبلور ببطء عن مختلف الجماعات الفنية مثبتة بذلك أولى بوادر تكوين الجمهور الفني .
وضمن الجماعات الفنية نفسها تجد التناقضات ذاتها تعمل في هدوء حيناً وفي عنف حيناً آخر، مؤثرة في الإنتاج العام لكل منها. لقد أضحى هناك نوع من الحاسبة الفنية، وأصبحت لكل جماعة تقريباً تقاليدها العامة والخاصة بها ومفاهيمها عن الفن وأهدافه. وباشتداد قوة الحياة الاجتماعية أخذت تظهر الأعمال الفنية وهي تعكس مسحة من هذه القوة الاجتماعية في شكلها ومضمونها. أن مفاهيم الجمال نفسها أخذت تتغير بحيث أصبح هناك من يجد في هذه التعابير القاسية مجالاً ومتعة. وتدريجياً أخذت تظهر تزييفات الانعزال الحسي والفكري. أن مجتمعنا مليء حافلة بكل شيء، بالجمال والقبح، بالهدوء والعنف، بالبساطة والتعقيد، بالقسوة والرحمة، بالفورة والفاقة. كل هذه المتناقضات قائمة وهي تتجسم يوماً بعد يوم ويصطدم الفنان بها في رواحه ومجيئه، ولهذا فإن أراد ينتج شيئاً تنبض فيه الحياة أو يعكس بصورة صادقة هذه الأوجه من مجتمعه، فالمجال يسير أمامه. غير أن هذا المجال نفسه مقيد بقيود تفرض عليه أن يختار بتحفظ نوعية المواضيع التي ينبغي له أن يعكسها. فليست هي المصادفة وحدها التي دفعت معظم الفنانين إلى الريف لفترة طويلة ولا تزال تدفعهم إليه حتى الآن بل أن اتجاههم هذا يعكس عوامل معينة اجتماعية وفكرية لعبث وتلعب دورها في هذا المجال. وبالمثل فإن الاتجاهات التجريدية والسريالية تعكس في الوقت نفسه وجود الأحوال المادية الفكرية الملائمة للاهتمام بالشكل دون المضمون، والتهرب من الواقع عند فئات معينة من المجتمع على الأقل أن هذه التناقضات الملاحظة في الحركة الفنية انعكست بوجه خاص في نظرة الفنانين إلى طبيعة المشكلة التي وضعوها نصب أعينهم وأدت إلى تغيير شامل في مفاهيم عن عنصرين أساسيين من عناصر الإنتاج الفني هما الشكل والمضمون.
تطور الشكل والمضمون أن الفن كفعالية بشرية يتأثر كباقي الغاليات البشرية الأخرى بجملة من العوامل المنبعثة من شكل تكوين المجتمع الذي تنشأ فيه. فأسلوب الإنتاج السائد والوسائل الإنتاجية المستخدمة ونوعية العلاقات التي تربط مختلف الأفراد والفئات وكذلك الأفكار والفلسفات والأنظمة والمؤسسات الموجودة كل هذه تكون عوامل مؤثرة في نوعية الفن الذي يمكنه أن ينمو ويتطور واتجاهه.
وإذن، فعند بحث الحركة الفنية في العراق، يجب أن نلح على شكل المجتمع الذي تنمو وتتطور فيه، وبصورة خاصة على العلاقة الموجودة بين التبدلات المادية، من جهة والتبدلات الفكرية والذهنية من جهة أخرى ومدى انطباق الثانية على الأولى. إذ قد يحدث – كما هو الآن فعلاً – أن تتطور الأهداف التي يضعها الناس نصب أعينهم بصورة أسرع من تطور الحياة الاقتصادية عندما يكون هناك تناقض حاد بين العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة من جهة، وبين التغيرات المادية والفكرية من جهة أخرى.
فالشكل السائد للإنتاج هو الإنتاج الزراعي، وهو بأساليبه البسيطة ونوعية علاقات التملك المرتبطة به، يقرر شكل النظام السائد وهو الإقطاع. وحتى إلى بضع سنوات خلت لم تكن هناك آثار بارزة للتصنيع يمن أن تشكل مصدراً وافياً لإلهام فن صناعي على نطاق ملحوظ، أو نجم التناقض الذي كان قد بدأ يأخذ سبيله بين أساليب الإنتاج القديمة والجديدة ليعكس آثاره في الإنتاج الفني والأدبي. غير أن التطور الاقتصادي السريع الذي حصل منذ عدة سنوات سبب تطوراً ملاحظاً في الإنتاج الفني نتيجة لتغير مفاهيم الفنانين وإدراكهم الاجتماعي.
ولقد تغير طابع المعارض الفنية لأن الجمهور الفني تغير في التركيب والنوعية، ولأن رغبات هذا الجمهور أصبحت متشعبة ومختلفة، في أوجه عديدة، عن رغبات رواد المعارض السابقين، فإلي أي أثرت هذه العوامل في نفسه الفنان وفي إنتاجه؟
أن الإنتاج الفني، إذا وضعنا جانباً نواحي الاختلاف أخرى، هو بضاعة، وهو بصفته هذه يقوم كباقي البضائع الأخرى بسد حاجات ورغبات بشرية معينة، ولا يهم هنا نوعية الرغبات التي يرضيها سواء أكانت منبعثة من المعدة أم من الخيال. فهو يرضي مجموعة رغبات كالرغبة في الخيال والمتعة واللذة وحتى الرغبة في تقوية المكانة الاجتماعية (كما هو الأمر بالنسبة للذين يكتنزون الآثار الفنية مدفوعين برغبة الظهور الاجتماعي) والناس يبدو كانوا ولا يزالون على وجه العموم مستعدين لدفع المال لسد مثل هذه الرغبات.
ومن ناحية أخرى، فإن الإنتاج الفني، فضلاً عن كونه بضاعة، هو في القوت نفسه تعبير ذاتي لمواقف الفنان الاجتماعي وآماله وفلسفته ونظرته في الحياة، أي لموقف فئة اجتماعية معينة وآماله وفلسفتها، فهو إذن أداة اجتماعية ذات تأثير إيجابي.
أن ما تجدر الإشارة إليه هنا بالنسبة للفنان العراقي، هو أنه ليس محترفاً بالمعنى السائد، إذ هو لا يعيش على فنه فحسب، فجميع الفنانين يشغلون وظائف تتفاوت في درجة علاقتها بموضوع اهتمامهم، ولذلك فإن مؤثرات السوق تتخذ شكلاً آخر في تكييفها لشكل أنتاجهم الفني ونوعيته، ومع ذلك فأن تأثيرها يتجسم واضحاً في قسم من أنتاج بعض الفنانين القدامى، فيظهر جلياً اندفاع الفنان في بعض لوحاته للتواصل إلى مشكلته الفنية، وفي البعض الآخر رغبته الواضحة للوصول إلى أكياس العملاء. وتحت تأثيره هذه العوامل التي مر ذكرها أخذت المعارض العراقية تعكس أنتاجاً يختلف في شكله ومضمونه عن أي شيء شهده الجمهور الفني، سابقاً فكيف حدث هذا التغيير ؟
ومقالة أخرى نشرت في أوائل الخمسينات مازالت تحتفظ بأهميتها:
ملاحظة حول
[دور الفن في القضايا العربية المصيرية ]
محمود صبري
ينبغي أولاً تحديد طبيعة الفن وطاقته كأداة فكرية – عاطفية كي نستطيع استخدامه بشكل فعال في مجال عمله المشروع. وثانياً، تحديد طبيعة وخصائص الحالة الاجتماعية التي يراد من الفن خدمتها – أي ما نسميه هنا بظروف الحالة أو القضايا المصيرية.
***
أني أعطي للفن التعريف التالي:
الفن كنشاط يرتبط بشكل لا ينفصم مع العمل البشري. أنه في التحليل النهائي نشاط لتكييف خيال الإنسان وقدرته وفعاليته لإعادة تكييف شكل الطبيعة، الفن يصبح لهذا مخطط الإنسان لإعادة خلق شكل العالم وبالتالي لإعادة خلق الإنسان نفسه.
***
الفن يؤدي هذه الوظيفة المزدوجة عبر تقليد الطبيعة والعالم، أي خلق نماذج بلاستيكية على غرارها، وعبر أعطاء هذه النماذج مضمامين تؤثر على السلوك الإنساني – البشري.
التقليد أو التشبيه في الفن معنى تقليد أو تشبيه شكل الطبيعة وتركيبها بغض النظر عن موضوع العمل الفني. أما التأثير على السلوك البشري فأنه يعني إيصال مضمون معين – أي مجموع الأفكار والعواطف والإحساسات التي يعكسها الفن في عمله.
***
هناك من يقول بأن الفن فقد وظائفه التقليدية )(وأن الوظيفة الأولى للفن وهي التشبيه)) أصبحت عديمة المعنى بذاتها بعد اختراع التصوير الفوتوغرافي والسنيراما.
((وأن الوظيفة الثانية)) وهي التأثير على السلوك البشري قد فقدت قيمتها بعد اختراع التلفزيون،
***
هل هذا صحيح ؟ هل يعني أن قيام الإنسان بصنع أدوات تقوم بالمهام التقليدية للفن – أي التشبيه والتأثير على السلوك البشري – قوّض الوظيفة الأساسية الاجتماعية للفن ؟ أو أن الفن أصبح نشاطاً هامشياً؟ أن مثل هذا الاستنساخ ممكن فقط إذا فهمنا الوظيفة الفنية بشكل ميكانيكي، أي إذا أخذنا التشبيه والتأثير على السلوك بشكليهما السطحي المباشر، وأعني
التشبيه على مستوى المظاهر السطحية للأشياء والتأثير على مستوى السلوك الفردي السطحي في المجتمع.
***
أن كلاً من الفن والوظيفة الاجتماعية، لهما جانبين أساسيين ما يمكن تسميته بالجانب المباشر أو الآني، والجانب البعيد الأمد – أو الجانب التكنيكي والجانب الستراتيجي. كيف يستطيع الفن مثلاً أن يخدم وظيفة اجتماعية مباشرة ترتبط بالحاضر، ووظيفة أخرى ترتبط بالمستقبل أو بالتطور المستقبلي لوضع حاضر؟ أن قسماً كبيراً من الارتباك والغموض الذي يحيط بالدور الاجتماعي للفن يرجع إلى الخلط بين هذين الجانبين.
أن كلا هذين الجانبين له وسائله الخاصة وأهدافه الخاصة.
***
القضايا العربية المصيرية تتطلب أيضاً تحديد مماثلاً. هناك مشاكل آنية مباشرة، غير أن هناك مشاكل جوهرية تكمن على أساس عملية التحول الشاملة التي ينبغي تحقيقها في جميع أوجه الحياة الاجتماعية: القضاء على التخلف، وبناء مجتمع مبني على معطيات العلم والتكنولوجي – باختصار نشر الفكر العلمي.
***
كيف يمكن للفن القيام بهذين المهمتين؟ أو بالأحرى كيف يستطيع الفن أن يلعب دوره الاجتماعي المزدوج.؟
ينبغي أن ننظر إلى الفن كنظرتنا إلى العلم. فكما أن العلم يشتغل على مستويين: النظري والتطبيقي، فإن الفن ينبغي له أن يشتغل على مستويين أيضاً.
العلم يضع موضع التطبيق التجربة والنظريات والفرضيات التي يرسمها حول الطبيعة. التطبيق يتم حدود التكنولوجي السائد ويقوم بتطويره.
***
الفن سابقاً كان يقتصر في جانبه التطبيقي على الأدوات والأشياء التي استخدمها الإنسان في بيئته.
أن التطور التكنولوجي في العصر الحديث قد وسع نطاق التطبيق الفني بشكل ثوري. أن هذا التطبيق تناول الآن أيضاً مجالات جديدة كالسينما والتلفزيون والفوتوغرافي
***
وهكذا يمكن القول أن المخرج السينمائي والمصور الفوتوغرافي والمخرج التلفزيوني مثلاً هم النماذج الجديدة للفن التطبيقي. التي خلقها التكنولوجي الحديث (إضافة إلى النماذج القديمة) التقليدية، أي الفخّار، أو المصمم التزييني … الخ)
***
لقد وسع التكنولوجي الحديث نطاق الفن وبالتالي ميدان تأثيره المباشر. الثورة الفنية في الماضي كانت عملاً يدوياً، غير أنها الآن إمكانية تكنولوجية أيضاً، أنها يمكن أن تصنع ميكانيكياً الآن. أن العصر الحديث يهيئ لأول مرة في تاريخ الإنسان إمكانية مكننة الصورة – أي خلقها – ميكانيكياً.
لذا فإن عمل الفنان أتسع بشكل ثوري – وأصبحت تحت تصرفه أساليب متنوعة لخلق الصورة لم تكن متوفرة من قبل.
***
الوظيفة الاجتماعية المباشرة للفن إذن ينبغي أن ينظر إليها من هذه الزاوية أيضاً، أي :
كيف يستطيع الفنان التشكيلي القيام بالوظيفة الفنية المباشرة بالأساليب الجديدة التي وضعها التكنولوجي الحديث تحت تصرفه؟
أن من العبث أن يستمر الفنان في خلق الصورة يدوياً إذا كان يستطيع خلقها بشكل أفضل أو أكثر فاعلية بواسطة الماكنة.
***
وما هو الجانب الآخر البعيد الأمد – والجوهري في الوظيفة الفنية؟ النظرة القديمة التي عبر عنها الفن كمضمون في العمل الفني وكيف بواسطتها خيال الإنسان وذهنه كانت نظرة عينية. أن هذه النظرة تؤلف دعامة قوية للتخلف الذي يعانيه المجتمع العربي.
الفن يجب عليه أن يعبر عن نظرة جديدة كمضمون جديد للعمل الفني – نظرة علمية وتكنيكية. يكيف بموجبها خيال الإنسان كي يصبح أكثر قدرة ووعياً على تغيير ظروفه وفقاً لمنطق علمي.
أن التعبير عن هذه النظرة العلمية الدايلكتيكية ونشرها كوعي علمي بين الناس هو ما يؤلف الإسهام الأساسي الذي يمكن للفن تقديمه في عملية التحول الثوري التي يمرّ بها المجتمع العربي الآن، وهو أيضاً ما يؤلف الإسهام العظيم الذي يمكن للفن العربي الجديد تقديمه للعالم·
كما تم نشر بيان واقعية الكم:
واقعية الكم فن جديد لعصر جديد*
محمود صبري
أن واقعية الكم هي تجربة بلاستيكية لخلق فن جديد. يصور مستوى جديداً أعمق من الطبيعة كشف عنه العالم الحديث، ولم يتيسر للفن قبلاً التعبير عنه وتصويره.
أن هذا المستوى لم يكن معروفاً لإنسان ما قبل القرن العشرين. أنه مستوى التفاعلات والعمليات الذرية الكامنة وراء الظواهر الطبيعية المرئية بالعين المجردة.
وهكذا
فأن (واقعية الكم) إذن تنطلق من نفس الموقف الذي تنطلق منه الواقعية التقليدية: الواقع الموضوعي وعلاقة الإنسان به. غير أنها تتجاوز الواقعية التقليدية لأنها تعالج مستوى أعمق من الواقع الموضوعي. فالواقعية التقليدية ترى في ظاهرة طبيعية كالماء مثلاً سائلاً ذا خصائص محسوسة بينما واقعية الكم ترى الماء مركباً كيمياوياً من عنصرين متفاعلين هما الأوكسجين والهيدروجين. وهكذا. فأن نفس الظاهرة الطبيعية يمكن رسمها من وجهتي نظر :
العين المجردة
التحليل ألمختبري.
أن الواقع الموضوعي يبقى نفسه بغض النظر عن الزاوية التي ينظر إليه منها. كلما في الأمر أننا نرى مستويات مختلفة منه تتفاوت في العمق.
أن عمق الرؤيا هو بالضبط ما يميز إنسان القرن العشرين عن إنسان العصور الماضية. في علاقته مع الطبيعة. أن إنسان عصر النهضة لم يكن يرى سوى التركيب السطحي للأشياء. ولم يكن يعرف تشريحاً للجسم الإنساني مثلاً أعمق من النظام والعضلات. لقد كان ذلك هو المستوى من الطبيعة الذي سنحت له أدواته العملية بتجربة ومعالجته. أما الآن فقد أستطاع الإنسان بفضل أدواته الجديدة أن يخترق الذرة، وينفذ إلى أعماق في الطبيعة تقاس بجزء من ألف مليون من الملمتر.
أنه الآن يطمح في السيطرة على هذه الأعماق التي أكتشفها: أعماق العمليات الذرية.
أن الإنسان العصر الفكتوري الجديد يحتاج إلى واقعية فنية جديدة تعبر عن هذا الطموح الجديد. أن (واقعية الكم) هي ببساطة محاولة في هذا الاتجاه.
ملخص بيان واقعية الكم ·
أن العمل الفني ما هو ألا عبارة عن بحث تجريبي يستند على مفهومين أساسيين في عصرنا:
أولاً: أن العالم عملية معقدة مستمرة (Complex Process) – (أنجلز) وليس مكوناً من أمور موجودات مهيئة سابقاً ready made أو موضوع شكل. Object/ form.
ثانياً: أن الكتلة والطاقة تتبادل مع بعضها وتستحيل. (أنشتاين) وهذا نقض للمفهوم القديم الذي يقول: أن المادة هي كتلة بالدرجة الأولى.
لذا فأننا نرى (التلاقي والتقارب) بين هذين المفهومين، وتفنيداً للرؤية المكرسكوبية (بالعين المجردة) للحياة، فما هي ألا (تفاعلات معقدة مستمرة) لعنصري الطاقة والكتلة المتفاعلين. ولكي نكون معاصرين علينا أن (نستبدل) رؤيتنا المجردة المكرسكوبية الحاضرة برؤية أخرى نجد أنها تعتمد على هذين المفهومين العلمين، في وحدة بلاستيكية جديدة نستخدمها في عملنا الفني كي يكون حقيقياً.
.. أن المرئي: الظواهر المنظورة بالعين المجردة، هي تفاعلات كيمياوية بين مختلف الذرات بطريقة الاتحاد أو التفاعل. والأصل في البحث هي الذرة.
ولها ثلاث صفات.
1- التكافؤ الكيمياوي Chemical Valency
2- الوزن W,T.
3- الطيف اللوني Spectrum
والصفتان الأوليان بعيدتان عن الفن. أما ألصفة الثالثة (الطيف اللوني أو الرمز اللوني للذرة) فيمكن أن نعتبرها ]الوحدة البلاستيكية[ التي يحتاجها الفنان المعاصر. وهي الضآلة التي يستعملها الفنان ويبحث فيها ويتعامل معها في صورة.
وهكذا يمكن التعبير عن الواقع ، واختزال العالم المادي إلى طاقات مشعة تعطينا ألواناً محددة لكل ذرة (Emission Line Spectrum) والذي هو ]عبارة عن خطوط أو سطوح لونية تتميز بها كل ذروة عن الأخرى[ ويمكن بواسطتها تشخيص أي مادة بالحياة، وهكذا يمكننا استعمال هذه الألوان الخاصة بكل ذرة لرسم الواقع على مستوى الرؤية الذرية) تماماً كما يستعمل المهندس المعماري الطابوقة كوحدة معمارية في تصميمه بالبناء.
أن هذه الشحنات اللونية التي تسمى بالفيزياء (الكم) للخطوط الطبقية الذرية (Quantum Of Atomic Line Spectrum) هي وحدة البناء في التشكيل الفني للواقع. _______(240)
_______________________________________________________(241)
أن المواد التي يستعملها الفنان في بحثه الكرافيكي هي :
1- الكم Quantum
2- الذرة Atom
3- عملية التأليف Structural Process
وتسمى النظرية بـ(واقعية الكم) Quantum Realisin ويرمز لها بالحرفين (Q.R.). فواقعية الكم هي تطبيق للعلم، إذن، في ميدان الفن. ورؤية الفنان إلى العالم على أنه عمليات مركبة متفاعلة باستمرار (كما يقول أنجلز) وليس (على مستوى ذري) مجموعة موجودات سابقة (كما تقول النظرة المثالية).
أولاً: الكم: Quantum
أن الكم (Q) وحدة قياس صغيرة جداً، غير قابلة للتجزءة، بواسطتها، يمكننا قياس الطاقات الحركية الدقيقة في العالم (مثل الالكترونات ونويات الذرة) إلى مقدار (- 10) من السنتمتر .. وبهذا القياس تمكنا من تشخيص ومعرفة الكثير من الظواهر الذرية كإشعاعات جزئيات ألفا.
(Emission of ALFA Pralicles) أو التحليل الضوئي (Photo distnegratium) ولآن الحياة والأشياء كلها مكونة من ذرات لذا يمكننا وصف أي منها بلغة الكم. أن حجم هذا الكم يتناسب عكسياً مع طول الموجة اللوني (الأحمر هو أقصر الموجات – أكثر. البنفسجي أطول الموجات – أقل كما). ويتناسب طردياً مع الذبذبة اللوني حسب قوانين فيزياوية معروفة .
- Energy Quantum
- Frequency
- Flank constant
في عام 1913 تمكن (نيلز بور Bohr من أيجاد معادلة فيزياوية لمعرفة ذبذبات خطوط الطيف الضوئي، ويمكننا بواسطتها معرفة الطاقات اللونية Photonas (فوتونات) فالكم هي الوحدة الأولية (للطاقة – اللون) الأساس لأصل عالمنا المنظور (المكون من ذرات وطاقات). ونستعمل عادة (أنجسترون Angestron) كوحدة لقياس أطول الموجات الضوئية المرئية.
إذن. هناك حوال (400) خط أو سطح لوني مكثف متميز كل عن الأخر. ولقد يستعمل الفنان لغرض السهولة (600) منها تمثل (92) ذرة عنصر.
ثانياً: الذرة: Atom
الذرة هي الوحدة الأساسية التي تتكون منها كل مادة. ويمكن اعتبارها وحدة طاقية لونية ترسم على شكل مجاميع من الكلمات أو الخطوط اللونية المحددة فيزياوياً، لهذا تستطيع كل ذرة بألوانها الخطية.
مثلاً : الهيدروجين مكون من طيف لوني ذي (8) خطوط يمكن انتخاب الخطوط الحساسة منها لسهولة استعمالها وهي ](2) أحمد /(1) أزرق/ (1) بنفسجي[
الأوكسجين: ينتخب منه سبعة خطوط هي:
] (3) أحمر وسط/(1) أحمر/(1) برتقالي / (1) أخضر/ (1) أزرق[
وهذا الجدول يبين ذلك:
(O) | (H) | ||
Color | WL | Color | WL |
med. Red | 7775 | Red | 6562 |
med. Red | 7774 | Red | 6562 |
med. Red | 7771 | Red | 4861 |
Red | 6456 | green Blue | 4340 |
Orange | 6158 | Violet | 4101 |
Green | 5230 | ||
Blue | 4368 | ||
ويعتمد البحث على وضع أبجدية خاصة للأسباب التالية :
- أن شدة الطيف اللوني لكل مادة (ذرة) تختلف بالنسبة لأثارتها الحسية مؤنية أو محايدة .
- أن عدد الخطوط في الطيف اللوني لبعض المواد كبير جداً إلى حد يصعب تنفيذ ]مثلاً الحديد يحتوي على أكثر من 3000 خط لوني[ مما يستوجب تحديدها لغرض تنفيذها.
- لغرض وضع ألف باء أولية لواقعية الكم وجب تقليل واختصار هذه المجموعات من الألوان والتي عددها (92)، عدد العناصر الذرية بالحياة. وبهذه الوسيلة يمكننا ترجمة العناصر الذرية إلى نماذج لونية قريبة من الذهنية البشرية.
- وهكذا يتم وضع ألف باء على شكل مجاميع لا تزيد كل منها على سبعة خطوط لونية للسهولة. وهذه الألف باء اللونية تشبه تماماً ألف باء الكتابة، بحيث يتفق عليها كل من الفنان والمجتمع، وتعتمد كلياً على العلم الذري. ولكل عنصر خطوط لونية ثابتة ومحدودة بنسب علمية مهما طرأ على ذلك العنصر من تفاعلات كيمياوية مثلاً (H2o) كما في الشكل.
)
وهكذا حصلنا على (92) وحدة لونية للبناء الفني كالطابوقة بالنسبة المعماري. أن هذه الألف باء تستند على حسابات وجدت قبل الإنسان وخارج نطاق إرادته. والعلم أكتشفها أخيراً وقدمها بين يدي الفنان المعاصر.
أن كل خط أو مساحة لونية (من هذه المجاميع التي يبلغ عددها 92 مجموعة) مكون من بعدين فقط استنادا إلى معادلة أنشتين:
V2
L= LV1 ————
C2
أي سرعة الضوء: C2 وسرعة المادة : V2= طول المادة في حالة الاستقرار : (L).
وهكذا نجد أن الأشياء تتقلص باتجاه حركتها وينعدم طولها إذا ما بلغت سرعتها سرعة الضوء. ولما كانت واقعية الكم تعامل الأشياء كوحدات من طاقات ضوئية أو (لونية) لذلك وجب تصويرها ببعدين فقط.
ثالثاً: عملية التأليف Structurral Process.
والأساس الثالث بعد الذرة والكم هي عملية التأليف. وعملية التأليف هي تفاعلات كيمياوية فيزياوية (كيما فيزياوية) بالطبيعة ولكن بلغة أخرى (اللغة الكرافيكية) أو بالرسم.
إذ يوجد لدينا (92) مجموعة لونية لـ (92) عنصراً أولياً والتي هي طاقات. رغم وجود الملايين من المواد في عالمنا المرئي (والتي هي عبارة عن مركبات الكيمياوية معقدة لتلك الـ (92) عنصراً) ولهذا يمكننا رسم الملايين من المركبات اللونية. فالماء مثلاً باللغة الفنية الحديثة هو عبارة عن (3) مجموعة لونية محددة علمياً:
(2) هيدروجين
(1) أوكسجين.
كما أن المواد الحياتية تعامل كمركبات كيمياوية يمكن رسمها بشكل مضبوط ويحدد علميا. وهذا يختلف تماماً عما تعودناه وعرفناه في المدارس الفنية السابقة وهي المعاصرة. أن الأشياء لا ترسم كأنها عائمة، مفصولة، مستقلة، بل ترسم كتصاميم Patterns من العلاقات والتأليف تبدو كرسوم تجريدية. ولكنها حسب جداول علمية تصف كل مادة بما تكونه من (الكم اللوني). أنها رؤية جديدة لونية لأعماق الواقع الذري مستندة على العلم، وهي ترجمة فنية للمفهوم العلمي عن الواقع.
لقد كانت رؤى الإنسان الفنية لحد الآن تعتمد على العين المجردة، على الضوء الأبيض وانعكاساته على الطبيعة. وهو امتداد بايولوجي لأصل الإنسان المتصل بالحيوان. ولكن بعد أن تهيأت له الإمكانات التكنولوجية والآلات العملية المعقدة التي سيرت الأغوار واكتشفت طاقات الذرة بدأ ينظر إلى الفراغ وإلى الأشياء بشكل مغاير. بدأ يشاهدها وهي تتحلل إلى عناصرها الذبذبية.
لقد أستبدل الإنسان، الفنان المعاصر، رؤياه التصويرية المايكرسكوبية (المعتمدة على ما تراه العين المجردة) إلى رؤية ذرية تتفرق مع العلم الحديث الذي صنعه الإنسان العالم.
و (واقعية الكم) ستحول الفن من (نشاط ذاتي) فردي إلى (قراءة موضوعية) علمية للحياة. وهكذا ستختفي الفجوة التي كانت بين الفنان والمجتمع، بين الفنان والعالم. وستحول حقيقة العالم غير المنظورة الخفية (وهي ذرية) إلى رؤية ظاهرة. وسيصبح العلم والفن واسطة للمعرفة إضافة إلى المتعة الحسية، وسيصبح نشاطاً لا ذاتي، وذا دقة تتماشى مع روح العصر.
/ 1971
1 ـ صدر الكتاب، بطبعة فاخرة، عن مطابع دار الأديب، عمان ـ الأردن، عام 2013، بالتصميم والإشراف الفني من قبل الفنان كفاح فاضل الشبيب، دون إغفال ذكر الفنان هيثم فتح الله، عنايته بإصدار هذه السلسلة الفنية، والثقافية.
2 ـ أسهم بتحرير الكتاب، زملاء الفنان، وأبناء جيله، وعدد من الكتاب، والفنانين، من مختلف الأجيال، نذكر منهم: يحيى الشيخ/ رفعت الجادرجي/ عبد الباسط النقاش/ يوسف العاني/عادل كامل/ فيصل لعيبي/ بهجت صبري/ ماضي حسن/ كامل شياع/ عبد الله حبه/ ثمينة ناجي يوسف/ مصدق الحبيب/ صادق الصائغ/ علي عساف/ غائب طعمة فرمان/ سعد القصاب/ علي البزاز
م جاسم المطير/ فرح شوقي/ حمدي التكمجي/ مفيد الجزائري/ محمد الجزائري/ إسماعيل زائر/ د. عدنان الظاهر/ ساطع هاشم/ مكية الشرمي/ د. جواد الزيدي/ امجد حسين/ الفريد سمعان/ د. مهدي الحافظ/ ساطع هاشم/ سنان احمد حقي/ وعادل حبه.
3 ـ في كتابي [الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق ـ مرحلة الرواد] الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام ـ 1980، خصصت فصلا ً ـ إلى جانب جواد سليم/ فائق حسن/ حافظ ألدروبي/ خالد الرحال/ شاكر حسن/ إسماعيل الشيخلي/ خالد الجادر/ فرج عبو/ أكرم شكري ـ من صفحة78 إلى صفحة 91 ـ أشرت فيه إلى مكانة صبري في التشكيل العراقي الحديث. وكان الفصل قد نشر في مجلة (الثقافة)، في أواسط سبعينيات القرن الماضي. وقد تعرضت للمسألة حول موقف محمود صبري، وتاريخه…
Az4445363@gmail.com