اتحاد الطلبة العام كبوة التجميد وديمومة الفعل.. دروس وعبر

لا عصمة لأحد وهذا ليس عيبا ولكن ما ينقذ الموقف ويعالجه أن المرء الذي يحمل النزاهة والأصالة هو الذي لا يكرر الخطا ويحيل دروسه إلى عبر وعظات يتجاوز بها المحن ويتخذ المواقف الأنجع ومن هنا فإن الاستفادة من كبوات الأمس هي درس هذه المعالجة التي ترفض توجيه الاتهامات لتقدم المقترحات تتصدى لمهام اليوم.. تحية لاتحاد الطلبة العام ولنحتفل بالعيد معا وسويا

14 نيسان عيد اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، فـ لنحتفل به ردا على تقييد الاحتفالات وتوجيهات الإسلام السياسي الظلامية.. ولنواصل الكفاح من أجل أفضل استفادة من كبوات الأمس من دون الانجرار لاتهامات أو مواقف متشنجة ليست من مصلحة أحد وسط قوى التنوير جميعا النقابية، الحقوقية والسياسية

التأسيس الأول لاتحاد الطلبة العام، كان حدثاً نوعياً ليس للحركة الطلابية حسب بل لمجمل الحركة الوطنية. وغذا كان الشغيلة قد حرسوا المؤتمر التأسيسي الأول، مؤتمر السباع الخالد، فإنّ ذلك كان ماثرة للوعي الطبقي والوطني بأهمية اتحاد ينتظم فيه الطلبة بعيدا عن توجيهات السلطة وسطوتها وباستقلالية للعمل المهني الديموقراطي في قطاع بارز الدور في الحياة العامة السياسية الاجتماعية وبكل ما يخص الطلبة وإعدادهم العلمي التخصصي والمجتمعي الثقافي حيث أنشطة التصدي لمسؤوليات وطنية تبقى حية عبر مسيرة الشعوب والأمم.

ولطالما كان اتحاد الطلبة العام رائع الحيوية في أنشطته المتنوعة ليس بإطار الدولة العراقية فقط وإنما أيضا في خطى تمثيل طلبة العراق في المحافل الطلابية الدولية، كما في وجوده ممثلا رسميا لطلبة العراق باتحاد الطلاب العالمي.. وهو الدور الذي بقي يحتفظ به طويلا وفي أغلب أوقات العمل منذ تأسيسه حتى يومنا…

لقد كان العمل التنظيمي وسط الطلبة مهنيا ديموقراطيا أنجز أسس تمكين الطلبة من أدوات العمل النقابي والسياسي التالي لكل امرئ. فكان خير رافد للعمل الحزبي وسط قوى التقدم واليسار الديموقراطي، الذي طالما حقق أعضاؤه السبق والفوز بقيادة الاتحاد بالاستناد غلى العمل النوعي الذي استطاعوا إنجازه وقربهم بل عيشهم وسط الطلبة أنفسهم وتعبيرهم عن تطلعاتهم..

لقد التقت دائما المبادئ التي تحكم العمل الطلابي في اتحاد الطلبة العام ومبادئ قوى اليسار الديموقراطي كونها التعبير الفكري الأنسب والأنجع في رسم برامج التطوير والتنمية في العملية التعليمية وفي خدمة جموع الطلبة وتطلعاتهم.. إن المشترك الموجود في منطق العقل العلمي وثقافة التنوير والتفتح الفكري هو الجوهرة التي عبرت دوما عن مستوى أفضل لوعي الطلبة الذي انعكس على أدوارهم النضالية بالمستويات المجتمعية بمختلف محاور العمل والكفاح..

ولطالما كان الطلبة بين أبرز الفئات المجتمعية الموجودة في التظاهرات الوطنية التي نشط بها الوطنيون الديموقراطيون ومنهم اليسار الديموقراطي تحديداً.. ولاحظنا بالملموس تلك المساهمات التي شهدتها البلاد منذ وقت مبكر كما انتفاضة الجسر 1948 ثم بوقت لاحق بخمسينات القرن الماضي وستيناته. حتى تأتي مرحلة السبعينات وولادة جبهة عبر ميثاقها عن الروح الوطني وعن التعهد بمتغيرات تحضّر للمسار الديموقراطي ولهذا انعقدت تلك الجبهة.. لكنها اتجهت لاحقا اتجاها نقيضا يوم انكفأت السلطة إلى محاولات الانفراد بالسلطة ثم تحولت تلك المحاولات إلى واقع حال بوقت تالٍ…

وبغض النظر عن التحولات السياسية تلك وحتى عن طابع ما بعد انقلاب 1968 والتضحيات التي دفعتها الحركة الوطنية الديموقراطية وعلى راسها قوى اليسار الديموقراطي فإن منتصف تلك المرحلة؛ شهدت أخطر قرار اتخذته قيادة الحزب الشيوعي يوم ألحقت انسحابها المعلن من العمل في المؤسسة العسكرية بمعنى إقرار وجود البعث منفرداً فيها بدل إبقائها لا حزبية، ألحقت ذلك بقرار أخطر منه هو، ((قرار تجميد)) بمعنى ((حلّ)) المنظمات الديموقاطية التي كان يقودها عن جدارة أعضاء من الشيوعيين نظرا لخبراتهم وحيوية عطائهم ومنجزاتهم…

وكان على سبيل المثال آخر لقاء وموعد للعمل بعد قرار التجميد الذي كان يجب تنفيذه بمدى ايام معدودة هو يوم 25 يناير كانون الثاني 1976.. وبينما كانت مباحثات \ مفاوضات توحيد المنظمات الطلابية تسير حسناً كانت هناك أمران قد جريا فداخل تنظيم البعث الذي يتحكم بالسلطة وبتكريس سطوته على الجيش كان هناك تعزيز لسلطة عناصر أكثر راديكالية واندفاعا باتجاه يميني حتى بالمخالفة مع نتائج انتخابية حزبية داخلية في وقت كان التقدم إلى أمام في التحالف بين الشيوعي والبعثي يحتدم بين تشدد اليمين البعثي وهو يمين فاشي يستند غلى السطوة والبلطجة القمعية وبين انتعاش الصوت الديموقراطي شعبيا وهو الانعتاش الذي أفزع قوى اليمين الفاشي داخل البعث من انفلات الأمور من بين ايديهم..

هنا كان طرحهم، أكثر تشددا مع خسارتهم المعركة الانتخابية يوم فاز اتحاد السلطة البعثية الطلابي (المسمى الاتحاد الوطني) بالتزكية وكانت الجماهير الطلابية قد قاطعت ما اسموه انتخابات بنسبة كبيرة فنموذج الكاظمية على سبيل المثال إعداديتها وصلت المقاطعة 80%.. ولربما شعر اليمين الفاشي الأمر مع قطاعات عمالية وفئوية أخرى غير الطلبة ما دعاه إلى الطلب من الحزب الشيوعي أن يحلّ المنظمات الجماهيرية ومنها اتحاد الطلبة العام!

وكانت الاستجابة بقرار (التجميد) المعادل للحل فعليا في ظل تداعيات الظروف التالية…

لقد ظهرت (مشاعر) عنيفة حزينة لكثير من قيادات وأعضاء الاتحاد وكان بعض الأصوات يرفض القرار لكن الرؤية يوضع ما تمَّ تنفيذها في معادلة الحفاظ على الحلقة المركزية للشعب أي الجبهة الوطنية..

ولم يتبدى فعليا صوت يقول ما الذي يبقى من الجبهة التي تُلغي وجود التنظيمات الشعبية الأوسع والأهم؟ وما الذي يتبقى من أدوات الدفاع عن النفس إذا كانت التنظيمات الكفاحية تحمّد نفسها؟ وهو ما جرى يوم هوجم الشيوعي بالانفراد به في ظروف (الانسحاب غير المنظم) و (المكشوف) من أي غطاء ما أوقع أفدح الخسائر البشرية ليس وسط التنظيم بل وسط جماهير قوى اليسار جميعا وأفضى إلى سلطة فردية دموية ورطت البلاد بتراجيديا مازالت آثارها إلى يومنا..

أما اتحاد الطلبة العام، فقد كانت تلك كبوة على فداحة القرار وما آلت إليه أنشطته وأعماله في وقت لاحق!

وعلى الرغم من معاودة الاتحاد العمل وكذلك العودة إلى اتحاد الطلاب العالمي إلا أن واقعا جديدا قد ترتب على متغيرات القضية العراقية سواء في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم ام ما بعد التغيير الراديكالي غب 2003…

لقد أوقعت المجريات أفدح الخسائر في بنى مؤسسات التعليم الأولي الساس والجامعي والعالي. ولقد تراجعت قدرات تلك المؤسسات على حماية أعراف (الحرم) الجامعي وبجميع مؤسسات التعليم وانحدرت المستويات بتلك المؤسسة بكل مستوياتها وفروعها إلى منطقة نشر الخرافة كونها مادة تعليمية وإلى منطق سطوة المجموعات المسلحة بخلفية النظام السابق يوم كان (الاتحاد الوطني) قد حول مكاتبه إلى مكاتب قمعية تخدم المؤسسة (الأمنية) القمعية بجوهرها… وهي اليوم تتشكل بمكاتب وعناصر بلطجة ومصادرة لكل شيء بلا استثناء..

ومع مطاردة تتم متسترة، يجري محاصرة اتحاد الطلبة العام في وقت هو التنظيم الوحيد المعبر عن أغنى برامج العمل المهني اليدموقراطي وبمنطق تنويري يحترم العقل العلمي ومنجزه واشتغاله.. في ذات الوقت ومع التضييقات والمحاصرة والمطاردة يجري بث سموم تشكيلات متشرذمة لما يسمى جمعية هنا واخرى هناك باسم اتحاد طلابي من تلك التي تسوق لأحزاب الإسلام السياسي أو بصورة تعبير أدق أحزاب التخريب السياسي ونهب البلاد واستغلال العباد…

إن عمل اتحاد الطلبة العام اليوم يجري في ظروف باتت أحزاب الطائفية المافيوية تصادر حتى فرص الاحتفال الرسمي طالما كانت لا تديرها لأنها تدرك أن أي شكل للاحتفالات بلا صوت البكائيات واللطم لن تربح وجودا وسط الطلبة وبأن وجود حياة مدنية ديموقراطية يعزلها نهائيا فيما يلتف الطلبة حول اتحادهم العريق والحقيقي في وجوده وتنظيمه واشتغاله..

من هنا، يأتي احتفال هذا العام بذكرى تاسيس اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ليؤكد أنه الوجه الأنصع والأنجع لطلبة العراق عالميا دوليا ومحليا وطنيا ومهما كانت الظروف كأداء سوداء ثقيلة فإن الطلبة مازالوا يحتفظون بجليل التقدير والاحترام لمسيرة اتحاد الطلبة العام ولأدواره..

إن الاحتفال اليوم يواجه سوداوية وأبشع فظاعات واشكال تخلف يديرها بلطجية الميليشيات وقادتها في زيارات مكوكية يريدون بها فرض تقاليد واعراف ما مرت على المجتمع العراقي ولا وردت بكتاب مقدس أو رؤية دين صحيح وإنما هي أدوات اعتقال الفكر والأنشطة وتقييد الحريات كيما يخلو للبلطجة الجو مثلما خلا لمن قبلهم منتصف السبعينات ونهايتها…

لهذا فأول مشكلة تجابه طلبة العراق هي مشكلة الاحتفال بعيدهم الاحتفال بتأسيس أول اتحاد للطلبة في 14 نيسان ابريل 1948.. وهي ليست قضية عابرة بقدر ما تخفي وراءها الصراع بين قيم ظلامية وأخرى اتنويرية بين التخلف والتفدم بين الجريمة والابتزاز والسلام واليدموقراطية…

ولعل وعي الطلبة هذه الحقيقة وانتماءهم في 14 نيسان لاتحاد الطلبة العام بالجموع الحاشدة سيكون خير رد محاولات تقييدهم ونزع حرياتهم وسوقهم إلى أتون حروب باشكال جديدة ولكنها بذات الجوهر الذي سبق أن واجهوه..

ليحيا اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية إرادة قوية صلبة واعية وليتسع اليوم ليكون خير دفاع عن الطلبة وحقوقهم وعن تحديث المؤسسة التعليمية وعن الأدوار الوطنية البهية المؤملة فيهم وبخلافه سيكون التشرذم سببا لتمرير وسائل إضاعة الحركة الطلابية وخسارة الوطن والناس لأبرز مواجهة يوم يتواصل إضعاف الاتحاد محامي الدفاع الأهم…

ويتبقى هذه القراءة بعيدة عن اتهام طرف أو قيادة أو جهة يسارية أو وطنية في اجتهاداتها ولكنها تريد تثبيت الدروس للاستفادة منها ومنع تقديم تحالفات سياسية فوقية على حساب الوجود التنظيمي وسط الفئات المجتمعية الأوسع وأولها الطلبة بحجم وجودهم المجتمعي وبحجم أدوارهم النوعية التي تعكس وعيهم الديموقراطي التنويري.

وإذا أوقع تحالف فوقي مع حزب السلطة بالأمس الشعب العراقي وحركته السياسية الوطنية ومنها الحركة الطلابية الديموقراطية بأخطر أزمة فإن تحالفا اليوم جرى التبرير له ولضرورته ولقدرته على التأثير باتجاه إيجابي بوقت لم يعترف التاريخ والتجاريب السياسية الأعمق والأغنى فيه لأجنحة الإسلام السياسي باية مساهمة إيجابية ولو بالافتراض والاحتمال، إذ هي بجوهرها وجود مرضي الغايات…!!

ولهذا فعلى الطلبة واتحادهم أن يناضلوا كي لا يكون أي تحالف فوقي جديد تكرارا لما جرى بالأمس وعلى حساب منظمات مهنية ديموقراطية ومنها اتحاد الطلبة كما يجري اليوم من زيارة قوى تسمي نفسها مرجعية (أخلاقية) تحدد للطلبة ما يصح وما لا يصح وهي تقيدهم وهي تشرذمهم وهي تمنع فرص أنشطتهم ولا أقول فرص تنظيمهم..

فلا تستكينوا كونوا الإرادة التي لا تلين كما عهدتكم ساحات العمل الوطني والديموقراطي وأنتم من يقررويحرر

تحايا تتجدد لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية

أحيي زميلات وزملاء الأمس مطلع السبعينات حتى التجميد وما تلاها وأتمنى عليهم مؤازرة طلبتنا أبناءنا اليوم بتقديم تلك التجاريب الغنية الثرة وعدم تضييعها بنسيان وإغفال.. اكتبوا ووثّقوا تجاريبنا إلى زملاء الأمس في لجنة التضامن (الكاظمية) وإليهم بلجنة الحجاج (الكرخ) بل أجددها إليكنّ وإليكم جميعا بالأمس واليوم فمنكن ومنكم علا ويعلو صوت الحرية والديموقراطية والتنوير

وليكن أكبر احتفال اليوم 14 نيسان بعيد اتحاد الطلبة العام مبارك للجميع وليرتد على نحورهم خنجر التقييد والتكبيل والتشويه والمصادرة

**************

****************************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *