المجاملة بأصل فحواها نهجاً موضوعياً للإيجاب لا السلب

أن تتبنى ذكر طرف بالخير ولا يكون ذلك على حساب آخر أو الانتقاص منه أو المساس بقرار له وموقف بعينه فإن ذلك يدخل في مجاملة إيجابية بمعنى تكريم وتثمين وتقييم مستحق يكون لمصلحة الجميع غذ لا يقف عند من تذكره بخير بل يتسع ليشمل حتى المختلف في ذكر سمة إيجاب بالخير .. أما وقد يستفز خطاب تكريم لطرف طرفا ثالثا فذلك لا يدخل لخطأ في مجاملتك بمعناها السامي وجوهرها الإيجابي ولكنه بمنطقة أخرى ملتبسسة تظهر إقحاما غير مبرر لموقف يتوهم من يهاجم منطق المديح والمجاملة صلاحه وقد يغفل سهوا وبغير قصد ما قصده من محاولة مناقشة قضية أخرى مختلفة تماما ليس خطأ أن تُناقش بميدانها لا بميدان صائب النهج كما في المجاملة مصطلحا إنسانيا سليما بمحددات معروفة .. ألا  ينبغي التنبه والتفكر والتدبر؟؟؟

كل الحق أن تنتقد وضع صائب في غير موضعه فيصير غلطا ولكنه لا يفقد صحته في ذاته إنما يبقى صوابا في هويته ووجوده سوى أننا بحاجة لوضعه بموضعه.. وهذا ينطبق على رفض وضع المجاملة بغير مكانها مثلما اي أمر آخر إنما لا يلغي كون المجاملة بأصلها صوابا في النهج والغاية المستهدفة .. فلمارسها حيثما كانت للبناء والتقدم بالخصال المشرقة كما مديح الإيجاب تعزيزاً له.. فلنقرأ ونراجع ما نراه مفيدا صائبا وصحياً صحيحاً

المجاملة بأصل فحواها نهجاً موضوعياً للإيجاب لا السلب

علاقاتنا الإنسانية تبقى باستمرار لرعاية وتعبير يتبنى الإيجابي فيها ليتصدى للسلبي بما يمنعه من إحداث أي شكل للتخريب.. ومن بوابة تلك الإدامة والرعاية كانت اعتبارات التأدب واحترام الآخر وحقه في إبداء رأيه حتى عند الاختلاف معه تأسيساً للغة بروتوكولية مقيّدة.

وهكذا كانت المجاملة ممارسة للتأدب في الكلام وبتبادل الزيارات والتحايا وغيرها.. ولعلنا نقول جامله ونقصد أسمعه كلاماً جميلا بقصد التعبير عن الاحترام ولو بمنطقة اختلاف الرؤى.. وأيضاً يُقال جامَلَهُ بمعنى أحسن تعامله وعشرته إخاءً وصداقة وزمالة، اي بادله الاحترام في حواره وتفاعله..

وإذا كانت تفاصيل اليوم العادي (قد) تقتل فرص المجاملة وعباراتها ليس بين الزوجين ولا الأخوين ولا الصديقين لرتابة المسار وبعد الشقة الزمنية فإن الأمر يتعكس حتى في لغاتنا التي تتدنى فيها حالات استخدام مفردات الإيجاب على مفردات القسوة والخشونة بسبب تشييء الإنسان وتحنيط المشاعر وضغوط الصراعات الأكثر جرحا فينا نحن البشر العاديين وبتفاصيل وجودنا.. حتى أن الإنسان وهو يطمح للتغيير والتمسك بكلمات الجمال تصعب عليه حال استعمال تلك الكلمات لأنها نافرة الاستخدام لندرة ظهورها في التداول اليومي لنا جميعا.. وبعد كل هذا الاستهلاك القسري السلبي باتجاهه وجد كثير منا أحمالا وأثقالا لاستخدام (المجاملة) بأصولها استخداما يستجيب لحاجاتنا لأنسنة وجودنا!

إنّ هذا قد لا يقف عند العلاقات الإنسانية الشخصية أو الاجتماعية الطابع والنفسية الانعكاس ولكنه (قد) يمتد بل امتدَّ ليشمل أموراً عامة من قبيل الشأن القانوني والدبلوماسي وعلاقاتنا بإطار عملنا المؤسسي في منظمات وحركات أشير للتنويريين أولا وآخرا ولقضايا أنشطتهم العامة وعلاقاتهم أيضا.

نجد بهذا الشأن، حالات إجازة الاتفاقات بوصف ذلك (مجاملة) قانونية، تُوقِف ما يُسمى انتهاكا لولاية سيادية وسلطة قانونية تشريعية أو قضائية، فتمنح صلاحية تطبيق (إنفاذ) أمر أو قرار وعادة ما يكون الرد بمجاملة بالمثل أي بمنح ذات الصلاحية التي كسبها طرف لدى آخر.. على أنّ سلامة (المجاملة) تتأكد من كونها تتم على أساس المعاملة بالمثل من جهة وعلى أساس أنّ طرفيها يسيران بمحددات متفقة تلتقي بمبادئها العامة أي التي تحترم الإنسان بوجوده الفردي و\أو الجمعي بما لا يصادر التعددية والتنوع ولا الاختلاف بين أطرافها، فهي تتم احتراما لهوية الآخر وتأدباً في العلاقة معه. في حين المجاملة غير منتفية عندما تقف مع طرف لأن طرفا ثالثا يتشدد في موقف بما يخرج على إجماع، على سبيل المثال عدم تسليم متهم لجهة تحكمه بالإعدام وتنفذه به، ما يتطلب موقفا هو مجاملة، بتعبير اصطلاحي آخر لا تعني تبرئة من جرم ولكن تعني التزاما بحقوق الإنسان حتى تجاه متهم و\أو مدان وعدم انتهاك تلك الحقوق بروتوكوليا قانونيا..

[[وددت هنا قبل متابعة معالجتي، الإشارة إلى ما ورد في الثقافة العامة في بوابة ويكيبديا من أنّ: مبدأ المجاملة القانونية جاء تأسيساً في القرن السابع عشر من خلال عمل الفقيه القانوني الهولندي أولريش هوبر. وتم تنقيح هذا المصطلح لاحقًا من قِبل القاضي الأمريكي جوزيف ستوري]]

يدرس علم النفس الاجتماعي ظاهرة المجاملة في علاقاتنا ويُظهر إيجابياتها وأهميتها، من دون إغفال احتمال انهيار المجاملة و (تحولها) إلى خطاب آخر لا صلة له بها.. وأذكّر هنا بأنّ المجاملة ليست مجرد ألفاظ لغوية فارغة أو ذات مسارات سلبية كما يظن بعضهم عند شرود ذهنه أو حواره سهوا باتجاه معالجة موقف أو آخر في سياق المجريات؛ ولكنها [أي المجاملة] تبقى فعلا من أفعال الكلام يستجيب لإيجابيات علاقاتنا الإنسانية القائمة على الود، المحبة، الاحترام والتسامح ومنح صلاحية أو إجازة ممارسة أمر أو قرار في إطار العلاقات الإنسانية من بوابة الاحتياجات الكامنة فينا جميعا بالضرورة والحتم..

والمجاملة هنا بوجهها الحقيقي الأنجع والأنضج، هي صورة لقوة الشخصية وإيجابيتها بما يتضمن رغبة الطرف الذي يمارسها في التعبير الإيجابي تجاه الآخرين وفي جذبهم لسمة بعينها يؤكدها بتلك المجاملة…

وبصرف النظر هنا عن الدراسات السايكوسوسيولوجية التي تشير إلى الفروق الجندرية (الجنسية) في المجاملة فإنها أي المجاملة تقوم جوهريا على تحقيق فعل الإرسال والاستقبال بالمشاعر الإيجابية من جهة وعلى تلبية فعل الثناء القادر على اجتراح أو صنع أحكام القيمة الدافعة للفعل والأداء الإنساني الأكثر إبداعا وإنتاجاً..

إنّ فعل التثمين القائم على مبدأ المجاملة  \ التكريم والتقييم ثناءً ومديحاً لا يدخل بمنطق (التكسّب والتزلّف والنفاق) لأن هذه السمات منطقتها بين التابع والمتبوع، بين طرفي اتجار فيما المجاملة منطقتها سليم العلاقات الإنسانية وتساوي أطرافها أشخاصاً وجماعات من شعوب ودول ومؤسسات  

إنّ فعل المجاملة يستنطق لغة أو خطابا بمستويات مختلفة بحسب منطقة استخدامه. ففي الشخصي الفردي سيكون بحسب الجندر \ الجنس نساء ورجالا وعادة ما ينصب على أمور مظهرية شكلية لكنه يسبر غور ما وراءه وهو ما يؤكد أن اللفظ والشكل والمظهر ليست مفرغة بل غنية الأثر والهدف مثلما تسبيق الابتسامة على التكشيرة (العبوس) في مباشرة حديث وهنا ستجد ما يخص مستوى أولي يركز على المظهر ولعل ثقافتنا الاجتماعية تحدد نسب التركيز من عدمه؛ بين النساء والرجال يصل الأمر حد (حظر) مجاملة الرجال للنساء في مجتمع أو جماعة بعينها، وعدّه عيبا سلوكيا، فيما سيكون عيبا على المرأة ألا تباشره مع زميلتها في منطلق أي حوار بينهما في ذات المجموعة!

ونحن طبعا نتحدث عن الظاهرة (فرديا) في وضعها المثالي النموذجي بتعريفنا المصطلح وموضوعه، كي لا ننزلق إلى إقرار التمييز الجندري سلبيا…

في المستويات الأخرى للمجاملة سنرى كشفا لجوهرها الإيجابي عبر العناية بقدرات الأداء والإنجاز وامتلاك القيم الأسمى والتمسك بمبدأ إنساني سامٍ والعمل به وقوة الشخصية القائمة على مرونتها وتفاعلها مع الآخر بعيدا عن مثالب يدركها الإراد مثلما المجموع ومؤسساته..

على أننا هنا بجميع الأحوال لا نقف عند تحليل لغة المجاملة من جهة الألفاظ المستخدمة بقدر ما نتحدث هنا عن خطاب المجاملة من جهة كونه ثقافة تتطلب الانتشار وإشاعتها بصورة موضوعية هادئة سليمة وواسعة.. ربما نصادف صداً للمجاملة لكننا هنا لا نتوقف عند ذاك الصد لأنه بجوهره لا يقصد التصدي للمجاملة نفسها ولا لدورها بقدر ما يقصد الوقوف على منصتها للتحدث عن أمر آخر لا صلة له بجوهر مادة المجاملة أو أنه يتحدث عنها لكن بمحاولة لعدم المواجهة فيقع في مطبات بلا حصر غير مقصودة حتما..

المجاملة فعل إيجابي لتعميد علاقاتنا وأسلوب عملنا التعاضدي التعاوني القائم على دعم الإيجابي وتبنيه والتخفيف من وطأة أو ألم الخطأ بقصد إزالته بتعاضد الجهد لا بفرض خارجي من طرف على آخر…

هلا تنبهنا في علاقاتنا حتى مع أنفسنا على أهمية مجاملة لن تكون خارج منطقتها إذ لن تعني التساهل مع الخطأ ولا تبريره ولا اختيار طريقه بقدر ما تعني تشجيع قدرة الأداء على وقف الخطا وإزالته والتقدم نحو الصواب وتمكينه…

والمجاملة هي أس علاقاتنا الصحية الصحيحة لأنها لا تكون بين الأعداء ومقاصد العداء واستهدافات العداوة بل بين أسوياء وجودنا ومنطقهم نهجهم السوي السليم..

أما بخصوص هامش يتعلق باستخدامات سلبية لكلمة ىمجاملة في الثرثرة المحكية فإن القضية لها منطقة تعريف أخرى لا علاقة لها بالمجاملة التي مررنا بها هنا ولا بأحكامها العامة والخاصة الواسعة الشاملة والضيقة، فلتفكر ونتدبر وشكراً جزيلا للقراءة والمراجعة من دون ما يمس موقف زميل أو صديق أو طرف بعينه إلا بالخير حيث تفاعلاتنا موضوعية لا شخصنة أو فردنة مؤذية فيها هنا باي وجه من الأوجه..

ومحبة لكل من تذكر سببا للثناء على أمر مهما صغر شأنه عسى يكون منصة تعزز البناء ومراكمة الإيجاب بدل تراكم تشنجات تصطنعها صراعات يومنا العادي وتفاصيل تعقيداته..

ومثلما نتذكر أن كثيرا من المديح هو إعلاء شان قيم الإيجاب وليس نفاقا ولا تكسبا أو اتجارا واسترزاقا لنذكر محاسن الآخر حيثما شرعنا بمناقشة ما نراه خطأ منه لمعالجته لا التوقف عند تعداد مناقب الخطأ ومن أخطأ..! ألا يعني ذلك قوة لنا لا ضعفا؟ ألا يعني ذلك تمكينا للإيجاب لا إساءة بدراية أو بغيرها؟

أجدد احترامي لكل رؤى الآخر وعهدي مسبقا بقبول ما قد يكشف عن خطأ معالجتي هذه.. مع أنها معالجة معجمية اصطلاحية لكنني اعتدت على إعادة صياغة معجمنا بما يستجيب للأنسنة وسلامة خطاها فلنكن معا هنا

 

******************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *