ماذا يُراد من عبارة جرائم لا تسقط بالتقادم!؟

أقرأ بين الفينة والأخرى لبعض ممثلي المنظمات الدولية والإقليمية، بخاصة منها الحقوقية تصريحات وبيانات فأجدها تتجه لمواقف إيجابية من حيث النية في خطاباتها وأداءاتها، فيما أجدها في الوقت ذاته، تقع بسقطات لا تنظر فعليا لما جرى ويجري من جهة  فتكرر مطلبا أو آخر، لكنها لا تكتفي بالتكرار بقدر ما تتخذ موقفا من قبيل إدانة تلكؤ طرف لم يقع بفخ التلكؤ أو تحميله (عار) النكوص عن اتخاذ موقف واجب؛ ما يثير إحباطات وانكسارات وتراجعات للقضية بسبب الإخفاق بالتعبير عنها.. وكثرما طولبت منظمات ودول أو شخصيات بعينها بالتراجع عن تعبير أطلقته في غير محله.. ومن جهتنا نحن في العراق حصل أن جابهنا إشكال التعبير وموضوعيته أو دقته ما يتطلب مزيد اشتغال تنويري لتعزيز ثقافتنا الحقوقية القانونية وقدراتنا المعجمية بما يخدم التعريف الأنجع بقضايانا الإنسانية.. فهلا تفاعلنا بذات الطيب والإيجاب بيننا في هذا الاتجاه

ماذا يُراد من عبارة جرائم لا تسقط بالتقادم!؟

لقد ثبَّت المجتمع الإنساني عبر تجاريبه مصطلحات قانونية لضبط ظواهر الصراع والأزمات العميقة التي تقع بفخاخ تخرج فيها تلك الصراعات على أطر قوانين الحرب وقواعدها، أو مضمون القانون الدولي الإنساني الذي يُعرف أيضًا (اتفاقيات جنيف)، أو بصيغة أخرى: مجموعة القواعد الدولية التي تحدد ما يمكن وما لا يمكن فعله في أثناء أي نزاع حربي مسلح. والغاية من ذلك توفير الضمانات الكافية لحماية المدنيين واحترام إنسانية الإنسان حتى في الحروب، بما يُنقذ الأرواح ويخفف المعاناة.

فإذا ما خرجت الحروب على قواعدها أفضى ذلك لمعنى واحد هو ارتكاب الفظاعات التي سماها القانون: جرائم الحرب وأيضا شخَّص جرائم أخرى أشدّ فتكاً بجرائم ضد الإنسانية وثالثة بجرائم الإبادة الجماعية وأضاف لاحقا جرائم العدوان..

وقد سجَّل أنَّ هذه (الجرائم)، هي مما لا تسقط عقوبتها وما يستتبع تشخيصها والموقف منها بـ((التقادم))..

إنّ مرور الوقت على أيٍّ من تلك الجرائم الكبرى وفظاعاتها لا يُنهي موقف الحسم الحازم منها؛ لأنه إذا ما حدث ذلك، فستتكرر وتستمر معاناة البشرية من آثارها الكارثية غير المحتملة؛ بسبب من حجمها لا الكمي حسب بل النوعي القائم على استمرار آثارها وتبرير وقوعها مجدداً الأمر الذي يطعن كل معاني الأنسنة والاستقرار والسلم المؤمل تحقيقه لتطمين الوجود الإنساني وتفرّغه لمعانيه السامية..

لكن لكل شيء معنى محدد بخلافه لا فهم موضوعي ولا حوار ولا تفاهم في ضوء انفلات الأمور وفوضويتها؛ من فإن التقادم يتحدد بالمعاجم اللغوية والقانونية كي يكون ذلك عونا لفهم مشترك من جهة وللتفاهم البيني من جهة أخرى.. أما ما ذهب إليه المعجم من معنى محدد للتقادم فهو يتأتى من امتداد الزمن بأمر حتى يمضي عليه فتتقادم الأحداث والوقائع كما تقادم بناء بيت أو شيء حتى يتآكل ويكاد تنتهي قيمته الأصل إذ نرصد منحنى تآكل تلك القيمة حتى تتوقف وتنتهي عند نقطة بعينها هي نقطة السقوط و\أو الانقضاء..

والتقادم (في المصطلح القانوني) : مدَّة تتحدد زمنياً تسقط بانقضائِها وانتهائها إمكانية المطالبة بحق أَو بتنفيذ حكم. إنّ عدم مشاغلة الأطراف المعنية ومنها القضائية بما سقط لتقادمه يساوي افتراض تناسي المجتمع أصل الدعوى\الدعاوى في المسؤولية أو ما أشار القانون إليه من حق إقامة دعوى المساءلة في قضية مثلما إنهاء سلطة إجبار الخصم على تنفيذ عقاب وتلبية أو سداد مفردات يتضمنها، في ضوء عدم اجترار المجتمع..

إن المشكلة في فهم التقادم وعدمه تكمن في التلاعب بالمصطلح بعقلية مقصودة التضليل مرة أو ملتبسة لا تفهم المعنى والمقصد وتخضع لانفعالات خارج الأطر المتمدنة المنضبطة بقوانين وقواعد..

هنا يكرر بعضهم (صيغ) المقاتل والعزاءات ونواح الفواجع وإن ظهرت بلغة النداءات التي لم تقرأ موقفا حدث وحسم التساؤل مثلا تبنى المجتمع الدولي وأبرز دوله المؤثرة تسمية جريمة بكونها جريمة حرب أو إبادة جماعية لكن أحدنا يستمر بتكرار أين المجتمع الدولي وأين هذا الطرف الفاعل أو ذاك!؟ فعلى ماذا يستند التساؤل وإلى ماذا يشير إذا كان الأمر قد حُسِم واتخذ المجتمع الدولي تشخيصه الصحيح الذي ينادي به ايُّ منا؟؟؟

لعل وقوع بعضنا في تكرار نداءات تم إجابتها والتفاعل معها إيجابا، ناجم عن أثر ثقافة نصب العزاء الأبدي أو الصراخ بالمظالم عاليا ما يمنع تذكر الحقائق التي جرت هنا، أو يمنع رؤيتها كما جرت!! إذ ما معنى نداء بطلب إقرار أن تكون جريمة (جينوسايد) الإيزيديين (جريمة إبادة جماعية) وقد تم اتخاذ القرار من أطراف فاعلة ومن المتجمع الدولي؟؟؟ أتحدث عن صياغات تتطلب انتباه لأهمية الدقة في عرضها وفي إطلاقها كي تحقق غايتها الإنسانية ولا تقع بإثارة شحنات عاطفية ببكائيات المقاتل التي سلبت القوى الشعبية فعلها المستنير القادر على التغيير لا الاستسلام للبكاء والحزن والقنوط!!!

إنّ مقاصد القانون من فكرة التقادم وتبعات المصطلح تكمن في حماية استقرار الأوضاع الإنسانية ومنح رخصة أو سماح لبناء صحيح المواقف وسليمها وناضجها ومنع الوقوع بفخاخ منطق لا يقف عند أعتاب من ارتكب جريمة الإبادة ولكنه يتعدى متسعا متمددا نحو من لا علاقة له بالجريمة وهنا في جرائم كبرى كالإبادة الجماعية ومن ارتكبها ليس فرداً ولكنه طرف كمنظمة إرهابية وما شابه فيصير الرد قائما على خلط أوراق من قبيل إيزيدي ضد كل المسلمين أو استصراخ (المجتمع الدولي) برمته يتحول لإدانة من قبيل عار على البشرية الصمت ولكن البشرية لا تصمت على جريمة!!

نحن بحاجة للتأني وضبط النفس والاستعانة بالتخصص وما وفره القانون ومعجمه كي ندرك دقة الأداء وسلامة صياغة رسائلنا دفاعا عن ضحايا البشرية جميعا بلا تمييز ولا استثناء أو انحياز وعنصرية أو ما شابه من انحرافات التعبير الذي يكون على حساب الدفاع عن الحق لا لصالحه!!

أؤكد أن الجرائم التي أراد لها القانون ألا تسقط بالتقادم إنما أرد أو قصد أن تبقى درساً تستفيد منه الأجيال وتستقي الإيجاب وقدرة الفعل على بناء البديل وليس الوقوع أسيرة بكائية أبدية بإحياء الذكرى بصياغات لا تستقيم ومنطق تفعيل سمات التحدي وبناء البديل ومنع تكرار الجريمة…

وهناك لقاء بيّن الوقوع فريسة البكاء والمناحة وزرع السلبية وبين أمر آخر ربما كما أشرنا غير مقصود بوقوعه بخطأ الصياغة و\أو التعبير أو خطأ أو السهو عن موقف طرف ومطالبته بما اتخذ بشانه الموقف الذي نطالبه به أو ندينه لتأخر غير صحيح فيما هو لم يتأخر وكان اتخذ الموقف المنشود بوقت سابق أو أدى مهمته ولكن خللا وقع ولم نطلع على الحقيقة كما هي!

برجاء الانتباه على حقيقة كل مصطلح وما يحدد من إجراءات يقتضيها القانون ومعجم البشرية الأنجع في أداء مواقفنا وقضايانا وإعلانها وصيغ ما نعلن وما تتضمن من رسائل..

ثقتي أن المؤمن بقضية والمدافع عن تفاصيل الأداء في إطار الشأن العام لن يبخل أو يتأخر على البحث والتقصي وقراءة سديد الأمور لا استعجالها لمجرد أنه يريد وضع لمسة أو موقف لأن العمل خبط عشواء سيُنتج كارثة الاعتباطية وأنتروبيا المواقف بلا قيود واجبة فيطيح بالهدف الأسمى الذي كررنا افشارة إليه في أعلاه..

تحية وتقدير لكل من يستكمل المعالجة أو يعييد وضعها في سياق غايتها التوضيحية لمزيد دقة وموضوعية ومنطق عقلي علمي سديد.. فقضايانا الإنسانية ومنها ما يتعلق بمصائر المجموعات البشرية ليست من السطحية ما يمكن استسهال التصريح أو المساهمة بمعالجته من دون خلفية تفي بالمهمة الجسيمة دفاعا عن الضحية…

آثرتُ هنا تجنب ذكر أي مثال كيما نركز على تبادل الرؤى بأنجع ما يفيدنا ويفيد عملنا الحقوقي بخاصة والإنساني بعامة مع كبير اعتزاز بالنوايا الطيبة مرة وبالأفعال المهمة مرات أخرى

 

 

***************************

المعالجة بموقعي الفرعي في الحوار المتمدن تفضل بالضغط هنا 

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=727132

***************************

شكراً لتوقيعك حملتنا المدافعة عن حقوق شعوبنا بـ(((مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما)))

***************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة النوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي اضغط هنا رجاءً

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *