الكبت بين منظومة قيمية تفرض قيودها قسرياً وحاجة طبيعية تبحث عن كسر تلك القيود الماضوية السلبية وانعتاق منها

كتابات عديدة بين تحليلات علم النفس والاجتماع والسياسة وغيرها وجميعها تشير إلى أنّ الكبت ظاهرة تطحننا وتطحن آمالنا محاولةً إخراس ألسنة هواجسنا وأنفسنا وبهذا القمع تتفاقم حتى تتفجر عن نهج أو سلوك عدواني أو تصادر شخصياتنا وتطلعاتها فتضعنا في كنف المقموع بلا صوت يجاهر لا بحاجته ولا بما يستجيب لأمل من آماله فينتهي نسيا منسيا فيما يسود القاهر المصادِر بوحشيته وهمجيته وبكل مخرجات تخلفه ومنظومته القيمية القهرية.. كيف نتناول الكبت؟ وكيف نجد فرص المعالجة؟ سؤال بإيجاز يتطلع لتفاعلاتكن وتفاعلاتكم بلا تردد من الاختلاف قبل الاتفاق فالحوار لا تقيده موضوعية منطقه العقلي العلمي بل تمنحه الحرية المسؤولة بكل طاقات الانعتاق والتجدد وصنع البديل

الكبت بين منظومة قيمية تفرض قيودها قسرياً وحاجة طبيعية تبحث عن كسر تلك القيود الماضوية السلبية وانعتاق منها

بدءاً لا أتناول الكبت هنا بوصفها ظاهرة أُخضِعُها للتشريح المتكامل؛ ولكنني أتناولها بوصفها (آلية) تعبر عن منومة قيمية وكيف يتصدى الإنسان فرديا جمعيا لها ومن ثمّ كيف ننظر إلى تلك ((الضغوط)) التي دفعت وتدفع إلى الكبت ومن ثمّ إلى نتائج تخريبية من (عدوانية) تتفجر عن تفاقم الظاهرة أو (انحراف) يشوه الذات الإنساني ويلجم تطوره السوي المؤمل..

في ظروف بيئة قمعية أو تقوم على الردع والترهيب وفرض منظومات قيمية قسراً يلجأ الفرد للتحصّن وراء إخفاء أي نشاط يعبر عن حاجاته سواء كان ذلك ما يتعلق بجسده  أم بأي من معاني وجوده فيما يقع أما أسير القمع الذاتي والخضوع السلبي أو الرد المنفلت على ما يجابهه حيث عدوانية المقموع في تفاعله، فيما لا يبحث أي طرف قمعي عن ظاهرة الكبت بين التطرفين

فلطالما كانت فكرة (الكبت) تجسِّدُ آليةً سايكوسوسيولوجية، لخلق توازن بين الأنا المُصادَر والآخر المصادِر؛ أو بين القيم (المثالية) للمجتمع تلك التي تُغرَس في الذهنيتين الفردية والجمعية، والتي عادةً ما تكون قيماً تستمد وجودَها من منظوماتٍ تقليدية مُجترَّة بعماء ومن دون مناقشة وبين قيم الأنا المعبّرة عن حاجات الذات ومنظومتها التي تستجيب لها ولمطالب تلبيتها بسلامة؛ تلك التي تجعل العقل ومنطقه يسعى للانعتاق من قيود مفروضة كرهاً وبتشويه لا تبرره سوى أباطيلُ أضاليلٍ تتعارض والموضوعي وسلامته..

وبسبب عنف تهديد تلك التشوهات القيمية بكل أشكال العنف الفكرية والسلوكية، باتساع محاورها وأدوات سلطة العنف، بل سطوته من طرف بيئة مريضة؛ يلجأ المرءُ إلى (الكبت) الذي يتسم بازدواجيةٍ ماثلة للعيان، إذ نراه بوجه يتبدى لمحيطه: بالتظاهر والادعاء وركوب موجة أو أخرى تدفعه لإيحاء قهري يمنع أية استجابة موضوعية للعقل يمكن أن تلبي ما تريده منه الحاجات الطبيعية.. وتلك الآلية أي (الكبت) تتم لتجنّب تأثيرات الشعور المتضخم للقلق وعدم الاستقرار في الذاتين الفردي والجمعي عبر (آلية) الهروب من الترهيب المتأتي من ممثلي منظومة قيمية بعينها، وهو (الترهيب) الناجم عن فروض تلك المنظومة غير السوية والمُمعِن في تكريس ممارسات هروبية سلبية بمرحلةٍ بعينها التي عادة ما تتحول بحالات وظروف معينة إلى طابع عدواني في مرحلة أخرى تتكامل مع سابقتها..

من أنماط الكبت ما يقع بين شقيه المادي والمعنوي؛ حيث في الأول ما يتعلق بالحاجات الشخصية ومنها مثلا الجنس والمال وما يتعلق بالثاني أي، بإخفاء المشاعر والأفكار سواء الإخفاء سطحيا حيث يستدعيها المرء بظرف مختلف بعد أن أخفاها بظرف المجابهة الأول أم الإخفاء عميقا بمنطقة اللاشعور مما يبقى مدفونا ولكنه يعمل عمله بآليات نفسية غير مُدرَكة..   وبجميع الأحوال والأنماط، للكبت مخرجات قد تكون تدميرية تخريبية

وبكل الأحوال يبقى (الكبت) قسوة تدميرية للذات الفردي [والجمعي] ولصحيح نموهما وفعلهما؛ بمعنى الخضوع لتلك المنظومة المريضة والخاسر الذي أشرنا إليه هنا؛ يقع أما بمنطقة القمع والتغييب للتخفي والاختباء هروباً أو بمنطقة العدائية التي تضيف للتدمير والتخريب فعلا سببيا آخر لا يقتصر على تشويه الفرد وشخصيته بل تمتد بصورة أعمق واشمل لتصيب الشخصية الجمعية باهتزازات راديكالية غير محسوبة العواقب إذ تخرج عن السيطرة والإدارة العقلية التي تُصادَر وتُقمَع…

إنّ معالجة الأسباب والدوافع المؤدية لظاهرة الكبت واستنطاقَ صراحة التعبير بسلامةٍ وحرية وتوفير رعاية سديدة للشخصية ومطالب حاجاتها بتنوعاتها، ستجنّبنا كثيراً من تلك المشكلات وعثراتها، بل تجنبنا الهزات العدوانية في الشخصيتين الفردية والجمعية بردود فعل متفجرة، نتيجة معطيات الكبت واستمرار تضخمها وتفاقم التوترات الناجمة عنها..

فتمعنوا في معاني حاجاتنا (الإنسانية) للحريات؛ لا بحصرها بالمعطى السياسي أو الفكري الفلسفي، بل في معانيها الاجتماعية وفي معطيات أداءاتها النفسية في نطاق العلاقات السائدة ومنظوماتها القيمية ومنها السلوكية..

إننا بحاجة لدراسة منظوماتنا القيمية الضابطة على أسس العقل العلمي في قراءة المتغير الإنساني بشمولٍ وعمق يمكّنه من قراءة ما يختفي عن البصر لكنه الذي لا يختفي عن البصيرة؛ شريطة أن يكون التوازن قائما على ميزان الحرية والمسؤولية لا القمع والمصادرة التي تفرض السلبية وخصال الهروب من مواجهة المسؤولية وتسريبها أو تفريغها بتفجرات عدوانية تخريبية لحظة خروجها عن السيطرة!!

فلتصنع إرادة الشبيبة منظومتها القيمية بلا اجترار للماضوي المقيّد بعصر لا يوجد إلا في أوهام مرضى تقاليد محافظة متزمتة لا تقر للعقل وجوداً ولا للموضوعية أثراً؛ بينما الحرية المسؤولة تعني سلامة توازن بين الحاجة الطبيعية و\أو الضرورية لوجودنا الإنساني المستقيم وبين فروضنا القيمية التي نرى سلامة توفيرها للعيش الإنساني المنعتق من قيود تعسفية بلا مبرر سوى التعبير عن همجية ووحشية تجاوزتها البشرية في أغلب جغرافيا عصرنا لكنها مازالت تعشعش عند من يتحكم قهرا وكرها وقسرا بجغرافيا شعوب تدفع بأبنائها لمنطق الكبت بأنماطه وتنوعاته..

إن الحريات (الاجتماعية) بجانب الحريات (الفكرية السياسية) هي قضية جوهرية في بنية وجودنا وما تفرضه من منظومة قيمية سليمة؛ فهل سنراجع ((جوهر)) ما أرادته هذه المعالجة وما تناولته بعيداً عن تفاصيل قراءة الظاهرة سواء بحدود علوم السايكولوجيا والسوسيولوجيا أم بحدود البوليتيك أو الفكر السياسي وفلسفة المحافظة الماضوية وتزمتها وتطرف تشددها؟

إضافة ومحاور للتساؤل والحوار

علينا أن نرصد مخرجات الكبت بكل أشكاله وأنماطه لأنها ليست قضية عابرة و\أو محدودة في نتائجها ومظاهر ما ينجم عنها فهي جد معقدة وقد لا تُرى بسبب طابع الآلية وأيضا مخرجاتها ونحن نجد على سبيل المثال منظومة جد محدودة الأثر بمحيط الشخصية لكننا نجد كذلك منظومة آثار خطيرة في موضع آخر. ولنقرأ هنا على سبيل المثال: 

القلق والتوتر: الأمر الذي يؤثر جديا في قدرات إنتاجية الشخصية وطبعا علاقاتها

مشكلات بدنية صحية: مثل القولون العصبي، الأرق، ضغط الدم، اضطرابات الجهاز الهضمي، وربما تصل إلى حدوث أزمات قلبية واضطراب الذاكرة وغيرها كثير…

ظاهرة الخجل: المثيرة للانغلاق على الذات وارتداء حجاب عازل مع البيئة الرافضة لهويتهم أو حاجات الشخصية ما يدفعهم لمعالجة اهتزاز الثقة بتوجهات متناقضة.

ظاهرة ردود الفعل الانعكاسية المتسرعة المثيرة للمشكلات مع المحيط حد التفجّرات غير المبررة ما قد يصل إلى حالات التمرد و\أو تدمير الآخر والاستهتار به وباستقراره..

الانحرافات والتشوهات القيمية من سرقة وكذب ونميمة وإيقاع بالآخر أو اية قيمة غير أخلاقية ومنها تشوهات العلاقات الجنسية وهوية النظر إلى المرأة ومحاور فهم الأبعاد الجندرية بسلامة..

الأخطر في مخرجات الكبت توفير أرضية الإرهاب بصنع شخصية عنيفة بردود أفعالها وسلوكها المتمرد على الوعي وضوابط السيطرة السليمة..

وعليه فإن ما نتناوله هنا نختتمه بـ نداء يتجه إلى المعنيين بجميع أطرافهم من متخصصين وغيرهم، كيما يقرأ كل منهم الظاهرةَ من زاويته، أو بمحور من محاورها التي طرقنا سواء في متن التناول والمعالجة أم في المحاور المسجلة بينيا في هذه المادة؛ بقصد الإدراك الأنجع والأنضج وإيجاد المعالجات الأنجع والأكثر صواباً…

وللحوار بقية تتطلع لمساهماتكنّ ومساهماتكم

***************************

المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753411

المقال في موقع صوت العراق

المقال في موقع تللسقف

المقال في موقع

المقال في موقع

***************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة النوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *