العدالة في التعبير عن مكونات الشعب بين خطل تبني التوازن الكمي ومزاعمه وبين سلامة البديل الوطني

هذه مجرد تداعيات ذهنية بين القراءة النظرية للمطلوب من المعالجة والتمعن في واقع الحال: فهلا تفكرنا وتمعنا في البحث بين الأسطر عن الوقائع وأسمائها وأسماء من تقصدهم  بالمباشر وبوضوح؟

العدالة في التعبير عن مكونات الشعب بين خطل تبني التوازن الكمي ومزاعمه وبين سلامة البديل الوطني  

 د. تيسير عبد الجبار الآلوسي

لقد أصابت الطائفية المجتمع في مقتل عندما فرضت منطقها ونهجها على المجتمعات الوطنية ووقفت بوجه التطور المجتمعي الذي بدأ إنسانيا بأول الجماعات ومر تاريخيا بالأسرة الرأسية الكبيرة والقبيلة بكل أشكالها فمجتمعات دولة المدينة والدول القومية..

إن المجتمع الإنساني منذ ردح من الزمن بات يحيا في كنف هويات وطنية لم يعد التراجع عنها باتجاه الماضي المنقرض أمراً سليما، يمكن أن يُمارَس من دون تضحيات جسيمة وتخريب المباني الإنسانية الاجتماعية التي وصلت البشرية إليها؛ إلا أن ذات المجتمع كثرما جابه حالات ولادة مشوهة، ظهرت بإطارها نُظُمٌ مرضية بنيوياً متعارضة مع سلّم التطور وتشكيلاته الاقتصااجتماعية..

وإذا كانت البنية الفوقية لمجتمع بعينه يمكنها أن تستسلم في مجابهة ظرفٍ يسحق هويتها بتخريب ما وصلته من مستوى ليعود بها القهقرى، فإنّ البنى التحتية لا يمكنها إلا أن تُبقي على امتدادات الانتماء لآخر ما وصلته البشرية ومجتمعاتها ما يمنح فرص إعادة إنتاج القيم الروحية بصورة أقرب لإثارة وعي مضاد لنهج الطائفية ..

إن التخريب الطائفي يختلق طوائف (مغلقة) تصطرع في نهم الحصول على مغانمها مستغلة تسطيح الوعي من جهة وإشاعة الجهل والتخلف وتغليف منطق الاحتراب المفتعل بالقدسية المتأتية من الدين السياسي وليس طبعا من المعتقد و\أو الدين في أصل ظهوره ولا من المذاهب ومنطق وجودها وهذا هو ما يقدم منتجه من ترهات الخرافة ومخادعاتها وأضاليل أباطيلها.

وهكذا نجد أن اشتغال فكر المحاصصة تسهل أفعال تمريره بادعاء الحرص على إقامة توازن في كل المستويات من مسؤوليات ومناصب وإدارات فتخرج علينا تشكيلات (حاكمة) متحكمة بالمشهد بمزاعم الدفاع عن الطوائف ومصالحها!

مثلاً اليوم يتحدثون عن تقاسم الدولة العراقية ومؤسساتها الحكومية الإدارية بادعاء منح التمثيل لكل المكونات.. ولكن الطائفي بنهجه ليس سوى رقماً أو حساباً كمياً لا وجود نوعي فيه سوى نهج تخريب الوجود الوطني وهويته ومن ثمّ الطعن والإضرار بكل مكوناته.. بخلاف لو كان التمثيل بتلك القيادات الموجِّهة وطنياً يُعنى بمجمل البلاد وأهلها ويرسم مشروعاتها على أساس بنيوي نوعي مختلف وجوديا بكونه يرسم ذلك بمسيرة بناء وتقدم وتنمية لا أثر فيه لا لاختلاق الصراعات ولا لافتعال الاحترابات بل يرسم الأمور على أساس الكل الوطني الموحد من جهة والمحترم للتنوع في الوقت ذاته من جهة أخرى أي الأساس الذي يطبق مبدأ الوحدة في التنوع بما تتفاعل وجوديا كل المكونات باتجاه بنيوي تنموي يخدم جميع الأطراف..

إن نهج التفكير الطائفي وقوى المحاصصة التي تديره وتستغل إفرازاته يتعارض بالمطلق مع نهج التفكير الوطني فالأول لا يمتلك فرص الممارسة الديموقراطية ويتناقض معها ولا يمتلك حتى نية البناء ولا أية إمكانية للتنمية لأنه يقوم على التصيّد في مياه عكرة للهدم ولاختلاق الصراعات بينما الثاني أي الوطني يمثل بيئة ممكنة للديموقراطية واحترام التعددية والتنوع وأيضا يمتلك أفضل قدرة على إدارة فعل البناء والتقدم والتنمية على أساس استثمار الحاضنة الوطنية والتعاون والتكافل والاستقرار والسلم الأهلي بخلاف المشهد الفوضوي المتعمد في اختلاق أشكال الاحتراب والصراع من أدنى مستويات العنف والتوتر وحتى أقصاها في تفشي السلاح المنفلت وجماعاته التي تعتاش على الاقتتال ومنطق الإرهاب..

هذا هو التعارض بمستوييه في البنيتين الفوقية والتحتية.. وعليه فإن التوزيع الكمي للغنيمة على أنه توازن بين مكونات يسمونها كرها وقسرا الطوائف إذا كان صحيحا في المستوى الرقمي من جهة التوزيع فإنّ الأصح والأكثر صوابا أن مجمل تلك الأرقام هي لعناصر من سقط متاع المجتمع أتت بوسائل شكليا (ديموقراطية) عبر آلية صناديق اقتراع تستقبل نسبة ضيقة من جمهور الشعب والوطن وحتى هؤلاء يصوتون تحت رحمة سلاح الإرهاب الميليشياوي والمال السياسي الفاسد بكل مفرداته التي منها اختلاق طبقة كربتوقراط تتلحف  بجلباب الدين السياسي أو نهج الطائفية ومرجعياتها المضللة..

فهل يمكن أن نقبل ببروباغاندا الادعاء بسعي النظام لتحقيق (العدالة) في رأس السلطة الوطنية ورأس السلطات المحلية والمستويات الحكومبة الأدنى بتشكيلاتها جميعا تشريعية وتنفيذية؟ عن أي عدل وعدالة يمكن أن يتحدث الفاسد الذي لا يتوانى عن وضع اليد على كل مسؤولية ومنصب بوصفهما غنيمة!؟

هناك تعارض نوعي مطلق بين الفكر الطائفي للدين السياسي [هنا عراقيا الإسلام السياسي بأجنحته جميعا] وبين إمكان تحقيق العدالة؛ لتناقض الأهداف والمرامي والأساليب والمناهج بينهما. فالعدالة تحتاح لسلطة تتسم بالنزاهة جاءت ديموقراطيا وفي أجواء السلم الأهلي ومناخ الروح الوطني المحمي لا المطعون ولا المتعرض لأي مثلبة أو انتقاص أو تشويش وتشويه..

العدالة لا تمر بوجود سلاح أعلى صوتا وسلطة وسطوة من سلاحها الرسمي تحت أي مسمى بضمنه ادعاء أنه سلاح مقاومة عندما يسمون شلل الإرهاب التي تستهدف السلم الأهلي حصرا مقاومة! العدالة لا يمكن أن تتحقق بوجود المال السياسي الفاسد بهول ما يمتلك من تأثير ضاغط باتجاه المآرب والمصالح النفعية الانتهازية وشراء الذمم.. العدالة لا تتحقق ومن يقضي بشأنها يحكم بقضاء المطلقات الربانية المقدسة تلك التي تسرق النص الديني عندما تسوق قدسيتها الزائفة بديلا عن الأصل وعندما تسرق مكانة الأصل لتضع نفسها حاكما بدل القوانين التي تقوم على العقل العلمي الجمعي القائم على الفهم والتفاهم المشترك..

إذن العدالة في التعبير عن مكونات الشعب لا تقوم على التمثيل الكمي العددي لبضعة أنفار ممن باع إنسانيته وسلامة النهج وبات يتجر بالإنسان نفسه وليس بأملاكه فقط ليتسيَّد المشهد ويفرض نفسه ممثلا رسميا لمن أسرَهم بدائرة التطييف والدين السياسي.. إن العدالة باليقين المجرب تقوم على البديل الوطني الذي احتضن الديموقراطية نهجا فاستطاع تلبية شروط البناء والتنمية بعبارة أخرى لا مكان للعدالة في ظل نهج طائفي لأن الوحدة الوطنية ليست جمعا كميا لمتفرقات تم وضعها في تنافر ذلك أنها نسيج وحدها في انسجام المجموع بمشتركات وقواسم إنْ لم تقرّب وتوحّد فهي تعصم من التنافر وتوفر بيئة كافية للجذب ممثلة في وجود نوعي قائم على قاسم التعاون للبناء والتنمية وهنا سيتم توفير بيئة لعدالة للجميع ولإنصاف لا يميز ولا يكيل بمعايير مختلفة ولا يجور على طرف أو آخر ولا  يُقصي أو يستثني أحداً ولا يسمح بذلك بل يعمق أكثر فأكثر فرص اللقاء والاستثمار في الميدان الواحد بما يحترم الطابع التعددي بذات الوقت الذي يوفر وحدةً من طراز لا إكراه فيها..

العدالة ابنة الوطني القائم على مبدأ الوحدة في التنوع بينما انتفاء العدالة يقوم على حفر الهوة والتخندقات بدوائر طائفية متعادية تتقاطع بمصالحها فتظلم (الجميع) لمآرب نفعية استغلالية تخص الخاصة الفاسدة التي تتحكم عبر لعبة أنها المنقذ الذي يريد توحيد المفرَّق لكن الفرق لا تلتقي وهذا ليس بيده كما يزعم وهنا التعارض بين كل طائفي ومفهوم العدل والعدالة وإمكان تحققهما..

تذكروا هذا وارصدوا كم الدجل الذي يختلقه طائفيو السلطة وكم ما يوردون من مصطلحات لا علاقة ودية لهم بها بل علاقتهم تظل تعاكساً وتناقضاً طردياً بائساً بتخريبه وما يفرضه من دمار شامل!!

ألا فلنتفكر ونتدبر أمرنا تجاه العبث الذي يجري عراقيا.. وكفى تعني كفى ،حيث تنتفي العدالة في العراق بلد أول القوانين والشرائع على الرغم من كل الخطابات والادعاءات والمزاعم وقشمريات أباطيلها.

ويل لشعب يواصل الاستسلام والإغراق في جهالة التخلف  وعدم التمعن في المصطلح الذي ينبغي أنْ يحرك منطق العقل العلمي ويفعّل حراك التنوير ورفض اللعبة وعدم الانجرار وراء خطاب مكَّن الطائفية فكرا ونهجا من التحكّم بالأوضاع، مجمل الأوضاع؛ فحلَّ أو تفشى بسبب ذلك الخطاب الطائفي ونهج الطائفية الحاكم: امتهان الكرامة والحرمان من الحقوق والحريات ومن العيش الكريم ومن أية فرصة للتنمية واللحاق بركب البشرية ما يعني الضيم والظلم وانتفاء العدل والعدالة!!

ولكِ أنتِ .. ولكَ أنتَ فيما تقرآن عبرة كي تتخذا القرار والحسم تجاه من سرق العدل وتسبب في انتفائه

المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن حصرياً يرجى التفضل بالضغط هنا للانتقال وإبداء الرأي والتفاعل

***************************

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *