فرق غنائية راقية وألحان شجية ومطربات لَفَتْنَ الانتباه!

استقدمت بابل رابطة الفن والفنانين من خيرة منتجي الفن الغنائي العراقي وإنْ كان بودها الاتساع في الأمر أكثر .. فمَنْ كان حاضرا بين جمهور المهرجان من هؤلاء؟ صدحت في البدء لعشق العراق وثراه ومائه وسماه , صاحبة الصوت الشجيّ الحنون شوقية العطار فغنَّتْ لقيم الفضيلة والنضال:

كل الأغاني انتهت

إلا أغاني الناس

والصوت لو يُشترى

ما تشتريه الناس

والأمل بصبح لاسجون فيه:

اليوم بتنا هنا

والصبح في بغداد

وراحت تذكِّر الذي تهادت ذاكرته واستكانت في الغربة عبر أغنية غريب الدار:

ياغريب اذكر هَلَكْ

الأداء كان ساحرا حتى عندما نحسّ ذلك النشيج الذي يأتي من تفاعل مع دلالات الأغنية واستعادتها صورة العراق وأهله لحظات الفرقة والألم والحنين بل تزداد الأغنية طربا وجمالا بهذا الأداء المتماهي مع إحساس عميق بما ترمي إليه الأغنية ويضفي جمالا أكثر إبداع العزف على آلات يستنطوقونها التراث وروعة الفن الموسيقي المؤَلَّف من الروح العراقي الخالد من خرير أنهاره وهديل حمامه وخشخشة صفصافه وهكذا هو دأب البصري وفرقته ذات الروح الأصيل…

أما في يوم آخر فقد كانت مفاجأة مع إنعام والي وهي تقول لم ينتهي لون الحداثة في غنائنا في المنفى وليس للفن حدود يقبع خلف أسوارها مثل أسوار إذاعة الدكتاتور وأصداء ستوديوهاته , فعشنا معها ما ذكّرنا بفنانات السبعينات والثمانينات التي فتناها خلفنا منذ الرحيل الأول على عهد تسلّم الطاغية لتفاصيل الحياة حتى صارت الأغنية لا تُكتَب إلا له مثل غيرها من ممتلكاته.. وإنْ شابَ أداءها لحظة البدء عثيرة صغيرة تتعلق بتقنيات القاعة صوتيا ..

أما فرقة سومر فجمعت أغاني الريف العراقي إلى باديته إلى حاضرته وبغدادياته فدبك الجمهور في حلقة التفَّت حول القاعة , التي تتسع لمئات المتلقين , بكاملها وانتشى الجميع فغنى للبصرة ولبغداد ولكردستان للوديان والسهول والجبال وعلا الصوت مع كل أغنية عادت بهم وبنا إلى عالمنا الجميل الذي أُكرهنا على مغادرته.

ومرة أخرى يُلفت العراقيون الآخر إلى قدراتهم على تطويع ظاهرة اللقاء بين العراقي الأصيل والأوربي الجديد الذي يلتقيه فيتفاعل ويتبادل التأثير عبر فرقة من العراقي والأوروبي سويا..

وفي ختامها تجلّت الرائعة التي تتقدم خطواتها الفنية يوما بعد آخر الفنانة الأصيلة فريدة فشنَّفت الأسماع إلى الجالغي البغدادي إلى المقام العراقي وإلى أيام القبنجي والغزالي وإلى لون غنائي أطرب شباب الغربة مثلما أسكر شيبها وأعادهم إلى عهد بغداد الأزل بين جدها وهزلها .. صاحت مقاما وعلا الصوت حتى ملأ المكان وفاض عليه وعلى مَنْ فيه . . ياهل تُرى من الذي كان يريد ذلك اليوم الخروج من القاعة اللهم إلا إذا كانت وجهته العراق أو عراقي يستأنس معه بالذكريات .. الفرقة اكتملت بطبلها وسنطورها وجوزتها وطرب الجميع بصوت ساحر وموسيقا أصيلة راقية …

 

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *