في ضوء عاصفة التصريحات المتشنجة.. لا للتعرض للكورد ولحركتهم التحررية وللقيادات القومية الكوردية التقدمية
تعرّض الشعب الكوردي وحركته التحررية وعدد من أبرز قياداته السياسية لهجوم ظاهره: التذرع بحجة رفضهم تمرير قانون انتخابات مجالس المحافظات، وجوهره عند قوى بعينها: في مكمن آخر. وإذا تطلعنا في طبيعة الهجوم الإعلامي السياسي المشحون اليوم فسنجد تضمنه التعرض للشعب الكوردي ولقياداته بالشتيمة والتجاوزات اللفظية واستخدام رخيص القول في الخطاب الموجه إليهم وفي أفضل أحواله:
تجهمه وشديد الشحن والتوتر الذي اتسم به.. وهذا ما يسفر بوضوح عن المعدن الحقيقي للمهاجمين [المعنيين] وعن جوهر هوياتهم وما يكنونه من عداء للشعب الكوردي ولحركته التحررية ولتطلعات هذا الشعب في الانعتاق والعمل معا وسويا مع كل أطياف الشعب العراقي بروح المساواة والعدل والإخاء…
إنَّ قوى بعينها تعمَّدت مثل هذا الخطاب، تشجيعا ودفعا لقوى مترددة [أو مختلفة سياسيا تكتيكيا] لكي تنزل إلى الميدان مجيِّرين إياها في الحملة ضد حقوق الكورد في العيش بسلام وبلا تبعية وابتزاز أو انتقاص من مكانةِ ِ و وجود.. وهذه القوى أو بعضها هي ذاتها التي رفعت يوما شعار “كوردستان عدو الله” وهي التي طالما تحدثت عن شوفينية تلصقها زورا وبهتانا بالشعب الكوردي؛ متخفية عند الرد عليها ومواجهتها بالمنطق الصحيح بأنها تقصد قيادات فيه فقط.. فيما تستمر حملة هؤلاء بحجج وذرائع تبيّت انتهاز فرصة أو أخرى لمراجعة سلبية لكل ما انجلى عنه نضال الكورد التحرري من مكاسب وحقوق..
وأول تلك المراجعات المتوهم التوجه إليها تكمن في استهداف الفديرالية نظاما توافـَقَ عليه العراقيون جميعا (وليس الكورد وحدهم) في التعاطي مع العلاقة التي تحكم روابط كوردستان مع بقية الأقاليم والمحافظات العراقية.. ويحاول أعداء حقوق الشعوب هنا دق أسفين بين أبناء الشعب العراقي بالإيهام بأن الدولة المركزية هي الأفضل وأن الفديرالية في كوردستان هي تفتيت للعراق وللشعب العراقي.. وهم اليوم مثلما بالأمس يستغلون فرصة الاختلاف في قانون الانتخابات وبخاصة في عقدة كركوك مثلما هم دوما يفتشون جاهدين في البحث عن فرص وذرائع لكي يمرروا تصوراتهم على حساب إرادة العراقيين الذين صوَّتوا بشكل حاسم ونهائي لفديرالية كوردستان إقليما له خصوصيته في إطار عراق فديرالي موحد ولحقوق الكورد وكل المجموعات القومية والدينية في بلادنا…
وقد ينجر مع هذا الضجيج وفي ظل الزوبعة المفتعلة قسم من المتلقين الذين لا تظهر الصورة واضحة أمامهم في أجواء التعتيم والتضليل وارتفاع أصوات التشنج من جميع الأطراف فيوسِّعُ الأمورَ وتداعياتها وهذا ما يفرض علينا جميعا أنْ نعمل بعيدا عن ردود الفعل وعن التفاعلات السلبية المتشنجة وتعزيز مسيرة التهدئة وإعلاء شعارات التآخي والوحدة الوطنية وفي ظلالهما توكيد احترام حقوق الجميع على أساس من المساواة وإنصاف الحقوق المشروعة العادلة من دون انتقاص منها لأي طرف…
إذن، فالمطلوب اليوم ودائما يكمن في التصدي لأية محاولة تتجاوز على ثوابت حقوق العراقيين ومنهم اليوم هنا تحديدا الكورد وجميع أبناء إقليم كوردستان الفديرالي الحر.. وللعراقيين أنْ يضعوا خطا أحمر أمام مثل هذه المحاولات تجنبا للهزات والزلازل غير المحسوبة الناجمة عن انتهازيي الفرص من الذين تظهر رؤوسهم وأصواتهم عالية في الشدائد ولحظة بروز اختلاف أو تعدد في الرؤى والمعالجات لقضية أو أخرى.. وأن يجد العراقيون أمر تجاوز حال من انفعال أو اختلاف مهمة ذات أولوية لعزل أعدائهم وتبيِّن مفردات مسيرتهم والحلول المؤملة لقضاياهم…
وإذا كنّا سندافع عن حق الجميع في عرض رؤاهم وفي التعاطي مع أية قضية بكل حرية فإنَّ حرية إبداء الرأي والمشاركة في وضع الحلول لا تسمح بقبول التجاوز أو الشحن ولا بافتعال التوتر أو استغلال الفرص لاستخدام خطابات مَرَضية ولا بخطابات الاتهامات والتخوين التي شرعت أطياف شعبنا بمغاردتها إلى الأبد ومحوها من معجمها الاجتماعي والسياسي حيث تتوطد العلاقات الأخوية والتفاعلات البناءة القائمة على الاحترام وتبادل عميق روح التآخي والتآلف…
وسيبقى للعراقيين ثوابت وخطوط حمر لا تسامح عندها مع أيّ كان في الاختراق أو التجاوز. فيكفينا ما مضى من محرِّضات الصراعات وحالات الفصل والانقسام بين مكونات الوطن الواحد من مجموع شعوبه وقومياته ومجموعاته الدينية والمذهبية المتآخية عبر تاريخها ولكن المستلبة المفروض عليها قسرا حال الاحتراب والتمزق.. ومن كان يفرض كرها هذه السياسة الدموية التصفوية ليس غير أعداء الشعب العراقي بأطيافه جميعا وأولئك أنفسهم هم الذين يخططون منتهزين الفرص اليوم ليعيدوا محاولاتهم المرضية…
ويقينا فإنَّ مشكلة كأسلوب التصويت (السري) في البرلمان ليست بـ (السبب) الذي يسمح بالتجاوز على طرف أو آخر ويمكن حل مثل هذه الإشكالية بمراجعة ما جرى ومناقشته في مختلف الهيئات الدستورية الرسمية سواء في هيأة الرئاسة التي مارست دورها إيجابيا أم في المحكمة الدستورية إذا تطلب الأمر أم في إطار المراجعة البرلمانية العادية الطبيعية لتصحيح خطأ حصل في تجاوز أمر دستوري… وكذلك فإنَّ مشكلة كالموقف من علمانية تشكيل الأحزاب أم غيره وفي حق استغلال الصور والرموز الدينية أم لا؛ لا يمكنها أن تكون (سببا أو دافعا) للاصطراع وللهبوط لحضيض التصريحات المشحونة بالعدائية بدل الروح الوطني الذي يمثل القاسم المشترك بين الجميع…
وحتى قضية كقضية كركوك وإعادة تخطيط الحدود الإدارية للمحافظات وحل تبعات التعريب وسياسات التهجير والتغييرات الديموغرافية التي طاولت مدنا وقصبات كوردستانية وغيرها؛ حتى هذه القضية لا يمكن أن تكون مشكلة بقدر ما تمثل معضلة قد تكون صعبة الحل ولكنها لن تكون مشكلة تمزق نسيجنا الذي أعلن وحدته في احترام تعدديته وتنوع الطيف فيه وتقديس حقوق جميع المكونات ووضع مسألة المساواة والعدل والإنصاف خطا أحمر لصالح كل الأطياف وليس فيه من حيف ضد أي طيف…
وستنجلي جميع الأمور وكافتها يوم نعزل القوى المعادية لشعبنا ومسيرته في الخيار السلمي وفي التعايش والوحدة الوطنية فيما نقبل بجميع الرؤى والمعالجات باحترام مطالب الجميع وتلبيتها بآليات الحوار وأخذ القواسم المشتركة بين الجميع كونهم كافة أبناء وطن واحد ومصلحة استراتيجية واحدة… إنَّ النظر في أرضيتنا الواحدة تدعونا هنا لروح التسامح وللنظر بموضوعية إلى جواهر الأمور لا مظاهرها، بغية تحقيق الإيجابي وتفويت الفرصة ليس على أعدائنا حسب بل حتى على أنفسنا عندما نستسهل لها حال الانفعال والتوتر وحال فرض خطاب ذاتوي انعزالي متوتر…
إنني والشخصيات الوطنية كافة ونحن مع قوى شعبنا الوطنية والديموقراطية وفئاته العريضة نجد أن ما جرى يمثل أمرا عاديا في مرحلة التأسيس لمسيرة الديموقراطية ومن الطبيعي أن تظهر اختلافات وتنوع وتكتيكات التضاغط والحسابات السياسية لتنفيذ هدف أو غاية أو أخرى؛ كما يظهر ما يعترض المسيرة من أخطاء وثغرات ونواقص.. ولكننا بمزيد من الوعي الوطني وبخلفية من قواسمنا المشتركة ودفاعنا عن حقوق الآخر في وطننا نثبِّت الأسس التي نبني عليها عراق الغد بشموسه وأنجمه أي أطيافه المشرقة ودا ومحبة وسلاما…
ونحن سويا حماة العراق الديموقراطي الفديرالي الموحد ومطالب جميع مكوناته وفئاته وقواه. ونحن جميعا نحمل عاليا صوت الآخر محصنين وحدتنا وتكاتفنا بعيدا عن ضوضاء الشتيمة، رافضين رخيص الصوت، متصدّين لأقاويل التضليل والإيقاع بيننا. ومن الطبيعي لموقف كهذا أن يتضمن دفاعا عن أخوتنا في الوطن والإنسانية من الكورد وقواهم التحررية جميعا وقياداتهم النبيلة… ولن يعني وجود تصريح خاطئ أو متشنج أو آخر في غير موضعه أو يختلف معنا أمرا مضيرا؛ فنحن نؤسس لديموقراطية التعدد والتنوع واحترام الآخر ونجد أن ديدن مسيرتنا هو أعمق هدوء، أعمق تكاتف، أعمق حوار ودي أخوي وأعمق تفاهمات نتوافق فيها دافعين عجلة الحياة إلى أمام وإلى أعلى.. وفي هذه المرحلة لا سبيل لنا خارج إطار التوافق الوطني فلسفة سياسية صائبة وناجعة…