من أجل القضاء على العنف وإنهاء معاناة المرأة العراقية التي باتت مضاعفة ووصلت حد استعبادهنّ والاتجار بهنّ

(اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة)

من أجل القضاء على العنف وإنهاء معاناة المرأة العراقية التي باتت مضاعفة ووصلت حد استعبادهنّ والاتجار بهنّ

يمثلُ العنفُ ضدَ المرأةِ والفتيات حالَ انتهاكٍ فاضحٍ لحقوقِ الإنسان. ولعلَّ أشكالَ العنف الذي تتعرض له النساء، النفسي منه والمعنوي والبدني، إنَّما ينجم عن التمييز ضد المرأة سواء قانونياً أم بالممارسات الفعلية بوساطة نهج اللامساواة بين الجنسين وغيرها من الدوافع.. وإذا كان الجانبُ القانوني يعبر عن النظم السياسية فإنّ الممارسات المنتشرة تجسد النظرة المجتمعية السائدة؛ الأمر الذي يترك جملة من الآثار السلبية المعيقة لمسيرة التنمية والتقدم في مجالات كثيرة منها: قضايا القضاء على الفقر والمرض كما في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية\الإيدز وكذلك في قضايا السلام والأمن.

إنّ ظاهرةَ العنف ضد المرأة تمثل وصمة عار بجبين المدنية. فهي وباءٌ عالمي تعاني منه البشرية اليوم بوصفه مرض من أمراض التخلف القيمي السلوكي. إنها ظاهرةٌ كبيرة الحجم تتبدى بأشكال مختلفة للعنف فتشمل نسبة 70% من النساء؛ منهنّ 35% ممن يتعرضن للعنف الجنسي الذي قد يتسع ليشمل ببعض البلدان سبعا من كل عشر منهنّ. نضيف هنا حال تشويه الأعضاء التناسلية للإناث بما يُسمى الختان الذي طاول أكثر من 130 مليون امرأة وما زالت الجريمة تتهدد حوالي 30 مليون فتاة أخرى تحت سنّ الـ15… وهذه الفئة العمرية تعرض منها حوالي 250 مليون لتزويجٍ قسري من 700 مليون تعرضن للتزويج المبكر بكل ما فيه من مشكلات.

من هنا جاء اختيار الـ25 من تشرين الثاني نوفمبر ليكون اليوم البرتقالي، يوما عالمياً لتركيز الجهود في إطار حملة دولية تحمل شعار:“اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة”. وعراقياً اتسعت حالات التمييز ضد المرأة. وجرى استغلال الدين بشكل سلبي مضاعف فبعد قانون العار الذي استغله النظام الدكتاتوري المهزوم في إعدام المعارِضات بذريعة (الشرف) بات الوضع اليوم لا ينال من أعداد محدودة بل اتسع لتأتي ثقافة التخلف المنتمية إلى جذور الفكر الطائفي الديني وإلى آليات اشتغال الخطاب السلبي للروح العشائري القبلي الماضوي بكل ما تترتب عليه فلسفة المجتمع الذكوري من أوهام مرضية قاتلة…

وعلى مدى أكثر من عقد من عمر التغيير في العراق؛ تفاقمت مشكلات التنمية وباتت تشير إلى تراجع مساهمة أكثر من نصف المجتمع تراجعا خطيراً بسبب الموقف السلبي من المرأة، في ضوء سطوة فلسفة قوى الظلام على المجتمع عبر سلطة أحزاب الطائفية السياسية؛ وما أشاعته من ثقافة كهنوتية طقسية تعتمد أسوأ عناصر التقاليد البالية في تاريخ البلاد..

وفي ضوء ذلك فإن الاستراتيجيات التي وُضعت عراقيا حكوميا في مرحلة سابقة، ربما تناولت بعض جوانب مهمة بخاصة في شأن السكان والمرأة إلا أنَّنا لمْ نلمسْ نتائج ميدانية تُذكر. وأخطر أولوية هي ما تعلق بالتنمية البشرية وتحديدا بشأن أبرز فئة مجتمعية بالإشارة إلى النساء بوصفهنّ يشكلنّ نسبة تقترب من الـ60%.. لكن هذي الفئة المجتمعية ظلت طوال العقد الأخير الأكثر عزلا ومحاصرة وتعرضاً لأبشع أشكال التجهيل والتعطيل والاستغلال..

ومازالت المرأة تعيش ضمن اقتصاديات الحد الأدنى أو حتى ما دون الكفاف، ومعظم هذه النسبة تجد حالها مطحونة بين حجري رحى التردي البيئي بأوسع ما يعنيه مصطلح بيئي من جوانب جغرافية طبيعية ومجتمعية. وفي هذه الأجواء الكئيبة تقع النسوة ضحية أمراض مجتمعية مختلفة؛ لكنهنّ يبقين تلك الحالات الإقصائية وأعمال التعنيف والظلم، مساهِمات رئيسات في اقتصاد البلاد إذ يعانين ويشقين ساعات أطول ويساهمن بانشغالات عمل أكبر في كثير من الأحيان لدعم دخل الأسرة.

وعلى الرغم من الأعمال المنزلية بتنوعاتها، فإنّ مجتمعا [كالمجتمع العراقي] يحسب الأمور وقيمها (الاقتصادية تحديدا) بالأوراق المالية وتداولها بين أطرافها، ومن ثمَّ فهو لا يعدّ سوى صفراً مادياً؛ إنه بتوصيف آخر أعمال سخرة وعبودية بلا مقابل.. وفي ضوء ذلك، تضع المؤسسات الحكومية وإحصاءات الاقتصاديين وضمنا رجال العائلة، يضعون جميعاً المرأةَ في باب العطالة وانعدام القيمة المنتجة.

إن مجتمعنا العراقي اليوم يبخس عمل المرأة ويضعه دون قيمته الحقيقية الفعلية، وتبقى المساهمات النوعية المهمة التي تباشرها النساء من ساعات طوال يوميا، لرعاية عوائلهن ومجتمعاتهن؛ تبقى تلك المساهمات لا تحظى بما تستحقه من قيمة ومن اعتراف منتظر. وعي بدل ذلك تتلقى التعنيف باستمرار لأي قصور يظهر بسبب حالة مرضية أو لي سبب كان وحتى بسبب مزاج بعض الرجال تجاه تلك الأعمال!

إن هذا التجاهل لقيمة مساهمات النسوة الاقتصادية والاجتماعية من شأنه أنْ يؤدي إلى شلل أية جهود تستهدف تحقيق التنمية المنشودة، كما أنّ غياب الاستثمار المبرمج في جهودهن من شأنه أن يتدنى بمستوى إنتاجيتهن ويهمِّش ما يقمن به. وسيحدّ بالنتيجة من إمكانات تقدم المجتمع وتطوره.

وبقصد التغيير الفعلي في حياة المرأة بوصفها إنسانا له كامل الحقوق، يجب قراءة إحصاءات مساهمة النسوة في سوق العمل بالاستناد إلى الحقوق والحريات وإلى إنصافهنّ ومساواتهن، وطبعا بما يتجه نحو بناء شخصية المرأة من جهة الرعاية الصحية المجتمعية ومن جهة مستوى التعليم وملاءمته لمستويات التقدم العالي دوليا أيّ بما يلبي إعدادهن نوعيا كي يكنّ بمستوى الأداء المميز للأعمال التخصصية بمختلف القطاعات.

في حين كنا طوال السنوات العشر بما احتوته من تراجيديا وظروف كارثية، نرى أنّ المرأة العراقية ليس في داخل الوطن حسب بل حتى في المهجر، نراها قد خضعت لأتعس ظروف الاستغلال وتمّ إغفالها أو إقصاء دورها الفعلي مجتمعيا، ولعل أبرز عامل وقف وراء هذه النظرة السلبية أو الموقف السلبي، كان يكمن في الثقافة الذكورية من جهة وفي مفردة التبرير الأخلاقي الذي عادة ما كان يتم إسقاط القدسية الدينية عليه بمعنى تغليف كل موقف سلبي بذريعة دينية، وهذه التبريرات وذرائعها ليست سوى ادعاءات ومزاعم ثقافة مرضية لا علاقة لها بجوهر الدين حقيقة؛ وبالنتيجة كانت الأمور تسير دوما باتجاهات إقصائية استغلالية، تتعارض ومسيرة البناء والتقدم.

المشكلة التي نريد الحديث فيها أن المرأة نفسها بات قطاع منها يؤمن بتلك الفلسفة المرضية التي تتحكم بهنّ وبمصائرهن أو أنهن لا يجدن سندا قانونيا وإن وجدن تقف تقاليد المجتمع بوجههن ووجه مطالبهن.

إنّ رصدا فعليا لأحوال النسوة مازال متدنيا. ولكننا نشير إلى ما يترعضن له من دون إحصاءات معتمدة:

  1. جرائم الاختطاف التي تتم في أجواء تسهّل ارتكاب الجريمة لمجتمع مريض فقير قيميا ومنفلت الأوضاع ميدانيا.

  1. جرائم الاغتصاب بأشكالها وممهادتها سواء في الإطار العائلي المتستر عليه والمحظور الحديث فيه أم خارج البيت في مختلف الأماكن.
  2. جرائم الازدراء والطعن المعنوي الأدبي والنفسي والبدني. وهو ما يترك ندوبا غائرة في الأنفس وقد يتسبب بعضه بعاهات مستديمة…
  3. جرائم القتل ومنها ما يسمى جرائم القتل غسلا للعار! وغيرها مما يُرتكب لدفن جرائم أخرى كما هي محاولات إخفاء جريمة اغتصاب أو اختطاف أو غيرهما.
  4. جرائم التزويج المبكر والقسري بحق الفتيات لمختلف الذرائع والأسباب.
  5. جرائم الحرمان من الدراسة وأشكال التعليم مما يفرضه الأهل أو مما يفرضه الواقع الاجتماعي العام وقدرات الاستيعاب ووصول المدارس والتعليم. حيث نجد كثيرا من الأرياف بلا مدارس وبلا صفوف تعليمية..
  6. ما تتعرض له المرأة من إهمال في الرعاية الصحية ومنها الرعاية النفسية أو تلك التي تتعلق بالحوامل وعمليات التوليد.. وفي ذات الموضوع ما تتعرض له النسوة والتفيات من عمليات تشويه الأعضاء التناسلية بما يسمونه ختانا ويحيلونه للدين أو التقاليد!
  7. الحرمان من العمل والتعرض لجرائم التمييز في التوظيف والتشغيل على أساس الجنس. ولعل ألاعيب عديدة يتم ممارستها لإقصاء المرأة من الوظيفة في ممارسة جرّمتها القوانين الدولية.
  8. وإذا كانت المرأة محرومة من الرعاية الصحية المناسبة ومن التعليم وحتى الحق في العمل فهي أيضا محرومة من أمور أخرى من قبيل ممارسة الهوايات الرياضية والفنية.
  9. والمرأة لا تحظى بمقابل عن أعمالها المنزلية المضنية وهي تتقاضى أجورا أدنى من الرجل في الأعمال المتساوية! ويجري اتسغلالها ببشاعة في الأعمال متنوعة بالريف وحتى بالمدينة من دون إشارة لتلك الجهود الاستثنائية.
  10. على الرغم من وجود كوتا فهي مفرغة من العامل المضموني النوعي ويجري دوما حرمان المرأة الناشطة من احتلال مركز وظيفي متقدم…
  11. الضخ الإعلامي السلبي بخاصة مع سيادة الفضائيات التابعة لأحزاب الطائفية وألاعيبها وفلسفتها الظلامية بما يثير قمعا نفسيا ومجتمعيا شاملا للشخصية النسوية.
  12. لعل أبرز الجرائم وأخطرها أثرا هو المتاجرة بالأطفال وظهور سوق لبيع وشراء النساء! لمقاصد جنسية ولاستعباد مُذِل وتناقض مع قيم الحرية والإنسانية.
  13. وليس آخرا أن نؤكد على أهمية إبراز قضية العنف الأسري بالتحديد وبوصفه جريمة يجب مضاعفة العقوبات عليها وفتح سبل الكشف عن تلك الجرائم ووسائل فضحها وتقديمها للعدالة.

إنّ النظرة الدونية التي يمارسها المجتمع اليوم لا تمحوها مؤسسة كوزارة المرأة في ظرف مارست مهامها بسلطة ذكورية وبفلسفة ذكورية ماضوية تتعارض وما تم تأسيسها له. فجملة القرارات التي صدرت في إطار وزارة المرأة وبمجمل المؤسسة الحكومية ببغداد وحتى في القطاع الخاص: أما تم تفريغها من مضامينها أو جاءت شكلية شعاراتية للمزايدة أو أنها كانت تستجيب لضيم وظلم من ثقافة ذكورية مترسبة تفاقمت في ظل توجهات عامة سادت في العقد الماضي بحجج واهية؛ على طريقة تكفير المجتمع والاتجاه به إلى دين يمتلئ بطقسيات مفتعلة مصطنعة ودخيلة على المجتمع العراقي.

وبناء عليه ومن أجل نشر ثقافة إيجابية بديلة بالخصوص، يجب تشجيع الحوارات والمناقشات التنسيقية التنظيمية في السياسات المشتركة بين ميادين العمل وحقوله وقضاياه المرتبطة بالمرأة وشؤونها ذات الأولوية وما يجابهها والمجتمع برمته من تحديات يجب مواجهتها ووضع الخطط الخاصة بمعالجتها وحلها، مع دعمها بالقوانين والتشريعات من خلال فعل برلماني وحكومي مخصوص ومختلف نوعياً ويستند إلى استراتيجية تلتفت إلى المرأة العراقية بتقديم دعم استثنائي لصياغة السياسة التنموية بوساطة تفعيل لجنة وطنية متخصصة تتألف بعضويتها من ممثلي الوزارات والجامعات ومراكز البحث العلمي ومن ممثلي منظمات المجتمع المدني وبالتأكيد من ممثلي منظمات المرأة وأولهم المنظمة العتيدة بعمقها وخبراتها بالإشارة رابطة المرأة العراقية.

إنّ العنف ضد المرأة والفتيات ليس بالأمر الذي لا يمكن اجتنابه، فمكافحته أمر ممكن وحتمي لإزالة عواقبه وتكاليفه المريرة لأجيال لاحقة. كما أن المناسبات من مثل يوم الخامس والعشرين من نوفمبر أو  نسبة لارتداء ملابس برتقالية اللون رمزا للتضامن هي فرص للتداول ولوقفات جدية فاعلة ومؤثرة يمكنها التصدي لمعالجة قضايا كبيرة  مثلما مهمة القضاء على العنف ضد المرأة بدون أي تحفظ أو مواربة أو تأخير.

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *