العراق بين ثقافتين متناقضتين.. ما السبيل إلى البديل؟

أكتب في ضوء ما يجري من دفع نحو ذرى الاحتراب المفتعل كعادة سياسة الطائفيين الذين يتحكمون اليوم، إشارة إلى احتراب لا يتوجه بآلامه إلا ضد قوى الشعب الحية ومكوناته.. وفصول الكارثة تجري في اتجاهين: تعزيز للميليشيات استعدادا لحروب دموية أبشع طائفيا طبعا على حساب الدولة العراقية (الفديرالية) واتجاه الجرائم الاقتصادية التي تهمل الاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد وتعتمد توسيع ظاهرة الفقر لاستغلال الناس ولمحاولة شراء الذمم ولا نهاية في هذا، سوى الانهيار والوقوع بين  براثن متاريس الحرب التي يستعدون لها.  فاللحظة التالية ستكون لا تأخير دفع أرزاق الناس بل حرمانهم الكلي بسبب الإفلاس ومن ثمّ التوجه للفوضى وطرف يأكل الآخر…
هذه قراءة عجلى في المجريات، عبر مقارنة بين نموذجين اقتصاسياسيين واتجاههما لعل هذي القراءة تكون بذرة تنبيه لجميع الأطراف كي تفرض اعتماد سياسة بنائية استثمارية لا تشغيلية استهلاكية مرضية ولتشرع في التحضير لمواجهة المخطط المرضي البائس ووقف مفرداته التي تقدمت بنيرانها كثيراً وهي تلتهمنا جميعاً وكافة
وعسانا نوصل الصوت ونتعرف إلى البديل الأنجعالذي ينقذنا

مقالي في صوت الآخر ليوم الأربعاء 04\05\2016

أنْ يكونَ بيتُك من ثمارِ جهودِك، يجعلهُ أكثر جمالاً وبهاءً، ويدفعك نحو التمسك به، دفاعاً عما أنجزتَ. ولمن يريد أن يتسع في الموضوع ليتحدث عن وطن وشعب؛ يمكنه أن ينظر أولاً حواليه، ليرى كيف باتت الدول والشعوب، بحراك متنام من أجل تعزيز قدرات الإنتاج وتتويجه باستقلالية القرار وأخذ موضعه في عالمنا.

وفي نظرةٍ عجلى، نلاحظ كيف دخلت الصين اليوم بواحدة من البوابات التي دخلتها لتوكيد وجودها البنيوي الاقتصاسياسي، إذ شكَّلت قيادة لرسم أسعار الذهب والفضة بعد أن كان الأمر مقصوراً على الكتل الاقتصادية الغربية (اليورو والدولار ومعها الين الياباني) بالإشارة إلى مصدر قرار التسعير في لندن تحديداً طوال الزمن المنصرم.

 اليوم أخذت الصين قرارها في ضوء كونها من أكبر المنتجين والمستهلكين لهاتين الثروتين، اللتين تشكلان دعامة العملة ومن ثمّ الاقتصاد وديمومة الاستقرار والحياة الكريمة للصيني، طبعاً عبر أمرين هما: قرار وطني بإرادة مستقلة، وجهود تدوير العجلة الاقتصادية برؤى استراتيجية بنيوية لا تتوقف عن الدوران، بفضل صواب التخطيط والتنفيذ وبفضل التقدم بجهود إنتاج لقمة العيش للجيل الحالي وللأجيال القابلة…

في العراق العملة متدهورة ومعها انكسار بثلاثة أصفار وعلامات سوء مرضية أخرى. والقضية، مبدئياً،  ليست عصيةعلى العلاج بوجود ثروة معدنية هي الذهب الأسود ومعه انتباهة إلى ما يُحرق يوميا منذ عقود من ثروة أخرى هي الغاز فضلا عن البيئة وما فيها من أشكال وفرص إنتاج الطاقة البديلة من رياح ومياه وشمس… وإذا تجاوزنا مؤقتاً موضوع استثمار الطاقات أو الثروات التي نحرقها أو نهملها فإنّ النفط قد جاء بثروات مهولة ويمكن أن يأتي بأخرى على المدى الزمني المنظور ولكنه طبعاً المحدود بنهاية بعينها.

حسناً، ما الفرق بين الصين التي تمتلك ثروتين طبيعية وأخرى من صنع الصيني نفسه وكيف يجري تنميتها وبين العراق بما يمتلك من ثروات تكفي أجيالا فيه، في وقت لا يجد العراقي منها ما يفيه شرور الفقر والعازة وبلاء تفاصيل اليوم العادي!؟

الصين ببساطة ((تستثمر)) ما تملك من ثروات لدعم قيمة عملتها ثم لدعم دوران عجلة الإنتاج.. فتأكل مما تنتج؛ على الرغم من أنّ الصين تمثل بعدد سكانها حوالي ثلث سكان الكوكب، ولو عاشوا بالثقافة الاستهلاكية وخططها الجارية في العراق لهددوا العالم بمجاعتهم ولغزوه ليلتهموه لقمة عيش فقط!! تلك هي الصين…

أما العراق؛ فإنّ مردود النفط العراقي لن يستطيع معالجة قيمة العملة العراقية المنهارة بأصفارها بسبب توالدٍ متكرر لفلسفة استهلاكية تقوم على صرف الوارد على (التشغيل بلا إنتاج) فيما يجري تسريب ما يخصص للاستثمار نحو جيوب اللصوص الكبار من المفسدين ونظام الفساد…

إنّ تلك الخطط الرعناء التي تقوم على عبثية لعبة تعطيل البؤر الإنتاجية، صناعية وزراعية، مع وقف التعليم وتخريبه وتعطيل طاقات العمل والأيادي العاملة وإرسالها إلى أرصفة البطالة ومن ثمّ التوجه لشراء ذمم بعضها بتشغيل وظيفي سلبي غير منتج! إنّ تلك الخطط تعني التحضير لتفكيك البلاد لا بشكل كانتونات وأقاليم تنطلق لخدمة أبنائها بل تقسيمها بين متاريس متقاتلة تأكل بعضها بعضاً…

وبالمناسبة منظومة الدولة هي منظومة فساد مافيوي مستحكم المرض مستعصي الإصلاح بمعناه الترقيعي وباستبدالات الوجوه. إنّها منظومة تعتاش اليوم على نهب ما يرد وتمشية تفاصيل اليوم على كاهل الدجل السياسي. وكالعادة هناك انشغال في الصراعات المدفوعة (الآن) نحو ذراها بعد أن افتضحت كل تلك الأزمات الجزئية المختلقة، وما بقي سوى ما يجري من محاولات ترحيل الأمور ورميها من جهة  على نزعة الأقلمة ومتاريسها مثلا على إقليم كوردستان وتحميلها مسؤولية أزمات بغداد وخططها المرضية العرجاء ومن جهة أخرى على الإرهاب طبعا هنا بأحد متاريسه أي الإرهاب الداعشي وما يقتضيه من معركة استعادة بنى الدولة التي تزعم قوى الطائفية أنها صاحبة مشروع بنائها فيما لم تقدم أبسط خدمة حتى لمن ادعت تمثيله بكل مزاعمها وادعاءاتها التضليلية..

والآن لنقرأ مزيدا من التحليل المبني على مقارنة موجزة مختزلة في ظاهرة اقتصادية، لنفضح الدجل السياسي وقد اقترب بالأبرياء من الكوارث الأخيرة للإسفار الأقبح عن استعبادهم لزمن آخر من قرون الظلام:

فأما محاربة الإرهاب فمبدئياً الغاية منه استعادة مؤسسات الدولة في الأرض المستباحة التي سلمها قادة الطائفية أنفسسهم للإرهابيين! ولكن، هل يمكن استعادة سلطة الدولة بقوات تتعارض وبناء الدولة التي أشرنا إليها للتو؟ أي هل يمكن استعادة مؤسسات الدولة بقوى ميليشياوية لا تخضع للدولة وقوانينها وانضباطها؟ أم أنّ بقاء الميليشيات لن يفعل أكثر من تداول الأمور بينها وستبقى اللعبة القائمة على اصطناع بعبع الاحتراب الطائفي وإعادة إنتاج حروبه العبثية بأشكال مستدامة لمزيد من مشاغلة الأبرياء واستغلالهم!!!!؟

 إنّ المنطق والعقل يقولان: إنّ استعادة السلطة تأتي بقوات نظامية تخضع لسلطة الدولة ولمبادئ وطنية ولإدارة اختارها الشعب بقصد إدامة مسيرة بناء مؤسسات الدولة المدنية المنتجة.. بينما ما نراه إن تلك الإدارة (الحكومية) التي وصلت بالتستر والتضليل (الطائفي) إلى قيادة الدولة؛ لم تفعل سوى مزيد التستر والتغطية على دعم تشكيلات ميليشياوية مازالت تتوالد وتتكاثر بطريقة جنونية تعصف بالحياة والاستقرار والسلم الأهلي وتطحن يومياً مزيداً من الأبرياء الذين أخضعتهم لمآربها والذين يقعون ضحاياها، فهل ذلكم هو طريق الانتصار على الإرهاب واستعادة سلطة الدولة!؟ أم أنه تهيئة لتفتيت الدولة ووضعها بيد من ينتصر من أجنحة الحرب الطائفية!!؟

قطعاً، لا لن يكون انتصار الميليشيات طريقا للاستقرار والسلم الأهلي وبناء الدولة المدنية ومؤسساتها كما يتطلع الشعب.. الطريق الصائب يكمن في أن تعود الحكومة لتعزيز البنى المؤسسية للدولة في مجالات الأمن والجيش والشرطة والأنشطة الاستخبارية الوطنية السليمة، وإخضاع تشكيلات المتطوعين لقوانين الدولة ولهذه المؤسسات الوطنية وليس تسليمهم جيش المتطوعين لقادة الميليشيات والحرب الطائفية.

وإلا فكيف تبرر القيادة ببغداد ما تختلقه الميليشيات من صدامات مع قوات البيشمركة لتشاغلها عن المعركة الحقيقية مع الإرهاب ولتفتعل ضجة وغباراً للتعمية، أليس ذلك هو ما نشير إليه من خدمة خطابها التضليلي  الجاري؟؟ وكيف تبرر القيادة الرسمية جرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق أبناء العراق في عدد من المحافظات مثلما الأنبار وديالى وصلاح الدين وغيرها، من دون أن تستطيع حمايتهم ولا حتى الوصول إليهم ببعض الحالات؟

وللتذكير بهذا الخصوص، فالقضية ما عادت قضية عناصر فردية متمردة ولا (بعض) ميليشيات وقحة بمعنى وجود ميليشيات غير وقحة! مثلما يريد بعضهم إقناعنا أو بصيغة أدق تضليلنا مجدداً.. بل باتت القضية تتسع لا لتبقى خروقات محدودة، كما كان يروّج للأمر وإنما بشمول الحراك الإجرامي بشكل واضح لكل تركيبة تلك الميليشيات الموجودة بكل أطرافها وما تتحرك به! ذلك أنّ فلسفة وجود الميليشيا تتقاطع وتتناقض مع الاستقرار والسلام الاجتماعي ومع إمكان بناء مؤسسات الدولة وإطلاق عجلة الإنتاج! فهي مجرد وجود لحرب دائمة مستمرة وبدقة لجرائم وجرائم انتقام مضادة بين أجنحة مهيأة لتلك التركيبية الخارجة عن سلطة الدولة والداخلة بسلطة قادة المافيا والقتل والفساد….

  ولنتوقف عند هذا بشأن المعركة مع الإرهاب وما تتطلبه من استراتيجيات وبأية أدوات نخوض تلك المعركة؛ لننتقل إلى معالجة موضوع الخطط البنائية وخطاب تحميل المسؤوليات بتنوعاتها، وفي هذا نقول: لم يكن يوماً يوجد بين العراقيين (أهبل) يصدق أنّ أمياً جاهلا لمجرد أنه ارتدى العمامة والجلباب (الديني) سيمكنه وضع خطط البناء وإدارة مؤسسات الدولة والتقدم نحو تحريك عجلة الإنتاج. والعراقيون حتى في حدود الشأن الديني القيمي ليسوا بحاجة للمزيفين كي يدلّوا أحدا منهم إلى الدين وإلى الأخلاق.. كما أنه بين العراقيين رجال دين شرفاء أنقياء يعرفهم العراقيون؛ مثلما هم شعب يعرف القيم ويعرف حقه في الاعتقاد وحريته في إدارة مشاعره الدينية بصحيحها وليس بمزيفها ومختلقها من ألاعيب الطائفيين السياسيين ودجالي الجهل المزيفين ممن جاء اليوم ليتحكم بالمسارين الديني والحياتي بمنج وبرامج لم تقدم للناس سوى الزقوم وكوارث بلا منتهى…

إذن فالشعب ليس منشغلا بمن يعرِّفه بدينه وبطقوسه الروحية وما يُثار بينه من احتفالات طقسية تعطل أغلب أيامه وتطغى عليه بمفردات تستلبه توجيه طاقاته ولكن الشعب العراقي منشغل بكيفية بناء الحياة وبيته الوطني؛ وهذا لن ياتي بتسليط رجل الدين المزيف الذي هو ليس سوى رجل سياسة زمن الصدفة والجريمة المافيوية بينما الصحيح يكمن بأن يضع العقل العلمي حيث مواضع العمل المنتج لإدارة عجلة الاقتصاد وخلق مسيرة بنيوية مثمرة يأكل من ثمار جهوده ويدافع عن ثرواته التي ينتجها، باستثمار إيجابي منتج مثمر لما يمتلكه من خيرات في باطن أرضه وعلى سطحها.

وهكذا فالشعب يدرك، سياسياً، هويته الإنسانية القائمة على غنى تنوعه القومي الديني وعلى مبدأ احترام الآخر وتحقيق العدل والمساواة والشراكة في البيت العراقي على أساس بناء العراق الجديد عراقاً (كونفديرالياً لامركزياً) يلبي تطلعات جناحيه ويُنهي عبثية رمي مشكلات يصطنعها ساسة (المركز) و (المركزية) على كاهل أحد أجنحة البلاد ومكونات الشعب.. فالقضية باتت اليوم مفضوحة وعلى حافة خيار بين الاستجابة لوحدة تحترم الشراكة والتنوع أو البحث عن بدائل تتحرر من محاولات إعادة المركزية التي تنهب بوحشية وتستغل بروح الإجرام الذي يجتر الشوفينية؛ فيما تلقي على كواهل الشعب بمكوناته نتائج تخريبها…

أيتها السيدات، أيها السادة

إن القضية في البلاد تتطلب جهداً لاستعادة وضع الكفاءة والنزاهة في سدة المسؤولية وبناء على شراكة حقيقية ناجزة بمعانيها وباتجاه نحو تفعيل بناء مؤسسات الدولة بوصفها الأحدث والأنجع وطنياً إنسانيا وبانتمائها لعصرنا لا لمنطق يجترونه من فلسفة الكهوف المعتمة وأفكار الظلام والجهل والتخلف…

قضيتنا، تتجسد في انطلاقة نوعية مختلفة لا تقف عند أعتاب اللصوصية واستراتيجتها الكامنة في تعطيل مسيرة الإنتاج وعجلة الاقتصاد. ركزوا على ثقافة إنتاج الخيرات من زراعة وصناعة ودفاع عن الثروة التي تعيد قوة العملة بوصفها رمزاً من الرموزالسيادية للبلاد ولقوتهاوهي رمز مكين لتحرير العباد..

وبخلافه ستبقى فلسفة القطيع يساق بعصا مافيوية أو هراوة ميليشياوية ونبقى فريق بحماية بلطجة جهة وآخر ببلطجة ذاك وجميع فرقنا مستعبدة مدفوعة إلى أتون حروب الطائفية ومطامعها..!!!

فهلا أدركنا المجريات؟ وهلا توجهنا للبديل؟

لقد حان وقت أن تراجعوا أنفسكم وتقولوا كفى بل يبدو أن الوقت  قد أزف أو قاب قوسين أو أدنى من لحظة سيحترق الأخضر بسعر اليابس وحينها لا مجال لعودة ولات ساعة مندم!!!

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *