المطالبة بحقوق العراقيين من الماء ووقف أشكال الابتزاز العدوانية من تركيا وإيران بالخصوص

المطالبة بحقوق العراقيين من الماء ووقف أشكال الابتزاز العدوانية من تركيا وإيران بالخصوص

إدانة جرائم حجب الحصص المائية بكل أشكال التلاعب الجارية من الدولتين

بوعي شعبي وإرادة أممية ضاغطة عملت الحكومات العراقية المتعاقبة على التعامل مع قضية الماء بمستويات مختلفة بمجملها أدت للتصدي للإشكالية بشيء من المعقولية بخاصة في ابتناء السدود والنواظم بصورة هي أفضل مما يجري اليوم بوضوح.. وبنظرة مختزلة إلى حصص العراق المائية تتوضح صورة الأزمة الكارثية التي يتعرض لها بخلفية انحدار النسبة إلى أقل من الثلث في العقد والنصف الأخير، بفقدان أكثر من %60 من مياه النهرين..

لقد كانت المياه فيهما قبل عقدين، تفوق (50 مليار متر مكعب) سنوياً عبر نهر دجلة، لتنحدر إلى حوالي الـ20مليار، ثم هبطت إلى ما دون 7 مليار متر مكعب سنوياً مؤخراً؛ بل أسوأ من هذا بكثير إذا ما قرأنا الكميات بإحصاءات اليوم…  وكانت إيرادات نهر الفرات ألف متر مكعب في الثانية أو (31 مليار متر مكعب) سنوياُ، لتهبط مؤخراً إلى أقل من الخمس أو ما يساوي 180 متراً مكعباً في الثانية. ومع بدء مشروع الكاب التركي ستكون إيرادات نهر دجلة مبدئياً حوالي 9.16 مليار متر مكعب والفرات 8.85 مليار متر مكعب؛ لكنهما فعليا أقل من هذا بشكل أكثر مبالغة لأسباب مركبة معقدة…

إنّ حاجات العراق المتحركة المتغيرة نسبيا للماء تصل بمختلف استخداماتها إلى نحو (60 مليار متر مكعب) سنوياً، بخلاف حاجة البلاد لإدامة الأهوار بما يتطلب منسوباً لا يقل عن (16 مليار متر مكعب) سنوياً، ويُتوقع على وفق نسب متغيرات بعينها أن تصل تلك الحاجات إلى نحو ((77 مليار متر مكعب)) سنوياً. فإذا قلنا إن ما سيصل العراق من حصته هو فقط 20 مليار مقابل حاجة تقترب من 80 مليار سنوياً فإن العجز سيكون بحجم ثلاثة أضعاف المطلوب أو ما يساوي الـ60 مليار!

أما إذا حسبنا نسبة التلوث بخاصة مع تصاعد نسب مخلفات الصناعات البتروكيمياوية وغيرها المتأتية من دول الجوار لتصيب النهرين بوضوح؛ فإن دجلة باتت الأسماك فيه غير صحية ولا تؤكل وكلفة تدوير المياه فيه تصل إلى 50 مليار دولار على مدى عقد من العمل لتخليصه من التلوث وستتعمق الأزمة الكارثية وتطفح بمشكلاتها أكثر مع إغلاق إيران لعشرات الأنهر والجداول التي تغذي دجلة والشط وتغييرها مجرى نهر الكارون والوند..

وهذا ما فاقم نسبة الملوحة في شط العرب، وضار الأراضي الزراعية ونوعية مياه الشرب في محافظة البصرة وغيرها، دع عنك حالات الحرب المستترة تجاه الثروة الحيوانية والنباتية في الأهوار وتعريضها لسواتر مفتوحة من الأمواه المالحة والملوثة الموجهة من إيران..

ونتيجة ندرة الأمطار بسبب الاحتباس الحراري وسوء استثمار المياه والهدر فيها فقد أثر كل ذلك بشكل بالغ وضاعفه سوء ما مساحته حوالي  127ألف كم مربع من القنوات والمبازل مع محطات الضخ هي اليوم بحال من الإهمال الواضح بحاجة إلى صيانة وإعادة تأهيل.

من جهة أخرى فإن المياه الجوفية ليست كافية وليست صحية دائما.. ولكن هي الأخرى لم يجر استثمارها بكفاية تامة فبينما مطلوب حفر أكثر من ألف بئر سنوياً لم تحفر الوزارة المعنية أكثر من حوالي 7 آلاف بئر… وأيضاً، لا نجد جدية في متابعة الخطط الاستراتيجية بخاصة في بناء السدودوصيانتها وفي استصلاح الأراضي التي كان ينبغي أن تصل بجديدها إلى 7 مليون دونم لكننا فقدنا من الموجود ملايين الدونمات بمشهد التصحر واضمحلال الغابات والخضرة والبيع بما يشبه المنح المجانية.. ومازالت السدود الكبرى بحال يرثى لها حتى أن سد الموصل مازال مهددا بالانهيار بكل ما يعنيه من مخاطر كارثية..

والنتائج هنا، لا تقف عند حدود التصحر والعطش الذي باتت بوادره توقع المشكلات في مجتمع لا يجد حلولا جدية مناسبة من الدولة.. والحكومة الاتحادية لا تستجيب لمطالب الحكومات المحلية الضعيفة هي الأخرى؛ فنشأت صراعات بين الجيران مما يوصف بالصراعات القبلية وبين المحافظات بغياب الخطط المناسبة وبغياب سلطة قانون ودولة تحترم مواطنيها وواجباتها تجاههم..

وتأتي إحصاءات دولية وإقليمية ومحلية لتؤكد انهيار نسب حصة الفرد من حوالي الـ4آلاف متر مكعب إلى أقل من 600 متر مكعب للفرد الواحد في العراق وربما كان ذلك أفضل نسبيا من دول صحراوية لكنه غير مؤاتي وغير صحي بخاصة مع وجود حالات هدر واسعة.

إننا بمثل هذه الأوضاع المزرية بل المأساوية التي تشير إلى المستقبل القريب الآتي وتهديداته بالفناء للخضرة وللوجود الحي في البلاد نجابه مزيد تعنت واستهتار بحقوق ملايين العراقيين في الحياة وبحصتهم المناسبة من الماء وبين إهمال حكومي عراقي وانعدام توافر الإرادة والاستراتيجية التي يجب التمسك بمؤشرات مطالبها وبين التعنت التركي  الإيراني تعلن تركيا البدء بقطع الماء بمنسوب خطير الأثر والنتائج من دون مراعاة لحقوق أو قوانين وضمانات دولية…!

وبهذه المخاطر الواضحة والمتخفية بات علينا إيضال الحقائق إلى أوسع جمهور عراقي ليدرك ضرورة وجود استراتيجيات مكينة للزراعة والمياه والبيئة والبحث في معضلة الاحتباس الحراري والتوسع بالغابات والوقوف بوجه التصحر ومعالجة التلوث استراتيجيا وتطوير استهلاك المياه ووسائل الاستهلاك تحديدا، كي يجري وقف الهدر وإنهاء الرّي بالطرق التقليدية وما تكلفنا من ثمن الهدر الباهض بما يتعلق بالحلول المباشرة العجلى.

لكن ما يجب على الحكومة الاتحادية فيكمن بالمديات المتوسطة والبعيدة فرض اتفاقات مائية مع دول الجوار تستند إلى القوانين الدولية بخاصة بشأن العلاقة بالحصص بين المنبع والمصب وبين الدول المتشاطئة.. ولعل الفارق بين حصة العراق التي قُدِّرت قبيل سنوات قليلة بما يجب أن يصل إلى 27 مليار متر مكعب بصورة قانونية وبين ما وصلنا من نسبة 11 مليار انحدرت إلى أرقام كارثية أسوأ وستسوء أكثر بحلول الصيف القابل، هو فارق ومستويات قاتلة بمعنى الإبادة الجماعية لكل أشكال الحياة ببلد السواد.

إن تقديرات الخطط الاستراتيجية على سبيل المثال تلك التي تقدر حتى 2035 ، تقتضي تخصيصات تصل إلى 150 مليار دولار للموازنات المالية لشؤون الماء والزراعة.. ومع ذلك فإن كارثة من قبيل عدم توافر الماء لاثنين مليون كم مربع من مجمل 4 مليون والانحدار حتى بحاجة الـ2مليون  للزراعة لم يتوقف والنسب الفعلية غير مضمونة بظل الابتزاز التركي؛ حيث أن نسبة 40% أخرى من مساحة الأرض الزراعية ستبور بسبب البدء بسد أليسو وخطة شرق الأناضول التركية..

ومازالت تركيا تعمل بخطة خطيرة لم تأخذ بحسابها أي احترام لحصص الدول الأخرى ومنها العراق؛ وبينما القوانين الدولية تحمي حقوق الأمم والدول، إذ تفرض اتفاقية هلسنكي تقاسم الحصص بحسب مساحات ما تمتلكه كل دولة من النهر بمعنى على سبيل المثال: تكون حصة تركيا بنسبة (28%) وسوريا (17%) والعراق (40%) بحسب مساحات أحواض الأنهر بينها.. لكننا نجد أن تركيا بينما كانت تستثمر 10% من مياه الفرات فقط باتت بعد السدود الـ21 عليه تستهلك 53% منه وهي ماضية في التقدم بنسبتها بكلا النهرين على حساب العراق تحديدا…

إننا نطالب الأمم المتحدة والمنظمات المعنية كافة ومنها المعنية بحماية الأهوار والتراث الإنساني وبحماية الحياة ورعايتها أن تؤكد على وقف فوري للعبث الذي تمارسه الحكومة الأخوانية التركية وحكومة ولاية الفقيه الإيرانية إذ تعمق الشقاق بين شعوب هذه الدول وتختلق مشكلات وصراعات فضلا عن تهديدها مصير شعوب وتهديدها اشكال الحياة برمتها في المنطقة ما يهدد بتغيير بيئي إقليمي وعالمي خطير…

إننا غير معنيين بإدانات سياسية عابرة لي قرار وموقف ولكننا سنكون حائط الصد لجرائم إبادة جماعية وتهديد حيوات شعوب واختلاق كوارث بيئية مروعة مهلكة وهي قضية حقوقية كبرى تعني الأمم المتحدة برمتها مثلما تعني حيوات 35 مليون يكونون شعب العراق اليوم…

ومن أجل تلبية المطالب التي تقف بوجه ما كشفنا عنه هنا فإننا ندعو إلى حركة شعبية بعنوان الماء والهواء صنوان في حماية حق الحياة للعراق والعراقيين. مجموعة إجراءات فورية عاجلة للدبلوماسية العراقية بالاتصال المباشر وغير المباشر عبر المنظمات الدولية والإقليمية لفرض الحل على الحكومة التركية.. تشكيل لجنة وطنية عليا من الوزارات المعنية مباشرة بخاصة الثروات المائية والزراعة والخارجية ومعهما الوزارات المعنية بالدفاع عن العراق وسيادته وحماية مصالحه مضافا إليها حجم فاعل مؤثر من ممثلي المنظمات الحقوقية والمدنية العراقية المختصة.. إدخال الجهات الدولية كافة بحسب الاختصاص في معالجات الأوضاع العراقية منها البيئية وغيرها بما يكفل وجود قوة كافية لمجابهة العنت التركي.. إشراك دول الخليج العربي  في الحملة الرسمية والشعبية كونها دول ستتأثر وإن بصيغ غير مباشرة بمثل ما جرى ترتيبه حتى الآن …

وستبقى الحملة مفتوحة حتى الانتهاء إلى حل يرضي كل الأطراف بشكل عادل وموضوعي نهائي وحاسم..

المرصد السومري لحقوق الإنسان هولندا

لاهاي 11 حزيران يونيو 2018

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *