الطائفية: أضاليل ومتاهات وجحيمها الآتي!؟

مقتبس من المعالجة: “السلبية والتشتت تمنح قوى الظلام الطائفية فرص تكريس نظامها بأضاليل لعبتها المافيوية الجوهر، حتى تترك التائهين في دروبها؛ بمجابهة مع مصائرهم جحيماً يلتهمهم جميعا.. وحينذاك: لات ساعة مندم!”.

ما جرى في العراق منذ 2003، تجسَّد باستيلاد مؤسسات حكومية تكرّس الانقسام الطائفي على وحدة الهوية الوطنية، وتشرعن العمل العام ومنه السياسي على أسس تفتعل الاختلاف والتعارض بين مصالح المكونات المجتمعية؛ ثم جرت متابعة جريمة الارتداد والانكفاء الأمر الذي كرَّس واقعاً مرضياً يقوم على تمييع العمل السياسي الذي تطلع إليه الشعب وتستبدله باشتغالات انفعالية مندفعة لمنطق الخرافة وادعاءاتها بوصفها الفكر السياسي البديل، مع إسقاط للقدسية على ذاك الخطاب وإفرازاته والعصمة على من ينهض بالترويج له من زعماء الطائفية…

لكنَّ المشكلة لم تقف عند حدود الاستبدال الذي أقصى الوطني المنتمي للدولة الحديثة وهويتها المتمدنة وأحلَّ الطائفي المنتمي لدويلات انقرضت منذ قرون ولم يعد متاحاً حتى اجترارها إلا على أنقاض خراب شامل للدولة والمجتمع ولبناهما التحتية والفوقية… أما أداة هذا الخراب فليست سوى تشكيلات مافيوية النهج عنفية الأسلوب ما يعني سيادة أعتى آليات إفساد وفساد وأخطر بلطجة وجرائم قمعية تصادر اية محاولة لأنسنة وجود المواطن وسبل عيشه…

إذن، جاءت الطائفية أولاً بفرض قسري من قوة خارجية حطمت بنية عمرها آلاف سنوات التجاريب التي كانت مهد الإنسانية وتراثها الحضاري ودمرت ما شيد مجتمعيا بنضالات الشعب طوال مسيرة حوالي القرن من ولادة الدولة الحديثة في العراق المعاصر. وتالياً بقوى هي من مخلفات السحق الذي مورس بحق حركة الشعب الديموقراطية ضد الطغيان والدكتاتورية. ولم يُسمح للبديل أن ينهض بدوره…

وإذا كان بعض سبب يقوم على التحول من دون مرحلة انتقالية سليمة الشروط والاشتغال، فإن تشرذم قوى (التنوير) واستمرار آليات الخشية من الآخر ورؤى لا تستوعب معنى التعددية والتنوع في الإطارات الحزبية والحركية ومنطقها في التمثيل الحصري لهذه الأيديولوجية أو ذاك البرنامج أصاب الولادة الجديدة بالتعسّر وفرض منطق التشتت والانشغال بخلافات ثانوية..

وإلى أنْ استعادت بعض أطراف قوى التنوير توازنها من بعد مرحلة دكتاتورية طاردتها بعنف مفرط فاق الوصف واتجهت لتوحيد الصفوف كانت قوى الطائفية قد استغلت سنوات احتلالها كرسي الحكم في دعم أنشطتها بالمال السياسي الفاسد المنهوب وشكلت زمر إرهابية بتشكيل ميليشيات تدعي حماية هذه الفئة أو تلك وهي بحقيقتها تمارس البلطجة والبحث عن أتاوات الحماية المزعومة..

وعلى الرغم من أن تلك المجموعات تتسم بوضوح بطابعها الإرهابي! إلا أن جمهوراً ليس قليلاً، كان يلتف حولها في ضوء ما اُختُلِق له من انعدام الاستقرار والأمن… فلقد كان اختلاق بعبع الاختلاف ومن ثم افتعال الخلافات وإرسال مفخخات متزامنة مع طبول إعلام مشترى مدفوع الأجر، كان سببا لبث الرعب والهلع بين أبناء هذه المنطقة أو تلك اجتراحاً للعبة التطهير والعزل الطائفي في الأحياء والمدن والمناطق أو الأقاليم ومن ثم لدفع الجمهور كي يلجأ لحماية هذا البلطجي أو ذاك ممن أسموا أنفسهم (زعماء) وفرضوا وصاية على الطائفة أو قسماً منها واكتفى كل (زعيم) بحصته منها في ضوء التوازنات الميدانية لتشكيلات التعنيف والبلطجة…

وربما كان الأمر مطلع التغيير الراديكالي سنة 2003 ملتبساً واكتنفه كثير من الغموض والتعمية التي خلقتها أضاليل القادمين الجدد المفروضين على الدولة والمجتمع؛ إلا أنَّ الأوضاع باتت أسوأ عندما واصلت قوى التنوير تباطؤ اشتغالاتها باتجاه توحيد وجودها وتفعيل قدرات التأثير فيه!

وبين الأضاليل المتفشية وباءً بين جمهور جرى استغفاله بعد تجهيله واستبدال منطقه العقلي بمنطق الخرافة وخطابها وبين سطوة قوى الظلام الطائفية بالبلطجة على المشهد برمته دارت الدوائر على كل ما هو تنويري مدني \ علماني…

الكارثة أن قوى التنوير سرعان ما وقعت بمطب التشتت والتمزق في ضوء قرار استعجل تحالفات أوقعت الأوضاع بدوامة (الخلل الاستراتيجي) وبدل أن تمنح الجمهور فرصة التحاقه بقوى التنوير موحدة فاعلة صدمته بقرارات جارت على مسار توحيده من جهة وعلى اتجاهه المستقل يوم منحت تزكية لقوى لا تتردد عن توصيف نفسها دون خشية أو استحياء أنها قوة تتمسك بالإسلام السياسي (الطائفي) بالحتم وهي ليست خارج إطار تلك القوى الظلامية في امتلاكها ميليشيات وقوى بلطجة استغلتها وتستغلها في التوقيت الذي تراه مناسبا لتوجهاتها…

وإذا كان جمهور العامة مستدرجاً بالأضاليل وبخطاب الخرافة الظلامي المتخلف فماذا بشأن جمهور قوى التنوير من أعضاء الحركات والأحزاب!؟ لماذا مرر تلك القرارات بسرسة وبسلبية تجاه ما اُتُخِذ من قرارات تحالفية من بعض قيادات؟

إن أي استمرار بالسلبية في التعامل مع الموقف اليقيني الراسخ الواضح الدقيق تجاه (وحدة) و (استقلالية) قوى التنوير وخطابها لا يعني بالقطع إللا ما يراه ويعيشه الشعب من تواصل اللعبة على الرغم من الوعود التي ضحكوا بها على من قبل الانجرار لتصديق تلك الوعود من قوة إسلاموية معروفة الطابع والآليات…

إن أوهام فرص التغيير بالتحالف مع النقيض الضد هي أتعس من تلك التي أودت بجبهات سابقة بأنهار من دم وبجرائم إبادة ومحق كلية شاملة! وهي أوهام أكثر خطلا في تقدير صواب المردود تكتيكياً دع عنك صواب النهج الاستراتيجي لقوة بعينها..

وعليه فإن مجريات اللعبة التي تم تفصيل حكومة من ادعوا منحه صلاحيات تشكيل (حكومة وطنية) تؤكد جليا وبصورة مكشوفة مفضوحة أنها جرت بالتمام بطريقة المحاصصة واقتسام الغنائم (طائفيا) بل انتكست أكثر نحو مستويات وضيعة لم يستحوا منها في بيع المناصب القيادة العامة وشرائها وأكثر من ذلك أن الجهة صاحبة الوعود مارست بوضوح لعبة الانسحاب والمشاركة بأفعال خدمت اللعبة بدئا من لعبة الكتلة الأكبر ومرورا بتوسيع الكتلة وبالتمييز بين طائفي وآخر وليس انتهاء بتعميد (الزعامات) وتزكيتها ورفع لا الاتهام وحده عنها بل رفع حتى مجرد العتب عليها في هذا الموقف أو ذاك.. أما تمثيليات المراسلات عبر وسائل الإعلام فهي أكثر من رديئة في كونها أدوات تسويق استعراضية لتكريس أركان (النظام الطائفي) وسدنته التابعين علنا لأطراف إقليمية معادية للعراقيين ومصالحهم وتطلعاتهم…

فإذا كانت اللعبة افتضحت، وإذا كان الشعب اكتوى ومازال بنيران قوات (الميليشيات) التي يُسقطون عليها القدسية وعلى زعمائها العصمة بوقت يعيش الشعب ويلاته منها ويدفع الثمن حيوات فلذات الأكباد! وإذا كانت تلك القدسة لا تعني دفاعا عن أمن إنسان وأمان عائلته في لقمة نظيفة او بيئة صحية أو وجود مستقر بل دفاعا عن نظام الهلاك والخراب وإذا كانت عصمة الزعماء لا تمثل إلا اعتصامهم بحبل الولاء لمصدر الطائفية التي مرروها لتحكم العراقيين وتذلهم وتنهب خيراتهم  إذا كان كل هذا قد اتضح وافتضح فهل تكفي بيانات وصرخات مدبجة فيما بعض تنويريين مازالوا داخل اللعبة يمنحونها طاقات بقاء إضافية بتحالفات مضللة!! وهل يكفي عدم مشاركة في تمثيلية الانتخابات أم أن لقمة العيش والأمن والأمان والسلام المجتمعي لا تأتي إلا بمزيد تمسك ببرامج التغيير لا الترقيع وبمزيد وضوح المواقف واستقلاليته لا تضبيبها وتعميتها وخلط أوراقها وإلا بمزيد وحدة تدفع قيادات التنوير للالتحام بالعشب وتمثيله أمام شعوب العالم كسبا لأعمق تضامن يمكنه إيجاد عناصر التغيير وجمعها ببوتقة سليمة تؤدي المهمة!؟؟؟

إن الطائفية ليست (أفكارا) تمطرها السماء من لا شيء! وهي ليست (نظاما) بلا من يحميه ويديمه ويواصل غرسه.. إنها وجود فكري يوهم جمهورا جرى تجهيله ويفرض عليه منظومة قيمية مرضية ثم يتاجر بالقدسية الدينية بأضاليل باطلة بكل معايير الدين والأيديولوجيا وهي ليست سوى مزاعم وأوهام  من الخرافة ودجلها تبتدئ بشراء ومخادعة واستغلال للمال السياسي المفسد المنهوب وتستمر بالبلطجة وتشكيلات العنف والقمع والإكراه..

لقد باتت اليوم، بمستويات لا فكاك منها بمطلبيات تستدر عطف مرجعية دينية تتصدق بألتار ماء كما فعلت ببصرة الخير أو تتصدق بفتات من منهوب الثروات فيما تبني كبريات المشروعات ببلدان أخرى لتتاجر بها وتحتاط من غضبة الشعب يوما… إن الأمور إذا ما استمر  جمهور الناس بملايين فقراء الشعب يقفون مواقفا السلبية والتردد وحكاية تجنب مبدأ ((الالتزام)) تجاه الوجود الجمعي ستكون نتائجها وبالا وجحيما أو جهنما تتجاوز زمن الرق والعبودية بمسافات بعيدة!!

يوم يلج الناس تلك الدوامة، وهو ليس ببعيد لن يكون من فرصة للندم فلات ساعة مندم!

لهذا وجب التنبيه.. أن لعبة تشكيل الحكومة بعمليات قيصرية مفضوحة هي إيقاع بالشعب بمطب جحيم ما بعده (لا جحيم ولا جهنم) يمكن تخيلهما…

إن مؤتمرا عاجلا فوريا لكل حزب علماني ولمجموع تلك الأحزاب والحركات معا هو المطلب بعيدا عن مشاغالات تشكيل حكومة لم يبق منها ما يعود على الشعب ولو بفتات…

احذروا الطائفية بمرحلتها الجديدة، ليست سوى جحيما سيأتي على ما تبقى وسيضرب الضربة القاضية بعد أن ترنح الشعب بسلبية وتردد وبقرارات بائسة لبعض عناصر قادت الحراك ومعنى الضربة القاضية إبادة جماعية جديدة ولكنها هذه المرة أكبر حجما في التهام لا أفراد وجماعات صغيرة بل في التهام نسبة مهولة من الشعب ومكوناته وتحويل الوطن إلى كانتونات محجوزة أو مرهونة لقوى ليس بينها من سيلقي صدقة لمن يتبقى من العراقيات والعراقيين!!

إنه الجحيم وجهنم فانتبهوا قبل أن يكون الدرب الذي تلجونه لا مظلما فقط وإنما درب الصد ما رد.. فهل بقي من أمر للتذرع والتعكز عليه تبريرا للسلبية والقنوط والاستكانة والتردد!!!؟    

التعليقات
Khairia Al-Mansour الكاتب تيسير الالوسي يكتب … لطائفية: أضاليل ومتاهات وجحيمها الآتي !؟ ..

Tayseer A. Al-Alousi AtHir HaDdad Ali Khan DrAmer Salih حسن متعب عبد الحفيظ محبوب رائد الهاشمي Adham Ibraheem Faisal JassimSajad Berqdar Muna Shabo امجد توفيق

Ali Khan قول اصعب من فعل، ففي كل جلسة سوالف تكون هناك تحريض عل الطائفية و ليس هناك من يوقف تلك الاحاديث…لكننا نعمل ما هو علينا، تحية لك
١

Adham Ibraheem انه السكوت على اشياء بسيطة ثم يستمر السكوت وانتظار الفرج
الذي لن يات ابدا لان من خطط لنا كان يهدف الى محو العراق ارضا وشعبا لما يمثله من تهديد لاطماع دول اقليمية ودولية تحالفت على هدم العراق واختلفت فيما عداه . اللعبه الاخيره ظاهرها اصلاحي وباطنها خبيث . وها نحن بعد تشكيل حكومة جديدة مازلنا نراوح في مكان واحد . ومازال السكوت سيد الموقف . الخلاص يبدأ من المقهورين وليس من اي جهة اخرى فهم وحدهم اصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير والثورة . وما على القوى الوطنية الا توحيد الرؤى ورص الصفوف استعدادا لمرحلة قادمة ولا عذر للسكوت بعد الان . مع تحياتي
١
 **************************

مواد ذات صلة

 

مخاطر مركزية السلطة الطائفية ومحاولات تكريس حكم ثيوقراطي مطلق

محاولات إعادة إنتاج نظام الطائفية و رد البديل

الديموقراطية في العراق بين شرعنة الطائفية والفساد أو مجابهة البلطجة والابتزاز؟

مطالب العراقيات والعراقيين في الانعتاق من  نظام الطائفية الكليبتوقراطي وما أعادهم إليه من عصر العبودية

هل يمكن للدولة الطائفية بناء دولة ديمقراطية مستقلة ومجتمع مدني مزدهر؟

ما حقيقة ما يسمونه انتخابات في العراق؟

النظام السياسي ولعبة إلزام العراقي بمخرجات البيعة الانتخابية الفاسدة  

ما جدوى تحالفات مؤداها حكومة طائفية الهوية؟

هل يَصحُّ إِلزام قوى الشعب بقوانين لا تلتزمُ بها قوى النظامِ الثّيوقراطيّةِ المُفسِدة؟

هل من سبب لنمنح المفسدين فرصة أخرى!؟

من يتجنب شعار تغيير النظام؟ ولماذا؟

الانتفاضة العراقية: إدراك ألاعيب الطائفيين وردود الشعب الواعية ونداءات التضامن

عُنفُ السلطة وميليشياتها  و عُنفُ الثورة السلمية

التظاهرات السلمية بين المطلبية والتغيير المنشود

أباطيل الإيهام بالديموقراطية في العراق

عراقيون وسط عبث عملية 2003 السياسية؟

 

*******************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

*********************************************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/

 

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *