قراءة أولية في رواية “مياه متصحرة” للمبدع حازم كمال الدين

بصورة مكثفة بدا الأمر مع قراءة تمّ تقديمها بحثاً علميا أكاديميا ثم اتسعت لاحقا ببعض الشواهد والتفاصيل بقراءات تفاصيل تطبيقية لمسار البحث وقد انعقدت بهذا الخصوص ندوات عديدة لأهمية المنجز بتعبيره الجمالي الأدبي وبمضامينه المميزة في تناولاتها ومعالجاتها..  القراءة بين أيدي متابعي الأدب الروائي وربطه بخطى الأوضاع العامة بما جرى للتو في عالمنا وما يجري وسيجري… فهل من حوار يركز على المنجز إلى جانب ماجرى في أروقة الندوات المتخصصة؟ 

إنَّ الاعتداد بمنجز أدبائنا يبقى مهمة الناقد المتخصص والأكاديمي الذي يربط مراكز البحث والجامعات بأقسام التخصص مع ذياك الاشتغال الإبداعي المعبّر.. شخصيا أرشح هذا النص لجوائز إبداعية يستحقها وطنيا عراقيا وعربيا على امتداد من يقرأ العربية والترجمات المؤملة بما اختزنه النص من جماليات 

قراءة أولية في رواية “مياه متصحرة” للمبدع حازم كمال الدين

       

بقلم: الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسيأستاذ الأدب العربي الحديث والنقد الأدبي

 

توطئة:

المكانُ عراقياً، فضاءٌ يحملُ، لوكالات الأنباء وللمحللين السياسيين، موضوعاتٍ دسمةً. فمنذُ العراق السومريّ حتى يومنا يُنظر إلى هذا المكان بزوايا غنية كمياً نوعياً. فعراق التراث الإنساني وغناه الحضاري  بالتركيبة الأسطوريةِ ورموزِها وشفراتِها، مروراً بفضاءِ ألفِ ليلةٍ وليلة والأجواء الحلمية للخرافة ودورها السردي وإسقاطات بنياتها الجمالية مضمونياً، حتى يومنا وتناقضاتِهِ بين الوجود الإنسانيّ المعاصر ومستحقاتِه في التغيير المكانيّ ودلالاته، في إطارِ المتغير الحداثوي وبين سطوة بنيةٍ فوقيةٍ تواصل استدعاء محاولات تخليق فضاءٍ ماضويٍّ بائدٍ؛ ونحن في كل هذه التشابكات الواقعية وتجسّداتها الأدبية نجابهُ، تركيبةً أكثر تعقيداً، عند محاولة فك طلاسمها…

ومن بعدُ، فإنَّ “الحقيقةَ” التي نمتلِكُها أو نبحث فيها وعنها، من كائنٍ حيٍّ وفضاءِ وجوده، ليست بالضرورة ما تقعُ عليه أبصارُنا، بل هي فضلاً عن ذلك جملةُ الأشياء التي يصنعُها الخطابُ اللغويُّ من قيمٍ  مضافةٍ إلى هذه الكائنات والأشياء، الأمر الذي يتطلب توظيف بصيرتنا في تحديدها والتفاعل معها. وهذا ما ميَّز ويميزُ قراءة كلّ منا وقراءات النقاد ومحاولاتهم تسليط الضوء على تلك المنطقة المختارة فضاءً إبداعياً، مع التمسك بربط الإبداعي بمرجعياته الواقعية بتسليط الضوء على تلك الجسور التي اختارها المبدع الأول، كاتب النص في نصه.

يقولُ ميشال بوتور: “وليس الآخرون، بالنسبة إلينا، ما رأيناه فيهم بأعيننا وحسب، بل هم إلى ذلك ما أخبرونا به عن أنفسهم، أو ما أخبرنا به غيرُهم عنهم، وليسوا كذلك أولئك الذين عرفناهم، بل كل الذين ترامت إلينا أخبارهم. وهذا لا ينطبق على الناس وحدهم، بل ينطبق كذلك حتى على الأشياء والأماكن، كالأماكن التي لم أذهب إليها مثلاً، ولكنها وُصِفتْ لي”. (ميشال بوتور, بحوث في الرواية الجديدة, ترجمة فريد انطونيوس, منشورات عويدات, بيروت, 1982, ط2 , ص5).

بهذه الإفادة نؤسّسُ لقراءة وجهَي العمل السردي بين مرجعيته بوصفِهِ الوجود الفعلي المنظور بصرياً مباشرةً والمعاش في تفاصيل يومنا العادي، وبين وجوده البنيوي سردياً وانتظامِه بتوصيفٍ وتأثيرٍ من تلك البنية الإبداعية جمالياً.. ما يهيِّئُ لقراءة النص ومتخيلِهِ الافتراضيِّ الذي لا يتحتمُ علينا فحصُه على أساسٍ من المطابقة التماثلية مع مرجعه في اليومي المعاش الذي نوجدُ فيه…

إنَّنا هنا نبحثُ في الجمالية على أساس قيمة الانزياح أو العَدول المساوي للفرق بين واقعنا المباشر وواقع العمل الإبداعي؛ وطبعاً نقرأ في قوانين تلك المنطقة الإبداعية الجمالية ودلالاتها وما أسميناه إسقاطاتِها التي تصنع المتغيرَ في الواقعي لتجعل منه المتخيّل..

وبالعودة إلى جغرافيا مكان رواية “مياه متصحرة” فإنَّنا سنجدُ في مرجعية يومنا تناقضاً بين إرادة الإنسان وتطلعاته وبين إرادة قوى تتحكم فيه وتستلبه وجودَهُ وقيمَهُ، حتى تطحنَهُ بآلتها الجهنمية ما لم يعد ممكنا التعبير عنه برؤى أو معالجاتٍ منطقيةٍ أو واقعية؛ فلقد تجاوز الاستغلالُ مداه الممكن تخيلُه في عصرنا، بوصفِهِ عصرَ الحقوق والحريات.. بينما هو نقيض ذلك في جغرافيا الوجود العراقي، إذ بات ندبةً في عصرنا، وتعبيراً عن قبضة وحش الكهوف،  في أزمنة الظلام البائدة! هناك في تلك الكهوف (الخرافية) المتبلدة تجمداً وتحجراً، ولا أقول عنها (الأسطورية) بسبب الفرق في الدلالة التي أستهدفُها، هناك في تلك الفضاءات سنحاول قراءة منجز كمال الدين معاً؛ حيث مطارداتُهُ وصراعاتُه الصوفية التي تركب حصان الأسطورة، الممكن الوحيد في التعبير الجمالي لأمكنة “مياه متصحرة” بكل ما احتضنته من عوالم اللامعقول المركبة..

معالجة 1 المكان في مياه متصحرة في ضوء نظرية كريماس العاملية

ربما سأمرُّ هنا بشكل موجز عاجل وفيه كثيرٌ من الاختزال، بسبب ضغط الوقت، أقول سأمر بنظرية كريماس ونموذجه العاملي في محاولة لتنفيذ خطى معالجتي في رواية المبدع حازم كمال الدين، تلك التي تقسّم النص على  مستويين: أحدُهما السطحي الظاهر والآخر التركيبي العميق؛  مع استكناه الوحدات العاملية التي يتشكلُ المستويان منها..

وددت هنا ولوج عالم (مياه متصحرة) لأقول: إنَّ (المؤتي) على وفق النظرية العاملية يتجسد بوظيفةٍ تحافظ على ما تريدُه الروايةُ من قيمٍ بعينها وتضمن استمرارها بوصف المؤتي يمثل الموجِّه في العمل السردي حتى منتهاه ووصوله مستهدفه. ( محمد الناصر العجيمي, في الخطاب السردي: نظرية كريماس, الدار العربية للكتاب, 1993, ص 35 .) والمؤتي في رواية كمال الدين “مياه متصحرة” هو ((صوت الضمير))  بوصفه الدفق الذي يمنحُ  (الفاعلَ) مهامَهُ وحراكه في جغرافيا المكان المتخيل.. طبعاً الفاعل هنا هو (حازم) بطل الرواية وعلى وفق [نظرية كريماس] ولأسباب بنيوية يجسد الفاعل في روايتنا المختارة قسطاً من بؤرة النموذج العاملي حيث نجدُ الفاعلَ هنا هو البطل وهو الموضوع كما يمثل وجهاً من أوجه المؤتى إليه في الرواية كونه يحتل دوراً شاملاً ومركباً فيها ويتلقى أسواط حواره الداخلي النقدي بكثير من مراحل العمل. وعند البحث عن مُعارض الفاعل على وفق ذات النظرية سنجده ممثلا بـِ  المحقق ممثلاً للسلطة وفسادها وفكرها الظلامي المنبعث من عوالم الجهل والتخلف التي عشعشت استثنائيا بهذه المرحلة.. وبهذا يكون العمق أو الجوهر الممثل للموضوع مجسَّداً بسطوة الطائفية ونظامها وإغراءاتهما السلبية وقدراتهما الوحشية؛ أليس هذا هو موضوع شعوب المنطقة برمتها!؟

إنَّ هذه التفاصيل البنائية، ليست سوى سياق المنجز السردي أو لنقل هي أسس تكوينه ونشأته ونموّه ثم وضعه بين يدي التلقي الذي يمنحه قيماً مضافة بتفاعلاته مع جمالياته، مجتمعة متحدة في الكون السردي؛ مع التذكير هنا بالتأكيد بأنّ كلَّ قراءة وكلَّ محاولة فك طلاسم عملٍ سردي تبقى مربوطة بمنطلقها أو بالقارئ نفسه، مع محوريةٍ للعمل تكبر أو تصغر بحسب طابعه وهويته وطاقة ما يقدمه من دلالاتٍ وقيم جمالية مشفّرة. ونحن نقرأ مفردات العمل جميعاً في إطار سياقي يحتويها ويمنحها دلالاتها المخصوصة ولا نقرأها بوصفها أجزاءَ منعزلةً مفككةً.. إذ أننا: نبحث في المعطى الدلالي بالاستناد إلى وحدةٍ تكاملية بين الأدوار العاملية والأدوار الغرضية.

وتجدر الإشارة في عجالات تنقلاتنا، التي يفرضها طابع البحث، إلى أنّنا هنا على الرغم من متابعتنا لحركة حازم كمال الدين الكاتب وهو نفسه البطل إلا أننا لسنا أمام رواية (سيرة) بأداء سميتري، لقراءة مراحل من حياة الشخصية.. ولكن الشخصية المحورية المعادلة للفاعل حسب النموذج العاملي (لكريماس) ممثلة بـ(حازم) تظل في دورها العاملي غير متحددة بحازم الإنسان الفرد بل بتجسيده (الحياة الجمعية) بكل تضميناته وإحالاته وإشاراته، عبر تشظيه أفقياً عمودياً بين عدة أجيال وبين عدة شخصيات تتجاور لتجسِّدَ قيمَ مرحلةٍ ملتبسة مغرقة بالتضليل والإيهام والخرافات.. وكل من وما يغسل الأدمغة ويعيد تشكيلها أو تسطيحها بقصد إفراغها بالمعنى المراد الإفصاح عنه.. أما حازم البطل الروائي في دوره الغرضي فنكتشفه عبر بحثه عن الهوية الذاتية الخاصة بشخصيته والجمعية العائدة لمجتمع عراق السطوة الطائفية.. إنَّه المتمسك بوطنيته وقيم الشعب الأصيلة حيث الشعب هنا يمثل الوجه الآخر من المؤتى إليه في البنية السردية.

ونحن نضع هذا التشخيص بالاستناد إلى دور المعانم، حيث المعنم يمكن اختزال تحديده بأصغر وحدة دلالية؛ لنقل إنّ تشخيصنا يأتي هنا بصيغة أخرى في ضوء ما تمنحنا إياه المعانم السياقية في البنيتين النصية والمرجعية. فتلمّسُ إسقاطات المعانمَ المادية من الأشياء والأماكن بتم هنا بوصفها مجردَ “مُسْنِدات” تابعة للمعانم الدالة على الإنسان: الفرد\الجماعة في تنويعاتِ ظهورهما في الرواية. متذكرين في جهدنا ما تمنحنا إياه من معانٍ تلك المسندات المتحركة والثابتة حيث تحدد الأولى [المتحركة] وظائف الشخصية وتحدد الأخرى أي الثابتة أوصافَها وطابع تفاعلها مع المكان في البنية السردية.

وربما يتوهم بعض النقاد حال تنحيةٍ وتهميشٍ للمكان ودوره السردي بسبب الظن أن القضية هنا تركز على الشخصية بتمظهراتها في حين، وعلى وفق النظرية نفسها، يمكننا أنْ نقرأ المكانَ بوصفه المؤتي من خلال معطياته القيمية، غنية الشفرات ومن خلال سطوته على الحركة السردية.. كما هو الحال في دور المكانين الواقعي والمتخيل الافتراضي في مياه متصحرة. فـ[المكان] فيها ليس جامداً ميتاً بل يمتلك قوة الفعل في كثير من لحظات المسار السردي، وتلك القوة تتبدى من دوره في تكوين المبادئ\القيم\الضمير العائد للوجودين الفردي والجمعي للإنسان، كما سنلاحظ ذلك في هذه القراءة.

فعندما يصل البحث لمرحلة التشخيص والإشارة إلى طابع الأمكنة وتنوعات قراءتها وإسقاطاتها تتبدى أمثلة ملموسة من قبيل رصد الآتي من الأمكنة:

زنزانة  = مغلق

شوارع =  مفتوح

أو بتصور أكثر اتساعاً وشمولاً نضع التشخيص بصورة مفتوحة الاحتمالات بثنائية تحاول استيعاب تعددية احتمالية تشمل القراءات المختلفة في أذهان التلقي:

فـ ربما كل الأماكن التي نمر بها ستكون مغلقة حيث الحَجْر الدائم على حازم في مكان نسبي هو التابوت

و ربما كلها مفتوحة بقدر تعلق الأمر بالشخصية الافتراضية بحركتها في اللامعقول وإيحاءاته..

ولكن، إلى أن نصل لمرحلة رسم محددات جغرافيا المكان المسرحي بين الخشبة والمسرح السينمائي ولاحدود السايك على الركح حيث يقتضي موضع الأسطورة وآلياتها وحراكها بين الثابت والمتحرك للأمكنة الموضعية الفيزيقية والنسبية، حتى ذلك الحين دعونا نقرأ ذات العمل في جانب آخر له بوساطة محاولة معالجة ثانية ولكنها تظل هي الأخرى، ابتدائية مفتوحة، تتطلع لاستكمالها في دائرة قراءات التلقي المختلفة.

معالجة 2: المكان بين الروائي والدرامي

المكانُ هو جغرافيا الوجود والحركة في خط الزمن؛ منه ينطلق النظر إلى الأشياء، كما يمكن أنْ ننظرَ إليه مستبطَناً في الأشياء.. وهو وجود مادي محسوسٌ؛ كما يمكن أنْ يكونَ فضاء الفكرة الافتراضي وليس بالضرورة وجوداً مادياً بحتاً كما أوردنا أولا في أعلاه. والمكان أيضاً، هو الوجود الذي نحيا فيه بكليته وشموليته؛ مثلما هو المحدد بجزئيات من هذا الكون اللامحدود عبر لا نهائية أزلية أبدية، تكتنفُ تعريفه وتحديد جغرافياه المنفتحة..

وعند تعلق الأمر بالأمكنة المحددة بجزئيات كوننا، يصير علينا التعامل مع المكان المغلق بمقابل المفتوح والمألوف بمقابل غير المألوف والطبيعي والأسطوري والواقعي والخيالي، وطبعا سيتعين ملاحظة المحسوس المادي من كل هذي الأمكنة، مرافقة لنظيرها الافتراضي لتجتمع مكونة المكان الخاص بمسرح الأحداث المقتطعة لعمل إبداعي كالذي بين أيدينا؛ إذ أننا ندرك أنّ المسرح يولد من العشوائية التي ستخضع لتنظيم مبدعها.. العشوائية المنظمة عندما توضع فى بنية مخصوصة مقامة على أرضيةٍ هي مكان الحدث، أو ما سنسميه المكان المسرحي المخصوص. بوصفه فضاءً ووعاءً أو إطاراً تترتب فيه قراءات تتاح لاستنطاق تفاعل الإنسان بالمكان وتبادله التأثير والتأثر معه، وهناك ستُخلق بيئة سوسيولجية مثلما تنعكس في الشخصية أبعاد سايكولوجية محددة بسبب تلك العلاقة، وهناك بالتحديد ستتولد عناصر سياقية تمنحنا صيغ القراءة الجمالية الدالة.

والآن دعونا نستذكر وإياكم، علاقة حازم بالمكان ولماذا اخترت أن اسميه مسرحياً؟

إنّ قراءة سردية حازم المبدع التي وصفوها [ربما خطأً] بالروائية، تحيلنا إلى عمق الصراع وعنفه.. والصراع كما نعرف هو أسّ الدراما وبنيتها. ولربما يعتقد بعضنا أنَّ الشكل المونودرامي قد تبدى من كون حازم يبقى بمرجعية شخصية واحدة وقد أدار حواره الذاتي المونودرامي، بطريقة سردية وصفية على وفق قراءة خارجية، ربما سطحية بمقدار تحددها بهذه الرؤية.. لكنني أجزم أنَّ العنصر الدرامي الأساس أيّ الصراع بتوافره في النص كان قد قلب الأداء إلى عمق الدراما ونقل أماكنها إلى الركح ليستعرض حلقات الحدث بتعاقب سببي كما هي قوانين الدراما. وإن كان تحقق ما نشير إليه قد جرى في منطقة البنية العميقة، حيث سنشاهد حال التعددية في شخصيات مرسومةٍ، لتكون حازم المصطرع بين عدد من المسارات المختلفة وإن بقيت بمرجعية شخصية واحدة وحوارها الداخلي، بما يرفض تعسف القراءات المستعجلة التي تحيل بعض القراء إلى وصف العمل بكونه (سردية روائية) تمزقت أوصال مشاهدها.. وهو ما يشير إلى ما يبدو انتقالات غير مسببة تُنسب إلى هوية اللامعقول  بوصفه تجنيسا آخر للنص الإبداعي المتمرد على التجنيس..

إذن، تظهر فرص متعددة للإشارة إلى أكثر من تجنيس كان الأول قد رأى فيها رواية بقوانين الكتابة الروائية فيما جاء التجنيس الثاني ليحصرها باللامعقول مذهباً يحدد توجهها، ولكن المتمعن سيلاحظ الاتحاد والتعاقب المخطط برسمه حتى أننا نرصد تتابعاً منطقيا بين السبب والنتيجة بمسار الحدث، من خلال الطابع الأسطوري وما توفره آلياته من فرص التنقلات ذات السببية الأسطورية.. بما يوقف وهم التفكك (العبثي\اللامعقول).

بمعنى أن النصّ لا يتخلى عن طابعه الدرامي المسرحي.. وإذ يتم هنا، استخدام توصيف الدرامي فإنما يأتي ذلك بالإشارة إلى ثنائية ظهور النص الجمالي لمياه متصحرة في مرجعيته الأدبية مرة والمسرحي بمرة أخرى، بالإشارة إلى فن المسرح والعرض على ركح افتراضيٍّ، لكنه قائم من خلال جاهزية النص فيما تتيحه البنى المكتنزة فيه من أداء درامي مسرحي، ومن طاقات زمكانية، يمكن صنعها مسرحياً على الركح.

وعندما يتحدث البحثُ عن الركح، فليس بالضرورة تحدّثه عن مسرح العلبة الإيطالي ولكن الحديث يجري عن عروض الشارع والميادين الفسيحة التي تتيح العرض الافتراضي، حيث حازم الشخصية المسرحية، يتقمص ما يتشظى (هو) بينه وعليه من شخصياتٍ، جميعها تمثله وإنْ تبدَّت بصيغ تعددية متنوعة من قبيل الوجود العمودي بين (الجد وابن الحفيد) مروراً بـ(الأب والحفيد) وأفقياً تجلياته وتشظياته في مجايليه ممن يستدعيهم ليتقمص شخصياتهم.. وهكذا فحازم  المرجع والشخصية يتراكب مع شخصيات الجد والأب والحفيد وابن الحفيد التي اقتضت طبعاً، وجود شخصيات الزوجة والأم وغيرهما من باب الاستكمال لتطفو تعبيرات مقصودة الدلالة، يجري تحميلها بالمعاني الجزئية لتتكامل بالمحصلة في غاية العمل.

على أننا إذ نبقى في إطار رصد المكان وقراءته، نجدد التوكيد على حالتي استنطاق المكان المسرحي المادي العادي والافتراضي المتخيل؛ بما يتأتى من، أولاً: المكان الذي يتمركز حول الذات مع أداء التهويمات الصوفية التي تفسحها الآليات الأسطورية المشار إليها فضلا عما يمنحه تراكب الخطاب من أكثر من مذهب جمالي بمقابل مكان آخر يحتفظ باستقلالية عن الذات أو يبتعد عنها ولا يتمركز عليها وفيها؛ وهو هنا المكان العام الذي نرتبط  به بعلاقات تجسدها القوانين الموضوعية في النص بالإشارة إلى العراق وجوداً كلياً زمكانياً وربما ظهور ذياك الوجود الزمكاني بمسمى غير مسمى العراق، إنه مسمى النفق الحلزوني بالإحالة إلى المكان الافتراضي، بقصدية بعينها…

في المكان الذي يتمحور حول الذات، نجِدُنا نحدد المكان بالاتجاهات الخاصة بالبوصلة المتحددة بنا، شمالنا أو جنوبنا وغربنا أوشرقنا وهو ما سيقابل كل الأسماء المرجعية التي تتبدى في النص، بينما في الموضوعي من قوانين العلاقة، سنرسم المكان في ضوء علاقات الأشياء فيما بينها ونحدد المسارات بين الكنيسة والمحطة طريقا ينتهي بمبنى فلاني التسمية تستدير بعده إلى المدرسة العلانية التي تريد الوصول إليها بما سيقابل حراكا افتراضيا يقوم على علاقات موضوعية المنطق في دلالتها أسطورية المبنى في روابطها..  ذلكم بعض ما أراد البحث تدبره هنا في إضاءته للنص نقدياً..

من جهة أخرى، فإننا نعتقد بأن المكان صار مسرحا عندما فرض علينا أداء الآخر أن نكون نحن المتلقين.. ولأن حازم لا يقدم سرديته الروائية [كما صنَّفها الناشر] بقوانين الرواية المعروفة بل يجمع إلى جانب تنوعات الأجناس والأنواع بنى أخرى غير سردية وهي هنا الدراما وقوانينها، فإنه يقدم مادته تحت ضغطٍ يدفعنا لتخيل المشهد كاملا بسبب طابع رسم السيناريو الذي يحيل لتخيل الأداء فنكون نحن المتلقين فيه للعرض المسرحي المخلوق.. طبعا مع تذكر أن المتلقي نفسه هنا يكون مساهما فاعلا في الأداء عندما يشتغل بتخليق المكان الموضوعي أو اللامتمركز حول الذات وتبدأ حوارية اشتغال جديدة، هي حوارية مسرحية بآلياتها.


وهكذا فإنَّ البحث يتحدث عن المسرح في متخيل الأسطورة وآلياتها، هناك في الافتراض مثلما في المادي المحسوس.. كما أن انتقالنا بين الأمكنة يتلخص بتعرفنا إلى الأماكن وما فيها بالاستناد إلى قانون لا استعاري nonmetaphorical هو أداتنا نحو إدراك حقيقة قراءتنا على أنها تجري في مكان مسرحي، مشفر، يمكن أن يكون مكانا عاديا طبيعيا ماديا في واقعنا.. وفي النص الذي نرصد مكانه المسرحي على أنه مكان لامتمركز حول الذات تنتقل فيه الأماكن المتمركزة  حول ذاتها عبر ذات المتلقي  بحالات الأداء الروائي السردي وغير السردي أيّ المسرحي.

ومن ذلك سريالية صورة الحياة وعبثيتها أو لامعقولها؛ فإيقاع التخريب والتدمير والضغط المتناهي المهول، بالتأكيد خلق ويخلق اللاتناغم في إيقاع الحياة وموسيقاها أو امتناع الانسجام مع المنطق العقلي ورفض التناسق والتناسب كونهما قيمتين جماليتين يجري سحقهما أو تجاوزهما على صعيدي البنية ومضامينها..

معالجة3: تمظهرات المعانم المكانية مستويات متنوعة

وبولوجنا أكثر في عملية التطبيق والمقابلة بين النظري والمستقرأ في نصّنا، نرصد مفهوم المكان ومعالجة تفاصيل معطياته، حيث يُجابهنا ذلك التنوع الثقافي الذي يمكن أنْ يعبر عن الدور البنائي له داخل النص السردي \ الدرامي. فنرصد هنا:ـ

ـ    التفسير الطبيعي الفيزيقي للمكان.

ـ    التفسير الفلسفي بما يتضمن على حافاته الأداء الأسطوري بأحد بوابات قراءاته.

ـ    التفسير الجغرافي.

ـ    والتفسير النفسي،

كل ذلك بنظاق تفاعلاته في إطار الذات الفاعلة المتحركة في نسيج النصِّ وأنساقِهِ.

وبصدد التفسير الفيزيائي .. لن نتوقف عند كون المكان حيّزاً أو فضاءً بأبعاده الثلاثة أو الأربعة لمن سيذكّرنا بإضافات آينشتاين ونظريته النسبية، وإنَّما تحاول قراءتُنا الاستفادة والإفادة من القراءة الفيزيائية لاستنطاق هندسة النص ومعطياته الدلالية؛ فدخول الكتل أو المساحات في دلالات حافة تثير حركة درامية تفرض عدم التوقف أو الاكتفاء بحدود التعريف الطبيعي أو الفيزيائي للمكان… أذكِّرُ هنا في بحثي هذا، بمعاني اختيار أماكن من قبيل: التابوت، القبر، الزنزانة، السجن أو المعتقل، الغرف والبيوت والشوارع والساحات بقصد منح الرُّكح أو مسرح الحدث الفضاءَ الذي يضعه بتسلسل ما اختاره الكاتب…

أما من جهة الدلالة الجغرافية فسنلاحظ انعكاسها في تمزيق المشهد السردي ببنيته السطحية (مادياً) أو في لملمته وخلق وحدته (في الخلفية الذهنية الاعتبارية) أو في البنية العميقة. وفي هذا المجال نتلمس أشكالا ثنائية ترسم جغرافيا المكان في مياه متصحرة، من قبيل:  ممتد \ منته ومنقطع\متصل، قريب \ بعيد، مفتوح \ مغلق، منبسط \ مرتفع، ضخم \ ضئيل؛ وفي ضوء هذا التخطيط (المكاني) الذي وضعه لنا الكاتب ونصُّهُ تتولد قابلية الحركة ودافعيتها.. حيث يلعب (الفضاء) دوره مثلما يلعبه (التزمين) داخل بنية النص بوصفه برمجة مسبقة لمجموعة من الأحداث؛ بمعنى أنَّ التفضئ “ليس سوى تخطيب لسلسلة من الأماكن التي أُسْنِدت إليها مجموعة من المواصفات لكي تتحول إلى فضاء [مؤثر]. وبهذا يعدّ التفضئ برمجة مسبقة للأحداث وتحديدا لطبيعتها فالفضاء يحدد نوعية الفعل، وليس مجرد إطار فارغ تُصَبُّ فيه التجارب الإنسانية”(سعيد بنكراد, مدخل إلى السيميائيات السردية  , تانسيفت , مراكش , 1994 , ص 87)

ما ينبغي علينا هنا هو استنطاق دور الفضاء العام بحدود القراءة الجغرافية في أنْ يحدد نقطتا البداية والنهاية التي يتحرك بينهما البطل ـ الفاعل ـ ومثالنا الدال على هذا الفضاء التابوت مكاناً متحركاً في إطار المكان الأسطوري المتخيل ركحاً مسرحيا للأحداث والوقائع..

إنّ رحلة الفاعل ـ البطل (حازم) سنقرأها أيضا عبر الفضاء المحلي الموضعي الذي تتجلى فيه التحولات التركيبية وما ينجم عنها سردياً دلالياً حيث الثيمات التكوينية والثيمة الأعم والأشمل للعمل، الثيمة الرئيسة. ومن أمثلة الأمكنة الموضعية في الركح العام: ما سبق أن أوردناه من الغرف والبيوت والشوارع والساحات والمدن وأفق المقابر والزنازين والمعتقلات؛ طبعا بمسمياتها مقبرة جامع أبو حنيفة أو حي الأعظمية ومدينة الحلة وجنائن بابل وغيرها،  فهي جميعها تحتضن (ذات السارد) على ضفاف التخييل المرجعي ولكنه الممتلك لبعده الأسطوري، بما أداه من مهمة بنيوية في توجيه المكان نحو الفعل الدال بتعبير يرتبط بمتغيرات الواقع المعاش، لتصب طبعا بهدف الكاتب من إبداعه الحداثي باتجاه إحداث تفعيل دور الأدب والفن في محاولة تغيير العالم ورؤيته، ربما هنا تغيير الواقع العراقي ووقف المطحنة فيه وفي دول الجوار التي تعبر عن امتدادات مشتركة متبادلة التأثير في الآلة الجهنمية وفي ضحاياها.

وفي إطار التقاطاتنا النقدية، فلطالما كانت الصحراء فضاءً للأسطورة واقترنت بآليات اشتغالها لمنح الهدف من الأعمال الإبداعية الجمالية بعده القيمي المنشود من جهة وتحولاته البنيوية بخاصة عندما نقرأ العمق الدرامي المسرحي في العمل.. إننا لا نقف بتعريف ركح الحدث عند محدد ضيق الأفق ولكننا ننفتح على حال من تفعيل إبداعي للمزج بين سمات مذهبية أدبية متنوعة، أبرزها هنا اللامعقول الذي يغترف بسبب أسطورية آلياته من الواقعية السحرية أدواتِه الدالةَ.. ولكن نص مياه متصحرة يبقى محتفظا بخلفيته المخصوصة وبصْمتِه التي لا تقبل الانصياع لهندسة رياضية حادة للمذاهب الأدبية الفنية، حتى عندما تحاول قراءة ما استيلاد خلطة منها..

وربما جاءت الانزياحات التأسيسية الأولى لهذا النص ذي الروح الدرامي المسرحي من حال الانزياح في عبارة مياه متصحرة التي اختيرت عنوانا دالا.. فنحن نعرف أن الأرض هي التي تتصحر أما أن تتصحر المياه مجازاً، فذلكم ينقل القارئ بمبتدأ الفعل نحو انزياح بين المرجعي الواقعي والمرجعي المتخيل؛ كما يستخدم دلالات التصحر في كشف معاناة بطله.. تلك الدلالات التي تضعنا أمام استكشاف ملامح علاقة أسطورية شعائرية من نوع خاص بين سردية دراما حازم المبدع وصحراء مياهه، سواء على مستوى التطورات التي تعتريهما أم على مستوى البنية وتفاعلاتها الفنية.. والبعد البصري لمشهدية المكان يعدّ هنا تشكيلاً مقصوداً من جهتين هما:

  1. جهة قيمة الرسم البصري بوصفها عاملا سردياً ولكن بالتأكيد بعمقه الدرامي..
  2. وجهة القيمة الدلالية بوصفها نتاجا تعبيريا محمّل الدلالة وهويتها؛ تلك الهوية التي تعكس جدلية العلاقة (الصوفية) بين حازم البطل إنساناً فرداً أو جمعاً والمياه التي انقلبت بمعطياتها الدلالية في تصحرها؛ عندما تقمص البطل فضاءات التصحر والموات النسبي، ليطلق صرخته قبل أنْ تأتي الآلة الجهنمية على ما تبقى من إنسانية الوجود والحياة وتضعها في تابوت نظام الطائفية السياسية وفساده وتعفنه وذاك التابوت يتمظهر مرة في الزنزانة ومرة في لانهائي المكان ليس المنفتح كما السايك في المسرح ولكنه الممتد نحو مجهولٍ، يُطبق فكيه الوحشيين كما دراكولا على حياة الناس لا ليقف عند استغلالها حسب بل ليصيبها بوبائه..

وأرجو هنا ملاحظة التداخل الروحي بينهما، المعبَّر عنه في خلاصة الرواية [النص] ونهايتها أو غايتها بما يرد على لسان حازم بمجمله..

إضاءات في فضاء السرد ومسرح أحداثه بين الواقعي والافتراضي المتخيل:

المألوف وغير المألوف \ الأليف والعدائي:

في مسار حياة الإنسان بين الولادة والنضج يتشكل الوعي على خلفية مشهدية ترتبط بالذهن بالألفة أو بخلافها .. وأول مألوف مكاني هو المكان النسبي المتحرك الذي يمثله قرب الطفل من حضن والديه وسرعان ما يألف الحجرة التي يعيش فيها ثم البيت وزواياه، ويكفي سبباً لإثارة هذه الألفة أنَّ البيتَ يوفرُ الحمايةَ.. وكذا يوفرُ الحجابَ الاجتماعي ولكنه عند حازم البطل سيطل بوضع منتهك مخترق بسبب امتداد سلطة تتفشى بوبائها… حتى إذا افتقد المألوف العادي دوره في الحماية افتقد حازم منطقة البيت \ الوطن وطار في فضائه الأسطوري بلا مستقر لعل ذاك الفضاء يوفر حمايةً لن يجدها بسبب ترابط أدوات الآلة الجهنمية وإن بخيوط متخفية! وبعكس الوجه المألوف من المكان المختار ستطاردنا الانتهاكات في صراع درامي  يعلن عن روحه المسرحي عندما نتابع كل جزئيات المكان بلا استثناء تتكرر في فضاء ما أسماه بقصد: النفق الحلزوني، مكاناً يوحّد الحراك ببعده الرابع \ الزمن وهو البعد الغاضب هو الآخر بما ينقلنا للعدائي كما أرادت الرواية فضحه بآلياته الدرامية التوصيف والطابع…

المفتوح \ المغلق

وربما أحالتنا الإشكالية السابقة إلى ثنائية مختلفة أخرى هي ثنائية المفتوح \ المغلق فكل شئ في الوجود الأسطوري مفتوح، وهذا ما يجعله يرفض الانتهاء بأداء تلك الآلة الجهنمية ومطحنتها  حتى يفتقد الناس إحساسهم بوجودهم المكاني المادي لكنهم يحيون في عالم افتراضي بلامكان الأسطورة أو مكانها المفتوح كما سايك المسرح ببعده اللانهائي ولكنه المنتهي بحدود الطاقة المنهكة المستغلة للكائن الذي كان اسمه الإنسان الفرد أو الإنسان المجتمع.. هنا الاختراق والانتهاك لكل الأمكنة الموضعية المغلقة لتفتح لمطاردة وحش السلطة ومآربه..

المكان، الوجود والدلالة

وبتجاوز الإشكاليتين السابقتين يمكن أنْ نتلمس بعرض سريع غير مقصود الترتيب مسبقا حالات ظهور المكان وجوداً ودلالاته كما ورد في النص النموذج:

* التابوت: دلالة كأنها جسر تنقل المتلقي إلى اسطرة العمل وتوظيف الآليات المناسبة مع دلالة مخصوصة مباشرة لا مجال لنكرانها.

* الجنائن المعلقة: هي الأخرى بدلالات الإحالة الأسطورية التي احتاجها النص ووظفها بوساطة إطار من شفرات الواقعية السحرية وأدائها…

* في المكان النسبي: كيف يتكور المكان المتحرك في جسد حازم المعتقل ليتحرك في عالمه الأسطوري وكيف يتحرك السجان ليتحجر في عالم البطل الآتي..

*المكان بحدود جغرافية: أحياء الأعظمية ومقابرها والجنائن وتحولاتها..

*المكان من جهة ثيمة الداخل والخارج: وانعكاسات ذلك دلاليا في حركة الحدث أو تسلسل حركة السرد.

*ثم ثيمة المتناهي في الصغر وضده المتناهي في الكبر: والانتقال بينهما في المشهد السردي..

 

معالجة4: معاني ودلالات أخرى

إننا نجد المسرح ينطق في استجابته التعبيرية عن مدرسة اللامعقول المعبرة عن “ورطة الإنسان في الكون” كما يقول (جون رسل بتلر في معجم بنجوين للمسرح) أو كما يشخصه (ألبير كامو في أسطورة سيزيف بالقول: “إنَّ مصير الإنسانية يمثل انعدام هدف في وجود غير منسجم مع محيطه أو لا معقول في بنائه حركته أو معطيات علاقاته بالآخر”

وفي ضوء ذلك نقرأ رواية مياه متصحرة في الهدف المنشود إنسانيا أو المصير المؤمل أو المنتظر أو المحتوم الذي سيكمن في وعي مبدعي الأدب والفن بأنَّه يظل هدفا أو مصيرا محكوما بالتأزم حدّ ضغط الانفجار وتلك هي الخصيصة التي ركز عليها مسرح الغضب والاحتجاج والقسوة الذي مثله النقد بأنبوبة غاز مضغوطة… وهي الأنبوبة التي تحولت عند حازم إلى النفق الحلزوني بأشكال ضغوطه..

ولدينا إذا ما عدنا للحالة العراقية أكثر من توصيف ضغط أنبوبة الغاز حيث المشهد العراقي المليء بالحروب وأشكال السحق والاستباحة والاستهتار بكل وجود إنساني وهو ما عاشه المبدع العراقي وجسَّده بوضوح في أعماله وإن بتنوعات تخرج على الواقعي بكثير من الأحيان كجزء من الاستجابة للوضع والتفاعل مع ما هو عليه من معالم همجية طاحنة..

إنّ التمرد لدى حازم ومنجزه يتبدى بازدواج الشكل والمضمون ليشتمل على التوظيف اللغوي الذي يتميز به مسرح اللامعقول حيث عميق الصلة والارتباط من جهة اللغة وهو ما يشبه رؤية إبسن بالخصوص في الخلق الشعري في كلام الواقع البسيط غير المستلب كما يعبر (كينيث ميور في كتابه المسرح المعاصر ،  الصفحة113).. ومن جهة البناء والتشكيل تأتي حالة تعدد الشخوص منصبة في جوهر العمل الدرامي وكأنه مونولوجا يتشظى في التعددية الظاهرة أو الطافية بصريا.. الموحدة فيما يختفي ولا تراه إلا البصيرة في الخلفية أو في البنية العميقة…

ونحن سنقرأ لجانب آخر تم توظيفه في رسم حالة السحق هي شعرية العبارة عند حازم كمال الدين وكم كان سيمتعنا لو قرأها هو أو أحدهم إلقاءً شعري الأداء وكم سيصلنا من نسمات الشعرية بكثافتها ورمزيتها لحظتها.. أما وحدة الشخصية التي مررنا بها لماما وسريعا فسنجدها على الرغم من مظاهر تعدديتها وتشظيها كما أسلفنا، مثلما سنتلمس كون ما يصادف جِدّة في الشكل سيصادف تجديدا في التناول حيث نجابه بموضوعة الالتزام طبعا ليس الحديث هنا عن الالتزام السياسي الحزبي المحض بل الالتزام بمسألة بعينها أي إيفاؤها حقها إذ ليس معنى افتقار اللامعقول الدرامي إلى الموضوع أو وحدته التقليدية وإلى الخاص بدل العام وبدل التعويم والتعميم بمتعارض مع البحث عن الأثر في المتلقي ومن ثم الكشف عن موقف جوهري لا يقل في المغزى الاجتماعي عن المسرح الواقعي الملتزم.. إننا يمكن أن نقول: إن العموم في اهتمامات اللامعقول بموضوعه هو ترشيح لثبات أعمق وأطول من تلك الأعمال التي تتجسد واقعيا فتعكس موضوعها بشكل مباشر ما يجعلها عرضة للتقلبات السياسية منها والاجتماعية… بدل خلودها في تجريديتها الدالة…

وهنا نستذكر القيمة الإبداعية لأعمال تسوق معطياتها الجمالية بمثل هذي الصياغة التي نجدها في مياه متصحرة.. حتى عندما نجابه بتلك الصعوبة في خلق التفاعل أو (التعاطف) مع شخصيات مسرح اللامعقول وطبيعة المكان فيه لأنها دوما تحمل دوافع خفية وتصنع أفعالا بهالة من الضباب والعتمة وهو الأمر الذي يحتاج منا إلى نباهة التلقي والارتقاء للفعل إيجابيا في التفاعل مع تلك الشخصيات ومن ثم الانتقال إلى موضوعاتها ومقاصدها التي قد نُفاجأ في لحظة وصولنا إلى المنتهى الزمني للمسرحية حيث تبقى تلك الشخصيات تقدم وتفتح لنا آفاقا جديدة للتناول والمعالجة وحوارا جديدا يُخلق في دواخلنا لاتخاذ قرار بشأن لاحق مصيرنا أو تفاصيل غدنا ووقائعه المؤملة أو المنتظرة…

إنَّ “مياه متصحرة” تقدم تشخيصها لفساد العالم المحيط وقسوته كما هي مميزات دراما مسرح العبث في تعويضها بمشهد داخلي عن العالم الخارجي؛ حيث يغيب لأول وهلة ومن دون تمعنِ ِ التفريق الواضح بين الوهم والحقيقة ونجابه بموقف متحرر تجاه الزمن إذ يتمدد ويتقلص بحسب المتطلبات الذاتية..

وعليه فإن القارئ للنص يجد الشخصية فيه منتزعة انتزاعا تمزيقيا (انفصاليا) عن التافه العارض في وضع علاقاتها بالمجتمع وسياقه التاريخي أي “التشخيص  العراقي هنا” لمرحلة زمنية في تاريخ الشخوص التي تظل باستمرار على صلة بالجوهري فيما يخص وجودها وهويتها إنسانيا مع ثيمة تخص العراقي ونكباته وآثار الحروب التي تهتك جدران استقراره الإنساني وطمأنينته…

فالفضاء المسرحي الموصوف في النص هو خلق لتلك الأجواء التي يريد الكاتب نقلنا إليها لنلتقي شخصياته هناك بل لنراقب معه وجودنا فيها قبل وجود شخصياته. ومن هنا نتعرف إلى خصوصية جغرافيا مياه متصحرة بامتلائه بحشد لا ينتهي من الإيقونات المناسبة لرؤية المسرحية.. ولاحظوا معي على سبيل المثال:

 

أمثلة ورؤوس أقلام تخدم مادة البحث التي أوردناها بالمعالجة النقدية في أعلاه وهي قد تكون عديدة لكنها بالمنتهى ضرورية لإبراز التجسيد البنيوي الذي نحن بصدده من جهة تعبيره الجمالي المسرحي مرة والسردي الروائي في مرات أخرى بكل تلك المشهدية المسرحية والسينمائية المتحركة وغيرها وأجدني إذ أعرض المقتظفات أقدم لتاً للنظر إلى تلك المواضع التي تأكدت فيها معطيات التحليل وتفكيك العمل وتركيبه بمسار البحث في أعلاه وإليكم  الأمثلة هي من نص حازم كمال الدين ((مياه متصحّرة)) [روايـة] صدرت عن دار فضاءات

العنوان :  مفتتح.. الصفحة2:

روحي تسعى للانفكاك عن جسدي، وأنا أمسك بتلابيبها.الروح مكان والأنا وجود افتراضي انشطر عن الجسد والروح

أحلّق فوق نفسي تاركا أشلائي حيث يدور كلّ شيء بفوضى عارمة. المكان المتحرك حول المادي الذي يتحرك بحركة الذات التي تمركز حولها الأشلاء مكانا آخر

هرجٌ وحرائقُ وخضارٌ تتناثر ولحوم قصّابين تختلط بأشلاء قتلى ولصوصٌ يسرقون جرحى ورجال شرطة يتحسّبون من الاقتراب وسيارات إسعاف تدور حول نفسها وتدور.

أمرٌ عصيّ على التصديق!

كالسديم أتكثّف في حيّز مبهم.

أطوف أو أطفو في الحيّز الغامض.محاولة لمنح المكان بعده الأسطوري

2

ثمة ما ينفرج بغتةً فيكشف لي طبيعة الحيّز الغامض.

إنّه نفق ذو امتداد لا أرى نهاية له.

أسمع تموّجات صوتي تنجذب إليّ، تلتفّ عليّ، تكبّلني، تحيلني ماكنة هاذية.

يردّد صوتي داخل النفق بنبرة آلية وكأنّي لستُ الذي يحكي.

يتشرّبني مزيج من هسهسة ريحٍ وصرير صلصالٍ وزفير نارٍ وموج بحرٍ.

الصديق الأبدي

أبوه بمقام حفيدي رغم أنّه من جيل أبي.

ذلك ليس غريبا في العراق، فزواجات العهد القديم لم تكن تعتمد إلاّ المقامات وبعض الأعراف.

4

جدٌّ وليدٌ وأحفاده أقرانٌ له. هكذا شاعتْ الأعراف!

4

لقد كان صديقي منذ نعومة الأظافر، رغم أنّه حافظ على تقاليد العائلة لغة الأظفار غير الأظافر للتوضيح اللغوي ملاحظات لغوية نادرة بسبب صفاء النص

النفق الحلزوني

شجرة الأنساب

أراني ثانية في النفق الحلزوني.

أنا قادر على الانتقال إلى كل مكان وأنا هنا.

إذا فكرتُ بشيء تجسّد أمامي للتو واللحظة.

إذا تذكرت شيئاً من الماضي وجدتُ نفسي هناك.

لا مسافات ولا عوائق تصدّني عن الانتقال ولا أزمان.

أسمع صوتي الآلي يردّد:

  • السفّاح.. أنا السفّاح!

أنا لست سفّاحا، أردّ على صوتي بغضب!

لقبي

6

من شدة المفاجئة سيبتلع الديك الشقفة ويرفرف بجناحيه ويهرب، وسيتشيط جدّي ويجري خلفه: خطأ طباعي

سيتوسل أحد الفلاحين بجدّنا الأكبر أن يترك الديك الهراتي بطل المباريات البابلية الشهيرة. لكنّ الجدّ المسكون بشيطان لن يأبه بتوسلاته.

سيفرفح الديك من يأس ويترافس من حلاوة روحه.

سيخبط بجناحيه ويحشرج بيأس، فيظنّ جدّي أنّ تلك مناورة هجومية

وماذا حدث لبقية العائلة؟

لا أدري!s سخرية سوداء من التركيبة للنسب العائلي

10

روحي تتقلّب في أرجاء النفق وتصطدم بتجاويف تمسك بتلابيبها فتحكم القبضة عليها ثم تلفظها وتعود فتبتلعها وتلفظها ثم تحكم القبضة عليها ثم تطلق سراحها وتسجنها وتطلق سراحها، وفي كلّ تجويف تجد روحي نفسها إزاء حكاية تعود للماضي أو للحاضر أو للمستقبل، وكلما انتزعها النفق الحلزوني من تجويف يحلّ الدجى وزفير الرياح.

في أحد تجاويف الحيّز الحلزوني

محكوم بالعزلة

11

سيخضع الجزء المجازي لطقس عزاء الفاتحة في مدينة بابل، في حي الجامعين، في زقاق (عگد گمره)، في بيت جدّي الثاني الذي كان يصغرني بكثير! وستكون مسالك الجزء الخيالي تصنيفات أبي الآثارية التي تموضعني في حكايا العصور القديمة.

في النفق الحلزوني..

في أتون سرعته العصية على الإدراك وفي أوار التراطم في أرجائه أتكربح في زاوية ما.

13

في تجويف ثان داخل النفق..

جماعة ناجين السينمائية!

أمي تدير ظهرها لأبي رغم أن الاثنين يحومان حول جثماني المسجّى 13

والدي يصرّ على أن أرقد في مقبرة وادي السلام (الشيعية) في مدينة النجف إلى جانب أجداده رغم أنف الأساطير المنتشرة

ولمّا يرى أنّ أبي أعطاه الأذن الطرشاء سيخاطبه مرة أخرى:

بيد أنّ مساعي عبود العكايشي لإقناع أبي الحرون لن تدفعه إلا 15

ستتصل تلفونيا بأصدقائي السينمائيين (جماعة ناجين) الذين سيأتون ويقومون بما ينبغي لتحرير البيت من أشلائي المتحلّلة. وسأراها تذهب معهم إلى المقبرة رغم أنّ الأعراف تحظر على الأنثى، كائنا من كانت،

15

سيثير انتباهي أنّ (أبو عمر) لا يذكر اسم أبي وسأرى أمّي وقد هوّم عليها الصمت وأغرق التأمل أوصالها وهي ترنو إلى وجهي الذي انحسر عنه الكفن.

أما (جماعة ناجين) المعتعتين من السكر فإنّهم سيشبّون إلى عنان السماء

17

وحين لن يأبه أحد منهم لغرق أمي بالصمت ولا لوجوم (أبو عمر) ولا لإشعاع وجهي داخل اللحد سأنادي عليهم أن يكفوا وأن يعلموا أني مازلت حيّا بينهم، رغم أنّي واثق أنّ ترنّحهم السكران وعويلهم وتساقطهم فوق بعضهم البعض أمورٌ ستمنعهم من أن يسمعوني.

  • تلفّعي بأردية الرجال يا بتول واذهبي لكي تدفني ابنك حازم.

 

في النفق الحلزوني

ينفجر جدار التجويف كأنّ قذيفة هرسته فاستحال أنقاضا أضاعت القصة التي مرّت بي وأمي وجماعة ناجين ولم أعد أنا نفسي سوى نثارٍ ممزقٍ في النفق على الرغم من أنّي (يا للعجب!) موحّد داخل نفسي:

  • أنا حازم كمال الدين السفّاح!

أصيح في النفق فلا يتغلغل الصوت إلا إلى أجزائي كصمغ يشدّ الأجزاء إلى بعضها البعض!

تجويف ثالث في النفق..

الثور المجنّح

الثور المجنّح واحدة من تلك الواقعات السريّة. وهي واقعة رهيبةٌ أيام جدّنا الأكبر الذي تقول عنه أساطير العائلة بإنه أحد أحفاد النبي سليمان دون أن يسأل أحد كيف يستقيم لعائلتنا أن تكون شجرتها ممتدة إلى علي بن أبي طالب المكيّ وإلى النبي سليمان صاحب الخاتم في الوقت ذاته!

21

في النفق الحلزوني

تجويف رابع في النفق..

الطنطل

وتقول الأسطورة إنّ البطل نزل إلى ساحة الوغى زوّادته الهالة والصمت والصدى، اللائي شكّلن قوس قزح هائلاً منيعاً. تلك كانت هالة

كانت تلك طعنة أمير البساتين الغادرة!

28

***

بيد أنّ الخرافة التي تخص جدّ ابن حفيدي وصديقي وحملت اسم (سيرة الآباء في إنقاذ الأبناء) هي الأهم بين أساطير عائلتنا.

المتدلي من رقبة العشيق وانتزعته ثم رمته في أتون نار المجوس المقدسة، الأمر الذي أوقع العشيق بصدمة مباغتة أودت به إلى الإغماء. وحين استفاق أدرك ما ينتظره على يد الطفلة التي تحوّلتْ عقرباء خرافية.

30

وكما تحدث المعجزات لمستْ عصا سليمان الماء فانفلق نصفين فرأى على جدار الماء خطيبة ابنه في هيئة عفريتة عقرباء. رآها تتزوج من ابنه وتنبتُ لها مجسّات وشوكة سمّ عند منتصف الليل، ورآها تحيل جسده إلى حصان طروادة آدمي مسكون بالعفاريت. ورأى على صفحة الماء صورا لبعض من جوّفتهم الطفلة ومنهم رئيس وزراء العهد الملكي وقادة انقلاب شباط الدموي، والطنطل، وقواويد الغجر، وجحوش الأكراد، والحجاج بن يوسف الثقفي، والثور المجنّح، وشقاوات الحارات الشعبية وجورج دبليو بوش.

في النفق الحلزوني..

 

تجويف خامس في النفق..

الكاهن گالا ماخ

33

تتوقف سرعة دوران أفكاري إبان ولوجي تجويفاً يشبه لوحة زيتية من نوع (حياة صامتة).

وبين شرودي وتحديقي بعملية تحوّل الصالون إلى طريق سأرى أبي يقود الموكب دون أن يتوقف عن الشرح، ولكأنّ قيادته عملية وصف لتوالد الأشجار وامتدادها الموغل حتى المقبرة.

.

35

سيرى أبي نفسه في فضاء مكشوف للسماء فيه مذبح أو دكة تغسيل للموتى. لا زرع ولا هم يحزنون. سترحل عنه جموع الكرنفال. طريق لا نهائي معبّد برمال. في المدى اللا نهائي يلوح ضوء أسود. سيتحسّس أبي

36

***

بيد أنّ اثنتين من جنازاتي ستتخذان مسارا مختلفا في النجف وبابل.

أحفادي الكهول الذين نجوا من مذبحة أعدّها لهم الديكتاتور بمعجزة غامضة سيقومون بالنجف بطقوس غير معهودة.

أولئك الأحفاد الذين تتراوح أعمارهم بين السبعين والتسعين عاما

اثنان فقط من المشاركين في طقوس الدفن الكوميدية سينظران إلى مجمل العملية من جانب آخر وهما أصدقاء دراستي ميمون سميسم وعبود العكايشي.

سيقول عبود العكايشي مجايلي في مقعد الدراسة الذي ظلّ يلتقيني حتّى

38

وسيقذف بالمقدسات دون مراعاة لحرمة المقبرة قبل أن يكمل:

  • عموما، أنا لا أعتبر قضية إعادة إنتاج الفيلم معالجة طليعية أو تجريبية أو مانيفست سياسي ضد مرحلة مقبورة. لقد كان الأجدر بالمرحوم أن يفكر بعواقب المقارنة بين عمله المنتج عام 1992 والحاصل على كل تلك الأوسمة والدروع وإعادة إنتاجه الآن في ظل غياب البنى
  • التحتية للعمل السينمائي وتحول هذا القطاع الفني إلى قطيعٍ خالٍ من أي إحساس فني أو وطني ما عدا الإحساس بالرنين النقدي!

38

  • لقد صرّح على الملأ أنّ تقطيع أوصال الفيلم الذي قام به الرقيب وتحوير مضمونه على طريقة (لا تقربوا الصلاة) أكبر خيانة لتاريخه الفني والآيديولوجي، ولم يخف من أن يخرجوه من الصالة بالركلات إلى حبل المشنقة. لقد كبّله تزوير الفيلم بخطيئة ظنّ بأنّه لن يزيلها إلاّ بإعلان حقيقة ما حدث وإعادة إنتاج الفيلم كما كان له أن يكون. لقد كان يقول لي يوميا

وتحت وطأة الانفعال والدفاع عني سيلعب عبود العكايشي دوري فيولول وسط حشد الأحفاد المشيعين:

  • أنا موصوم بالعار!! لقد احتفظ الرقيب بالمقدمات وغيّر النتائج وحوّل فيلماً يدين الطاغية إلى فيلم يمجّده!

سيكون ذلك في النجف.

أمّا في بابل فسيقام لي مأتم مجازي في (حسينية الماشطة) يحضره الأقارب ووجهاء المدينة وبعض من حضروا الدفن شبه الرمزي في مقبرة النجف. وسيكون المعزّون شيوخا يعتمر كثير منهم عمامات حديثة بعد أن خلعوا بيريّات النظام السابق. وسيبالغون بتعداد مآثري التي سيسمّيها وجيه لبس العمامة من بضع سنوات:

39

  • لقد كان اختيار الشهيد البطل المرحوم (سيد) حازم كمال الدين لمنطقة الكفل لإعادة تصوير فيلمه (مياه هائجة) أسباب وجودية غير منكفئة وسارترية غير عدمية ورمزية غير دادائية تريد إعادة التقييم البنيوي لما بعد الحداثة السوريالية وهو إسهام جليل وفتح عظيم في فلسفة علم النفس الآركيولوجية!!الجعغري

41

  • سأستفيض قليلا إذا لم يكن لدى الإخوان مانع ولديّ سبب وجيه في الاستطراد! ففي ذلك المشهد وجّه المرحوم حازم كمال الدين الانتباه إلى جدران تقود إلى ممرات وحدائق وصالونات محشوة بتماثيل منتصبة على دكات أو هائمة تطوف أنصافا فوق بحيرات تيزاب أو مدفونة حتّى المنتصف.. بيد أنّ من شاهد الفيلم لاحظ أنّ المشهد انقطع بطريقة مفاجئة لكي يعقبه مشهد يوحي بخطوط مجابهة أمامية بين الجيش العراقي والإيراني. وكأنّ التماثيل قتلى إيرانيون في ساحة الحرب بينما كان المشهد الأصلي الذي حذفه الرقيب اللوطي شيئا آخر! لقد كانت تظهر في المشهد تماثيل توحي بملامح رفاق طفولة الملك، وزبائن أمّه التي ابتدأت حياتها بائعة للهوى، وزوج ابنته الذي حكم عليه بالإعدام، ورفاقه الذين تمّ قتلهم على يديه، ونساء اغتصبهنّ، ورؤساء أجهزة مخابرات كلّفهم بتعقب إخوانه وباعتقال من حاول اغتيال ابنه، وابنه الأكبر الذي ظهر بنصف بارز وآخر غائر في جدار زجاجي.

وسيلمح عبود العكايشي طأطأة رأس الوجيه المعمّم إبان تناوله شهيقا سريعا تأهبا لمغادرة المأتم وهو يكاد يشتم الوجيه المعمّم:

  • بشرفي أنا لا أكذب في وصف اللقطات التي حذفها الرقيب ووضع بدلا عنها ما يمجّد حرب الطاغية! نعم! لقد كان المرحوم من الشجاعة بمكان أنّه وضع في ذلك المشهد تعليقات ساعدته بنفسي على صياغة بعضها على الرغم من معرفتي أنّها قد تتعرض للحذف وتحذيري له أنها قد تقوده إلى الإعدام. ما علاقة كل هذا بالرحلة الوجودية السارترية؟

 

 

في النفق الحلزوني..

44

أنا حازم كمال الدين السفّاح.

أنا الحفيد الأخير لجدّنا الأكبر حمد الحمود السفّاح والابن الوحيد لسعدون بن عبد الحميد سليل فحل النخيل.

هل أنا الحفيد الأخير؟

وأولادي؟

تجويف سادس في النفق..

عقّاد النيك

 

 

47 البعض أو للاختباء هروبا من عيون الرجال التي أصابها حول: عين صوب معركة غسيل العار وعين صوب النساء نصف العاريات:

  • طقوس الفرح!!

سيهمس جدّي في أذن الطفلة المبهوتة التي ضاع صراخها في الهرج ولم تدرك ماذا حدث ومن ذا الذي دخل عليها وهل تركها حقا أهلها لمصيرها مع العجوز الأدرد، دون أن تعرف كيف بصق أبوها بوجه الشيخ (المردشوري) الذي استأجره جدّي عبد الحميد سرّا كبديل ديني يقوم بمراسيم عقد الزواج إذا ما رفض الشيخ المكلف بالزواج الشرعي وغادر. وقد كان الشيخ (المردشوري) الذي أطلقوا عليه لاحقا اسم (عقّاد النيك!) أخفى بدوره اثنين من عابري السبيل ودفع لهما ما يكفي ليكونا شاهدي زواج. الأوّل وكيل عن الفتاة والآخر وكيل عن جدّي (سيد) عبد الحميد، بعد أن رفض الجميع الشهادة.

في النفق الحلزوني

يلتف التجويف على نفسه مرة أخرى فتأخذني سِنَةٌ من الأمواج!

تعيدني غياهبها إلى الحيّ الذي عاش ومات فيه جدّي عبد الحميد.

وكأنّ الأمواج تكرّر ما فعلتْه بي قبل قليل!

50

تجويف سابع

الحرب الصغيرة

في النفق الحلزوني..

أنا حازم كمال الدين السفاح!

53

ما كلّ هذا الهراء يا حازم بن كمال الدين السفّاح؟

ميتٌ أنا أم لستُ ميتاً؟!

النفق باعتباره تجويفا؟

56

لكنّ ثالثاً سيطرح تساؤلا:

  • أتقصد أنّه مسؤول أيضا عن الرؤوس التي وجدناها مؤخرا مصفوفة بين أكوام الرقي على الجانب الثاني من ساحة الأندلس؟!

فيردّ الأول:

  • طبعا أخي. لقد أصبح زرقاويا!

ويعضّده الثاني:

  • أكيد أخي! إنّ اسمه السفّاح وشجرة عائلة أمّه مزروعة في تكريت وفي الظروف التي تتعرّض لها تكريت الآن يضطرّ المواطنون إلى اللجوء للزرقاوي.

فيحتجّ الثالث:

  • هل تعني أنّنا طائفيين؟.. أخي احفظ لسانك!
  • 56

هذا وسيظهر جدّي من ناحية أمّي الشيخ هجول التكريتي بالفعل في اليوم الأخير الذي سأعبُّ فيه خمرا كالجائع جوع الغريق إلى الهواء، وسيكون مرتديا تحت زيّ شيخ الجامع ملابس رياضية تناسب قتال حرب العصابات.

وجدّي هذا في الحقيقة هو ليس جدّي المباشر، بل هو جدّ أمّي رغم أنّه من جيلي العمري ويصغر أمّي بثلاثين عاما. أمرٌ يشبه تماما شجرة عائلة أبي!

إذن هي مراجعات واستذكارات قرينة بالتحدث عن الذات بتقمصات مختلفة

في النفق الحلزوني..

 

تجويف سابع في النفق الحلزوني..

أبو زعبل

 

لقد نال ابن حفيدي الأعز نصيبه في معقتل (قلعة أبو زعبل) كأيّ معتقل سياسي، مع إضافة غريبة:

60

نقل الحرس الوطني حازماً إلى زنزانة عادية في قلعة (أبو زعبل) وصار رقما كالآخرين.

61

مدير القلعة الجديد أو جنرال قلعة (أبو زعبل) هو سامح الغرّواي. وقد كان يحمل في الأصل اسم (حسام العزّاوي) لكنّه تلاعب بترتيب الحروف وبعض النقاط فتغيّر اسمه إلى (سامح الغرّواي) تمويها لفضيحة مالية وأمنية كبرى وزوغانا من أمر اعتقال صادر باسمه لأنّه كان يقبض رواتب 500 موظف وهمي معيّن بصفة منتسب إلى وزارة الداخلية، وهو موظف وهمي أطلق عليه العراقيون تسمية الموظف الفضائي.

62

قلعة (أبو زعبل) كانتْ في واقع الحال بيتا للموتى منذ قديم الزمان. فإذا استثنيت السنوات التي قضتها فيه ابنة الديكتاتور، فهي ليست سوى امتدادٍ عضويٍّ لسجن (ساحة النسور) الذي كان بدوره وريثا لمعتقل اسمه (قصر النهاية) أقيمت فيه إبان الحكم البائد حفلات قتل وتعذيب تقليدية وتجريبية وما بعد حداثية.

63

عندها يهرع نزلاء الزنزانة التي كان فيها ابن حفيدي الأعز إلى الشق المموّه في اللوحة، فيرمون فيه ما تيسّر من النذور ويخرّون ساجدين أمام اللوحة المكوّنة من بساط ريح وراكب في يده درع وهم يلهجون بالأدعية:

64

  • أنت مرتد.
  • أبوك شيعي وأنت تحمل راية الزرقاوي.
  • ماذا همس في أذنك جدّك الشيخ هجول التكريتي؟
  • ما هي أسماء الإرهابيين الذين تتصل بهم؟

68

منشأ اللعنة التي حلّتْ عليّ هو النكتة التي أطلقتها في اتحاد الأدباء أمام الملأ.

مرة أخرى يسيطر عليّ صوت صديقي الذي يحتلّ موقع جدّ والدي: (جديدو).

صوته يتسرّب من كل مكان إليّ!

لكأنّي في تجويف من جديد أو كأنّني أنا التجويف!

  • تجوف أم غار؟

صوت (جديدو) يطغى كالمدّ ويهمد كالجزر.

إنّني لا أستطيع الفصل بين ما هو واقعي وما هو خرافي.

تجويف ثامن في النفق..

توم وجيري

  • 69
  • لقد تعبت وحقّك! كلما قاربت الساعة الثانية عشرة ظهرا انهالت طرقات مرعبة على بابنا. يذهب الرسول الكريم ليرى من الطارق، ثم ينادي عليّ: جاءنا عشرة ضيوف. اطبخي بسرعة. اطبخي بسرعة. جاءنا عشرون ضيفا، جاءنا ثلاثون. اطبخي بسرعة. اطبخي بسرعة. انتحاريون يقتلون العراقيين لكي يتغدّوا هنا على مائدة الرسول الكريم وما عليّ إلاّ أن أطبخ بسرعة. اطبخي! اطبخي! اطبخي! طلقني يا رب العباد طلقني! لقد تعبتُ من الطبخ!

70***

أنكر ابن حفيدي وصديقي الأعز إطلاقه تلك النكتة ونجح بإقناع قائد قلعة السؤدد بذلك، ما دفع القائد أن يفتح ملف (جريمة العمالة للحكومة العراقية المتعاونة مع الاحتلال). وقبل أن يُسحل إلى زنزانة (التكفير عن الذنوب) أنكر حازم أي علاقة له مع الحكومة العراقية:

  • أقسم بشرفي يا حضرة أمير البساتين أنني أكره أولئك الأوغاد ما حييت. لقد تمكّن جميع سجناء قلعة أبو زعبل من الهروب وليس أنا فقط.

71

فكيف يصدق قائد قلعة مؤمن يحمل لقب أمير البساتين حكاية علماني ملحد عن لقاء مع طفل مختبيء في (قلعة أبو زعبل) وطلب الطفل منه إيصال ثلاثة أحجار إلى أمّه ما لم يكن هذا الحازم كمال الدين شيعياً يعمل على الطريقة التقيّة؟

73

الشراكة الوحيدة بين أبو حذافة وأبو الجماجم بالإضافة إلى انتمائهما لذات التنظيم الجهادي هي الولع بمشاهدة أفلام كارتون وتحديدا أفلام توم وجيري.

73

يهرع أبو حذافة صوبه لكي يمزقه ثم يختطفه مختبئاً في زاوية بينما يحتال أبو الجماجم على أبو حذافة وينتزع ابن حفيدي الأعز باعتباره قطعة اللحم، وهكذا يجرجرانه، ويعضّانه، ويحشرانه، ويهشّمان كرسيا على ظهره… إلخ.

74 ويأملون ببراءة المعتقل من تهم تؤدي إلى قطع الرأس لكي لا يفقد التنظيم فرصة الحصول على فدية لقاء إطلاق سراحه.سخرية من الجهاديين

في الحلزون..

ما بين الحلزون والتجويف

77

تبزغ في قرص الرغيف فقاعات عجينية تكبر تصبح قبابا أو أنصاف بالونات. الحياة كلها حال موت مضاء بتعليقات الحي الميت

داخل قبّة شبه شفافة أرى زوجتي أنوار الجبوري، تكبر شفتاها وتنفرجان عن صرخة تطلب مرافقة جنازتي إلى المقبرة.

78

وبلمح البرق ينثال الرماد والجمر ويكتبان قصة حبّنا في أكاديمية الفنون الجميلة، ويختفيان ويظهران من حيث لا مكان ولا زمان فيكتبان زواجنا، وكمثل أفلام كارتون يرسمان بطنها منتفخا كبالون ومنفجرا عن صبي ومنتفخا كقبّة ومنفجرا عن صبي ومنتفخا كهضبة ومنفجرا عن صبية.ةاقعية

***

78

لن تعرف أنّ ابنتنا سميرة تعيش حقا في قلعة السؤدد التي أقبع فيها بعد أن زوّجوها من جلاد أبيها أبو حذافة وعمرها 11 سنة ولن تعرف أّنّ ابنتنا ولدت بعد تسعة أشهر حفيدا سيصبح ذا شأن في ساحات (الجهاد).

79أنا في تجويف أو في فضاء حافل بأشجار تثمر عقيقا أحمر.

فصٌّ عقيقيٌ ينفتح، يبتلعني، يصبح زنزانة تعذيب.اللامعقول

 

تجويف تاسع في النفق..

عزّ الله أونلاين

 

80

وبما أنّ ابن حفيدي الأعزّ كان سينمائيا كبيرا قرّر عزّ الله أونلاين أن يبدأ بتركيع تقنيات السينما والخيال العلمي حتّى يخلع حازم قناع التعالي على جلاده ويبدأ بالتعاون معه:

 

في النفق الحلزوني..

حازم في الجب

83

انفجار جديد أو هكذا أحسب!

يتناثر صوت (جديدو) كما لو زجاج هشّمته قذيفة.

أتطاير من التجويف الذي يتمزق فيبتلعنا ديجور.

85

لنقرأ هنا كل مكان ومعطياته المادية والأسطورية

لماذا النفق ولماذا الحلزوني لنقرأ الأمر ماديا ثم لنعود إلى تفسيره افتراضيا بدرجة علاقتنا به وتحركنا باتجاه المكان المتمركز حول ذوات التلقي حولك أنت الذي قرأت أو ستقرأ الرواية درامية الروح والأداء مسرحية الظهور المكاني طبعا مع تذكر البعد الفلسفي لهذا الاختيار للمصطلح

تجويف عاشر في النفق..

أمير البساتين

 

في نفق الحلزون 

95

أبحث عن ظلام ساطع.

تجويف حادي عشر في النفق..

صورة الشبّث

 

في النفق الحلزوني

99

ماذا يحدث؟

يجللني بياض لا يضيء أيّ شيء في الدجى الحالك.

هل هذا هو ما يسميّه العلم بسكرات الموت أم هو الموت نفسه؟

النجدة!

أما من أحد يساعدني؟

أكاد أموت فرقا من الرعب.

100

أنا آخر الأحفاد.

لا.

لا أريد كل هذه الترهات!

أنا لستُ حازم كمال الدين السفّاح.

أنا عمّي خالد كمال الدين السفّاح.

إنني في أحراش وزغابات أختبئ بين أشنات تشكّلتْ بهيئة تلّة صخرية.

تجويف ثاني عشر في النفق..

 

101

هكذا تشبّع العقرب الأصفر بالغضب والشعور بأنّه سجين وبأنّ الفريسة جلاده وكاد يصيح:

  • أنت متكبّر! أنت حقير! سألدغك! والله العظيم ألدغك! أنت زنزانة سجني ولست فريستي. سألدغك وأقتل قضبان سجني!

102

بيد أن ابن حفيدي الأعز كان على العكس من أمير البساتين. لقد شعر أخيرا أنّ تعريه هو الطريق الذي سيجعله يسيطر على قوانين لعبة العقرب والإنسان.

التخوم

 

تجويف ثالث عشر؟

نهاية النفق الحلزوني..

أمام البوابة

106

أنا في الطريق إلى الشمس.

ظلام دامس رغم سطوع الشمس!

لا نور يلفحني.

نهارٌ شمسيٌّ مظلم يمرّ.

غروب يبزغ ينبثق من أحشائه سور عظيم.

مقهى عند مدخل السور.

107

أحكي لها أنّ السلطة ألصقت بظهرنا تهمة الضلوع بمحاولة اغتيال الديكتاتور، بيد أنّها تنظر لي شزرا.

أعترف بأنّ السلطة استثنتني وأبي من الإبادة الجماعية، فتنظر لي شزرا!

أبرّر أسباب استثنائنا من الإبادة، فتنظر لي شزرا.

أوضّح أنّ السلطة كانت تفكر بطريقة مخابراتية معقدة، فتنظر لي شزرا.

القرين صديق الطفولة

111

يتلعثم (جديدو) بالجواب!

أنا أختنق في لجج العار!

صوت (جديدو) يقول:

  • كيف سأقنعك ببراءة ابن حفيدي الأعزّ؟ دلّيني على طريقة نزيهة! كيف سأقنعك بأنّ منحه وسام الجمهورية يوم إعدام عمّه كان عقابا حوّله إلى جثّة تمشي على قيد الحياة لأكثر من عقد من السنين؟ لقد رفض علنا استلام الوسام وشتم أولئك الذي جرجروه إلى الصالة حيث طقوس تسليم الجوائز وكادوا أن يقتلوه على ما تفوّه به هناك لولا القرار الغامض بإبقائه على قيد الحياة. كيف سأقنعك بأنّ النظام قتله في ذلك اليوم أكثر من مرة؛ مرة إذ شوّه فيلمه ومنحه وسام الجمهورية، ومرة إذ أعدم عمّه، ومرة إذ كرّم أباه؟ هل ستفهمين ما أعني إذا قلت إنّ تلك كانت سياسة مدروسة لدقّ أسافين أبدية داخل المنظومات الأسرية في العراق؟ سياسة تحويل العائلات من كيانات مترابطة إلى أشلاء مشدودة إلى بعضها البعض بحبال الكراهية؟ هل ستصدقين إذا قلت إنّ تلك كانت سياسة عامة اعتمدها النظام وما عائلة كمال الدين السفاح سوى شاهد عيان على نجاح تلك السياسة؟تمزيق الواحد العراقي على أشلاء متنافرة بالتعارض الطائفي

 

تجويف أمام باب المقهى

  • 113والله لا أعرف أي شيء. لا تقيّة ولا سعدية ولا كس أخت البقية. هل هي كارثة أني توقفت عن شرب الخمور؟ أطلقوا سراحي وسأعود للخمور. سأعود والله رغم أنف مرض السكري. سأعود يعني سأعود! سأمضي سأمضي إلى ما تريد.. عرقٌ مرٌّ وﭙاچهْ وثريد!

 

في عراء الغابة

سعدون السفّاح

116

لا قدرة لي على التمييز بين أحداث فيلمي (مياه متصحّرة) والأحداث التي أتذكرها أو يسردها (جديدو).

أراني في أرض ذي الكفل أحفر بالفأس ثقبا في الأرض وأغوص عشرات الأمتار.

أرى فأسي يصطدم بشيء صلب،

أراني أزيح التراب الرطب عن الشيء الصلب.

أراني أشعل عود ثقاب.

أرى الثقاب ينير سقفا قرميديا منقوشا بحروف مسمارية تقول إنّه ضريح الـ..

أراني أرتعد وأوقف الحفر وأخرج مذهولا وأهيل التراب على الحفرة.

يقاطع (جديدو) أفكاري أو يكملها:

  • قبل ذلك تقدّم أبوه بطلب إلى رئاسة الجمهورية للتنقيب في ضريح (ذي الكفل).

120

إنّني في اللا شيء.

لا ورائي ولا أمامي ولا تحتي ولا فوقي.

لا نفق يبتلعني ولا تجويف يمتصني ولا قصف أمريكي يحيلني أشلاءً ولا سكاكين ذباحين تقطعني إربا إربا.

لا رحلة عودة أو ذهاب.

إنني في عدم عديم اللون والمكان والطعم والزمان.

لا لون أسود ولا أبيض ولا ما بينهما ولا تنويع عليهما.

لا أرى سوى ذاكرة أشلائي المبعثرة بعد القصف الأمريكي على السوق، أو بعد تقطيعها في قلعة السؤدد وهي تذوب رويدا رويدا فلا يبقى سوى وجه العدم: وجه اللا شيء.

  • هذا الذي تسميه وجه اللا شيء هو الجنة!

يتناهى إليّ صدى صاحبة المقهى مرحّبا متمنيا لي إقامة خالدة في ذلك اللا شيء!

أُنجزت يوم 27 ابريل عام 2015

مصادر ومراجع:

  1. ألبير كامو في أسطورة سيزيف
  2. جون رسل بتلر، معجم بنجوين للمسرح The Penguin dictionary of the theatre,Taylor, John Russell, Publication date 1970
  3. سعيد بنكراد، مدخل إلى السيميائيات السردية ، تانسيفت، مراكش، 1994
  4. ر. ل. بريت، ترجمة د. عبدالواحد لؤلؤة، موسوعة المصطلح النقدي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، مج2
  5. محمد الناصر العجيمي، في الخطاب السردي: نظرية كريماس، الدار العربية للكتاب، 1993
  6. ميشال بوتور، بحوث في الرواية الجديدة، ترجمة فريد انطونيوس، منشورات عويدات، بيروت،1982، ط2

 

قراءة في رواية “مياه متصحرة” لحازم كمال الدين\\ مجلة العاصمة، المجلد 11، العدد 2019 (31 ديسمبر\كانون الأول 2019)، ص ص. 44-52، 9ص.

https://search.emarefa.net/ar/detail/BIM-1162238-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87-%D9%85%D8%AA%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B2%D9%85-%D9%83%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86

 

 

للانتقال إلى ((زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية)) بموقع الصدى نت يرجى الضغط هنا على هذا الرابط \ د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

sedahnet11111111111111111111111

موقع الصدى.نت

توطئة: اخترتُ تسمية نوافذ، لأنّ كل معالجة تتجسد بموضوع بعينه يمثل (نافذة) من النوافذ ليمر إلى جمهوره عبر تلك النافذة؛ في حلقات.. وتمثل كل حلقة (إطلالة) من الإطلالات التنويرية. ومن هنا جاء اختيار اسم الزاوية كونها (نوافذ) تمر عبرها (إطلالات) تنويرية الدلالة والقصد. بمعنى أنّها تجسد محاولة لـ تلخيص التجاريب الإنسانية بجهد لمحرر الزاوية؛ متطلعاً لتفاعلات تجسد إطلالات المتلقين بتداخلات ورؤى ومعالجات مقابلة، يمكنها تنضيج المشترك بين مقترح النوافذ وإطلالاتها التنويرية وبين توصيات المتخصصين والجمهور وما يروه حاسماً في تقديم المعالجة الأنجع.

مرحبا بكنّ، مرحباً بكم في زاوية ((نوافذ وإطلالات تنويرية))، إنها محاولة لتفتيح النوافذ ومن ثمّ تفتيح البوابات وجعلها مشرعة للحوار الأنجع والأكثر تنضيجاً لمعطيات تجاريبنا الخاصة والعامة، تجاريبنا الجمعية التي نتبادل فيها الخبرات ونستقطب منها وبوساطتها المتاح من القيم السامية لمنجزنا المشترك

نافذة(04): التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه

بالأساس أكتب إطلالات لكل نافذة من نوافذ التنوير بوصفها حلقات في إطار الخطاب الثقافي جوهرياً، ولكنني هنا بهذه النافذة أشير إلى وجه آخر بقع بإطار ضغوط الخطاب المجتمعي العام ومنه السياسي على حركة التنوير بما يجسد ما يرتكبه الظلاميون وخطابهم وأضاليله ضد التنوير محاولا الإجابة عن أسئلة تحدد مهام التنوير والتنويريين بروح سلمي مكين.. متطلعا لحوار القارئ وإضافاته مقترحاتٍ وتوصياتٍ فأهلا وسهلا

صفحة د. تيسير عبدالجبار الآلوسي: زاوية نوافذ وإطلالات تنويرية بموقع الصدى نت

 

نوافذ وإطلالات تنويرية  \\ نافذة (04): التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه \\ إطلالة(؟): سيوضع هنا بوقت لاحق

إطلالات جديدة في نافذة (4) بعنوان: التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه

سلسلة إطلالات تنويرية للنافذة الرابعة؛ تقدم حركة التنوير عبر اشتغالات الأدب وجمالياته ومعالجاته موضوعاته واقتراحات مضامين المعالجة تلك.. إنَّ سلسلة الكتابات التنويرية تتطلع إلى تحولها لكتيبات تكون قناديل وسط ظلمة مفروضة قسرا على العقل الفردي والجمعي في العراق بقصد إدامة استعباد الناس وإخضاعهم لنير التخلف ومنطق الخرافة وإفرازات نفاياتها.. فهلا تفاعلنا لمزيد تنضيج وتفعيل لأدوار التنوير تلك !؟؟؟؟

سنتابع إطلالات التنوير والأدب مع ظهور إطلالات ضمن نافذة التنوير يقارع الظلام

نوافذ وإطلالات تنويرية  \\ نافذة(04): التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه \\ إطلالة: (07) قراءة أولية في رواية “مياه متصحرة” للمبدع حازم كمال الدين

نوافذ وإطلالات تنويرية  \\ نافذة(04): التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه \\ إطلالة: (06)الطباعة والتوزيع وبلطجة المطبوع التنويري

نوافذ وإطلالات تنويرية \\ نافذة(04): التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه\\ إطلالة (05):اتحاد الأدباء بين الالتزام في خطاب الأدب وضغوط التشوش والخلط بالسياسي

نوافذ وإطلالات تنويرية  \\ نافذة(04): التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه \\   إطلالة (04): المحظور في الأدب بين ممارسات التنويري والظلامي

نوافذ وإطلالات تنويرية \\نافذة (04): التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه\\   إطلالة (03): بغداد وقد انتصف الليل فيها حكاية المرأة العربية تفتح سرديات شهرزاد مجددا

نوافذ وإطلالات تنويرية \\نافذة (04): التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه\\   إطلالة (02):  رواية حسن متعب (شجرة المر) قراءة تمهيدية أولى

نوافذ وإطلالات تنويرية \\ نافذة(04): التنوير بين جماليات الأدب ومضامينه \\ إطلالة(01): الأدب بين التنوير والظلامية بعهد الطائفية ونظامها

 

 

 

 

 

 

******************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *