إيقونة آيا صوفيا ورمزيتها في فضح سياسات أردوغان العدوانية

آيا صوفيا إيقونة لا تقبل الادعاءات المرفوضة في القانون الدولي بخاصة ادعاء إسلامية التسجيل كمسجد بالتعارض مع أصول وجودها وتعبيرها وما تمثله من رمزية.. إن أي خرق لهذا الفهم يعني استعداء الالبشرية بخاصة المسيحيين فيها وتحديهم بطريقة الاحتلال القسري وفرض الرؤى الأحادية بما يلغي القواعد القانونية الناظمة ويؤسس لقاعدة ستكون وبالا في العلاقات الدولية المعاصرة وفي احترام مشاعر مختلف معتنقي الديانات والمذاهب إذ يمهد لحق التغيير الكيفي وكلٌ بأحادية قراره!! فكيف نقرأ القضية بوصفها إيقونة تفضح جريمة وتدينها وتفتح الرد الأممي الموحد لكبح عنتريات زعيم أوهام اجترار السلطنة ومنطقها المنقرض!؟ هذه معالجة مقترحة نأمل استكمالها بأقلامكم ورؤاكم تفعيلا لحملة مجابهة الأخونة والسلطنة ومنطقهما

إيقونة آيا صوفيا ورمزيتها في فضح سياسات أردوغان العدوانية

آيا صوفيا ليست مجرد مبنى لكاتدرائية من الماضي البعيد، فهي أبعد من ذلك مذ بُنيت بعهد الإمبراطور الروماني جستينيان الأول عام 537 كانت بتلك الصفة أكبر مبنى في العالم واستخدمت طرزاً هندسية هي جوهرة العمارة ويومها استحقت توصيف ((أكبر كنيسة مسيحية”. لكنها أبعد من ذلك ظلت رمزاً ثقافياً معمارياً جسد إيقونة حضارية سواء البيزنطية أم المسيحية الأرثوذوكسية.. وأي مساس بهذا يعد اعتداءً على منطق البشرية في حماية التراث الإنساني الحضاري ومنع أيّ اعتداء عليه…

لقد شكّلت آيا صوفيا في عدة أعوام أكثر مناطق الجذب السياحي زيارةً بتركيا وفاق زوارها سنوياً الثلاثة ملايين بكثير.. ومع ذلك وعلى الرغم من تراجع الاقتصاد التركي حد بوادر الانهيار، اتُخذ قرار انتهاك توصيفها المعتمد في اليونسكو والمنظمات الدولية ولابد لذلك من قراءة ومدلالة بعينها. فكيف نقرأ الأمر؟ وكيف أمكن لأردوغان فرض رؤيته في تحويل (الكاتدرائية) من متحف على وفق قرار الدولة العلمانية التركية في ثلاثينات القرن المنصرم إلى جامع؟ ألا يعيد هذا الموقف إلى الأذهان ما فعلته الدولة العثمانية، حصراً، بالكاتدرائية يوم احتلتها بعد حوالي ألف عام على بنائها وقبيل بضع مئات من سنوات، حكمت فيها (العصمللية) بكل ما ارتكبت من فظاعات يسمونها بطولات! من قبيل سفك الدماء وانتهاك الحرمات وإيقاع أفدح الخسائر البشرية والمادية بشعوب المنطقة..!!؟

لقراءة ذلك ينبغي لنا حتماً أن نقرأ مجمل ما يتضمنه (موقف) السيد أردوغان ويحاول تكريسه بخطى تراكمية ليس في تركيا وحدها بل والمنطقة بأسرها سواء الشرق الأوسط أم امتدادات دول أخرى.. وإذا كان استغل الخطاب الديني (الأخواني الإسلاموي) بالعزف على محاولة إحياء منظومة (الخلافة) تارة وجبروت (السلطنة) في أخرى، فلربما كسب بعض أتراك بمعزوفته التي جمعت بين الحس القومي البطولي والمفاخر الإسلاموية الكامنة في اسلوب تعظيم العثمنة واجترار معاني السلطنة بصيغة من صيغ البحث عن كبرياء وسط تراجعات بعينها مفضوحة…

ومن الطبيعي هنا أن نجده يكرس الأمر داخليا بإدخال أنصاره في معارك دموية بشعة على حال طعن التعايش الإنساني بين الترك والكورد وضرب أية مشروعات للسلام تحترم التنوع والتعددية ولهذا ذهب ضحية، صراعات التطرف القومي واتحاده في عهده بالتهور الأخواني الإسلاموي، حوالي الـ40 ألف قتيل..

وقد أوغل أكثر في انتهاكات (حقوق الإنسان) واستغل بوقت لاحق الانقلاب العسكري الفاشل سنة 2016 بسجن أبرز قادة السلطة الرابعة بحدود 150 صحفياً وغلق عشرات القنوات المتلفزة والصحف وتدجين هذه السلطة على وفق خطابه! وأردف انتهاكاته الحقوق والحريات باعتقال 80 ألف بخلفية (الاشتباه) بارتباطهم بقيادة الانقلاب! وأمعن أكثر في الانتهاكات الحقوقية عندما فصل أكثر من 150 ألف ضابطاً وموظفاً حكومياً من أعمالهم ليضع الجيش بأمرة مجرمي حربه في التطهير العرقي ضد الكورد وأيضاً تنوعات الوجود القومي والديني بتركيا وخارجها..

ونرى ذلك شاخصاً في جرائم التطهير التي ارتكبها بتطهير الشريط الحدودي في كوردستان داخل الحدود الدولية للعراق وفي إطار سيادته فأخلا عشرات القرى من المسيحيين أبناء تلك المناطق وهو ذاته الذي دأب على ارتكابه بفظاعات جنوده وعديد المعسكرات والقواعد التي نشرها في الأرضين العراقية بعامة والكوردستانية العراقية مما دأب على قصفها الجوي والبري نكاية بأهلها وترحيلا لهم قسراً وإكراهاً بما يعني التغيير الديموغرافي…!

وشهد العالم حملات التغيير الديموغرافي أيضاً في شمال سوريا التي رحّل بها السكان الأصليين بترويع من تبقى بعد جرائم التصفية الدموية البشعة ومنعهم من مواصلة العيش دع عنك طابع الجرائم هناك مما تضمن كل أنواعها: جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ومعها كذلك جرائم الإبادة الجماعية!!!

ولم يحصر (غزواته) حروبه الإجرامية العدوانية بسوريا والعراق خارجياً، بل واصل انتهاكات أجواء دول البلقان ودول أوروبية أخرى منها في انتهاكاته للسيادة عبر وكلائه والمتعاملين مع مخابراته: ألمانيا  وهولندا وفرنسا وبلجيكا وغيرها؛ ليس أقلها تعرضا للاستفزاز والعدوان دولة اليونان العضو الأوروبي الجار…

وهو يوغل في إذكاء نار الفتنة بين أذربيجان وأرمينيا مذكراً العالم بجريمة الإبادة الجماعية تجاه الأرمن والآشور قبل أكثر من قرن..

وآخر تدخلاته السافرة ونهجه العدواني ليس إقامة القواعد العسكرية في بلدان تحيط بالجزيرة العربية وأخرى بأفريقيا يتجه لإشادة قواعده في غرب ليبيا بالاستناد إلى حلفائه الطبيعيين من الأخوان المسلمين وسلطتهم غير الشرعية المفروضة قسراً على الشعب الليبي..

وهو في ليبيا ينتهك الحظر الأممي والأوروبي على السلاح كما يثير باستفزازته حلف الناتو وندرك كيف تعرضت فرنسا للتنمر العدواني ما اضطرها للانسحاب من الناتو في المتوسط..

كما ينتهك هناك القوانين الدولية لإضماره أسباب التدخل الحقيقي ما يؤكد تعارض ذلك موقف القانون الدولي في إسقاط أي اتفاقية إذا ما تمت بتلك الخديعة مثلما يُسقِط أي اتفاقية تتم مع حكومة لا تحظى بالشرعية بالإشارة إلى رفض حكومة السراج من الهيأة التشريعية (البرلمان الليبي) المعترف به دوليا (أيضاً) وإلى انتهاء مدة وجود الحكومة في ضوء الاتفاقية (الصخيرات) نفسها التي أتت بتلك الحكومة وإلى انتفاء شرعيتها لانسحاب أعضاء منها يمثل وجودهم شرعنة انتفت بخروجهم من عضويتها وأضف إلى ذلك إن استدعاء القوات التركية (الغازية) جاء بآلاف الإرهابيين وبدعم بناء الميلشيات الإرهابية من عناصر مطلوبة للشرعية الدولية بوصفها عناصر إرهابية ارتكبت جرائم يلزم محاكمتها عليها…

كل ذلك، يتم وقد سقطت الشرعية التي تعكز عليها ليتبعها بتصريحات تنتهك سلطة القانون الدولي والمجتمع الدولي بحديثه عما يدعيه ويسميه (حقوقه) التاريخية بالإشارة إلى الاستعمار العثماني لليبيا ومحاولته اجترار ذلك وإعادة السلطنة بخيمة الخلافة القائمة على كراهية العرب والموقف العنصري تجاههم لتحالفهم مع المجتمع الدولي المعاصر في إسقاط الدولة العثمانية وإخراجها وكل مرجعياتها المزيفة من الإسلاموية البائسة التي لا سلامة ولا شرعية لوجودها أو إعادة إحيائها…

إن تركيا الأردوغانية تنتهك من أجل تمرير مشروعها لا العقوبات الأوروبية وإنما الأمريكية المفروضة على نظام عدواني آخر هو نظام الملالي بتبييض عشرات المليارات بمشروع النفط مقابل الذهب وبتعاقدات بينية أخرى حيث تحالف جناحي الإسلام السياسي..

وترتكب عدواناً خطيراً للرد على تحالف شرق المتوسط للغاز بتكريس سطوتها على أرض لدولة أوروبية هي قبرص التي احتلت ذاك الجزء الشمالي من الجزيرة منذ انقلاب 74..

كل تلك الجرائم بخيمة (الإخوان المسلمين) وهي لا تخفي الأمر بل تكرسه بدعمها إرهابيي الجماعات المسلحة من قاعدة ودواعش ونصرة وغيرها ليس بسوريا حسب بل وبدفعهم إلى ليبيا كما أشرنا قبل قليل..  إن فلسفة (الأسلمة) المدعاة المزعومة تنتهك أوروبا بأئمة يطبلون للأردوغانية عبر مؤسسات لاهوتية تستغل مسمى جامع ومسجد وبيت ثقافي لنشر خطاب الكراهية والغيتوات التي تنطلق منها جرائم عدوانية على الجاليات المسلمة بتشويه معنى إيمان وحرية اعتقاد بأسلمة سياسية المقاصد إجرامية الأدوات حد لا التجسس حسب  بل أعمال التخريب وانتهاك السيادة وأذكر بمثال ما فعله وزراء أردوغان قبيل سنوات في هولندا…

إنّ آيا صوفيا هي القشة التي ينبغي أن تقصم ظهر بعير انتهاك القوانين والمعاهدات الدولية المرعية وتعيد التزام تركيا بعهودها واتفاقاتها وتكبح اختراقها السيادة وفرضها قهراً وقسراً سطوتها وبلطجتها على الدول المعرضة لليوم للهزات البنيوية كما العراق وسوريا وليبيا…

وما وددت الوصول إليه هنا بهذه المعالجة، أن آيا صوفيا فضحت نهج أردوغان في الابتعاد عن علمانية الدولة ومحاولة تمرير أسلمتها قبل عام 2023 حيث يحاول حثيثا متعجلا تكريس مفاهيم فاشية شوفينية وأخرى عنصرية كما مر معنا هنا..

كما فضحت آيا صوفيا معاداة الديموقراطية وتحديدا منها مبادئ التعددية والتنوع وكشفت تقاطعه مع المجتمع الدولي في أمور منها حقوق الإنسان والمعاهدات والالتزامات التركية ومع القانون الدولي إلى جانب انتهاكه التزاماته تجاه المنظمات الدولية وإلغائها من حسابات وجود تركيا وسط المجتمع الدولي..

على أنني وقد تحدثت في حوار إلى قناة الأرامية (ABN)  الأمريكية وددت الإشارة لبعض مفارقات قد يوردها بعض من يعبّر عن رؤيته وقد يخونه التعبير من قبيل أن اعتقاد المسلمين هو إرهاب برمته مؤكداً على العُهدة العمرية المعروفة يوم رفض الصلاة في الكنيسة كي لا يتخذها المسلمون قاعدة للعمل في تحويل الكنائس إلى جوامع وأؤكد هنا أنّ أيّ مسلم ممن يحترم نفسه واعتقاده وحريته في إيمانه لايمكنه أنْ يقرَّ تغيير آيا صوفيا إلى جامع لأن ذلك سيمرر قاعدة قانونية ستشمل مختلف الأطياف والاعتقادات مثلا تغيير جامع إلى كنيس أو كنيسة وأي معبد لما يخالف أصل وجوده بإكراه الآخر ولعل نموذج كنائس مدينة النجف وأديرتها بالعشرات وأكثر من تلك القاعدة التي لا تجوز ولا تصح قانوناً..

فلنتفكر ونتدبر في استعجال موافقة ذاك القرار الذي يقوم على [إدانة] انتهاك مبادئ الحضارة الإنسانية وقوانينها الناظمة في عصرنا بعد أن تقدمت البشرية بالصياغات التي تتبنى اللوائح الحقوقية وما يحكم حياتنا المعاصرة وعلاقاتنا بين الشعوب والأمم ودولها كافة..

الأمر الآخر عندما نناقش إشكالية فإن ذلك يقتضي إجراء النقاش وطرح التحليل والمعالجة في ضوء منهج علمي وليس بعض مماحكات و\أو حكاية من قبيل معنى حكاية في المحكي الشعبي القائم على التبسيط حد انتهاك الموضوعية والمنهجة المؤملة.. ولقد جابهت هذا مرارا فأحلت جمهور التلقي إلى تقصّي التشخيص والتناول ومعالجته في ضوء منهجي منضبط بالموضوعية وبالعقل العلمي وترك أو تحمل حالات التعبير عن الذات ودعم نياتها الطيبة…

أنتهي بتأكيد الحاجة لموقف دولي شامل وأدعو إلى الآتي:

اجتماع مجلس الأمن لتناول العدوانية التركية واتخاذ قرار محدد بشأنها يكون ملزما في ظهوره..

اجتماع كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كل على انفراد لاتخاذ موقف حازم وحاسم تجاه الكارثة التي تقود إليها تركيا الأردوغانية باستيلادها فاشية عدوانية جديدة خطيرة التحولات..

عدم إبقاء مناقشات القوى الدولية محصورة بتقسيمات كل اعتداء في هذا البلد أو ذاك ولكن توحيد الأمور لكشف ما يختفي خلف الأكمة ويُراكم ويفاقِم الأزمة نوعيا التي تولد اليوم بالضد من الديموقراطية والالتزامات الحقوقية الأخلاقية لأوروبا ومجمل المجتمع الدولي..

ردع تركيا عن إيغالها في تبرير عدوانها على دول المنطقة والعالم

وقف أوهام تظن أن جذب تركيا لحلٍّ أو آخر في بلدان مثل سوريا يوفر فرصة إنهاء الأزمة وكوارث الحرب فهي الداعم العلني السافر لقوى الإرهاب وبلا تردد أو تشوش بل بافتضاح ما ترتكب وهي لم يجر تحييدها بل منحها طاقة أكثر للإيغال بعدوانيتها

إن الإدانات وأشكال الشجب والاستنكار للعدوانية التركية من روسيا واليونان ودول الاتحاد الأوروبي وحتى أمريكا ليست كافية ولابد كما بدأنا من موقف حازم حاسم وكلي شامل وملزم لأردوغان كي لا ينحدر بتركيا ويهدد لا العالم بل شعوب تركيا بحروب بلا منتهى حتى وإن ضحى بإرهابيي سوريا ولبيبا وغيرهم مؤقتا فالتالي هم الترك أنفسهم ممن ينبغي دعم جهودهم للتحرر وللعيش بسلام وحرية وعلمانية المسار وديموقراطيته..

هل وصلت الرسائل من هذا التناول والمعالجة؟

شكرا لتفاعلاتكنّ وتفاعلاتكم تقويما وتنضجيا

 

للتفضل بالضغط على هذا الرابط لمشاهدة الندوة الحوارية المتلفزة بشأن الموضوع

حلقة حوار سياسي بعنوان: “غزوات تركيا في الشرق الأوسط وأوهام السلطنة.. هل تبرر اختلاق آيا صوفيا؟” أدارها الأستاذ نشأت المندوي من قناة الآرامية وشارك بها الدكتور غازي رحو والسيد حسين الخفاجي إلى جانب مساهمة الدكتور تيسير الآلوسي

*******************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *