تشغيل الأطفال بظروف وشروط عمل تهدد صحتهم وحيواتهم!!

 قراءة عجلى و((إنارة ولا أقول إضاءة)) في موضوعة تشغيل الأطفال ببعض أوجه تتطلب التوقف والدراسة والتعمق وهي ((رؤية مقترحة))؛ تتطلع لتنضيج من طرفكم والمتخصصين بميادين ومستويات متنوعة مختلفة وعندما أقول إنارة فإن المعنى الضمني بوجه منه أنها معالجة توظف من مصادر مختلفة ما تضعه في إطاره من حقائق أو وقائع وتقترح ما يخصها مما تراه بديلا للمعالجة 

إنَّ ظاهرة تشغيل الأطفال تشير إلى استغلال الأطفال في أيّ نمط للعمل الأمر الذي يشوّه حيواتهم، بحرمانهم من عيش طفولتهم الحقة، وذلك بفرض ذرائع ودواعي تعرقل قدرة الالتحاق بالتعليم من جهة، ومن جهة أخرى تتسبب بالضرر النفسي والعقلي الذهني، كذلك الضرر الجسدي والمعنوي حيث التعرض الأخطر لفرص الوجود الاجتماعي وواجبات الرعاية..

  إنّ كثيراً من الأعمال التي تشكل الخطر على الأطفال تظل ذات طابع استغلالي محظور بموجب القوانين واللوائح والاتفاقات الدولية والمحلية بمختلف أنحاء العالم، ولكن النسب المفاجئة المرعبة هي اشتغال أكثر من نصف نسبة الأطفال عراقيا بمختلف الأعمال بالاستناد إلى إحصاءات الفقر والبطالة والنزوح والتهجير القسري وتدهور البنى الاقتصادية الصناعية والزراعية وبدائية منظوماتها وخروجها عن الرصد والمتابعة الحقوقية..

وهكذا فإن مناطق الريف وأيضا الاقتصاد الحضري غير الرسمي ومجاورته الأحياء الفقيرة حيث عمل (الآباء) يدفع لاستغلال الطفولة أيضاً.. ولكننا على الرغم من انخفاض معدل عمالة الأطفال عالميا من 25٪ إلى 10٪ بين عامي 1960 و2003، على وفق البنك الدولي إلا أننا عراقيا بمجابهة الظاهرة بظروف مختلفة وخارج غطاء الإحصاء الرسمي المعتمد!

إن اتفاقية حقوق الطفل 1989 فرضت على الدول الأطراف فيها؛ اتخاذ كل التدابير التشريعية منها والإجرائية كالإدارية والاجتماعية والتربوية التي يمكنها توفير حماية الطفل والطفولة، ولكن ظروف العراق منذ 2003 حتى يومنا تقع خارج نطاق قدرات فرض القانون وتوفير بيئات آمنة بظل الصراعات والأزمات الحادة التي يجابهها ووجود عشرات وربما مئات المجموعات المسلحة بأسماء وعناوين وبغيرها بخاصة منها تلك التي ترتكب جريمة تجنيد الأطفال أو التعرض لهم بالابتزاز والاستغلال بلا خشية من عقاب أو بتوافر فرص الإفلات من العقاب في ظل الظروف السائدة…

ومع أن الأمم المتحدة أصدرت  الإعلان العالمي لحقوق الطفل أيضاً، عام 1991 إلا أن العراق الذي صادق على اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 فقط في العام 1994 ولم يشمل ذلك المصادقة على الإعلانات الحقوقية الأخرى ولا فرص تطبيقها بخلفية المتغيرات الراديكالية سنة 2003، ونقتطف من الإعلان العالمي لحقوق الطفل ما نصه: “وجوب كفالة وقاية الطفل من ضروب الإهمال والقسوة والاستغلال، وألا يتعرض للاتجار به بأيّ وسيلة من الوسائل، وألا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسب، وألا يسمح له بتولي حرفة أو عمل يضر بصحته أو يعرقل تعليمه أو يضر بنموه البدني أو العقلي أو الأخلاقي” إلا أن ظواهر كالاتجار بالبشر مثل الاتجار بأعضاء الجسد أو الاتجار الجنسي وقع بنسب إجرامية فاضحة كما تشير أرصاد الإعلام والصحافة وبعض الجهات الحقوقية حيث تكاد تنعدم إحصاءات الدولة دع عنكم التشغيل الاستغلالي الفاحش..

ولم تكتفِ المنظمة الدولية والجهات الحقوقية الأممية باتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي بالخصوص بل أصدرت اتفاقية العمل الدولية رقم 182

التي جاءت مكملة لاتفاقية رقم 138 بقصد الحث على القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال باتجاه الإنهاء التام والكلي لكل أشكال عمل الأطفال، بمقابل الحث على أهمية التعليم الأساس وتقديمه بصورة مجانية إلزامية مع إعادة تأهيل الأطفال العاملين وتوفير شروط إدماج هذه الفئة مجتمعيا بالتكامل مع رعاية الحاجات الأسرية بخاصة للعوائل الفقيرة.

لقد أدى فقر الإنسان وارتفاع نسبه وفجوته إلى ظواهر استغلالية خطيرة من قبيل عودة عبودية الأطفال وعملهم القسري وتجنيدهم في الصراعات المسلحة كأعضاء ميليشيات وتشغيلهم في الدعارة وإنتاج أفلامها الإباحية بجانب الأنشطة غير المشروعة كما بأشغال بميدان المخدرات والاتجار بها، بجانب الأعمال التي تتسبب بأضرار في صحة الطفل والطفولة أو في سلامتهم و\أو سلامة منظوماتهم القيمية السلوكية.

إنني هنا أتهم كل رعاة تزويج (الأطفال) بذرائع الإيمان بدين أو مذهب أو قيم عرفية اجتماعية بالاتجار الجنسي والاتجار بالبشر (الطفولة) هنا ضحية حيث يبررون ويتسترون خلف مسميات زواجات عرفية أو زواج متعة ومسيار وشرعنتها وغيرها من مسميات يجري إسقاط القدسية الدينية عليها أو دروع التقاليد القاسية!

وفي عراق اليوم تتقدم أولويات حكومية تتخبط ببياناتها التي تطارد الأحداث المتسارعة وتلهث خلف تبرير هذا وذاك بلا طائل مع انعدام استراتيجية حقة للعمل العام..

لكن لنأخذ بعض عنوانات ونرصدها عراقيا: فالحرية النقابية وإقرار حق التفاوض الجماعي وأذكر بكبار رؤوس النظام الحالي الذين اجتروا قوانين النظام الدكتاتوري المنهار من قبيل تحويل العمال إلى موظفين وإعدام فرص التشكيلات النقابية الحرة ومنع عملها القانوني فعليا على الأرض إلا بشروط تصادر فرص الوجود البنيوي السليم. ومن هنا وجدنا ظاهرة العمل الجبري أو الإلزامي بالإكراه أو السخرة بحسب مواضع الفئات الهشة ولعل أبرزها حالات تشغيل الأطفال. ونذكر بالمناسبة بأن العراق (الجديد) عاد إلى منطق التمييز في التوظيف وأداء الأعمال المهن والأمثلة القاسية مفتوحة.

لقد أطلقت مؤتمرات العمل الدولية منذ العام 1919 حتى الآن 183 اتفاقية عالجت قضايا تشغيل الأطفال بجانب أمور أخرى وبقدر تعلق الأمر بالطفل والطفولة فإنّ المنظمة الدولية أكدت في:

  1. حظر تشغيل الأطفال تحت سن الثامنة عشرة بأي ميدان (صناعة) مع استثناءات جد محدودة ومحددة وبإشراف رسمي.
  2. وحظرت عمل الأحداث ليلا في الصناعة الأمر الذي تشير التقارير الحقوقية في العراق لحدوثه بفجاجة ونسب غير قليلة مثلما تشغيلهم بمعامل الطابوق على سبيل المثال لا الحصر..
  3. وفي الاتفاقية رقم 10 حددت الحد الأدنى لسن العمل بـ(الزراعة) بما لا يقل عن سن الرابعة عشرة في أي منشأة زراعية وأيضا بسن أعلى مشروط بألا يكون على حساب الانتظام بالدراسة.
  4. ومنعت الاتفاقية رقم 15 عمل الأطفال تحت سن الثامنة عشرة وقَّادين أو مساعدي وقادين ولكننا نجدهم بمعامل الطابوق التقليدية يدخلون تلك المهن الخطرة وفي الحدادة وبعض الصناعات التي تتطلب تشغيل وقود ومواقد مخصوصة.
  5. ولقد تم منع أو حظر تشغيل الأطفال دون سن الثامنة عشرة أو دون سن التعليم الإلزامي في الأعمال غير الصناعية باستثناء الأعمال الخفيفة بما لا يتجاوز الساعتين في اليوم وبما لا يضر بصحتهم أو مواظبتهم على ارتياد المدرسة.
  6. وقد ألزمت الاتفاقيات الدولية إجراء الفحص الطبي الدقيق عند تشغيل أي عامل يقل عمره عن الحادية والعشرين في المناجم أو تحت سطح الأرض وإعادة الفحص بشكل دوري سنويًا على الأقل. ومثل هذا يحظر التشغيل أصلا لمن هم دون هذا السن القانوني…

وإذا ما أمعنا النظر في الواقع العراقي فإننا يمكن وينبغي أن نؤشر أنه واقع تستمر فيه ظواهر تشغيل الأطفال بأعمال تكلفهم الصحة وبأحيان عديدة تهدد حيوات بعضهم دع عنكم أن استغلال تشغيلهم المجحف يتم خارج نطاق ما تشترطه القوانين وتُلزِم به من حقوق واجبة!

وتتكرر حالات الرصد الميداني لتلك الحالات سواء في تفشي ظواهر العمل في الشوارع والساحات حيث يتعرضون لأشكال الابتزاز والضغوط من عناصر تستغلهم بوحشية بمختلف الأمور المنافية للقيم الإنسانية أو في أعمال خطرة مثل ما أشَّرته المفوضية العليا لحقوق الإنسان في واسط مؤخراً؛ عندما اختارت نموذج تشغيل الأطفال في معامل طابوق مخالفة لشروط بيئية وأخرى تخص السلامة الصحية والمهنية وقد سبق توجيه الإنذارات إليها لتغيير أماكنها بعيدا عن المدينة مع ضرورة الانتباه على نسب التلوث وشروط التشغيل في عملها وهو ما لا يتحول إلى فعل تتقيد به تلك المعامل!

فهي مازالت تعمل بجوار المدينة بالمخالفة مع كل التنبيهات والتحذيرات، كيما تستغل تشغيل الأطفال كأيدي رخيصة وفئة هشة غير قادرة على الاعتراض أو المناقشة بظل تفشي الأمية والفقر وسط تلك الفئة وبظل الحاجة المادية الماسة حيث انعدام موارد الرعاية الاجتماعية..

لقد تمَّ تأشير انعدام توافر أبسط مقومات الحياة من تعليم وصحة وسكن آمن بخاصة مع معضلة مزمنة من جهة قدوم عوائل الأطفال من محافظات فقيرة أخرى دفعتهم أزماتها الاجتماعية وصراعات المتنفذين فيها لمغادرتها قسريا..

وهنا في الأماكن الجديدة، يتم استقبالهم وحصرهم بأماكن غير صالحة للسكن الآدمي أو لكرامة العيش دع عنكم افتقاد لقمة العيش ما لم يخضعوا لسلطان استغلال وحشي فاحش من قبيل التشغيل في وجبات عمل غير نهارية أو تنتهي بساعات متأخرة ليلا للتخفي بعيداً عن أعين الرصد الحقوقي!

إن كوارث الاستغلال تتجاوز حال وضع تلك الفئة من الأطفال بأعمال لا تتناسب وقدراتهم البدنية فتلك قضية ستكون هامشية أمام مجريات الابتزاز بقضايا تتنافى ومنظومة قيم الأنسنة وحظر الاتجار بالبشر كالاتجار الجنسي بالطفولة وغيره من جرائم أخرى نحتاج لرصد مناسب كي نجنب تلك الفئة وقوعها فيها وكيما نتجنب استغلالهم في أيٍّ من تلك الأعمال المحظور تشغيلهم فيها ونمنع الفتك بمنظومتهم التعليمية والتربوية حيث التسرب من الدراسة والتعايش مع فئات جاهلة مفتوحة على أفق الاستغلال الأبشع، قد وصل نسباً خطيرة بارتفاعها المرعب الصادم..

إن تلك الظاهرة ليست حصرا بواسط أو الكوت ولكنها بأغلب معامل الطابوق مثالا بمحافظات عديدة تستقطب العوائل المهاجرة والنازحة من محافظات الفقر المدقع دع عنك قطاعات متوحشة أخرى للتشغيل المجحف للأطفال…

إننا نطالب بالرصد المستند إلى إحصاءات رسمية معتمدة وتطبيق القوانين العقابية التي لا تكتفي بالتنبيه اللفظي أو الشكلي غير الحاسم وندعو هنا المنظمات الحقوقية للتعاون في برنامج موحد يصل إلى كل مناطق تشغيل الأطفال وميادين العمل بمختلف أشكالها وتنوعات وجودها..

من جهة أخرى سيكون على الدولة أن تتخذ قرارات حازمة بشأن ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس والتعليم الأساس الأمر الذي يجب فرضه إلزاميا مع توفير أشكال ضمانه واستقراره بمختلف بقاع الوطن بجانب الاهتمام برعاية صحية شاملة طوال مدة التعليم الأساس..

إن قضية تشغيل الأطفال تظل قضية خطيرة تنبئ باستمرار إهمالها بولادة أجيال مشوهة تشكل قنابل موقوتة للتمرد والصراع وتتفجر بمخاطر مركبة تتحد مع مجمل المخاطر الأخرى من مخدرات وتجنيد وتشكيل ميليشيات لتمثل منطقة خراب كلي شامل

فلنتنبه على ما يعني كل أسرة وكل الآباء والأمهات وليس ما يخص المرء بحدود ابنه بيولوجيا بما لا يوفر له بخلفية القدرات المسلوبة أو الهزيلة أية تربية أو تعليم أو حتى صحة .. فلتتضافر قوانا بوعي كامل بالقضية وإلا فلات ساعة مندم!!!

وهنا أتهم الحكومة بالتقصير والإهمال سواء المتعمد أم الناجم عن الابتزاز وأتهم كل الميليشيات بمجمل جرائم ضد الإنسانية بحق الأطفال والطفولة وأتهم بعض مسؤولين بالتواطؤ مع المافيات وغض الطرف عن الوقائع وبرعب بعضهم الآخر من أداء مهامهم تجاه الجريمة والعمل على كبح جماح المجرمين وأتهم أصحاب الفتاوى والشرعنة الدينية بتنسيق فتاوى للبيع والشراء بقصد تمرير جرائم أو أخرى وأول من ضاع ويضيع هم الأطفال فهلا أعدنا الحسابات وأسلوب تنظيم أعمالنا وأولوياتها؟؟

 

***************************

المعالجة بموقعي الفرعي في الحوار المتمدن تفضل بالضغط هنا  

***************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة النوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي اضغط هنا رجاءً

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *